Skip to main content
تبرعوا الآن

لم تتوقّف الانتقادات الموجّهة لـ هيومن رايتس ووتش في بيروت بعد. لكن، ومهما كانت حدّتها، فإنّها لا تزال عاجزة عن تغيير الواقع بأنّ الهجمات الصاروخية العشوائية للمقاومة الإسلامية – التي كانت مُتعمّدة في بعض الأحيان – على مناطق مأهولة بالمدنيين في إسرائيل أثناء الصيف الماضي، تشكل انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب. وعلى الرغم من عدد الوفيات الإسرائيلية القليل بالمقارنة مع عدد من ماتوا في لبنان، ومهما كان حجم الدمار في إسرائيل ضئيلاً مقارنة مع مثيله في جنوب لبنان حيث وقع الدمار على نطاق واسع، يظل واقعاً أن المقاومة الإسلامية قد قصّرت في التزاماتها القانونية بأن تقلل من حجم الأضرار الواقعة على المدنيين في إسرائيل – عرباً كانوا أو يهوداً – لأنها أطلقت صواريخ غير دقيقة وغير قادرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية نحو مناطق مأهولة بالسكان.

إن القول بأن إسرائيل قد ارتكبت فظائع "أسوأ" لا يبرر انتهاكات المقاومة الإسلامية القانونية. وانتهاك إسرائيل لقوانين الحرب لا يعفي المقاومة الإسلامية من التزامها. ولا يبرر ارتكاب إسرائيل لهجمات عشوائية على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين في الجنوب اللبناني، هجمات المقاومة الإسلامية الانتقامية على مناطق مأهولة بالمدنيين في إسرائيل. وما من شك في أن من الصعب – بل ومن المؤلم للكثيرين في لبنان – سماع انتقاد موجه الى حزب الله، الجماعة المسلحة التي – في أعين الكثيرين – حاربت بشجاعة خصماً أفضل تمويلاً ومعدات، في حرب كانت لها آثار كارثية على المدنيين. لكن حتى الذين يناصرون المقاومة الإسلامية وأهدافها عليهم أن يقبلوا فكرة تحميلها مسؤولية هجماتها غير القانونية على المدنيين. فالإصرار على التظاهر بعدم رؤية انتهاكات المقاومة الإسلامية أثناء الحرب هو في واقع الأمر ظلم بيّن بحق الضحايا الأبرياء في هذا النزاع، ولا شك في أنه يقع في منزلة الضرر في نظر من يتمنون أن تقوم المقاومة الإسلامية بعملها كقوة محاربة ملتزمة وتعمل طبقاً للقانون. أما فكرة "مناصرة حزب الله سواء كان على حق أو على خطأ" فهي لن تساعد أحداً.

وقد انتقد الكثيرون في لبنان تقرير هيومن رايتس ووتش عن المقاومة الإسلامية. والغريب أن معظم الذين وجّهوا الانتقاد علت أصواتهم قبل أن نصدر تقريرنا حتى. وما حملهم على هذا لم يكن محتوى التقرير وما يحمله من حقائق، بل مجرد دعوة لعقد مؤتمر صحافي مذكور فيه اسم التقرير، ويشير عنوانه إلى انتقاد للمقاومة الإسلامية. وهناك آخرون انتقدونا على التركيز على نشر التقرير قبل أسبوع من نشر تقرير آخر الأسبوع المقبل حول انتهاكات إسرائيل لقوانين الحرب، وقالوا إن انتقادنا للمقاومة الإسلامية "أولاً" قبل إسرائيل هو دليل على تحيّزنا. وهؤلاء المنتقدون – ومنهم رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة – تجاهلوا بكل بساطة حقيقة أن هيومن رايتس ووتش نشرت قبل عام أول تقرير شامل عن الانتهاكات الإسرائيلية لقوانين الحرب الذي كان مبنياً على تحقيقاتنا وأبحاثنا التي تمت أثناء القتال. وخلص ذلك التقرير إلى أن إسرائيل ارتكبت انتهاكات جسيمة في هجماتها على لبنان. وهذا التقرير الذي بين أيدينا هو في واقع الأمر ثاني تقرير كبير نصدره عن الحرب.

أما المنار – المحطة التلفزيونية الفضائية التابعة للمقاومة الإسلامية – فقد اختارت أسلوباً مختلفاً تمام الاختلاف، وهو ما لا يجوز تسميته سوى "حملة لتشويه السمعة"، لكي تسحق التقرير قبل موعد المؤتمر الصحفي المقرر. فقد أعلنت أن "جماعات المجتمع المدني المستقلة سوف تعقد تظاهرة لمنع عقد المؤتمر الصحفي"، ما دفع الفندق الذي سيُعقد فيه المؤتمر الى إلغائه. وزعمت المنار كذباً أن هيومن رايتس ووتش قد تآمرت سراً مع أحزاب سياسية لبنانية لم تذكر أسماءها وتلقّت دعماً سرياً منها. ثم إنها مضت في نشر أكاذيب بيّنة حول المنظمة والعاملين فيها، تضمّنت تعليقات ضد السامية.

وفي خضم هذه الحالة من إلقاء الاتهامات والنعوت والقصص المُختلقة، لم تصدر كلمة واحدة عن النتائج التي خلص إليها تقريرنا. وسوف تندهش المنار وما شابهها من الجهات المنتقدة حين تعرف درجة التشابه المذهلة بينها وبين المدافعين عن إسرائيل وأنصارها الذين لا يقبلون أي انتقاد موجّه لإسرائيل. والتشابهات مذهلة. فالتعليقات على موقع المنار تصمني بأنني "ناشطة صهيونية معروفة"، بينما منظمة "مرصد المنظمات غير الحكومية"، وهي منظمة تكرس عملها لمضايقة الجماعات التي تنتقد إسرائيل، تصمني بأنني "ناشطة فلسطينية معروفة". وفيما تصر المنار على أن تقريرنا شاهد على كراهية المقاومة الإسلامية، فنحن منذ نشر تقريرنا الذي ينتقد سلوك إسرائيل في لبنان العام الماضي نتلقى هجمات لا حصر لها تقول إننا "معادون للسامية" و"نحب إرهابيّي حزب الله" وكيف أننا ننتقد إسرائيل "كثيراً" وأكثر من انتقادنا للمقاومة الإسلامية، وكأن هذا دليل على تحيّزنا لمصلحة حزب الله.

وبالأمس، وبينما قناة المنار تتهمنا بـ"الخيانة"، نشر جيرالد ستينبرغ الذي يعمل في منظمة "مرصد المنظمات غير الحكومية" مقالاً يزعم فيه أن مسؤولي هيومن رايتس ووتش يستغلّون مصطلحات حقوق الإنسان لإضفاء المظهر الشيطاني على إسرائيل، وهذا قبل أسبوع من تقريرنا المقرر إماطة اللثام عنه الأسبوع المقبل والمتعلق بإسرائيل.

وبالطبع لا منتقدونا اللبنانيون ولا الإسرائيليون هم الأطراف الوحيدة التي تنتقدنا. فعلى مدى 29 عاماً قضيناها في الكتابة عن انتهاكات حقوق الإنسان وقوانين الحرب في أكثر من 70 دولة حول العالم، وُصمت هيومن رايتس ووتش بأنها: "عدوّ" للحكومة الأميركية جراء كشفها للانتهاكات في سجن أبو غريب، وقيل عنها في الصين "جاهلة"، ووصمتها الحكومة الكولومبية بأنها "جهادية"، وفي بريطانيا قيل عنها "استعمارية".. وهذا غيض من فيض من سيل الانتقادات التي وُجّهت إلينا. لكن وفي كل مرة فإن الحقائق التي نقوم بتوثيقها في تقاريرنا بكل تدقيق وإتقان، تَظهَر لتكشف الظلم والمعاناة الواقعة على ضحايا الحروب من المدنيين وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان مهما كانت جنسيتهم. إلا أن التحدي الذي نواجهه جميعاً، وإن كنا غارقين في السياسة المحلية والصراعات الإقليمية، هو ضمان أن انتماءنا لأحزاب أو جماعات تدافع عنا أو تقاتل من أجلنا لا يفوق إخلاصنا للحق. والإصرار على التزام الأطراف المتقاتلين – قبل أي شيء حماية المدنيين، هو أحد المبادئ التي يجب ألا يكون لها حدود قُطرية.

* المديرة التنفيذيّة لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة