قالت هيومن رايتس ووتش اليوم أن الجيش الإسرائيلي يتحمل تماماً مسؤولية الغارة الجوية الإسرائيلية التي قتلت 54 مدنياً كانوا يلتجئون في أحد البيوت في قرية قانا اللبنانية. وهذه آخر نتائج حملة القصف العشوائي التي تشنها القوات الإسرائيلية في لبنان منذ 18 يوماً والتي خلفت 750 قتيلاً معظمهم من المدنيين.
وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش: "توحي الضربة التي تلقتها قانا اليوم، وقتلت 54 مدنياً أكثر من نصفهم من الأطفال، بأن الجيش الإسرائيلي يعامل جنوب لبنان كمنطقة رمايات نارية حرة". وأضاف: "ويبدو أن الجيش الإسرائيلي يعتبر كل من لم يغادر المنطقة مقاتلاً تحق له مهاجمته دون قيد".
وقال روث أن هذه الخسارة المخيفة في أرواح المدنيين تؤكد ضرورة قيام الأمين العام للأمم المتحدة بإنشاء لجنة تحقيق دولية خاصة لكي تحقق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي التي يشهدها النزاع الحالي. فهذا الامتناع المستمر عن التمييز بين المقاتلين والمدنيين يعتبر جريمةٌ من جرائم الحرب.
وقال بيانٌ صدر اليوم عن الجيش الإسرائيلي أن مسؤولية ما حدث في قانا "تقع على عاتق حزب الله" لأنه يستخدم المنطقة لإطلاق "مئات الصواريخ" على إسرائيل. وأضاف البيان: "تلقى سكان المنطقة، وخاصةً سكان قانا، إنذاراً بمغادرة قريتهم قبل عدة أيام".
وفي 27 يوليو/تموز، قال وزير العدل الإسرائيلي حاييم رامون أن إسرائيل منحت المدنيين وقتاً كافياً لمغادرة جنوب لبنان، وأن كل من بقي هناك يمكن اعتباره مؤيداً لحزب الله. وقال رامون طبقاً لهيئة الإذاعة البريطانية: "كل من هم في جنوب لبنان الآن إرهابيون يرتبطون بحزب الله على نحوٍ ما".
وقال روث: "لا يكفي قيام الجيش الإسرائيلي بإنذار سكان قانا بالمغادرة لإعطائه حريةً مطلقة في شن الهجمات العمياء". وأضاف بأنه "يبقى على الجيش بذل كل جهدٍ ممكن لكي يستهدف المقاتلين الحقيقيين فقط. وتعني حجج الجيش الإسرائيلي أن بوسع الجماعات المقاتلة الفلسطينية ’إنذار‘ جميع المستوطنين بمغادرة المستوطنات الإسرائيلية حتى يكون من حقها استهداف من يبقى فيها".
وحتى لو صدق ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن حزب الله يطلق الصواريخ من منطقة قانا، فإن إسرائيل تظل ملزمةً تماماً بتوجيه هجماتها إلى الأهداف العسكرية فقط، وكذلك باتخاذ جميع الإحتياطات المعقولة لتفادي وقوع خسائر في أرواح المدنيين. وحتى اليوم لم تقدم إسرائيل أي دليلٍ يبين أن حزب الله كان موجوداً في المبنى المستهدف وقت الهجوم، أو بالقرب من ذلك المبنى.
ومازال عشرات ألوف المدنيين موجودين في القرى الواقعة إلى الجنوب من نهر الليطاني على الرغم من إنذار الجيش الإسرائيلي لهم بالمغادرة. لقد اختار بعضهم البقاء، لكن الغالبية العظمى لا تستطيع الفرار من المنطقة بفعل تدمير الطرق والافتقار إلى الوقود والارتفاع الشديد في أجور السيارات ووجود أقارب مرضى، وكذلك بفعل استمرار الغارات الإسرائيلية. ويشكل الفقراء والمرضى معظم من بقوا هناك.
وقع الهجوم نحو الساعة الواحدة من صباح هذا اليوم عندما أطلقت المقاتلات الإسرائيلية صواريخها على قرية قانا. وكان من بين البيوت المصابة بناءٌ من ثلاثة طوابق كان يلتجئ فيه 63 شخصاً من عائلتي شلهوب وهاشم. وقد احتمى المدنيون في هذا المبنى لأنه أكبر المباني في المنطقة ولأن فيه قبواً من الإسمنت المسلح، وذلك طبقاً لما قاله مساعد رئيس بلدية قانا الدكتور عصام ماتوني.
ويقول الدفاع المدني اللبناني والصليب الأحمر اللبناني أن ما لا يقل عن 54 مدنياً، من بينهم 27 طفلاً، سحقوا تحت الأنقاض عندما أنهار المبنى. ولم تستطع فرق الإنقاذ بلوغ القرية إلا في التاسعة صباحاً بسبب استمرار القصف الإسرائيلي الشديد في المنطقة. وليس من بين القتلى الذين تم إخراجهم من تحت الأنقاض حتى الآن أي مقاتل. ويقول عمال الإنقاذ أنهم لم يعثروا على أسلحةٍ في ذلك المبنى.
شهدت قانا عام 1996 غارةً إسرائيلية على مجمعٍ للأمم المتحدة يؤوي مدنيين هاربين كانت حصيلتها مقتل أكثر من 100 شخص. وأثبتت أبحاث هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت أن الهجوم كان غارةً عشوائيةً أيضاً من جانب الجيش الإسرائيلي.
إن باحثي هيومن رايتس ووتش موجودون في لبنان منذ بداية الأزمة الحالية، وقد وثقوا عشرات الحالات التي نفذت فيها القوات الإسرائيلية غاراتٍ عشوائية ضد المدنيين أثناء وجودهم في منازلهم أو أثناء حركتهم على الطرق هرباً من القتال. وسوف يصدر في وقتٍ لاحقٍ من هذا الأسبوع تقريرٌ بالنتائج التي توصل إليها باحثونا، وبالعواقب القانونية لها.
كما وثقت هيومن رايتس ووتش أيضاً الإطلاق العشوائي المتعمد لصواريخ الكاتيوشا على المناطق المدنية في إسرائيل من جانب حزب الله؛ وقد قتلت 18 مدنياً حتى الآن. إن هذا الخرق الخطير للقانون الإنساني الدولي جريمة حربٍ أيضاً.
قال روث: "إن جرائم الحرب التي يرتكبها أحد طرفي النزاع لا تبرر أبداً قيام الطرف الآخر بارتكاب جرائم حرب".
لمتابعة تغطية هيومن رايتس ووتش المتواصلة للنزاع اللبناني ـ الإسرائيلي، ترجى زيارة الرابط:
https://www.hrw.org/arabic