(استنكرت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" اليوم قرار السلطات التونسية بفصل داعية حقوق الإنسان المرموق الدكتور منصف المرزوقي من منصبه في جامعة سوسة، حيث كان يعمل أستاذاً بكلية الطب.
فقد تلقى الدكتور المرزوقي إخطاراً بالفصل من وزارة الصحة بعد يوم من الانتقاد الذي وجهه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، في ثنايا خطاب ألقاه أمام أعضاء الحزب الحاكم، إلى منتقدي الحكومة بوصفهم "مرتزقة" و"خونة". وكان الدكتور المرزوقي، الذي ظل ممنوعاً من السفر للخارج طيلة معظم سنوات العقد الماضي، قد عاد لتوه إلى تونس بعد زيارة لأوروبا والولايات المتحدة استغرقت عدة أسابيع، حيث عقد اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين، والصحفيين، وأعضاء المنظمات المهنية، ومنظمات حقوق الإنسان.
وقال هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "إن هذه الخطوة الأخيرة الرامية لقمع أي انتقاد للحكومة تظهر الحالة المتردية التي آلت إليها الحريات المدنية في تونس اليوم". ومضى مجلي قائلاً: "إن الرئيس بن علي أكد، في الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة الماضي، ضيق حكومته بالتونسيين الذي يسعون لممارسة أهم حقوقهم المدنية الأساسية ـ رغم أنه في الوقت ذاته ما برح يعلن تمسكه بالمبادئ الديمقراطية".
وفي أوائل يونيو/حزيران، وبعد إعادة جواز سفره إليه، قدم الدكتور المرزوقي طلب إجازة لمدة أسبوعين إلى الجامعة، ولكن طلبه رفض، رغم أن العام الدراسي قد انتهى، وتم رصد نتائج الامتحانات، ورغم أن له رصيداً متبقياً من الإجازات يصل إلى عدة شهور، حسبما ذكر. وبعد ذلك، حصل على توصية طبية بمنحه إجازة مرضية؛ ومن ثم توجه الدكتور المرزوقي إلى فرنسا في مطلع يونيو/حزيران، ثم عاد إلى تونس في الخامس من يوليو/تموز.
وفي 27 يوليو/تموز، استدعي الدكتور المرزوقي أمام مجلس تأديب بوزارة الصحة متهماً بتقديم توصية طبية مزورة، ومخالفة الإجراءات الإدارية بالسفر للخارج دون تصريح. وحضر محاميه الجلسة بالنيابة عنه، ولكن رُفض الطلب الذي تقدم به لتأجيل الجلسة. وفي 28 يوليو/تموز توعد الرئيس بن علي، في معرض حديثه لكوادر الحزب الحاكم، بملاحقة مواطنين لم يذكر أسماءهم، اعتبر أن انتقاداتهم لتونس في الخارج "تبلغ حد الخيانة". وفي 29 يوليو/تموز، تلقى الدكتور المرزوقي إخطاراً مكتوباً بخط اليد من وزارة الصحة، يتألف من جملة واحدة، تفيد بأنه قد تم فصله نهائياً من وظيفته، بناء على قرار مجلس التأديب الذي أحيل إليه.
وفي بيان أرسل إلى وكالات الأنباء بالفاكس في 31 يوليو/تموز، ذكرت وزارة الصحة أن التحقيق الرسمي أثبت بالأدلة أن الدكتور المرزوقي حاول تضليل السلطات، بتقديم شهادة طبية مزورة تبريراً لتغيبه عن العمل بصورة غير قانونية.
وقال مجلي: "إن السلطات أعادت للمرزوقي جواز سفره تحت وطأة الضغط الدولي، غير أنها عقدت العزم على أن تجعله يدفع ثمناً باهظاً إذا حاول استخدامه. وعقوبة الفصل النهائي تتسم بالشطط البالغ، وتظهر المدى الذي تذهب إليه الحكومة في اتخاذ الجامعات التونسية مطية لتنفيذ سياساتها القمعية".
وقد أبلغ الدكتور المرزوقي منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأنه يعتزم الطعن في قرار فصله. يُذكر أن الدكتور المرزوقي كان في السابق يشغل منصب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وهو حالياً الناطق باسم المجلس الوطني للدفاع عن الحريات في تونس. ورغبة في الانتقام منه بسبب نشاطه في ميدان حقوق الإنسان، عمدت الحكومة إلى إغلاق مركز طب المجتمع الذي أسسه عام 1993، ثم منعته من القيام بأبحاث طبية. وفي عام 1994، حُبس الدكتور المرزوقي لمدة أربعة أشهر بعد أن أعلن اعتزامه خوض الانتخابات الرئاسية التي جرت في ذلك العام كمرشح منافس للرئيس بن علي. وفي أعقاب التهديدات التي وُجِّهت إليه وإلى أسرته، رحلت زوجته وابنتاه إلى أوروبا. وفي يونيو/حزيران 1999، اختطف الدكتور المرزوقي على أيدي أفراد من أجهزة الأمن يرتدون ثياباً مدنية، واحتُجز عدة أيام دون السماح له بالاتصال بأحد خارج المعتقل. وظل حتى مطلع يونيو/حزيران محروماً من الحصول على جواز سفر، وغير قادر على السفر إلى الخارج لأغراض تتعلق بمهنته أو لزيارة أسرته. كما دأبت السلطات على قطع خطي الهاتف والفاكس في منزله.
ورداً على المحاولات التي تبذلها الحكومة التونسية لقمع نشاط الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الأهلية المستقلة، قام الدكتور المرزوقي وبعض دعاة حقوق الإنسان ذوي الخبرة الطويلة في هذا الميدان بتأسيس "المجلس الوطني للدفاع عن الحريات في تونس" في ديسمبر/كانون الأول 1998؛ وقد رفضت وزارة الداخلية التونسية منح المجلس ترخيصاً قانونياً باعتباره جمعية أهلية، غير أن المجلس واصل إصدار النشرات والتقارير التي تنتقد الحكومة، وتوثق ما تمارسه من قمع وإهدار للحريات المدنية الأساسية. وقد واجه الدكتور المرزوقي وغيرها من الأعضاء المرموقين في المجلس المذكور تحقيقات قضائية متكررة بتهم زائفة من قبيل "ثلب النظام العام"، و"نشر معلومات كاذبة". وفي الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة الماضي، قال الرئيس بن علي إنه من المحال أن تنشأ باسم الحريات العامة تنظيمات غير شرعية تنتحل صفة الجمعيات أو المنظمات أو اللجان.