(بيروت) – قال ناجون من انفجار مرفأ بيروت وأفراد أسر ضحايا قضوا في الانفجار و17 منظمة حقوقية، منها "هيومن رايتس ووتش"، اليوم إن على الحكومة اللبنانية الجديدة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتعزيز استقلالية القضاء، ولضمان متابعة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 بدون أي تدخل أو تعطيل غير مبرَّرين. وجّهت المنظمات والأفراد رسالة مشتركة إلى رئيس الوزراء نواف سلام ووزير العدل عادل نصار.
قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "تصريحات رئيس الوزراء ووزير العدل اللبنانيَّيْن الداعمة للتحقيق في انفجار بيروت مشجِّعة، بعد سنوات من التعطيل من قِبل السلطات اللبنانية. لكن الآن، على الحكومة أن تترجم هذه الالتزامات إلى أفعال من خلال العمل مع مجلس النواب لإزالة الحواجز القانونية والسياسية التي عرقلت التحقيق ومنعت العدالة والمحاسبة".
أوائل فبراير/شباط 2025، استأنف القاضي طارق البيطار تحقيقه في قضية انفجار مرفأ بيروت، بعد عامين من التعطيل والتدخلات من قِبل السلطات اللبنانية. في يناير/كانون الثاني 2023، أُجهضت محاولة سابقة للقاضي بيطار لاستئناف تحقيقه على يد أعلى مدعٍ عام حينها القاضي غسان عويدات، الذي ادّعى على البيطار، ما أدى إلى تعليق التحقيق. كما أمر بإطلاق سراح جميع المشتبه بهم، ومنع القوى الأمنية والنيابة العامة من التعاون مع القاضي البيطار أو التواصل معه.
في مارس/آذار، ألغى النائب العام التمييزي بالتكليف القاضي جمال الحجّار قرار عويدات، ما يسمح للقاضي بيطار بالعمل مع أجهزة الأمن اللبنانية، والنيابة العامة لإصدار استدعاءات للتحقيق ومذكرات توقيف. قالت المنظمات، والناجون، وعائلات الضحايا في رسالتهم إن تعاون النيابة العامة والقوى الأمنية اللبنانية مع القاضي البيطار سيكون محوريا لضمان العدالة، والحقيقة، والتعويضات لضحايا انفجار مرفأ بيروت.
توصَّل تحقيق أجرته "هيومن رايتس ووتش" إلى أنّ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، قد نتج عن تقاعس الحكومة عن حماية الحق في الحياة، وأشار إلى ضلوع محتمَل لمسؤولين لبنانيين كبار. عطلت السلطات اللبنانية أكثر من مرة التحقيق المحلي في الانفجار، من خلال حماية السياسيين والمسؤولين الضالعين في الانفجار من الاستجواب، والملاحقة، والتوقيف.
شدّد الموقعون على الرسالة المشتركة على أن التحقيق في الانفجار يجب أن يتخطى الظروف المحيطة بتخزين نيترات الأمونيوم في لبنان، ليشمل التدقيق الشامل في ضلوع جميع الأفراد والجهات في كامل سلسلة الأحداث التي أوصلت إلى الانفجار. قالوا إن التحقيق يجب أن يحدد أي انتهاك حقوقي ناجم عن تقاعس الدولة اللبنانية عن حماية الحق في الحياة، بما يشمل أي جرائم ذات حساسية سياسية يتبيّن أنّها متصلة بالانفجار.
قال الموقعون إنّه بدون الإصلاحات البالغة الضرورة، تبقى استقلالية التحقيق، واستقلالية القضاء بشكل عام، في خطر. على مدى سنوات، وثّقت منظمات حقوقية لبنانية ودولية التدخلات السياسية المتكررة في القضاء، بالإضافة إلى التحقيقات الحافلة بالعيوب في جرائم قتل ذات حساسية سياسية. كما انتقدت غياب القضاء المستقل، الذي سمح بتفشي ثقافة الإفلات من العقاب.
يخضع مشروع قانون قُدِّم في 2018 بشأن استقلالية القضاء وشفافيته، ومشروع قانون قُدِّم بشأن 2020 حول القضاء الإداري حاليا لمراجعة اللجان. انتقدت منظمات حقوقية لبنانية محاولات "لجنة الإدارة والعدل" البرلمانية ووزير العدل السابق لتعديل القوانين بشكل يتعارض مع المعايير الدولية. تبنَّت "المفوضية الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون" (لجنة البندقية) رأيَيْن منفصلَيْن بشأن كل من مشروع قانون استقلالية القضاء وشفافيته ومشروع قانون القضاء الإداري، وقدمت إلى الحكومة والبرلمان اللبنانيَّيْن توصيات من شأنها أن توافق بين المشروعين والمعايير الدولية.
في مارس/آذار 2023، قدَّم تسعة نواب لبنانيين مشروعَيْ قانون لتعزيز استقلالية التحقيقات القضائية ومنع التدخلات السياسية من خلال تعديل المادة 751 من "قانون أصول المحاكمات المدنية"، والمادة 52 من "قانون أصول المحاكمات الجزائية". وقد استُخدمت كلتاهما لتعطيل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وتحقيقات أخرى في جرائم مالية وشبهات فساد.
على الحكومة أن تعمل مع البرلمان لإقرار قوانين لاستقلالية القضاء بشكل يعكس توصيات لجنة البندقية وغيرها من المعايير الدولية لاستقلالية القضاء. قالت المنظمات إن على الحكومة والبرلمان إقرار الإصلاحات اللازمة في قانونَيْ أصول المحاكمات المدنية والجزائية لمعالجة الأحكام التي تُستغَلّ لعرقلة التحقيقات الجزائية والمدنية.
قال قيس: "أن يأتي دعم الحكومة اللبنانية للضحايا، والناجين، وأهالي بيروت متأخرا خيرٌ من ألا يأتي أبدا. لكنّ القطيعة مع عقود من الإفلات من العقاب تتطلب خطوات عملية وحاسمة لتعزيز استقلالية القضاء كأولوية قصوى".