(نيويورك) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن ملف السعودية لاستضافة "كأس العالم" لكرة القدم لا يعالج انتهاكات حقوق العمال المنتشرة في البلاد.
ستصادق المنظمة الدولية لكرة القدم "الفيفا" رسميا على منح "كأس العالم 2034" للسعودية في 11 ديسمبر/كانون الأول 2024. ورد أن الفيفا أكملت تقييمها الملف السعودي. في 29 يوليو/تموز، قدّمت السلطات السعودية "كتاب ملف" إلى جانب "استراتيجية حقوق الإنسان" و"التقييم المستقل للسياق"، وهي متطلبات الفيفا للملف. تتجاهل الوثائق الثلاث بشكل صارخ المخاطر الموثقة جيدا التي يواجهها العمال، ومنها العمل الجبري. كما تفتقر إلى أي تحليل لثغرات الإنفاذ ولا تتضمن وجهات نظر أصحاب الحقوق وأصحاب المصلحة الآخرين بخلاف المسؤولين الحكوميين السعوديين.
قالت مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية في هيومن رايتس ووتش: "تتجاهل وثائق استضافة السعودية لكأس العالم الانتهاكات الحقوقية الصارخة في البلاد، ومنها عدم كفاية الحماية من الحَرّ، وسرقة الأجور دون رادع، وحظر النقابات العمالية، ونظام الكفالة المنتهِك. تتجاهل الفيفا عمدا السجل الحقوقي السعودي، ما يمهد الطريق لعقد من الانتهاكات الحقوقية المروعة المحتملة استعدادا لكأس العالم 2034".
تسلط وثائق استضافة السعودية الضوء على الحجم الهائل للبناء المطلوب للبطولة، ويشمل 11 ملعبا جديدا ومجدَّدا. وتشمل البنية التحتية الإضافية التي ستشيَّد أكثر من 185 ألف غرفة فندقية جديدة وتوسعة كبيرة لشبكة المطارات، والطرق، والسكك الحديدية، والحافلات، فضلا عن المشاريع العملاقة بموجب خطة "رؤية 2030" السعودية، ومنها مدينة "نيوم" الفخمة الجديدة.
وبالمقارنة، لن تُبنى أي ملاعب جديدة لكأس العالم 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. سيعتمد العجز الهائل في البنية التحتية في السعودية بالكامل على العمال الوافدين الذين يبنونها. وفقا لتعداد 2022، يوجد في السعودية 13.4 مليون عامل وافد، يمثلون 42٪ من سكان البلاد.
في يونيو/حزيران، قدم "الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب" شكوى ضد السعودية لدى "منظمة العمل الدولية" بشأن العمل الجبري. واستندت شكوى الاتحاد إلى حالات عشرات آلاف العمال الذين لم تُدفع أجورهم من شركتين للبناء مقرهما في السعودية وشهادات 193 عاملا وافدا واجهوا مجموعة من الانتهاكات. وشملت الانتهاكات مصادرة وثائق الهوية، وعبودية الديون، والانتهاكات الناتجة عن ظروف العمل والمعيشة رغم ادعاء السلطات السعودية مراجعة قانون العمل. وتستشهد شكوى الاتحاد بعدم إنفاذ السعودية العديد من المعاهدات الدولية التي صادقت عليها، بما فيها اتفاقية العمل الجبري وبروتوكولها لعام 2014.
ورغم الدور الذي لا غنى عنه للعمال الوافدين في كأس العالم 2034، فإن وثائق ملف الحكومة لا تعطي أولوية حقيقية لحماية العمال.
التحليل المستقل للسياق الذي طلب "الاتحاد السعودي لكرة القدم" إعداده بالتشاور مع الفيفا وأجرته شركة المحاماة "إيه إس أند إتش كليفورد تشانس" (كليفورد تشانس) تشوبه نواقص إلى حد محرج. ويُقر التقييم نفسه بأنهم لم يقوموا بالعناية الواجبة المطلوبة في سياسة الفيفا الحقوقية، وأن نطاق الإبلاغ يقتصر على 22 صكا من صكوك حقوق الإنسان اختارها الفيفا و"الاتحاد السعودي لكرة القدم" وما كان "ممكنا ضمن الإطار الزمني للتقييم والحد الأقصى للصفحات كما تتطلب الفيفا". وهذا يستبعد صكوك حقوق الإنسان الدولية الأساسية مثل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". كما أن قائمة المصادر تغفل الأبحاث الواسعة بشأن انتهاكات حقوق العمال الوافدين في السعودية وشكوى العمل الجبري الكبرى ضد المملكة.
أعرب تحالف من 11 منظمة رائدة ترصد الحقوق، منها هيومن رايتس ووتش، عن مخاوف شديدة بشأن تقييم كليفورد تشانس في رسالة حذرت فيها الفيفا وشركة المحاماة من أنهما يواجهان خطر الارتباط بالانتهاكات في التحضيرات للبطولة. ردا على ذلك، قالت شركة المحاماة إنه سيكون "من غير المناسب" تقديم أي تعليق.
قالت ووردن: "لم يستشيروا أي عامل وافد، أو ضحية لجرائم حقوقية، أو ضحية تعذيب، أو ناشطة حقوقية مسجونة، أو عضو في المجتمع المدني السعودي في تقرير الفيفا المفترض أنه مستقل. تمثل معاملة الفيفا للملف السعودي تقاعسا ذريعا عن تنفيذ تقييمات المخاطر الإلزامية لحقوق الإنسان والحماية لملايين العمال الوافدين الذين سيجعلون كأس العالم 2034 ممكنا".
وتشير وثيقة الملف الرئيسية الأخرى، "استراتيجية حقوق الإنسان فيما يتصل بكأس العالم لكرة القدم 2034"، بشكل خاطئ إلى التحليل المستقل للسياق باعتباره "تقييما قويا لمخاطر سياق حقوق الإنسان" استنادا إلى "المشاركة القوية مع أصحاب المصلحة المعنيين في المملكة لفحص السياسات واللوائح الحالية، وتحديد المخاطر والثغرات البارزة المرتبطة بإعداد البطولة واستضافتها".
ويوضح المؤلفون أن تحليلهم، على مدى ستة أسابيع، بني على أبحاث مكتبية وتواصل حصري مع السلطات السعودية. كذلك، يشير كتاب الملف السعودي إلى تقييم كليفورد تشانس باعتباره "يركز على المواضيع الحقوقية المرتبطة عادة بالأحداث الرياضية الكبرى، مع مراعاة التعليقات المنشورة من قبل هيئات المراقبة الدولية وبدعم من المشاركة القوية مع أصحاب المصلحة في جميع أنحاء السعودية".
وتسرد استراتيجية حقوق الإنسان "مبادرات إضافية" مثل وضع أطر لأداء العناية الواجبة بشأن المورّدين، وإدارة المشتريات وسلسلة التوريد، لكن هذه الخطوات غير محددة أو ملموسة أو مقيدة بفترة زمنية. ولا تذكر حقوق العمل الأساسية مثل حرية تكوين الجمعيات والمفاوضة الجماعية. يعكس هذا الغموض افتقار السعودية إلى الاستعداد لحماية العمال بشكل كاف في بيئة عالية المخاطر لمشاريع البناء الضخمة لكأس العالم.
قالت ووردن: "يبدو أن هذه الوثائق طُبخت على عجل لخلق الانطباع بإجراء تقييم جاد لمخاطر حقوق الإنسان وحقوق العمل. عملية التقييم المزيفة التي أجرتها الفيفا لمنح كأس العالم 2034 دون التزامات قانونية ملزمة بحقوق الإنسان هي تكرار لنهجها غير المسؤول في بناء كأس العالم في قطر، والذي كلف في النهاية آلاف العمال الوافدين حياتهم".
حذّرت هيومن رايتس ووتش من أن الفيفا تخرق القواعد التي وضعتها هي بنفسها بشأن حقوق الإنسان بإعلانها عن خطة لاستضافة بطولتَيْ كأس العالم للرجال المقبلتين بشكل يقضي فعليا على عملية تقديم العطاءات والعناية الحقوقية الواجبة. كان يجب أن تتضمن عملية تقديم العطاءات لكأس العالم 2026 استراتيجية لحقوق الإنسان وتقييما مستقلا يستندان إلى مشاورات مع عشرات أصحاب المصلحة الحقوقية. كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الفيفا لتوضيح مخاوفها بشأن كتاب ملف 2034 وأبلغت الرعاة، ومنهم "كوكاكولا" و"أديداس" و"أيه بي إنبيف"، بشأن التقييمات المعيبة للمخاطر الحقوقية.
تجاهلت عملية تقديم قطر لاستضافة كأس العالم 2022 الانتهاكات العمالية المتفشية، وفي 2014، واجهت قطر شكوى تتعلق بالعمل الجبري لدى منظمة العمل الدولية. وأظهرت أبحاث هيومن رايتس ووتش أنه على الرغم من الإصلاحات اللاحقة، خلّف كأس العالم 2022 إرثا من الانتهاكات التي لم تُعالَج، منها آلاف الوفيات دون تعويض، فخلّفت ضررا دائما للعمال الوافدين وأسرهم.
تم التكليف بإجراء مراجعة مستقلة للمسؤوليات الحقوقية للفيفا تجاه العمال الذين تعرضوا للأذى أثناء تسليم كأس العالم 2022 في قطر، ولكنها لم تُنشر. ومنذ ترشح السعودية، تراجعت الفيفا أيضا عن الإطار التفاوضي لحماية حقوق العمال وحقوق الإنسان في إنجاز كأس العالم 2026.
وتتفاقم المخاطر الحقوقية في السياق السعودي لأن متطلبات بناء الملاعب والبنية التحتية هائلة، والبلاد أكبر بكثير جغرافيًّا، ولا توجد جهات مستقلة لمراقبة الحقوق أو وسائل إعلام مستقلة.
قالت ووردن: "بدون بذل العناية الواجبة الحقوقية والالتزامات الملزمة المتعلقة بحقوق العمل وحقوق الإنسان من قبل السلطات السعودية، على الفيفا عدم المضي قدما في التصويت لتأكيد استضافة السعودية لكأس العالم 2034".