(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنه ينبغي إجراء تحقيق مستقل لمراجعة أوجه تقاعس السلطات الليبية في التعامل مع الفيضانات الكارثية التي حدثت في شرق ليبيا في سبتمبر/أيلول 2023. تسببت الفيضانات بدمار واسع، وجرفت أحياء بأكملها، وقتلت الآلاف.
رغم التحذيرات من الفيضانات قبل نحو ثلاثة أيام من وصول العاصفة في 9 سبتمبر/أيلول، أصدر المسؤولون في مدينة درنة الساحلية أوامر متضاربة بشأن الإخلاء، وفرضوا حظرا للتجول أدى فعليا إلى محاصرة الناس في مسار السيول المائية بعد انهيار سدّين. أدت الفيضانات إلى مقتل 4,352 شخصا على الأقل، ونزوح أكثر من 43 ألفا، في حين ما يزال 8 آلاف آخرون مفقودين، وفقا لـ "الأمم المتحدة". أعلن النائب العام إجراء تحقيق، وتعهدت السلطات الليبية بتعويض المجتمعات المتضررة، وبإعادة البناء.
قالت حنان صلاح، المديرة المساعدة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن العاصفة كانت ستكون أقل فتكا بكثير لو استجابت السلطات لإشارات الخطر بإجلاء الأشخاص الذين يعيشون في منطقة الفيضانات. ينبغي إجراء تحقيق مستقل لتحديد سبب الخسائر الفادحة في الأرواح وتمهيد الطريق للمحاسبة".
دعت منظمات ليبية إلى إجراء تحقيق دولي مستقل، وطرحت تساؤلات بشأن التقاعس المفترض من جانب السلطات عن توفير الصيانة الكافية للبنية التحتية القديمة، بما يشمل السدين المنهارين، رغم المخاوف القائمة منذ فترة طويلة بشأن حالتهما. مع انتهاء ولاية "بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا" في مارس/آذار، لم تعد هناك آلية تحقيق دولية فعالة في ليبيا.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه نظرا للإفلات السائد من العقاب على الانتهاكات الماضية والمستمرة في البلاد، وعجز السلطات الليبية عن محاسبة المسؤولين عنها أو عدم رغبتها في ذلك، يتعين على "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" وخبراء الأمم المتحدة الشروع بالتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات الحقوقية المرتبطة بالأزمة.
وصلت العاصفة "دانيال" إلى ليبيا في 9 سبتمبر/أيلول، وتسببت بفيضانات شديدة في اليوم التالي إثر انهيار السدين في أعلى المجرى نحو درنة. جرفت المياه الغزيرة الأحياء وألحقت أضرارا بالبنية التحتية الحيوية للصرف الصحي والمياه التي لم يتم إصلاحها بعد، وفقا للأمم المتحدة. ألحقت الفيضانات أيضا أضرار بالمستشفيات الرئيسية، ولم تترك سوى مستشفى واحدا يعمل جزئيا. تأثرت المدارس أيضا، ولا يزال عدد منها في درنة يستضيف الأسر النازحة، وفقا للأمم المتحدة.
أثرّت الفيضانات أيضا على مدن شرقية أخرى مثل بنغازي والبيضاء وشحات وسوسة، لكنها تسببت في أضرار أقل.
قالت مجموعة من العلماء إن غياب الاستقرار السياسي والصيانة المناسبة للبنية التحتية، بما فيها السدود، أدى إلى تفاقم ضرر العاصفة. أثبتوا أيضا أن أنظمة الإنذار المبكر، والقدرة على تقديم توقعات دقيقة وتوفير استراتيجيات عملية للاستجابة للأزمات، كانت "غير كافية" نظرا للافتقار إلى "حوكمة متماسكة للوقاية من الكوارث وإدارة المخاطر". مع الاحتباس الحراري العالمي، تتوقع "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" المزيد من "ظواهر هطول الأمطار الشديدة، مما يؤدي إلى مزيد من الفيضانات الكبيرة".
ينقسم الحكم في ليبيا بين حكومتين تتنافسان على السيطرة والشرعية. عُيّنت "حكومة الوحدة الوطنية" ومقرها طرابلس بالإجماع من خلال عملية تقودها الأمم المتحدة كسلطة مؤقتة وتدير غرب ليبيا بما فيه العاصمة طرابلس. تسيطر الحكومة المتمركزة في الشرق، المعروفة سابقا بـ "حكومة الاستقرار الوطني"، التي أنشأها مجلس النواب والمتحالفة مع الجماعة المسلحة المعروفة بـ "القوات المسلحة العربية الليبية"، على شرق ليبيا وجزء كبير من جنوبها.
حذر مهندسون ليبيون من "نقاط الضعف" في السدين التي لم تُعالج بعد الأضرار الناجمة عن فيضانات العام 1986. صنفت دراسة هيدرولوجية عام 2022 حوض وادي درنة على أنه "معرض لخطر كبير" للفيضانات، ووجدت "سوء إدارة في الموارد المائية" وأن "الفيضانات المتكررة بين الحين والآخر أصبحت تشكل تهديدا مستمرا لسكان الوادي ومدينة درنة".
أوصت الدراسة السلطات بـ "اتخاذ إجراءات فورية بإجراء عملية الصيانة الدورية للسدود القائمة لأنه في حالة حدوث فيضان ضخم ستكون النتيجة كارثية على سكان الوادي والمدينة"، وقالت إنه ينبغي للسلطات توعية سكان الوادي "بخطورة السيول واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لسلامتهم".
قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن "المركز الوطني الليبي للأرصاد الجوية" أصدر تحذيرات قبل 72 ساعة من وصول العاصفة وحث عبر البريد الإلكتروني ووسائل الإعلام "جميع السلطات الحكومية" على "اتخاذ التدابير الوقائية واتخاذ مزيد من الحيطة والحذر". استجابت السلطات الشرقية بإعلان حالة الطوارئ، وأصدر عميد بلدية درنة السابق عبد المنعم الغيثي في 9 سبتمبر/أيلول تعليمات بإخلاء أحياء البلاد والجبيلة والسيدة خديجة ووادي النجا والمنطقة الواقعة بين بوابة درنة الغربية و فرع بلدية الكرسة.
أفادت تقارير إعلامية أنه بين 9 و10 سبتمبر/أيلول، أجلِي بعض السكان، وأغلبهم من المناطق الساحلية، لكن في وقت مبكر من 10 سبتمبر/أيلول، أمرت مديرية أمن درنة التابعة لحكومة شرق البلاد بحظر التجول الكامل من الساعة 7 صباحا حتى الساعة 8 صباح اليوم التالي، مع تعليمات بأن تظل المخابز والصيدليات ومحطات الوقود والمراكز الطبية فقط مفتوحة. في الساعة 1:12 صباحا، طمأنت وزارة الموارد المائية السكان الخاضعين لحظر التجول بأن جميع السدود في درنة فُحصت وأنها في حالة جيدة.
لكنها أعلنت في الساعة 2:59 فجرا أن السدود وصلت إلى طاقتها القصوى وستشكل خطر فيضانات على سكان الوادي، ودعت إلى إجلائهم. في الواقع، كان السدان سبق أن انهارا، في الساعة 2:40 و2:50 صباحا على التوالي، وتعطلت شبكة الاتصالات في درنة، وفات الوقت لإجلاء السكان قبل الفيضان القادم.
في 17 سبتمبر/أيلول، أقالت حكومة شرق البلاد جميع أعضاء مجلس بلدية درنة، بمن فيهم عميد البلدية الغيثي ورئيس الموارد المائية، بسبب دورهم المزعوم في الكارثة. اندلعت الاحتجاجات ضد السلطات المحلية في درنة في 19 سبتمبر/أيلول بسبب تعاملها مع الأزمة، واحتجزت القوات المسلحة العربية الليبية خمسة رجال على الأقل على صلة بالاحتجاجات، أُطلق سراح ثلاثة منهم على الأقل، حسبما قال نشطاء من درنة لـ هيومن رايتس ووتش. في 19 سبتمبر/أيلول أيضا، أمرت القوات المسلحة الليبية وسائل الإعلام الدولية بمغادرة درنة، وهو ما فعلته خلال اليومين التاليين، بحسب صحفيين.
في 25 سبتمبر/أيلول، استدعى النائب العام مسؤولين للاستجواب وفتح تحقيقا جنائيا مع 16 مسؤولا فيما يتعلق بإدارة وصيانة السدود المنهارة. بحسب ما ورد كان هناك أربعة رهن الاحتجاز، لكن لم تُوجَّه اتهامات إليهم بعد، ومن بينهم الغيثي، الذي تحتجزه إدارة البحث الجنائي في بنغازي مع اثنين من المسؤولين الآخرين. اعتُقل أيضا مسؤول آخر في طرابلس. لم يعلن النائب العام عن أي نتائج للتحقيق في الكارثة.
تعقّدت جهود إعادة الإعمار والتعويض للمتضررين من العاصفة بسبب الانقسامات السياسية العميقة بين الحكومتين، اللتين أنشأتا صناديق لإعادة الإعمار في درنة وشرق ليبيا.
قالت حكومة شرق ليبيا إنها وزعت منحة لمرة واحدة على 7,623 أسرة متضررة في 17 بلدية في شرق ليبيا، حيث دفعت إجمالي 177,790 ألف دينار ليبي (نحو 37 مليون دولار)، وإلى 1,868 مستفيدا في درنة، حيث دفعت إجمالي 103,810 ألف دينار ليبي (نحو 21,6 مليون دولار)، حتى 29 نوفمبر/تشرين الثاني. وفقا لتقارير إعلامية، تراوحت المنح المقدمة لمرة واحدة من 20 ألف دينار ليبي (نحو 4,100 دولار) إلى 100 ألف دينار (نحو 20 ألف دولار)، بحسب مستوى الضرر أو الدمار في الممتلكات.