(تونس) - قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نُشِر اليوم إن السلطات التونسية لا تحمي النساء من العنف الأسري رغم سنّ قانون قوي في 2017.
وجد التقرير الصادر في 95 صفحة، "’ومبعد كان ضربك؟‘ مواجهة العنف الأسري في تونس"، أنه رغم التزام بعض المسؤولين وسنّ واحد من أقوى القوانين ضد العنف الأسري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُعرّض التنفيذ السيئ للقانون النساء لخطر العنف. لم تستجب السلطات، أو تُحقّق، أو توفر بشكل منهجي الحماية للنساء اللاتي يبلغن عن العنف، وترك نقص تمويل خدمات الدعم كمراكز الإيواء العديد من الضحايا بلا مكان يهربن إليه.
قالت كِنزة بن عزوز، زميلة "فينبيرغ" في هيومن رايتس ووتش وكاتبة التقرير: "كان اعتماد القانون 58 إنجازا مهما تحقق بعد نضال طويل لمكافحة العنف ضد المرأة في تونس. إلا أنه وبعد مرور خمس سنوات، ما تزال العديد من النساء يتعرضن لانتهاكات جسيمة على يد أزواجهن وأفراد الأسرة الآخرين ويُحرمن من الحماية والمساعدة المستحقة لهن من السلطات".
في 2021 و2022، قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 100 شخص في جميع أنحاء تونس، بينهم 30 ضحيّة عنف أسري، وأعوان شرطة، ومحامين، وقضاة، ومقدّمي الخدمات. تمحورت المقابلات حول تعامل السلطات التونسية مع العنف الأسري.
قالت إحدى الضحايا (40 عاما): " أشعر وكأنني أسير بنفسي إلى قبري "، وقالت إن السلطات رفضت مساعدتها بعدما ضربها زوجها بطوبة.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن معظم التونسيات، خاصة إذا كن يعشن في الريف أو غير مُلِمات بالقراءة والكتابة، لا يعلمن بالتدابير والخدمات المتاحة لحمايتهن من العنف بموجب القانون 58. يرجع ذلك جزئيا إلى عدم كفاية الحملات التوعية واللافتات.
يحق للمرأة بموجب القانون 58 التقدم بطلب للحصول على إجراءات حماية مؤقتة يُمكن للشرطة أن تطلبها من النيابة، بالإضافة إلى أوامر الحماية طويلة المدى التي يُمكن للمحاكم إصدارها دون حاجة الضحية إلى رفع دعوى جنائية أو طلب الطلاق. هذا يسمح للسلطات بمنع المعتدين المزعومين من الاقتراب من الضحايا وأطفالهنّ، ما يمنح الضحايا الحماية في منازلهن حتى يأخذن قرارهن بشأن الخطوات التالية. مع ذلك، لا يبدو أن السلطات تصدر هذه الأوامر على نطاق واسع.
فتحت السلطات 130 وحدة شرطة مختصّة في أنحاء البلاد بموجب القانون 58 ووفرت لها دورات تدريبية. لكن النساء قلن إن الشرطة لم تشرح لهن بشكل روتيني حقوقهن وخياراتهن، أو لم تستجب لشكاويهن، أو ضغطت عليهن المصالحة مع المعتدين أو الرضوخ للوساطة الأسريّة بدلا من متابعة شكوى جنائية.
معظم الوحدات المختصّة تعمل فقط أثناء ساعات العمل الإدارية في أيام الأسبوع وتفتقر إلى الموارد البشرية والمادية الكافية، كعربات لنقل النساء إلى المستشفى لإجراء فحص طبي. تُصر الشرطة في أغلب الأحيان أيضا على تقديم متطلبات إثبات تعسفيّة مثل شهادة طبيّة حديثة جدا تظهر الاعتداء قبل الموافقة على فتح تحقيق أو طلب أوامر حماية، رغم أن القانون 58 لا يتطلب ذلك.
قالت إحدى الضحايا (26 عاما): "لما وصلت إلى مركز الشرطة أخبروني أنه لا يُمكنني فعل أي شيء بشهاداتي الطبية [الأربعة] [الصادرة في 2020 و2021] لأن جميعها صدرت منذ أكثر من 15 يوما. أنا أمّية ولم يُخبرني أحد بأن شهاداتي لن تكون صالحة بعد أسبوعين".
وجدت هيومن رايتس ووتش أيضا أن النساء اللواتي يذهبن إلى المحكمة لمتابعة شكاوى جنائية أو للحصول على أوامر حماية لمدة أطول لا يحصلن في الغالب على مساعدة قانونية مجانية، كما ينص القانون، أو أن الدعم رديء. تتفاقم هذه المشاكل لأن القضايا تطول في المحكمة، ما يجعل العدالة تبدو بعيدة المنال.
يكفل القانون رقم 58 أيضا للضحايا حق الحصول على الدعم الطبي والنفسي والمتابعة. مع ذلك، في معظم المناطق، تُصدَر الشهادات الطبية فقط دون مقابل. يمكن لرسوم الفحوصات الطبيّة الإضافية، ومعها تكاليف النقل، أن تردع ضحايا العنف الأسري. نادرا ما تُبلغ الطواقم الطبيّة الضحايا بحقوقهنّ أو تُحيلهنّ إلى اختصاصيين نفسيين ويفتقر الكثير منهم إلى التدريب اللازم للكشف عن أدلة العنف، بما فيها الآثار الجسدية والنفسية العميقة. في 2020، أغلِق مركز الإرشاد العام الوحيد في تونس المُخصّص للصحة النفسية للضحايا بسبب نقص التمويل.
نص القانون 58 على حق ضحايا العنف في مركز إيواء طارئ وإعادة الإدماج على المدى الطويل وخدمات الإيواء. لكن المشرعين التونسيين لم يُخصصوا الموارد اللازمة لمساعدة النساء، بمن فيهن اللاتي يعتنين بالأطفال، على تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن المعتدين. صعوبة الوصول إلى مراكز الإيواء الطارئة، وخاصة خارج العاصمة، تعني أن النساء اللاتي يحتجن إلى الفرار من منزل مسيء ليس لديهن مكان يذهبن إليه ما لم يكن لديهن موارد كافية.
يوجد في تونس حاليا 10 مراكز إيواء للضحايا، بقدرة استيعابية إجمالية تبلغ 186 امرأة وطفل. تخطّط وزارة المرأة لفتح مراكز إيواء أخرى لضمان وجود مركز واحد مفتوح على الأقل في كل ولاية من ولايات تونس الـ 24 بحلول عام 2024. بالإضافة إلى المزيد من مراكز الإيواء، تحتاج تونس إلى جهود توعية لإزالة الوصمة المحيطة بقرار المرأة بالفرار من منزل الأسرة واللجوء إلى مراكز الإيواء، وإلى التمويل لمساعدة النساء على إيجاد سكن طويل الأمد.
قالت بن عزوز: "لا يمكن لتونس أن ترتكز على سمعتها كدولة رائدة في الدفاع عن حقوق المرأة في المنطقة ما لم تطبق قوانينها وتبدأ بمعاملة العنف الأسري كجريمة خطيرة. لا تملك العديد من النساء وسيلة للهروب من الأزواج والآباء والإخوة الذين يعتدون عليهن دون عقاب".