Skip to main content

الرئيس سعيّد يهزأ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة التونسية

نُشر في: نواة
امرأة تونسية تحتج وهي تحمل لافتة كتب عليها: "لا رجوع، حقوق المرأة تتعرض للمهاجمة"، خلال مظاهرة ضد الرئيس سعيد في شارع الحبيب بورقيبة في تونس، 22 يوليو / تموز 2022. © 2022 الشدلي بن إبراهيم /NurPhoto via AP

أحيى الرئيس قيس سعيّد "العيد الوطني للمرأة" في تونس في 13 أغسطس/آب بإرسال زوجته لإلقاء خطاب احتفالي أشادت خلاله بزوجها. لم يرُق ذلك للعديد من التونسيين، الذين ذكّروها بأن "السيدة الأولى" ليس منصبا معترفا بها في البلاد.

أثناء حملته الانتخابية الرئاسية، أوضح سعيّد معارضته للمساواة الجندرية في الميراث، وهو أمر حاسم لإعمال الحقوق الاجتماعية والسياسية للمرأة. منذ توليه المنصب في 2019، ورغم ترشيحه امرأة لرئاسة الوزراء، أوقف سعيّد أي مبادرة لمعالجة العقبات التي تواجهها النساء في الحصول على الميراث الجزئي الذي يحق به لهن بموجب القانون المحلي، أو لتحسين حصول المرأة على الحقوق والحماية الاجتماعية والاقتصادية. [1]

في 16 أغسطس/آب، أصدر سعيّد دستورا جديدا يطالب الدولة التونسية بـ "تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس، والعِرض، والمال، والدين، والحرية"، وهو بند قد يقيّد حقوق الإنسان، لا سيما حقوق المرأة. تشعر النسويات التونسيات بالقلق من فقدان إرث الحماية الذي حصلن عليه منذ استقلال تونس.

قالت بشرى بلحاج حميدة، وهي ناشطة نسوية ومحامية، لـ "هيومن رايتس ووتش": "في ظل رئاسة سعيّد، فقد اليوم الوطني للمرأة كل معناه. فعل كل ما لا يجب فعله، ولا شيء مما عليه فعله".

في 13 أغسطس/آب 1956، وفي غضون ستة أشهر من الاستقلال عن فرنسا، سَنّ الرئيس الحبيب بورقيبة "مجلة الأحوال الشخصية". رغم أن بعض أجزائها قديمة، إلا أن أحكام المجلة الراديكالية آنذاك، والتي ما تزال سارية، أكسبت تونس سمعة باعتبارها "دولة نسوية" - لكن هذا التصنيف يبدو هشا في ضوء الحقائق السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية الحالية للمرأة التونسية.

حظرت المجلة تعدد الزوجات ومنحت المرأة حقوقا متساوية في الطلاق - بالتراضي دون الحاجة إلى إثبات الخطأ، متقدمة على فرنسا ودول أوروبية أخرى. [2]

مع ذلك، لم يخاطر بورقيبة بالتدخل في أحكام الميراث الأكثر بروزا بناء على تفسيرات الشريعة الإسلامية. ببساطة، بموجب هذه القواعد، يرث الأبناء ضعف ما ترثه البنات. ما يزال هذا المبدأ يوجّه القانون الوطني التونسي في هذا الشأن. ينبغي للتونسيين الراغبين بتوزيع ميراثهم بالتساوي ترتيب عمليات التحويل قبل وفاتهم.

في 2017، شكّل الرئيس باجي قائد السبسي "لجنة الحريات الفردية والمساواة" لتقديم المشورة بشأن إصلاح القوانين المحلية لتتوافق مع دستور ما بعد الثورة لعام 2014. في 2018، أعرب عن دعمه لتوصية اللجنة بتنفيذ المساواة في الميراث. في 2019، قدم مجلس وزرائه مشروع قانون إلى البرلمان عرض تسوية توافقية: سيصبح الميراث المتساوي هو القاعدة، لكن سيظل لدى التونسيين خيار تنفيذ أحكام الميراث المستوحاة من الشريعة الإسلامية بصياغة وصاياهم الخاصة.

بقي مشروع القانون عالقا في البرلمان، وقوبل برفض شديد من "حركة النهضة" – الحزب الذي كان يحتل مكانة بارزة في البرلمان حينها – قبل أن يخبو الاهتمام به مع وفاة السبسي وانتخاب سعيّد.

العنف الاقتصادي ضد المرأة

وراثة الممتلكات والأراضي ضرورية لحصول المرأة على رأس المال، والسكن، وسبل العيش. يؤدي الوصول غير المتساوي إلى استنساخ موقف الرجال في الهيمنة المالية والرمزية على المرأة. أظهرت الدراسات والتغطية الإعلامية العوائق التي تواجهها المرأة التونسية، خاصة في المناطق الريفية، في وراثة نصيبها المخصص لها، أو أي شيء على الإطلاق. تشمل هذه العقبات: الضغط من قبل أفراد الأسرة، وخاصة الأشقاء الذكور؛ والاهتمام بالمحافظة على اسم العائلة؛ والتشهير الاجتماعي بالنساء اللواتي يطالبن بميراثهن؛ وتقليل قيمة المهارات والعمل الزراعي للمرأة.[3]

ينص القانون التونسي عدد 58 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، المعتمد في 2017، على خطية (غرامة) لا تزيد عن ألفي دينار تونسي (635 دولار أمريكي) للرجال الذين يحرمون المرأة من الموارد الاقتصادية.

قالت المحللة القانونية سلوى كنو خلال ندوة حول وصول المرأة المحدود إلى الميراث: "مبلغ سخيف، على عكس ما تخسره النساء عند حرمانهن من الميراث".

تحد القيود المفروضة على وراثة المرأة للمنزل أو الأرض أو الثروة من قدرتها على حماية نفسها من عنف الرجل – خاصة عند الافتقار إلى خدمات الدعم الحكومية كالمساعدة المالية أو المأوى.

أشارت مقابلات "هيومن رايتس ووتش" مع 30 ضحية للعنف الأسري في جميع أنحاء البلاد في 2021-2022 إلى التبعية المالية كعقبة هائلة أمام الهروب من الشركاء المنتهِكين، خاصة لمن لديهن أطفال.

قالت امرأة عمرها 40 عاما ضربها زوجها واعتدى عليها جنسيا لسنوات: "لو لم يكن لدي أطفال، لما كان يهمني حتى العيش في الشارع". ليس لديها مكان تذهب إليه مع طفليها وما زالت تعيش معه.

بينما يطالب القانون 58 السلطات بإحالة النساء إلى الملاجئ إذا كن بحاجته، فإنه لا يحدد تمويلا للملاجئ أو مساعدة مالية سريعة لتلبية احتياجات المرأة أو المساعدة في العثور على سكن طويل الأجل. الملاجئ، والخدمات، والمساعدة الاقتصادية للناجيات نادرة في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق الجنوبية والداخلية.

السخرية من حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية

في 13 أغسطس/آب 2020، في خطاب هدفه الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة، قضى الرئيس سعيّد على آمال النسويات في إصلاح الميراث. قال أمام غرفة مليئة بالنساء التونسيات: "النقاش حول الميراث خاطئ ومضلل. [...] يجب علينا أولا أن نؤسس المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال قبل الحديث عن الميراث. القرآن واضح في هذا ولا مجال للتفسير".

بعدها بعامين، للاحتفال بنفس المناسبة، توجه سعيّد إلى حي هلال، وهي ضاحية مهمشة في العاصمة - تماما كما اعتاد أن يفعل بن علي، الديكتاتور الذي أطيح به خلال ثورة تونس في 2011. جثا على ركبتيه مع نساء يصنعن الأواني الفخارية وقال: "أبقي رأسك عاليا. أعرف ما تمرين به. […] إن شاء الله، ستتمتعين بحقوقك الاجتماعية والاقتصادية". لم يذكر قضية الميراث هذا العام.

زيارة رئيس الجمهورية إلى حي هلال يوم 13 أغسطس/آب 2022. © 2022 صفحة الفايسيوك لرئاسة الجمهورية التونسية

لكنه يتجاهل أن التمييز الذي تواجهه المرأة هو من العوامل الرئيسية التي تحدد قوة المرأة الاجتماعية والاقتصادية - أن العديد من النساء لا يحصلن على حقهن الحالي في الميراث الجزئي ويوصَمن عندما يطالبن به. وهو يتجاهل أن الحق في المساواة في الميراث هو حق اجتماعي واقتصادي، وأن الالتزامات القانونية الدولية لتونس، بموجب "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو) (المادة 16)، تتطلب ضمان المساواة الجندرية في الملكية، وحيازة الممتلكات، وإدارتها، والتمتع بها، والتصرف فيها.

قالت المدافعة عن حقوق المرأة خديجة الشريف لـ هيومن رايتس ووتش في 2021: "نحن نضغط من أجل المساواة في الميراث منذ عقود، لكن في الوضع السياسي الحالي، هناك أمل ضئيل جدا في إمكانية حدوث أي تغيير".

لا مساحة للنقاش

يعارض العديد من التونسيين، بمن فيهم النساء، إصلاح قانون الميراث الحالي، كما أظهرت ردود الفعل الشعبية على خطط السبسي واستطلاعات الرأي. في حال إصلاح نظام الميراث، من المرجح أن تظل المرأة محرومة من نصيبها.

بالتالي، الضرر أعمق من معارضة سعيّد للمساواة. أدى تأطيره لمسألة عدم المساواة في الميراث إلى سحق مساحة النقاش. المطلوب أن تجمع الحكومة وتنشر بيانات حول الميراث الحالي للمرأة والعواقب المترتبة على قوتها الاجتماعية والاقتصادية. علينا أن نضمن قدرة الأشخاص من جميع الخلفيات، بمن فيهم ناشطات ونشطاء حقوق المرأة، على المشاركة في النقاش لتغيير المفاهيم حول ضرورة المساواة في حق المرأة في الميراث.

بينما يبرر سعيّد بشكل تعسفي عدم المساواة في الميراث بالادعاء بأنها قانون إسلامي، جادل الخبراء ضد هكذا تفسير. شدد فقهاء على أن هذه القراءات الثابتة تمحو السياق التاريخي الذي تحتلّه الآيات القرآنية. فهم يجادلون بأن السبب في عدم المساواة في الميراث يعود على الأرجح إلى أن منح أي امرأة الحق في الميراث كان عاملا مزعزِعا في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع إلى درجة إحاطته بهذه القيود الصارمة.

وفقا لرفيق خوري، وهو خبير بشأن حصول المرأة على الأراضي في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، منح الإسلام النساء الحق في امتلاك الأراضي بأسمائهن قبل قرون من تمتع النساء الغربيات بهذا الحق. [4] ويجادل بأن الرجال، لا سيما في المناطق الريفية، يحرمون النساء من ميراثهن لضمان استمرار التبعية الاقتصادية والطاعة لآبائهن وإخوانهن، وأن هذا الهيكل الأبوي هو ما يجعل ملكية الإناث للأراضي مستعصية حول العالم.

جادل الخبراء أيضا بأن قوانين الميراث القرآنية ليست منعزلة ويجب فهمها ضمن مفاوضات حقوق الملكية الأوسع في ذلك الوقت، بما في ذلك مجموعة واسعة من الترتيبات الجديدة داخل الأسرة وبين الأجيال لتعويض عدم المساواة في الميراث مثل المهر، والوقف، والهبة، والعوض، والنفقة. [5] تتجاهل القراءة الضيقة من طرف سعيّد حقيقة أنه، عمليا، نادرا ما تتمكن النساء من الاستفادة من هذه الترتيبات المالية والعقارية الجديدة.

تتجاهل قراءة سعيّد الضيقة أيضا حقيقة أن الأقارب الذكور يمكنهم، بموجب الشريعة الإسلامية، التخلي طوعيا (التنازل) عن حقوقهم بالميراث لصالح المرأة.

توجد قواعد تمييزية بشأن الميراث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة توفر حقوقا متساوية في الميراث كالبوسنة والهرسك، وكازاخستان، وكوسوفو، ومالي، وطاجيكستان، وتركيا. [6]

تهديد الإرث النسوي للمرأة التونسية

ينبغي للرئيس سعيّد أن يضع دعمه البلاغي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة في عمل ملموس بدعم القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بما يشمل ضمان المساواة في حصول المرأة على الميراث بما يتماشى مع التزامات تونس الدولية.

ينبغي لحكومته: إجراء مسح وطني حول الممارسة الحالية لفحص القيود المفروضة على حصول المرأة على الميراث، وتطوير آليات رسمية لتعويض النساء عن القيود المفروضة على الحصول على الميراث الجزئي والحقوق الاقتصادية الأخرى، ووضع إجراءات قضائية لضمان عدم إجبار النساء على التنازل عن حقوقهن في الميراث تحت ضغط الأسرة.

مرّت 66 عاما على استقلال تونس وبناء صورة البلاد كمدافع إقليمي عن حقوق المرأة. ينبغي للرئيس سعيّد إظهار توجّهه نحو الإعمال الفعلي لحقوق المرأة، وليس السعي إلى تفكيكها.

 

[1] المواد 101-104، و114، و119 من مجلة الأحوال الشخصية.

[2] In France, the Reform Act 1975, which came into force in January 1976, amended the French Civil Code to provide for divorce by mutual consent, see Glendon, Mary Ann. “The French Divorce Reform Law of 1976.” The American Journal of Comparative Law, vol. 24, no. 2, 1976, pp. 199–228. JSTOR, https://doi.org/10.2307/839954. (تم الاطلاع في 1 أغسطس/آب 2022).

[3] "من أجل ضمان حق النساء في الوصول إلى الإرث في الوسط الريفي"، كلثوم كنو، وأسمهان بن طالب، وسمية الصندلي، بدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت. ديسمبر/كانون الأول 2020. [غير متوفر على الإنترنت]

[4] Benjamin G. Bishin and Feryal M. Cherif. 2017. ‘”Women, Property Rights, and Islam” Comparative Politics 49 (4). Ph.D. Programs in Political Science, City University of New York pp. 501-519.

[5] Sait, Siraj. 2016. Rethinking Muslim women’s equal rights: faith, property and empowerment. Contemporary Challenges in Securing Human Rights (pp.121-126) https://sas-space.sas.ac.uk/6216/1/17sait.pdf

[6] R. Whidden, Gwendolyn. 2019. “If There Be One Only, She Shall Inherit Half”: Explaining the Preservation of Islamic Inheritance Law in Tunisia ’s 1956 Personal Status Code. Page 38. https://scarab.bates.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1349&context=honorstheses

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة