(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على السلطات المصرية أن تنشر فورا تقرير تشريح جثة الاقتصادي أيمن هدهود، والتحقيق في وفاته المشبوهة.
اختفى هدهود قسرا في 5 أو 6 فبراير/شباط 2022، وتوفي قيد الاحتجاز لدى السلطات الأمنية في 5 مارس/آذار، بحسب شهادة وفاته. لم تُبلغ السلطات أسرته بوفاته إلا في 9 أبريل/نيسان، أي بعد أكثر من شهر على حدوثها. ذكرت عائلته وأصدقاؤه أن النيابة العامة أمرت في 12 أبريل/نيسان بتشريح الجثة، إنما دون تواجد مراقبين مستقلين. لم يتم تزويد الأسرة بنتائج التشريح حتى الآن.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي إتاحة تحليل التشريح والصور للمراجعة من قبل خبراء مستقلين في الطب الشرعي لتحديد ما إذا كان هدهود قد تعرض للتعذيب أو سوء المعاملة.
قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تتطلب وفاة أيمن هدهود المشبوهة في الحجز تحقيقا مستقلا تماما ونزيها وشاملا، يبدأ بمراجعة مستقلة لنتائج تشريح الجثة. من الواضح أن السلطات المصرية ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق هدهود من خلال إخضاعه للاختفاء القسري المطوّل".
وثقت هيومن رايتس ووتش نمطا من التعذيب المنهجي للمحتجزين في المكاتب السرية لجهاز "الأمن الوطني" ومراكز الشرطة. يحدث التعذيب بشكل متكرر في حالات الاختفاء القسري والذي يحظره القانون الدولي في جميع الظروف ويمكن مقاضاته كجريمة ضد الإنسانية في ظروف معينة.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع ثلاثة أشخاص مطلعين على قضية هدهود هم أخ، وصديق مقرب، ومحامي هدهود.
كان أحد الأقارب آخر من شاهد هدهود، المستشار الاقتصادي السابق لـ"حزب الإصلاح والتنمية" المصري، مساء يوم 5 فبراير/شباط. لم تتلق أسرته أي أخبار عنه لغاية 8 فبراير/شباط عندما جاء ضابط إلى منزلهم وطلب حضور قريب لهدهود إلى قسم شرطة الأميرية التابع لجهاز الأمن الوطني. هناك، سأل الضابط القريب عن عمل هدهود وأبلغه أن هدهود محتجز لدى الأمن الوطني لكنه لم يسمح له برؤيته. بعد أيام، عندما حاول الأقارب زيارة هدهود في مركز الشرطة، أنكر الضباط وجوده هناك.
في 8 فبراير/شباط، طلب صديق هدهود من محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، المساعدة في تأمين إطلاق سراح هدهود. ظنّت الأسرة أن لديها فرصة أفضل للإفراج عنه إذا أبقت اختفائه سرا.
في 18 فبراير/شباط، أبلغ مصدر غير رسمي الأسرة أن السلطات نقلت هدهود إلى مستشفى العباسية للأمراض النفسية قيد الملاحظة لمدة 45 يوما.
في 23 فبراير/شباط، عندما زار زميلا هدهود المستشفى للتأكد من وجوده، أكد لهما مسؤول المستشفى أنه محتجز في قسم الطب الشرعي بالمستشفى وأنه بصحة جيدة. أخبرهما المدير أنهما بحاجة إلى إذن النيابة العامة لزيارة هدهود لأن قسم الطب الشرعي يخضع لسيطرة الشرطة ووزارة الداخلية، ولأن هدهود متهم في قضية جنائية.
عندما استفسرت الأسرة من النيابة العامة للحصول على معلومات والإذن بزيارة هدهود، نفى مسؤولو النيابة أي معرفة به وزعموا عدم وجود دعوى ضده. نفى المستشفى لاحقا وجود هدهود هناك.
خلال مارس/آذار، حاول الأصدقاء والأقارب زيارة هدهود 15 مرة على الأقل في المستشفى لكن قوبلت طلباتهم بالرفض.
في 23 مارس/آذار، تواصل صديق هدهود بشكل غير رسمي مع أحد موظفي المستشفى والذي قال له في 4 أبريل/نيسان، "إذا كان من تسأل عنه يحمل هذا الاسم - أيمن محمد علي هدهود - فقد توفي منذ شهر". قال الصديق لـ هيومن رايتس ووتش إنه "مصدوم تماما"، مضيفا إن هدهود "عمره 48 عاما وبصحة جيدة".
في 7 أبريل/نيسان، أعلن الصديق عن اختفاء هدهود على مواقع التواصل الاجتماعي، وزار أحد أفراد الأسرة في اليوم نفسه مكتب النائب العام ومستشفى العباسية. نفى المسؤولون في كلا المكانين وجود هدهود لديهم أو امتلاكهم لأي معلومات عن سلامته أو مكان وجوده. في 7 أبريل/نيسان، قال مسؤول المستشفى، الذي أكد في 23 فبراير/شباط دخول هدهود إلى المستشفى، لأحد أفراد أسرته: "إنه ليس هنا، ولم يدخل المستشفى قط؛ وليس حيا أو ميتا هنا".
في 9 أبريل/نيسان، بعد انتشار نبأ اختفاء هدهود، اتصل ضابط في قسم شرطة مدينة نصر بالعائلة وأبلغهم بوفاة هدهود.
عندما ذهبت الأسرة إلى مستشفى العباسية للأمراض النفسية في 9 أبريل/نيسان، شاهد أحد الأخوة جثته، والتي كان بها "كدمات كثيرة في جميع أنحاء وجهه وتشقق في جمجمته" بحسب قوله لـ هيومن رايتس ووتش. بعد أن التقط صورا للجثة، طلب منه أحد العاملين بالمستشفى حذفها.
قال الأخ لـ هيومن رايتس ووتش إنه "لا يصدق أن أيمن توفي وفاة طبيعية". قال محامي هدهود لـ هيومن رايتس ووتش إن ثمة "شكوكا جنائية" تحيط بوفاته.
عندما حصلت عائلة هدهود من النيابة العامة على تصريح الدفن، وجدوا أن التصريح حدد أن هدهود ينبغي دفنه في مقبرة خيرية للجثث مجهولة الهوية. استغرق طلب الأسرة للحصول على تصريح جديد عدة ساعات. قبل إصدار تصريح الدفن الثاني، استجوبت النيابة إثنين من أشقاء هدهود لأكثر من ساعتين حول الصحة العقلية لهدهود وفقا لأحد الأصدقاء وأحد أفراد الأسرة.
أمرت النيابة العامة بتشريح الجثة في 10 أبريل/نيسان، فقط بعد انتشار أنباء وفاة هدهود على نطاق واسع.
تم تشريح الجثة في مشرحة زينهم في 12 أبريل/نيسان. رفض الطبيب الذي أجرى التشريح طلبات مراقبين مستقلين لمراقبة التشريح وأجراه دون إشراف، حسبما ذكر الأصدقاء والعائلة الذين ذهبوا إلى المبنى الذي تم فيه التشريح.
تذكر شهادة الوفاة، التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، سبب الوفاة على أنه "قيد بحث" وتاريخ الوفاة هو 5 مارس/آذار.
أرسلت هيومن رايتس ووتش ثلاث صور لجثة هدهود، التقطت بعد التشريح، إلى خبيرَين مستقلَين في الطب الشرعي. قال الخبير الأول إنه لم يستطع التوصل إلى نتيجة نهائية حول ما إذا كانت العلامات على وجه هدهود وذراعيه تشير إلى التعذيب أو سوء المعاملة أو نتيجة التحلل. قال الخبير إنه سيكون من المعتاد أن يستخدم الشخص المدرب الذي يجري تشريحا للجثة منشارا بدلا من كسر الجمجمة لفحص الدماغ. قال الخبير الثاني: "يصعب علينا إبداء ملاحظات مؤكدة، لا سيما في ضوء وقت التقاط الصور وجودتها".
قال أحد أفراد الأسرة إن النيابة العامة استدعت في 11 أبريل/نيسان أحد أشقاء هدهود لاستجوابه بعد أن تحدث لوسائل الإعلام عن الاختفاء.
في 10 أبريل/نيسان، أصدرت وزارة الداخلية بيانا نفت فيه اختفاء هدهود قسريا، وزعمت أنه تم "إيداعه بإحدى مستشفيات الأمراض النفسية بناء على قرار النيابة العامة" بعد محاولته اقتحام شقة في الزمالك في 6 فبراير/شباط. في 12 أبريل/نيسان، ادعى بيان النيابة العامة "عدم وجود شبهة جنائية في وفاته" وأقر باعتقاله في 6 فبراير/شباط.
تتعارض هذه التصريحات مع إنكار النيابة العامة لأسرة هدهود طوال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار أنه محتجز لديهم أو يواجه أي إجراءات جنائية. كما لم يعترفوا أو يفسروا التأخير لمدة شهر بين التاريخ المزعوم لوفاة هدهود والتاريخ الذي أبلغ فيه مسؤولو الأمن عائلته رسميا بوفاته.
في حالة وفاة المريض، يتطلب قانون رعاية المريض النفسي المصري من السلطات إبلاغ الأسرة في غضون 24 ساعة.
أشار بيان النيابة العامة في 12 أبريل/نيسان إلى سببين محتملين للوفاة: هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب، والإصابة بفيروس كورونا. كما ذكر أن هدهود كان في حالة هذيان وقت القبض عليه. لم تُقدَّم هذه المعلومات إلى عائلة هدهود، رغم جهودهم الدؤوبة للحصول على تفاصيل حول حالته ومكان وجوده.
زعم البيان أيضا أن النيابة العامة اتخذت "إجراءات النشر والتصوير [المتبعة مع المتوفين]" لجثة هدهود. ينبغي إبلاغ عائلة هدهود على الفور ب نتائج هذه الإجراءات (التشريح).
في 18 أبريل/نيسان، أعلنت النيابة العامة أنها أنهت التحقيق في وفاة هدهود بعد تلقيها قرار "مصلحة الطب الشرعي" بأن وفاته كانت نتيجة "حالة مرضية مزمنة بالقلب" وذكرت أن جسده خالٍ من "أي آثار إصابية تشير لحدوث عنف جنائي أو مقاومة" . قال محامي هدهود لـ هيومن رايتس ووتش إن الأسرة بصدد تقديم طلب رسمي إلى النيابة للحصول على تقرير التشريح.
صادقت مصر على المعاهدات الدولية، بما في ذلك "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب"، والتي تُلزم الحكومة بالتحقيق في جرائم التعذيب وسوء المعاملة والاختفاء القسري ومقاضاتها والمعاقبة عليها وتوفير سبل الانتصاف والتعويض لضحاياها..
قال ستورك: "تستحق عائلة هدهود ومعارفه - وكل المصريين في الواقع - تحقيقا كاملا فيما حدث لأيمن هدهود خلال تلك الأسابيع الطويلة من اختفائه. ينبغي محاكمة المسؤولين عن ارتكاب مخالفات جنائية بشكل مناسب".