كان من المفترض أن يكون 26 أغسطس/آب يوما يحتفل به عز الدين، وهو رجل عابر جنسيا (ترانس) يبلغ من العمر 26 عاما، لكنه انتهى بمأساة. قال نشطاء ترانس لـ "هيومن رايتس ووتش" إن عز الدين نزف حتى الموت بعدما أُخرِج مبكرا بعد خضوعه لعملية جراحية لتأكيد جنسه في عيادة تحت الأرض.
ما كان ينبغي لعز الدين، الذي كان يعرف أيضا بـ أحمد فارس، أن يموت هكذا، وما كان ينبغي أن تتحول جراحة لتأكيد الحياة إلى عملية تهدد الحياة في عيادة تحت الأرض. تركه النظام التمييزي القاصر دون أي خيار جراحي آخر. هذا هو حال الأشخاص الترانس في مصر الذين يُحرمون من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة في ظل حكومة تميّز ضدهم وتمنع الاعتراف القانوني بالنوع الاجتماعي.
ترجع محاولاته اليائسة للحصول على الرعاية التي يحتاجها، جزئيا، إلى الخلاف بين السلطات الدينية والطبية. بدأت المعضلة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وسببها أن للسلطات الدينية رأي في الأمور الطبية. وهو مبني على فتوى تسمح بالتدخل الطبي فقط للأشخاص حاملي صفات الجنسين، الذين يولدون بصفات تختلف عما يعتبر سائدا لأجساد الإناث أو الذكور.
الأشخاص الترانس، الذين يختلف الجندر المنسوب إليهم (المسجل عند الولادة) عن هويتهم الجندرية (الجندر الذي يُعبرون به بارتياح عن نفسهم)، تم استبعادهم. هذه السياسة المربكة والمتناقضة والتمييزية لم تترك لدى الأشخاص الترانس في مصر خيارات كثيرة – إذا ما أرادوا الجراحة، فإن العيادات غير المنظمة والتي غالبا ما تكون غير آمنة هي الخيار الوحيد.
في 2003، أنشأت وزارة الصحة المصرية لجنة مراجعة داخل نقابة الأطباء للأشخاص الراغبين في إجراء "عملية تصحيح الجنس". مع ذلك، لم تجتمع لجنة المتطوعين بشكل منتظم، ولا تملك سلطة قانونية، وتضم بين أعضائها ممثلا عن "دار الإفتاء"، هيئة الرقابة الإسلامية في مصر.
أدى هذا الأمر إلى وضع غريب تشارك فيه سلطة دينية في السياسات الطبية، بناء على فهمهم للدين لا العلم. وفقا للفتوى، ميّزت دار الإفتاء بين "تغيير الجنس"، في إشارة إلى جراحة تأكيد الجنس للأشخاص العابرين، و"تصحيح الجنس"، في إشارة إلى الجراحة للأشخاص حاملي صفات الجنسين.
أصبحت السلطات الطبية مترددة في إحالة المرضى الترانس إلى الجراحة، احتراما لنظرائهم المتدينين. في 2003، قامت "نقابة الأطباء" بتعديل "لائحة الآداب" الطبية لمنع الأطباء من إجراء عمليات جراحية للمرضى الترانس.
يتعرّض الأطباء الذين يجرون مثل هذه الجراحة للمسؤولية المهنية والتبعات القانونية بموجب المادة 244 من قانون العقوبات المصري. في العديد من الحالات الموثقة، عاقبت النيابة العامة والقضاة الأطباء الذين أجروا هذه العمليات بدعوى التسبب في "عاهة دائمة" للمرضى الترانس. تسبب هذا الحال في ارتفاع تكلفة رعاية تأكيد الجنس، حيث قل عدد الأطباء الذين على استعداد لتحمل هذه المخاطر. وفقا للعديد من الأشخاص الترانس الذين قابلناهم، تتراوح تكلفة جراحات تأكيد الجنس من 7 آلاف جنيه مصري (445 دولار أمريكي) إلى 25 ألف جنيه مصري (1,560 دولار أمريكي).
رغم هذه العوائق، أشارت نقابة الأطباء في 2013 إلى أنها على استعداد للنظر في الطلبات الفردية من الأشخاص الترانس بشروط مرهقة، بما في ذلك عامين من المراقبة النفسية. وُضِع هذا الأمر ليثبت للسلطات الدينية أن مقدم الطلب حاول حل المشكلة من خلال العلاج النفسي دون جدوى. لكن حتى هذه النافذة الضيقة أُغلِقت بضغط من دار الإفتاء في 2014.
في 2017، بدا أن الممثلين الدينيين والطبيين قد حلوا خلافاتهم من خلال الاتفاق على أن السلطات الدينية ستكون صاحبة الكلمة الأخيرة. مع ذلك، استمرت اللجنة بعدم تأدية وظائفها لدرجة أنها طلبت من الحكومة حلها وتحويل مسؤولية التعامل مع الحالات إلى وزارة الصحة أو وزارة العدل.
في قضية تاريخية عام 2016، طلب رجل ترانس اعترافا قانونيا بنوعه الاجتماعي من الدولة، لكن المحكمة الإدارية رفضت طلبه، بناء على الفتوى، وبعد أن قالت هيئة الطب الشرعي إن المدعي "خضع لعملية تغيير الجنس لا تصحيح الجنس". وأضافت المحكمة أنها "أهابت ... بمجلس النواب أن ينهض إلى تحمل التزاماته التشريعية بإصدار تشريع يحمي حرمة جسد الإنسان والعبث به دون مقتضى على خلاف أحكام الدين الإسلامي، حماية للنظام العام، على أن يبين ذلك التشريع الجهة القانونية الرسمية بالدولة التي تصدر التصاريح اللازمة لإجراء عمليات تصحيح الجنس وشروطها العلمية". أضافت المحكمة فيما يتعلق بـ"لجنة تحديد وتصحيح الجنس" بأن "نقابة الأطباء التي لا تتعدى كونها نقابة مهنية تقوم على رعاية شئون أعضائها" ليس لديها سند تشريعي لمراجعة طلبات "راغبي التحول جنسيا".
سلط هذا الحكم الضوء على الدور السلبي للمراجع الدينية في تحديد احتياجات الرعاية الصحية للأشخاص الترانس، وهي مهمة ليسوا مؤهلين لها على الإطلاق.
بسبب عدم تمكن الأشخاص الترانس من الوصول إلى الرعاية الصحية نشأت أعمال تجارية طبية سرية وخطيرة ومكلفة، وعلاج غير خاضع للإشراف في مراكز غير مرخصة، دون سبل للمساءلة. لم يُترك للعديد من الأشخاص الترانس في مصر الذين يريدون الجراحة أي خيار سوى تحمل هذه المخاطرة.
كان من الممكن أن يحصل عز الدين على الرعاية التي يحتاجها لو أن السلطات المصرية عالجت هذا التقاعس المنهجي، ووضعت إجراء إداريا يُسهل وصول الأشخاص الترانس إلى الرعاية الطبية التي تؤكد الجنس.
على الجهازين التشريعي والتنفيذي في مصر إجراء إصلاحات عاجلة لإنشاء نظام قانوني يعترف بالنوع الاجتماعي، معترف به من قبل جميع الإدارات الحكومية. على نقابة الأطباء أن تلغي الحظر الذي فرضته على إجراء العمليات للعابرين/ات جنسيا، كما على الهيئات الدينية، مثل دار الإفتاء، إنهاء تدخلها في الأمور الطبية. ينبغي أيضا تغيير مناهج كلية الطب لتشمل التدريب الطبي على إجراءات تأكيد الجنس. ينبغي تصميم الأنظمة القانونية والطبية للوفاء بالتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، كدولة طرف في المعاهدات بما في ذلك "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب".
مصر دولة ذات أهمية ثقافية وجيوسياسية في المنطقة ويمكنها أن تؤثر على بقية الدول إذا أصلحت نظامها الخاص بالعبور الجنسي/الجندري. يجب على مصر أن تقود الطريق وأن تنشئ آليات قانونية واضحة وسهل الوصول اليها للأشخاص العابرين/ات، فضلاً عن السماح بالوصول إلى الرعاية الصحية التي تؤكد النوع الاجتماعي للأشخاص العابرين/ات على غرار حق الفرد في تحديد الهوية الجندرية الخاصة به/بها بدون أي تميز.