(ستوكهولم) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن المحاكمة التاريخية لمواطن إيراني متهم بالمشاركة في الإعدام الجماعي للسجناء السياسيين، التي افتُتِحت في السويد في 10 أغسطس/آب 2021، هي لحظة مهمة للضحايا الذين طالما حُرموا من الاعتراف بهم والعدالة.
في 27 يوليو/تموز، أعلن مدعون عامون سويديون قرارهم ملاحقة مواطن إيراني بتهمة "ارتكاب جرائم حرب وقتل جسيمة في إيران في 1988". لم تكشف النيابة عن هوية المشتبه به، المحتجز في السويد منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
قالت بلقيس جراح، المديرة المشاركة في برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: "تأتي هذه المحاكمة المفصلية في السويد بعد عقود من مثابرة من العائلات الإيرانية وضحايا الإعدامات الجماعية عام 1988. هذه القضية تقرّب الضحايا من العدالة في الجرائم المُرتكبة منذ أكثر من 30 عاما".
المحاكمة في السويد ممكنة لأن قوانين الدولة تعترف بالولاية القضائية العالمية على بعض الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي، ما يسمح بالتحقيق والملاحقة القضائية لهذه الجرائم بغض النظر عن مكان ارتكابها وجنسية المشتبه بهم أو الضحايا. في السويد عناصر تسمح بالمحاكمة الناجحة للجرائم الخطيرة، منها القوانين الشاملة، والوحدات المتخصصة بجرائم الحرب التي تعمل بشكل جيد، والخبرة السابقة في مثل هذه القضايا.
أوضح المدعون السويديون أن "التشريعات المحلية السويدية لا تشمل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت قبل 1 يوليو/تموز 2014 ولا يمكن الاعتماد عليها في لائحة الاتهام هذه، لأن الأفعال الجرمية المزعومة حدثت قبل ذلك التاريخ. لذلك، تتضمن لائحة الاتهام جرائم ضد القانون الدولي، أي جرائم الحرب والقتل".
في 18 يوليو/تموز 1988، قبلت إيران قرار "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" رقم 598، الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في الحرب التي استمرت ثماني سنوات بين إيران والعراق. وفي 24 يوليو/تموز 1988، توغلت منظمة "مجاهدي خلق إيران"، وهي أكبر جماعة معارضة إيرانية مسلحة وكانت تتخذ من العراق مقرا لها منذ 1986، داخل الحدود الإيرانية.
حاولت القوة المسلحة للمنظمة في العراق، والتي كانت تسمى "جيش التحرير الوطني"، الإطاحة بالحكومة الإيرانية. صدّت القوات الإيرانية الهجوم، وأعدمت السلطات بعد ذلك العديد من المعارضين السياسيين الذين كانوا آنذاك في السجن، ومنهم العديد من أعضاء مجاهدي خلق الذين كانوا قد اعتُقلوا وحكم عليهم قبل سنوات.
بعد فتوى دينية أصدرها آية الله خميني بتشكيل لجنة لمراجعة قضايا آلاف السجناء السياسيين، أعدمت السلطات الإيرانية عام 1988 آلاف السجناء السياسيين المحتجزين في السجون الإيرانية. لم تقدّم السلطات الإيرانية أي معلومات رسمية حول عدد السجناء الذين أُعدموا. إلا أن الراحل آية الله حسين علي منتظري، النائب السابق للمرشد الأعلى، قدّر عدد الضحايا بين 2,800 و3,800. وأفادت "منظمة العفو الدولية" أن "́اللجنة الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان في إيران́، وهي منظمة حقوقية خارج إيران... سجلت أسماء 4,672 شخصا قضوا جراء القتل الجماعي للسجناء عام 1988 ممن ينتمون إلى خلق، أو جماعات المعارضة اليسارية، أو الجماعات السياسية المعارضة الأخرى.
في أغسطس/آب 2016، نشرت عائلة منتظري تسجيلا صوتيا، كان قد سُجِّل في أغسطس/آب 1988، انتقد فيه بشدة الإعدامات في محادثة مع اللجنة، واصفا إياها بأنها "أكبر جريمة في الجمهورية الإسلامية، وسيديننا التاريخ بسببها".
لطالما سعت السلطات الإيرانية إلى إسكات وملاحقة أولئك الذين يسعون لتحقيق العدالة عن الجرائم المرتكبة عام 1988. بعد نشر الملف الصوتي، حكمت المحكمة الخاصة برجال الدين في إيران على أحمد منتظري، نجل آية الله منتظري، بالسجن 21 عاما في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بتهم منها "بث الدعاية ضد النظام"، و"إفشاء الخطط أو الأسرار أو القرارات المتعلقة بالسياسات الداخلية أو الخارجية للدولة... بما يرقى إلى مستوى التجسس". عُلِّق الحكم لاحقا.
سبق أن وصفت هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومجموعة من خبراء حقوق الإنسان الأمميين الإعدامات الجماعية عام 1988 بأنها تشكل أو "قد ترقى إلى" جرائم ضد الإنسانية، وهي من أفظع الجرائم في القانون الدولي. قالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب التحقيق مع المتورطين بشكل موثوق ومحاكمتهم على هذه الجرائم.
وكان المسؤولون الإيرانيون مرتضى إشراقي، وحسين علي نيري، ومصطفى بور محمدي أعضاء في اللجنة التي قررت مصير المعتقلين في إيران. وفقا للناجين، فقد حضر رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الاجتماعات أيضا، وكان نائبا للمدعي العام في طهران آنذاك. وتلقى الأربعة رسائل من آية الله منتظري تناقش الإعدامات الجماعية، بالإضافة إلى ملف صوتي نشر بأصواتهم وهم يناقشون القضية. لا يبدو أن مزاعم تورط الرئيس الرئيسي في الإعدامات الجماعية عام 1988 جزء من هذه المحاكمة السويدية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن تزايد أهمية قضايا الولاية القضائية العالمية باعتبارها جزءا من الجهود الدولية لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع، وتوفير العدالة للضحايا الذين ليس لديهم مكان آخر يلجأون إليه وردع الجرائم المستقبلية والمساعدة في ضمان ألا تصبح البلدان ملاذات آمنة لمنتهكي حقوق الإنسان.
قالت جراح: "قوانين الولاية القضائية العالمية هي أداة رئيسية ضد الإفلات من العقاب على الجرائم الفظيعة، لا سيما في غياب أي خيار فعال آخر للعدالة".