(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الإيرانية أوقفت أكثر من 300 فردا من أقلية الدراويش المسلمة أواخر فبراير/شباط 2018 بعدما حاولت الشرطة فض مظاهرة باستخدام العنف. تنبع أحداث فبراير/شباط مما يبدو أنها حملة قمعية مكثفة على أقلية الدراويش، بما يشمل ما يُرجح كونه مراقبة لصيقة لقائد المجموعة.
أدت المصادمات إبان محاولة الفض إلى إصابة العشرات ومقتل 3 رجال شرطة على الأقل، وأحد عناصر قوات الباسيج. كما توفي أحد المتظاهرين الموقوفين رهن الاحتجاز في ظروف مجهولة. على السلطات الإيرانية أن تُفرج فورا عمن تحتجزهم، أو توجه اتهامات لهم بارتكاب جرائم متعارف عليها. على السلطات أيضا السماح بفتح تحقيق مستقل في الاستخدام المحتمل للقوة المفرطة أثناء المصادمات.
قالت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "السلطات القضائية والأمنية الإيرانية في حالة هيجان، فهي تقمع الاحتجاجات التي تنفذها جماعات مختلفة، مثل المجموعات التي تُعنى بالظروف الاقتصادية والنساء اللائي مللن من قوانين الزي الإجباري، وها هي اليوم تقمع أقلية دينية. سحق المعارضة بدلا من التشجيع على الحوار هي سمة أساسية من سمات القمع".
فرّقت الشرطة مظاهرة لأتباع طريقة نعمت الله كنابادي الصوفية في 19 فبراير/شباط وفي الساعات الأولى من 20 فبراير/شباط، ما أدى إلى مصادمات عنيفة. ثم اعتقلت السلطات ما لا يقل عن 300 من أتباع طريقة كنابادي، وبينهم نحو 60 امرأة. ما زال العديد من الموقوفين في سجون إيفين وفاشافويه وقرتشك في طهران.
أخطرت السلطات في 4 مارس/آذار عائلة محمد راجي – أحد الموقوفين – بوفاته رهن الاحتجاز. رفضت السلطات إبداء أي أسباب للوفاة وهددت بالتنكيل بأسرته إذا تحدثت عن الأمر علنا. هذه خامس وفاة رهن الاحتجاز في إيران منذ مطلع 2018.
قالت السلطات القضائية إن المسؤولين عن قتل عناصر الأمن يخضعون لملاحقات قضائية مستعجلة، ما يثير تساؤلات ومخاوف حول نقص تدابير سلامة الإجراءات القضائية ومعايير المحاكمة العادلة.
في 20 فبراير/شباط بثّ موقع أنباء "إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران" مقطع فيديو لرجل، قالت وسائل الإعلام لاحقا إنه محمد سلاس، قال فيه إنه صدم بحافلة صفّا من رجال الشرطة مدفوعا بالغضب جراء تصرفاتهم، مضيفا أنه لم يقصد قتل أحد. تم تصويره في سرير بمستشفى وبدت عليه إصابات بليغة، ما يثير تساؤلات حول ظروف تصوير مقطع الفيديو.
وقال حسين رحيمي، رئيس شرطة طهران، في 1 مارس/آذار أثناء مقابلة مع "إذاعة إيران"، إن ثمة شخص متهم بقتل عناصر الأمن سيُعدم قبل السنة الإيرانية الجديدة الموافقة يوم 21 مارس/آذار.
ظهر سلاس، وهو من أتباع طريقة الدراويش، في 11 مارس/آذار، في المحكمة ونسبت إليه اتهامات بقتل 3 رجال شرطة. قال أثناء المحاكمة إن قوات الشرطة هاجمته أثناء الاحتجاجات، فأصيب بعدد من الجروح في الرأس. من المقرر صدور الحكم في غضون 7 أيام.
طالب عدد من الأئمة في صلاة الجمعة إبان مصادمات فبراير/شباط بالتعامل بحزم مع أتباع طريقة كنابادي. وفي 23 فبراير/شباط، قال الإمام بمدينة مشهد الدينية في خطبة الجمعة، وهو آية الله سيد أحمد علم الهدى، إن الدراويش "جماعة مارقة" تقودها المملكة المتحدة.
أتباع نعمت الله كنابادي يعتبرون أنفسهم من الاثني عشرية الشيعية، وهي الديانة الرسمية للدولة في إيران، لكن تضطهدهم السلطات جراء معتقداتهم الدينية، على مدار الأعوام الأخيرة. في 8 مارس/آذار نشر نور علي تابنده الزعيم الروحي لطريقة نعمة الله كنابادي مقطع فيديو قال فيه إنه ليس مسموحا له بمغادرة مسكنه في طهران.
قالت هيومن رايتس ووتش إن مهاجمة قوات الشرطة عمل إجرامي ويمكن فتح ملاحقات قضائية بشأنه، لكن على السلطات الإيرانية ألا توسّع المسؤولية الجنائية من أشخاص يُزعم ارتكابهم لأعمال إجرامية إلى مجموعة كاملة من المتظاهرين. تعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في كافة الأحوال نظرا لكونها عقوبة لا رجعة عنها ولاإنسانية.
يحق للجميع بموجب القانون الدولي المشاركة في التجمعات القانونية والسلمية، بناء على المبادئ المنصوص عليها في "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وفي "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" (العهد الدولي)، وإيران طرف فيه. تطالب "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون" أن يتجنب الأمن استخدام القوة عند فض التجمعات غير القانونية وغير العنيفة في الوقت نفسه، أو في حال لم يكن هذا ممكنا بشكل عملي، فأن تقيد استخدام القوة إلى الحد الأدنى الضروري.
كما تطالب المادة 14 من العهد الدولي إيران بضمان الحق في المحاكمة العادلة لكل شخص يمثل أمام محكمة جنائية. يشمل هذا الحق في "أن يعطى [المتهم] من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه". قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الإيرانية أن تنسب اتهامات بجرائم متعارف عليها، وأن تضمن للمتهمين الحق في المحاكمة العادلة.
تُطالب المادة 18 من العهد الدولي إيران بإعمال الحق في حرية المعتقد الديني لجميع من يقيمون على أراضيها، وتنص المادة 27 على ضرورة كفالة الحق لجميع أفراد الأقليات الدينية، بأن يجاهروا بدينهم ويقيموا شعائره.
قالت ويتسن: "من الواضح أن السلطات الإيرانية تستغل واقعة فبراير/شباط في قمع أقلية دينية أخرى. السلطات الإيرانية تستهزئ بالحريات الأساسية، فبعد اعترافها بالحق في التظاهر في يناير/كانون الثاني، ها هي تمارس القمع ضدّ أي مجموعة تخرج للتظاهر".
مظاهرات جماعة الدراويش
قال فرهاد نوري محرر موقع "مجذوبان نور" الذي يغطي أنباء طريقة كنابادي، لـ هيومن رايتس ووتش إن مظاهرات الجماعة السلمية بدأت في شارع غولستان هفتوم في حي باسدران شماليّ طهران في 4 يناير/كانون الثاني. ظن المتظاهرون أن عناصر من المخابرات يتظاهرون ببناء كشك فيما هم يراقبون مسكن قائدهم نور علي تبانده.
في 4 فبراير/شباط، ظهر في الحيّ عناصر أمن في ثياب مدنية، ما أدى إلى مصادمات محدودة مع بعض أتباع طريقة الدراويش، انتهت بتدخل الشرطة. في اليوم التالي، قال رحيمي رئيس شرطة طهران لـ "وكالة أنباء طلاب إيران (اسنا)" إن لا خطة هنالك لمواجهة الدراويش. قال نوري إن قوات الشرطة وافقت على السماح لأعضاء الطريقة بالبقاء في الحي لضمان سلامة مسكن قائدهم.
أحداث 19 و20 فبراير/شباط
في 19 فبراير/شباط، اعتقلت قوات الشرطة اثنين من أتباع طريقة الدراويش كانا قد أبلغا الشرطة بسرقة سيارة. في حين تم إخلاء سبيل أحدهما على الفور، فقد استجوبت الشرطة نعمة الله رياهي، وهو رجل عمره 70 عاما من شهر كرد، وكان الاستجواب على ما يبدو بسبب معتقداته الدينية. أعلنت السلطات أنها استجوبت رياهي جراء محاولة سرقة سيارة. في 20 فبراير/شباط، تجمع أتباع الطريقة أمام مركز شرطة 102 في حي باسدران احتجاجا على احتجاز رياهي، ثم جاءت الشرطة بعد ساعات، ما أدى إلى مصادمات عنيفة.
يُظهر مقطع فيديو – من بين عدة مقاطع انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي – حافلة تصدم عناصر من الأمن. ظهر رجل يُدعى محمد سلاس في مقطع فيديو بثه موقع تابع لإذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران في 20 فبراير/شباط وهو يقول من سريره بالمستشفى إنه كان سائق الحافلة، وقد سيطر عليه الغضب ولم يكن ينوي قتل أحد. يواجه سلاس عقوبة الإعدام، وقد يواجه انتهاكات تتعلق بحقه في سلامة إجراءات التقاضي بسبب إعلان الحكومة أن المسؤولين عن مقتل عناصر الأمن سيخضعون لمحاكمات "مستعجلة".
قال نوري إن المصادمات اتسعت وانتقلت إلى شارع غولستان هفتوم، حيث يقيم نور علي تابنده. وقرب منتصف الليل، تناقلت التقارير مهاجمة عناصر من الباسيج في ثياب مدنية للدراويش، ما أدى لإصابة العشرات. وبعد الحادث، اعتقلت قوات الأمن جميع أتباع طريقة الدراويش المتواجدين تقريبا. في 20 فبراير/شباط، قال منتظر المهدي لمواقع إخبارية إن السلطات اعتقلت نحو 300 شخص أثناء المصادمات في حي باسدران، وإنه تم إخلاء المنطقة الساعة 4:30 من صباح 20 فبراير/شباط.
كما أفادت مواقع إخبارية مقربة من قوات الباسيج بمقتل عنصر من الباسيج يُدعى محمد حسين حداديان، أثناء المصادمات. في حين زعمت بعض الروايات أن سيارة صدمت حداديان، فصورة جثمانه التي نُشرت على موقع وكالة أنباء اسنا تُظهر إصابته بعدة أعيرة نارية. قالت والدة حداديان لموقع "تسنيم" الإخباري في 11 مارس/آذار إن شهودا أخبروها بأن ابنها كان ضمن قوات الباسيج بمنطقة باسدران بعد 11 مساء يوم 19 فبراير/شباط. وفي 6 مارس/آذار – في بادرة تعاطف نادرة – قام آية الله خامنئي قائد الثورة الإيرانية بزيارة عائلة حداديان.
الاعتقالات والاحتجاز
بحسب مصدر طلب عدم ذكر اسمه، اعتقلت السلطات نحو 60 امرأة من طريقة دراويش كنابادي ليلة 19 فبراير/شباط. في حين تم الإفراج عن أغلبهن بعد فترة وجيزة، فما زالت 11 امرأة منهن محتجزة في سجن قرتشك جنوبي طهران. من المحتجزات: شكوفي يداللهي، سبيده مرادي، نزيلة نوري، سيما انتصاري، شيما انتصاري، شاهناز كياني، مريم بركوهي، عائشة جلال الدين، مريم فارسيابي، وإلهام أحمد. نقلت السلطات امرأة أخرى هي صديغة صفابكش من سجن إيفين إلى قرتشك بعد أيام. وتعاني شكوفي يداللهي من إصابة في الرأس تعرضت لها أثناء الاحتجاجات، ولم تتلق علاجا مناسبا بعد على حد قول المصدر، كما أن نجليها كسرى وأمين نوري اللذين أصيبا إصابات بليغة محتجزان بدورهما.
قال فرهاد نوري لـ هيومن رايتس ووتش في 9 مارس/آذار إن السلطات ما زالت تحتجز نحو 130 رجلا من دراويش كنابادي في سجن فشافویه، مع تلقي العشرات غيرهم العلاج في مستشفيات عديدة في طهران. يُعتقد أن العشرات منهم محتجزون في سجن إيفين.
محمد راجي
في 4 مارس/آذار، اتصلت الشرطة بعائلة راجي وطلبت منهم الحضور لمركز الشرطة، حيث أخطرتهم بوفاته رهن الاحتجاز. في 5 مارس/آذار ذكرت "وكالة أنباء فارس"، المقربة من الحرس الثوري، أن "مصدر مطلع نفى تقارير حول وفاة أحد أتباع طريقة الدراويش في سجن إيفين أو رهن احتجاز الشرطة وقال: "ليس عندنا وفيات ضمن أعضاء هذه الطريقة أثناء التحقيقات"، مضيفا: "هذا الشخص أصيب ليلة المصادمات في شارع باسدران ونُقل إلى مستشفى بقية الله لكنه مات".
شددت أسرته في مقابلات إعلامية على رؤيتهم راجي حيا وإن كان مصابا إصابات بليغة، وقت اعتقاله. وقال لـ هيومن رايتس ووتش مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه خشية التنكيل، إن شهادة الوفاة التي أصدرتها السلطات تنص على 19 فبراير/شباط كتاريخ للوفاة، لكن في خانة سبب الوفاة تمت كتابة "قيد التحقيق". قال المصدر إن السلطات أكرهت عائلة راجي على دفن جثمانه في حضور قوات الشرطة الساعة 2 من صباح 6 مارس/آذار في مقبرة بمدينة اليگودرز بمقاطعة لورستان. هددت السلطات باعتقال أقارب راجي إذا استمروا في الحديث لوسائل الإعلام.