يعاني تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من هزائم ثقيلة في العراق.
في حين أن انهيار داعش خبر يستحق كل الترحيب بالنسبة للعراقيين الذين عانوا كثيرا تحت سيطرة ذلك التنظيم القاتل، فما يجب فعله إزاء أعضاء داعش الذين لم يفروا بعد أو يُقتلوا في المعركة ليس بنفس الدرجة من الوضوح. أسلوب العراق الحالي منقوض، وهو خطر تماما.
لقد شهدت بنفسي كيف قامت القوات العراقية بفحص، احتجاز، ومحاكمة الرجال والصبية بتهمة الانتماء إلى داعش. طريقة توقيفهم بها مشاكل، فبعضهم اتهموا بأنهم مشتبهون بالانتماء للتنظيم فقط بناء على "معلومات" مشكوك فيها من جيران، ربما لم يبلغوا عنهم إلا بدافع كيدي أو جراء خلافات قائمة منذ زمن على الأرض أو أعمال تجارية.
قال لنا العديد من مشتبهي داعش إن القوات العراقية احتجزتهم لشهور واستجوبتهم دون حضور محامين، وأحيانا عذبتهم للاعتراف بأنهم أعضاء في التنظيم. ثم حاكمهم القضاة وأدانوهم بناء على الاعتراف، لكن لم يميزوا بين من اعترف بكونه مقاتل اغتصب وذبح، ومن قال إنه كان مجرد طاهٍ لمجموعة مقاتلين أو طبيب استمر بعمله في مستشفاه المحلي حتى بعد استيلاء داعش عليه. يواجه هؤلاء جميعا عقوبة الإعدام، بموجب قانون مكافحة الإرهاب العراقي.
تعرف هيومن رايتس ووتش بأكثر من 7 آلاف من مشتبهي داعش حوكموا وأدينوا منذ 2014، و92 مدانا بالانتماء لداعش تم إعدامهم. على حد علمنا، فالمحاكم العراقية لم تتهم أي من هؤلاء بجريمة بخلاف العضوية في داعش، كما نعرف أن بعض المحاكمات لا تدوم لأكثر من 15 أو 20 دقيقة، دون وجود ضحايا الجرائم المُدعى عليهم بارتكابها.
هذه المحاكمات لا تخرق حقوق المدعى عليهم فقط، إنما تحرم الضحايا أيضا من أن يشهدوا الإنصاف في المحكمة. في مثال مزعج، اعترف مدعى عليه أثناء محاكمته إنه احتجز 4 نساء لاستعبادهن جنسيا، وكان يغتصب واحدة كل ليلة. لكن المحكمة لم تدنه إلا بالعضوية في داعش، إذ يبدو أن السلطات العراقية لم تر حاجة للبحث عن النساء اللاتي اغتصبهن، وإتاحة فرصة لهن لأن يشهدن بأعينهن الإنصاف والعدالة تتحقق في المحكمة.
لقد أمضيت فترة أتحدث إلى عوائل عانت من فظائع ارتكبها داعش، وتكلموا جميعا عن ظمأهم للانتقام. السلطات العراقية عليها ضغوط لتقديم ما يبدو أنه عقاب صارم. لكن هذا الأسلوب لن يغرس إلا بذور المزيد من العنف.
تحدثت إلى أكثر من 100 عائلة أُخذ منها الأبناء والأزواج أثناء عملية الفحص للقبض على مشتبهي داعش، لكن ما زالوا بعد شهور لا يعرفون أين هم. في البداية اعترتهم الفرحة العارمة لتحررهم من داعش. الآن، أسمع هذا القول كثيرا: "أتمنى لو كنت بقيت في الموصل وقُتلت في غارة جوية. هذا أفضل من العيش دون أن أعرف ما حدث لزوجي". رأيت زنزانة، لا يزيد عرضها عن 4 أمتار، بها 114 سجينا قُبض عليهم أثناء مداهمة بحثا عن عناصر داعش، ومكثوا بالزنزانة شهورا دون نفس واحد من الهواء الطلق.
كما تحدثت إلى نساء احتجزهن داعش لأغراض الاسترقاق الجنسي، تم بيعهن أكثر من 10 مرات، إذ تنقلن من رجل لرجل، واغتصبن مرارا. يشعرن بأن الحكومة العراقية لا يهمها إطلاقا معاناتهن، ولم تفعل شيئا لإخضاع المغتصبين للمحاسبة.
إذا أراد العراق إظهار أنه على العكس من داعش يهتم حقا بالضحايا والعدالة وسيادة القانون، فعليه إعداد خطة للملاحقة القضائية المنصفة للأفراد بحيث تعكس كامل الجرائم المُرتكبة، مع تحديد دور واضح لأصوات الضحايا.
شجعت الحكومة البريطانية على مدار العام الماضي مجلس الأمن على إنشاء فريق تحقيق دولي لدعم العراق في جمع أدلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. لكن سرعان ما واجه الفريق مشكلات حقيقية، فالمحاكمات في العراق يُرجح أن تنتهي قبل أن يبدأ الفريق عمله، ولن تتمكن الأمم المتحدة من تسليم الأدلة التي جمعتها إلى المحاكم العراقية، وهي محقة في هذا، بسبب المحاكمات المليئة بالعيوب واستخدام عقوبة الإعدام. وحقيقة أن هذا الفريق لن يفحص سوى الجرائم التي ارتكبها داعش يعني ازدواجية في المعايير، نظرا للجرائم الجسيمة التي ارتكبها حلفاء للحكومة العراقية.
إذا ماذا يمكن للحكومة البريطانية أن تفعل؟ من المهم أن تقوم – إلى جانب الفاعلين الدوليين الآخرين المهتمين بالعدالة لصالح ضحايا داعش – بالتفاعل الآن مع المحاكمات الجارية، وتشمل سداد المصاريف اللازمة لأعمال مراقبة حقوق الإنسان في المحاكم. عليها أن تساعد في مراقبة ظروف الاحتجاز وأن تعمل على تحسينها وأن تموّل أهالي الضحايا، بحيث يمكنهم المشاركة في المحاكمات. وعليها أن تدفع العراق لإلغاء عقوبة الإعدام، والسماح بأن يُنسب اتهامات بجرائم الحرب لمن ارتكب أسوأ الفظائع. تحسين ودعم نظام القضاء مهم إذا ما أراد العراق تفادي السقوط في دوامة مظلمة أخرى من العنف.