(واشنطن) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير نشرته اليوم إن غارتين جويتين بالقرب من الرقة في سوريا في مارس/آذار قتلتا 84 مدنيا على الأقل، بينهم 30 طفلا، وتثيران المخاوف حول عدم اتخاذ التحالف بقيادة الولايات المتحدة في حربه ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف والمسلح (المعروف أيضا باسم "داعش") الاحتياطات المناسبة لتقليص إصابات المدنيين. الاستنتاجات مبنية على تحقيق ميداني في الغارتين.
يوثق تقرير "جميع الاحتياطات الممكنة؟ الإصابات المدنية جراء غارات التحالف ضد داعش في سوريا"، الصادر في 34 صفحة، هجمتين حصلتا في مارس/آذار، على مدرسة كانت تأوي عائلات نازحة في المنصورة وسوق وفرن في الطبقة، غرب الرقة. وجدت هيومن رايتس ووتش أن مقاتلي داعش كانوا موجودين في هذين المكانين ولكن كان هناك أيضا عشرات، إن لم يكن مئات، المدنيين. قالت هيومن رايتس ووتش إن على التحالف إجراء تحقيق شامل وسريع ومحايد في الضربات والقيام بكل ما يمكن لتفادي ضربات مماثلة، وتقديم التعويض أو العزاء للمتضررين من عمليات التحالف.
قال أولي سولفانغ، نائب مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: "هذه الهجمات قتلت عشرات المدنيين، وبينهم أطفال، الذين لجأوا إلى المدرسة أو كانوا مصطفين لشراء الخبز من الفرن. إن لم تكن قوات التحالف تعلم بوجود مدنيين في هذين الموقعين، فعليها أن تعيد النظر في الاستخبارات التي تستخدمها للتحقق من أهدافها، لأنه من الواضح أنها لم تكن كافية".
حققت هيومن رايتس ووتش أيضا في 3 هجمات أخرى في المنطقة أدت إلى خسائر كبيرة بين المدنيين.
حصلت الهجمات عندما شن التحالف وقوات موالية له على الأرض هجوما عسكريا كبيرا للسيطرة على الرقة، عاصمة داعش الفعلية. زارت هيومن رايتس ووتش الموقعين بين 1 و4 يوليو/تموز وأجرت مقابلات مع 16 شخصا، من ضمنهم ناجون وشهود عيان ومسعفون وموظفون طبيون.
جميع الذين تمت مقابلتهم قالوا إنه في حين كان في الموقعين بعض أعضاء داعش، كان هناك عشرات المدنيين أيضا. قالوا أيضا إن مدرسة المنصورة آوَت عددا كبيرا من المدنيين، الكثير منهم لا علاقة لهم بداعش على الإطلاق، وإن سوق الطبقة الذي يضم الفرن كانت يخدم المدنيين الذين اصطف الكثير منهم أمام الفرن لشراء الخبز وقت الهجوم.
"قوة المهام المشتركة" التابعة للتحالف ضد داعش اعترفت بأنها قصفت مدرسة المنصورة، مبررة بذلك باعتقادها أن المبنى كان مركزا ومخزن أسلحة لداعش، وأنها لم تكن على علم بوجود مدنيين. في حين تقول قوة المهام المشتركة إنها لا تزال تنظر في مزاعم أن طائرات التحالف قتلت عشرات المدنيين في الغارة على سوق الطبقة، تشير المُلابسات إلى أنه من المستبعد أن يكون طرف آخر هو المسؤول.
يفرض القانون الدولي على الأطراف المتنازعة اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة في جميع الأوقات لتفادي، أو أقلّه لتقليص، الإصابات بين المدنيين قدر الإمكان. في حال الشك إذا كان الشخص مدنيا أم لا، يجب اعتباره مدنيا. حين يوجد مدنيون في موقع الهدف العسكري، يجب أن يكون واضحا لقوات التحالف أن الأذى اللاحق بالمدنيين أو أملاكهم جراء أي هجوم مخطط له متناسب وغير مفرط مقارنة مع الربح العسكري المتوخى من الهجوم.
إخفاق قوات التحالف في اكتشاف وجود عشرات، إن لم يكن مئات، المدنيين في هذين الموقعين يخلق مخاوف جدية حول كيفية تأكيد التحالف وجود مدنيين داخل هدف ما أو عدمه، وحول اتخاذها جميع الاحتياطات الممكنة لتقليص الأذى اللاحق بالمدنيين. كما يثير مخاوف حول كيفية تقرير التحالف إن كان الشخص مدنيا أم مقاتلا، وإذا كانت قواته قد التزمت بشرط معاملة الأشخاص كمدنيين في حال الشك والتزامها التمييز بين المدنيين والمقاتلين.
إن كانت قوات التحالف على علم بوجود المدنيين ولكنها قررت المضي بالهجوم، يحتمل أن تكون قد انتهكت مبدأ التناسب.
هذان الهجومان ليسا فريدين من نوعهما. فمثلا، قصفت طائرة أمريكية مسجدا في 16 مارس/آذار 2017 بالقرب من الجينة، غرب حلب، وقتلت عشرات الأشخاص الذين قال السكّان إنهم مدنيون. بحسب تحقيق عسكري لاحق، لم تكن الجهة التي وافقت على الهجوم تعلم أن الهدف جامع. غير أن التحقيقات نفت وجود أعداد كبيرة من المدنيين واعترفت بأن مدنيا واحد فقط قد يكون قُتِل.
قالت قوات التحالف، في مراسلة مع هيومن رايتس ووتش، إنه لم يطرأ أي تغيير على قواعد التحالف للاشتباك أو الامتثال لقانون النزاعات المسلحة. ولكن وزير الدفاع الأمريكي جايمس ماتيس قال إن الرئيس دونالد ترامب أمر الجيش بالإسراع في حملته وتفويض سلطة الموافقة على الهجمات إلى مستوى أدنى. قال ماتيس إن هذا يسمح "بالتحرّك بقوة وفي الوقت المناسب ضد نقاط ضعف العدو". قامت الإدارة الأمريكية السابقة بنفس التغييرات في ديسمبر/كانون الأول 2016.
في غياب تفاصيل أكثر عن هذه التغييرات، من الصعب تقييم آثارها بدقة. إنما على التحالف أن يضمن على الدوام أن تفويض قرار الهجوم إلى سلطة أدنى من أجل الهجوم على العدو "بقوة أكبر" لا يقوّض فعالية احتياطات قواته لتقليص الأذى اللاحق بالمدنيين.
تُظهر الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش أوجه القصور في المنهجية التي تتبعها قوات التحالف لتقييم ما إذا كانت غاراتها الجوية قتلت مدنيين أم لا. في الحالتين اللتين قيّمهما التحالف وقت نشر هذا التقرير – هجوم 20 مارس/آذار على مدرسة المنصورة وقبله قرب سوق الطبقة في ديسمبر/كانون الأول – وجد التحالف أن مزاعم إصابات المدنيين غير معقولة. المعلومات التي قدمتها قوات التحالف تشير إلى أنها لم تزر الموقعين ولم تجر مقابلات مع السكان والشهود، مع العلم أن قوات صديقة كانت تسيطر على المنطقة منذ أسابيع.
قال سولفانغ: "لو أن التحالف زار الموقعين وتكلّم مع الشهود، لوجد أدلة كثيرة على مقتل مدنيين في هذين الهجومين. على التحالف أن يتّبع خطانا ويجري تحقيقات شاملة، ويجد طريقة لتحسين تقييمه لإصابات المدنيين".