أعلن مسؤولون إسرائيليون في 11 يونيو/حزيران أنهم سيخفضون تزويد المستهلكين في قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40 بالمئة، بطلب من السلطة الفلسطينية. كان التخفيض قد بدأ بنسبة 7 بالمئة في 19 يونيو/حزيران. يجب التراجع عن هذا التوجه فورا.
غزة غارقة في الظلام أصلا. تنقطع الكهرباء 18 ساعة يوميا. إمدادات المياه غير منتظمة، فالتيار الكهربائي ضروري لضخ الماء إلى مباني غزة المرتفعة. تكتفي الآن محطات معالجة المياه العادمة بضخها إلى البحر حيث يسبح الأطفال ويصطاد الصيادون.
المستشفيات مزودة بمولدات، لكنها معرضة للأعطال، وعندما تتعطل، يضخ موظفو طب الأطفال الأكسجين يدويا في رئات الأطفال المرضى آملين في عودة الكهرباء. أما العناية الطبية غير المستعجلة فتؤجَل.
المصانع تخفض إنتاجها وتكلفة وقود المولدات تلتهم أرباحها. يكابد الأهالي لغسل الملابس والحفاظ على الأطعمة وإقناع أطفالهم بإنجاز واجباتهم المدرسية على ضوء الشموع. ولأن الحدود مغلقة، يبذل سكان غزة ما بوسعهم للإطلال من آخر نافذة على العالم الخارجي، وهي شبكة الانترنت.
أكثر من عقد من الانقطاعات
منذ أن قصفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء في غزة في 2006 والسكان يعانون من نقص مزمن في التيار الكهربائي. وفي السنوات التالية، مع تزايد التوتر بين إسرائيل وحركة "حماس" التي سيطرت على غزة في 2007، قصفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء المرة تلو الأخرى.
حدت إسرائيل دوريا من كمية الديزل الصناعي التي تسمح بشرائها لمحطة الوقود، ما يقيد إنتاج الكهرباء. كما فرضت إسرائيل قيودا صارمة على حركة الأشخاص والسلع من غزة وإليها، أكثر مما تستلزمه الدواعي الأمنية، معيقة الاقتصاد. وبينما ارتفع عدد سكان غزة إلى 1.9 مليون نسمة، معظمهم أطفال، تعطل العقوبات الإسرائيلية بنيتها التحتية الخاصة بالطاقة.
هذه الأزمة الأخيرة في توفير الكهرباء سببها خلاف في التمويل بين السلطة الفلسطينية وحماس، عدوتها اللدودة. مع أن السلطة الفلسطينية تقول إنها مسؤولة عن الفلسطينيين جميعا في غزة والضفة الغربية، إلا أنها توقفت عن دفع مستحقات وقود محطة توليد الكهرباء في غزة، كما توقفت إسرائيل عن بيعه.
ترك هذا الانقطاع سكان غزة معتمدين بشكل أساسي على التيار الذي تبيعه إسرائيل عبر الخطوط الكهربائية. وتقول السلطة الفلسطينية إنها لن تدفع المقابل الكامل للكهرباء الذي تزود بها إسرائيل غزة مباشرة.
في النزاعات السابقة من هذا النوع، تدخل مانحون دوليون مثل الاتحاد الأوروبي وقطر لدفع فاتورة الديزل الذي تشتغل به المحطة. لكن الاتحاد الأوروبي حوّل المبالغ التي يدفعها مقابل الوقود إلى مساعدات مباشرة للسلطة الفلسطينية، كما توقفت قطر عن دفع تلك الفواتير منذ أشهر تحت ضغط جيرانها للحد من دعمها لغزة.
ما يفرضه القانون – والأخلاق
الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، اللتين يُعترف بهما كأرض واحدة، بلغ الآن 50 عاما. تختلف درجة سيطرتها باختلاف المناطق، لكن في كل الأراضي الفلسطينية، على إسرائيل واجبات في إطار قانون الاحتلال وقانون حقوق الإنسان الدولي لتسهيل الحياة العادية للمدنيين.
ولأن إسرائيل تستمر في ممارسة سيطرة كبيرة على الحياة في غزة، بما في ذلك قدرتها على تطوير قطاع الطاقة، فعليها تزويدها بالقدر اللازم من الطاقة لتلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزة. ذلك ضروري للحصول على الماء والخدمات الصحية واقتصاد فعال.
تقول الحكومة الإسرائيلية إنها فقط تطبق قرارا يعود للسلطة الفلسطينية. إن محاولة السلطة استغلال الحقوق الأساسية للفلسطينيين في غزة كورقة مساومة في صراعها مع حماس على الحكم أمر مُخز.
لكن السلطة لا تسيطر على غزة أو الضفة الغربية، ومهما كان موقفها، فإن إسرائيل مسؤولة قانونا عن المدنيين في الأراضي الفلسطينية. وما دامت إسرائيل تستمر في التحكم بحياة المدنيين الفلسطينيين في غزة عن طريق الاحتلال العسكري، فهي تبقى مسؤولة عن رعايتهم.
إلى غاية هذا الشهر، رفضت إسرائيل "طلبات" السلطة الفلسطينية قطع التيار الكهربائي عن غزة واستمرت في تزويدها به، مستخلصة كلفته من عائدات الجمارك والضرائب على القيمة المضافة التي تحصّلها من الفلسطينيين.
سواء استمرت إسرائيل في استخلاص الكلفة من العائدات الضريبية الفلسطينية أو دفعتها بنفسها، فإن القانون الدولي، كما أبسط قواعد الأخلاق، يلزم إسرائيل بألا تتمادى في قطع التيار الكهربائي عن غزة أو الحد من توفيره على حساب الاحتياجات الإنسانية والتنموية الحيوية.