في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، حذرت "هيومن رايتس ووتش" من العواقب الحقوقية الوخيمة التي قد تؤدي إليها مشاركة "قوات الحشد الشعبي" في فحص الرجال والصبية الفارين من الموصل للاشتباه في تورطهم مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (يُعرف أيضا بـ "داعش").
نظرا لافتقار هذه المجموعات للتدريب على فحص الافراد أمنيا، والطبيعة غير النظامية لإجراءات الفحص والاحتجاز التي يعتمدونها، وعدم تواصل المحتجزين مع العالم الخارجي ما إن يُوقفوا، فإن أي رجال أو صبية يُحتجزون خلال إجراءات الفحص سيعانون من خطر الانتهاكات الزائد، بما يشمل الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري. ولقد شهدنا بالفعل أثناء معركة الفلوجة النتائج المروعة والدموية لأعمال الفحص والاحتجاز على يد الحشد الشعبي.
تقدم رئيس الوزراء حيدر العبادي قبل بدء معركة الموصل بتعهدات غير علنية في اجتماعات مع دبلوماسيين، بأنه سيُبقي الحشد الشعبي خارج الموصل، وبعيدا عن عملية التدقيق الأمني. لكن في فبراير/شباط 2017 اكتشفنا أن الحشد الشعبي أخضع المدنيين الهاربين من المدينة لتدقيق أمني غير رسمي، واحتجزت القوات في بعض الحالات أشخاصا للاشتباه في انتمائهم إلى داعش.
لدى صدور تقريرنا في هذا الشأن، تعهد رئيس الوزراء العبادي مرة أخرى للدبلوماسيين بصفة غير علنية بأن هذا الأمر سيكف فورا. لكن نستمر في رؤية أدلة على اضطلاع الحشد الشعبي بفحص الرجال والصبية الفارين من الموصل.
تحدثتُ في 12 مارس/آذار 2017 إلى 3 رجال فروا من المدينة في 9 مارس/آذار عبر طريق تُفضي غربا إلى خارج المدينة. قالوا إن أول لقاء لهم بالقوات العراقية كان في موقع فحص غير رسمي يديره 10 إلى 15 مقاتلا من الحشد الشعبي على الطريق المذكورة، في مقلع حجارة مهجور. المسؤولون الذين عرّفوا عن أنفسهم بصفتهم من الحشد الشعبي، وكانوا يحملون شارات الحشد ويجلسون داخل حافلتين صغيرتين، أخذوا بطاقات هوية الرجال من الباب الجانبي المفتوح وفحصوا أسماءهم على قواعد بيانات لديهم على حاسب شخصي وعلى حاسوب لوحي "آي باد"، على حد قول الرجال. كما استعان ضباط الحشد الشعبي بـ "مُخبر" مُقنّع كان يشير إلى الوافدين الذين يُزعم أن ثمة صلات تربطهم بداعش. قال الرجال إنهم تبينوا من لهجتهم أن هذه القوات من الحشد جاءت من جنوب العراق. قالوا إن ضباط الحشد الشعبي احتجزوا عدة رجال عند موقع الفحص وإنهم رأوا الضباط يصطحبون الرجال بعيدا. قالوا إنه لم تكن هناك أية قوات عراقية أخرى بالموقع.
قال مراقب شهد موقع الفحص نفسه في 11 مارس/آذار 2017 إن 3 مجموعات من الحشد الشعبي كانت موجودة: "كتائب حزب الله"، "كتائب العباس"، "كتائب الإمام علي". قال المراقب إن ضابطا أعلن أنه من كتائب الإمام علي احتجز رجلا، وعندما سأل القوات إلى أين سيؤخذ هذا المعتقل ردوا عليه بإجابات عديدة.
قال مقاتل من كتائب الإمام علي إنهم احتجزوا 10 رجال على الأقل على مدار اليومين السابقين، وسلموهم إلى الجيش العراقي. هناك ضابطان آخران، أحدهما كان مسؤولا عن مُحتجز حينئذ، قالا إنهم نقلوه مباشرة إلى السلطات القضائية في بغداد. قال رجل ثالث عرف عن نفسه بصفته ممثل عن "مديرية الأمن العام" إن الحشد الشعبي يسلم المعتقلين إلى قواته. كانت مديرية الأمن العام، المُعطلة حاليا، قوة استخبارية في عهد صدام حسين، وقال خبيران في بغداد لـ هيومن رايتس ووتش إنهما لم يسمعا بعودة هذه الهيئة إلى للعمل.
تعدد الإجابات هذا يؤشر بغياب التنسيق الكامل، ويثير الكثير من القلق إزاء مكان احتجاز المعتقلين، وعلى يد من، وفي ظل أي ظروف وبموجب أي صلاحيات.
من جانبها تستمر قوات الحشد الشعبي في إنكار تنفيذ عمليات فحص ضمن عملية الموصل. إثر صدور تقريرنا في فبراير/شباط 2017 أصدرت هيئة الحشد الشعبي بيانا تنكر فيه أن قواتها تفحص أو تحتجز أي أحد. قالت الهيئة إنها تسلم المشتبه بكونهم من داعش، المأسورين، إلى قوات الأمن الحكومية التي لديها صلاحيات الفحص الأمني. لكن في اجتماع بتاريخ 6 فبراير/شباط، أقرّ لنا ممثل عن هيئة الحشد الشعبي بأنهم، في حالات محدودة، يحتجزون الأفراد الأسرى في ساحة المعركة لفترات قصيرة على الأقل، قبل تسليمهم إلى السلطات التي لديها صلاحيات الاحتجاز. أكد هذا رجل احتجزه الحشد الشعبي 8 أيام، كما أكده عامل إغاثة.
في فبراير/شباط 2017، قال أيضا نائب برلماني في بغداد، وممثل عن هيئة الحشد الشعبي، إن الحشد الشعبي لا يحتجز الأفراد فحسب، إذ ينقلهم أيضا إلى بغداد للمثول أمام قاضٍ مُخصص لقضايا الحشد. أخبرنا ناطق باسم "مجلس القضاء الأعلى" في بغداد قبل عام إن هناك محكمة مختصة بقضايا الحشد الشعبي أنشئت أواخر 2014 أو مطلع 2015، وفيها قاضٍ ينظر في قضايا الانتهاكات التي ترتكبها قوات الحشد، وهي أشبه ما تكون بالمحاكم العسكرية. إنه أمر مقلق للغاية، إذا كان الحشد الشعبي يحيل أسراه، ومنهم مدنيين، إلى هذه الجهة القضائية.
ليس للحشد الشعبي سلطة قانونية لاحتجاز أحد في العراق، وعلى رئيس الوزراء العبادي أن يوضح تماما لهذه القوات وللعامة أن على الحشد الكف عن كل إجراءات الفحص والاحتجاز. لا بد من الملاحقة القضائية لأي شخص تتضح مسؤوليته عن أعمال احتجاز غير قانونية. وعلى الشركاء في التحالف الداعمين للقوات العراقية في المعركة ضد داعش أن يبلغوا عن أي استمرار لأعمال الفحص الأمني والاحتجاز على يد الحشد الشعبي تشهد عليه قوات هذه الأطراف، وأن يحثوا بغداد على وقف هذه الممارسات.