(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن لاجئا سوريا في لبنان، 31 عاما، احتُجز وعُذب في فبراير/شباط 2016، على ما يبدو للاشتباه بمثليته الجنسية. قال شادي (اسم مستعار لحمايته) لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر الجيش والأمن احتجزوه وعذبوه على مدى 5 أيام في مراكز مخابرات الجيش والشرطة العسكرية ووزارة الدفاع وقوى الأمن الداخلي.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع شادي في بيروت في مارس/آذار ولكن أجّلت نشر قصته، بطلب منه، إلى ما بعد إعادة توطينه بأمان في أوروبا. وجهت هيومن رايتس ووتش رسائل في 2 و3 نوفمبر/تشرين الثاني لوزارتي الدفاع والداخلية ومخابرات الجيش والشرطة العسكرية وقوى الأمن الداخلي تسرد تفاصيل مزاعم التعذيب وتطلب إجراء تحقيق شامل. ردت وزارة الداخلية في 13 ديسمبر/كانون الأول بأنها تملك إجراء لتقديم الشكاوى، ولكنها لا تستطيع البدء بالتحقيق ومعاقبة العناصر المخالفين إلا إذا تقدمت الضحية بالشكوى شخصيا.
قالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "التعذيب رائج في السجون اللبنانية ولكن الأشخاص المستضعفين مثل شادي، وهو سوري مثليّ، يواجهون مخاطر أكبر. لن يتوقف تعذيب المساجين إلى أن يرفع لبنان الحصانة عن عناصر القوى الأمنية".
في السابق، لم يحقق لبنان كما يجب في مزاعم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة من قبل القوى الأمنية. على السلطات اللبنانية التحقيق فورا في مزاعم التعذيب في هذه القضية ومحاسبة المسؤولين عنها.
قال شادي إن جميع جلسات الاستجواب في المراكز الأمنية كانت تهدف إلى انتزاع اعتراف منه بممارسة الجنس مع رجال أو معابقته لأنه مثلي. وأضاف أنه لم يُسمح له بالاتصال بأصدقائه أو محام خلال فترة احتجازه، ولم يُبلَّغ بالتهم الموجهة إليه ولم يمثل أمام قاض.
قال إن عناصر مسلحين من مخابرات الجيش اقتحموا في يناير/كانون الثاني شقة يسكنها وبعض اللاجئين السوريين في جونيه، حيث قاموا باستجوابهم ولكمهم على وجوههم وضربهم بالعصي. وبعد رؤية صورة معلقة على حائط غرفته يظهر فيها برفقة امرأة متحولة جنسيا، استجوبه العناصر عن ميوله الجنسية. عاد عناصر المخابرات في فبراير/شباط وأوقفوا شادي. قال: "في كل مرة كنت أسأل ما سبب احتجازي كان رد العناصر مزيدا من الضرب دون الإجابة على السؤال".
قال شادي إنه نُقل إلى فرع المخابرات في صربا، قرب جونيه، حيث عصب العناصر عينيه وجردوه من ملابسه وعذبوه خلال جلسة استجواب دامت ساعتين. كما قال إن المحقق ضربه بعصا ولكمه مرة على وجهه. في الصباح التالي عصبوا عينيه وأجبروه على التوقيع على ورقة لم يتمكن من قراءتها. قال شادي إنه سأل علام يوقع، فضُرِب من جديد. ثم نقله العناصر إلى وزارة الدفاع في اليرزة.
هناك، كما قال، اقتيد إلى غرفة تحقيق تحت الأرض حيث استجوبه العناصر لأكثر من 4 ساعات عن ميوله الجنسية. قال شادي إن المحقق ضربه بكوعه على بطنه ورقبته ورفسه بين رجليه لانتزاع اعتراف بأنه يمارس الجنس مع شركائه الذكور بالسكن. يتذكر أن المحقق قال له: "أنتم اللواط تأتون هنا وتوسخون بلدنا... لا مجتمعنا ولا الله يقبل ذلك!".
قال شادي إن عناصر أمنية نقلوه إلى مركز الريحانية التابع للشرطة العسكرية، حيث أخذه العناصر إلى غرفة وطلبوا منه نزع ملابسه. ثم قال إنه تم تكبيل يديه وقيل له أن ينحني في مواجهة الحائط وهو عار. وقال له أحد العناصر: "سأدخل هذه في شرجك لتحديد عدد المرات التي مارست الجنس فيها"، ثم أدخل العصا فأخذ شادي يصرخ من الألم ويرجو العنصر أن يتوقف. تفتقر الفحوص الشرجية القسرية إلى أي قيمة إثباتية وهي أحد أشكال المعاملة الوحشية غير الإنسانية والمهينة التي ترقى في بعض الأحيان إلى التعذيب.
قال شادي إنه طلب الاتصال بأحد الأصدقاء أو محام لكن رُفِض طلبه، ونام في زنزانة مكبلا إلى الحائط. قال أيضا إن عناصر الشرطة العسكرية اقتادوه في الصباح التالي إلى غرفة تحقيق تحت الأرض، بينما قام بعضهم بضربه وشتمه على طول الطريق. بعد ذلك نُقل شادي إلى مخفر سرية الدرك في جونيه.
قال إن العناصر هناك صفعوه عدة مرات ولكموه في بطنه، ثم استجوبوه في الصباح التالي. ينقل شادي قول أحد العناصر: "لا نعرف كيف نتخلص منكم، أنتم اللاجئين السوريين... والآن تجلبون لنا اللواط السوريين؟" ثم رفس شادي في صدره وأوقعه إلى الوراء رأسا على عقب.
ضرب أحد العناصر شادي بعصا على باطن قدميه. وثقت عدة منظمات حقوقية استعمال "الفلقة" أو الضرب على باطن القدمين بواسطة العصي أو القضبان أو الأسواط كوسيلة تعذيب في لبنان. بعد بضع ساعات نُقل شادي إلى مخفر حبيش في بيروت، حيث لم يتعرض لسوء المعاملة وأُطلق سراحه لاحقا.
أكدت هيومن رايتس ووتش رواية شادي عبر منظمتين دولية ومحلية تقدمان له المساعدة، كما اطلعت على تقرير طبي أعده طبيب محلي بعد إطلاق سراح شادي بقليل. يوثق التقرير وجود سوائل في أذن شادي وامتلاء جسمه بالتورمات والكدمات جراء الضرب.
المثيلة الجنسية ليست ممنوعة بصراحة في لبنان، فالمادة 534 من قانون العقوبات اللبناني تنص على أن "أي مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقَب عليها بالحبس حتى سنة واحدة". استُخدم هذا البند لملاحقة أشخاص يُشبته بمثليتهم، بالرغم من أن القانون لا يفسر عبارة "على خلاف الطبيعة"، تاركا حرية التأويل للقضاة.
قال شادي إنه قلق من تعرض آخرين لنفس المعاملة في لبنان: "صحيح أنّي عانيت من التعذيب، ولكن حالفني الحظ بأن ساعدتني منظمات دولية ومحلية. أخاف ألّا يكون لغيري مثل حظي. فماذا لو أُوقف لاجئ سوري آخر وعُذب دون أن يسمع به أحد؟".
وثقت هيومن رايتس ووتش منذ فترة طويلة التعذيب من قبل القوى الأمنية وعدم التحقيق كما يجب من قبل السلطات في مزاعم سوء المعاملة. في تقرير عام 2013، وثقت هيومن رايتس ووتش انتشار استعمال التعذيب من قبل قوى الأمن الداخلي اللبنانية ضد المجموعات المستضعفة مثل مدمني المخدرات وعاملات وعاملو الجنس ومثليي/ات الجنس ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتحولي/ات النوع الاجتماعي. في يوليو/تموز 2013، وثقت 7 حالات تعذيب محتجزين في سجون عسكرية شملت طفلين، بعد مواجهات بين أتباع الشيخ أحمد الأسير والجيش اللبناني.
وجدت "لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" في تقرير عن تحقيق في لبنان في 2014 أن "التعذيب ممارسة متفشية في لبنان تلجأ إليها القوات المسلحة والأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون لأغراض التحقيق، ولضمان استخدام الاعترافات في الإجراءات الجنائية، وأحيانا لمعاقبة الضحايا على الأعمال التي يُعتقد أﻧﻬم قد ارتكبوها".
ضرورة محاربة التعذيب وسوء المعاملة هي في صلب عدة اتفاقيات ومعاهدات وإعلانات دولية على لبنان الالتزام بها في ظل القانون الدولي، وهو ملزَم بها في مقدمة دستوره. كما أن لبنان ملزم باحترام "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب" وبروتوكولها الاختياري.
اتخذ البرلمان اللبناني في 19 أكتوبر/تشرين الأول خطوة إيجابية باتجاه إنهاء استخدام التعذيب عبر قانون جديد لإنشاء "المعهد الوطني لحقوق الإنسان"، الذي سيشمل "لجنة الوقاية من التعذيب" كآلية وقائية وطنية. ستملك اللجنة السلطة لإجراء زيارات منتظمة ومفاجئة لجميع أماكن الاحتجاز والتحقيق في استخدام التعذيب وإصدار توصيات لتحسين معاملة المحتجزين.
على السلطات اللبنانية تمويل المعهد ورفده بطاقم من الخبراء المؤهلين والمستقلين، وضمان قدرته على زيارة جميع أماكن الاحتجاز كلما أراد وبالطريقة التي يختارها دون خوف من عقاب أو انتقام. على لبنان أيضا جعل التشريعات الوطنية تتناسق مع اتفاقية مناهضة التعذيب، بما في ذلك تجريم كل أشكال التعذيب وسوء المعاملة، وتأكيد التزامه بملاحقة جميع مزاعم التعذيب بصورة جدية وفي الوقت المناسب وبفعالية، مع تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
على الدول المانحة التي تساعد المؤسسات الأمنية اللبنانية ضمان أن تدعم المساعدات التزام لبنان باتفاقية مناهضة التعذيب، بما في ذلك تأمين آليات مراقبة ومحاسبة داخلية، والامتناع عن تمويل الوحدات التي يوجد دلائل على انتهاكها حقوق الإنسان.
قالت فقيه: "بكل أسف حالة شادي ليست معزولة، فقد طال انتظار إقرار السلطات اللبنانية إصلاحات وإنهاء استخدام التعذيب في لبنان".