اقترحت السلطات الأردنية تعديلات واسعة على قانون الجمعيات في البلاد، وفي حال أُقرت وعُمل بها فإنها ستعيق قدرة المنظمات غير الحكومية على التكوّن والعمل. ستفرض هذه التعديلات قيودا شاقة على تكوين المجموعات المدنية وتعطي الدولة الحق بأن تحلّها من دون أسس واضحة وأن تمنعها من الحصول على تمويل خارجي بدون أي تبرير. كما تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يصون حرية تكوين الجمعيات.
طُرِحت التعديلات، التي صاغتها لجنة تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، في 17 مارس/آذار 2016 للنقاش مع المجتمع المدني. قد يوافق مجلس الوزراء الأردني عليها كإجراء مؤقت وإلا فستؤجَل إلى ما بعد الانتخابات النيابية الأردنية في 20 سبتمبر/أيلول.
تسجيل الجمعيات وحلّها
تفرض التعديلات معايير تسجيل جديدة على قانون الجمعيات لعام 2008، وهو أصلا يفرض قيودا كبيرة. يمنع قانون 2008 المعدَّل في 2009 تكوين مجموعات ذات "أهداف سياسية" أو تقوم بنشاطات تزعزع "النظام العام". يسهِّل هذان المصطلحان الفضفاضان رفض السلطات تسجيل الجمعيات. على سبيل المثال، قالت ناشطة أردنية لـ هيومن رايتس ووتش إنها تقدمت بطلب تسجيل منظمة عام 2011 تدافع عن حق المرأة الأردنية بإعطاء الجنسية لأولادها، ولكن السلطات رفضته لأن أهداف المنظمة "سياسية".
تُضيف المادة 4 من التعديلات المقترحة في 2016 المزيد من القيود، منها منع تسجيل أي مجموعة لها "غايات غير مشروعة تتعارض مع الأمن الوطني أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الغير وحريتهم". تنص التعديلات أيضا على أنه، بناء على توصية أي وزير معني، بإمكان لجنة التسجيل "حلّ الجمعية في حال تبين ممارستها لأي من هذه الغايات". لائحة المعايير التي تعتمدها السلطات لرفض تسجيل جمعية مدنية أو حلّها مأخوذة مباشرة من المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يقول: "لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق" (المادة 22.2).
صحيح أن مسودة التعديلات تعترف بالمعايير التي يسمح بها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من أجل الحد من حرية الجمعيات، ولكنها لا توضّح كيف تكون هذه القيود "ضرورية في مجتمع ديمقراطي"، وهو شرط أساسي في المادة 22. حسب "المركز الدولي للقانون غير الربحي"، تُبيِّن الحالات السابقة المتعلقة بعبارة "ضروري في مجتمع ديمقراطي" أن 'ضروري' لا تعني 'لا غنى عنه' أو 'مقبول' أو 'عادي' أو 'منطقي' أو 'مرغوب'... بمعنى آخر إن أرادت السلطات الأردنية أن تقيد حرية الجمعيات بالاعتماد على المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عليها أولا أن تبرر ضرورة هذه الإجراءات في مجتمع ديمقراطي، وهو أمر لا تتطرق إليه التعديلات. لكي تتفق إجراءات السلطات الحكومية مع العهد الدولي، تحتاج أيضا إلى إظهار أن كل إجراء متناسب، أي أن القيود الأكثر قسوة على حرية تكوين الجمعيات، مثل حل جمعية، تتطلب أقوى التبريرات. القانون الجديد لا يتطلب مثل هذه التبريرات للتدخل في حرية تكوين الجمعيات.
ترفع المادتان 2 و8 من التعديلات المقترحة عدد المواطنين الأردنيين "المؤسسين" اللازم لإنشاء مجموعة غير حكومية من 7 إلى 50، وبالتالي يصبح من الصعب جدا على المجموعات الصغيرة أن تنشئ منظمات غير حكومية.
تلغي التعديلات المقترحة أيضا أحد بنود قانون 2008 الذي يشترط أن تجيب السلطات في مهلة أقصاها 60 يوما على طلب تسجيل الجمعية، ويُقبَل الطلب تلقائيا عند انقضائها. أما في ظل تعديلات 2016 فيُرفَض الطلب تلقائيا عند انتهاء المهلة في غياب جواب الحكومة.
في كل الأحوال، تحتفظ السلطات بالسلطة الكاملة في السماح للمواطنين بإنشاء منظمة غير حكومية. ومع أن القانون الحالي يسمح بالاعتراض على الرفض في المحكمة الإدارية لكنه ليس منصفا، خاصة وأنه لا يوضح ما هي معايير الرفض ويحق للحكومة حسب القانون أن ترفض دون أي تبرير. وبالتالي فإن أي مراجعة قضائية ستنظر فقط في ما إذا خالفت الحكومة الإجراءات القانونية لدى رفضها إنشاء الجمعية بدل النظر في أسباب القرار نفسه.
يضمن القانون الدولي حق تكوين الجمعيات، وأي قيود قد تُفرَض على هذا الحق في مجتمع ديمقراطي يجب أن تكون ضرورية من أجل الأمن القومي أو السلامة العامة، النظام العام، حماية الصحة أو الأخلاق العامة أو حقوق وحرية الآخرين. كما يجب أن تتكافأ مع الأسباب وأن تكون الأقل تقييدا وألا تميّز بين المواطنين. لم توضح الحكومة الأردنية كيف تخدم التعديلات القاسية أيا من هذه الشروط.
المنظمات غير الحكومية الخارجية
تضع التعديلات الجديدة قيودا أيضا على المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي تشغّل "فروع محلية" داخل الأردن. في ظل قانون 2008 كان ممنوعا على هذه المنظمات أن تبحث عن تمويل داخل الأردن ولكن كان بإمكانها تحويل الأموال من المراكز الرئيسية إلى الفروع في الأردن بدون موافقة الحكومة. تنص المادة 9 من التعديلات على أن التحويلات ستحتاج من الآن فصاعدا إلى موافقة مجلس الوزراء الذي يستطيع أن يرفضه بدون أي تبرير.
علاوة على ذلك، ستنهي التعديلات التسجيل غير محدد الزمن لفروع المنظمات الخارجية وتسمح لها بدلا من ذلك أن تعمل "للمدة التي يحددها المجلس [دائرة السجل]". لا توضح التعديلات إن كان بإمكان المنظمات أن تجدد تسجيلها أو يتحتم عليها أن تقوم بتقديم الطلب من جديد.
بينما تعمل العديد من المنظمات في الأردن تحت سقف القانون عبر مذكرات تفاهم مع الوزارات الأردنية، خارج إطار قانون الجمعيات، فإن منظمات أخرى، ومنها هيومن رايتس ووتش، مسجلة بصفتها فروع محلية.
التمويل الخارجي
تفرض التعديلات المقترحة قيودا شاقة أخرى على المجموعات المحلية التي تبتغي الحصول على تمويل خارجي. في ظل القانون الحالي يمكن للمجموعات المحلية أن تحصل على تمويل خارجي إذا حصلت على موافقة مجلس الوزراء الأردني فقط. تضيف تعديلات 2016 المقترحة خطوة إضافية تفرض على المجموعات أن تتقدم بطلب الحصول على تمويل خارجي إلى دائرة السجل التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، موضحة المبلغ المطلوب وطريقة الحصول عليه وأوجه استعماله. إذا قُبِل هذا الطلب يُرفَع إلى مجلس الوزراء. لا يجبر القانون مجلس الوزراء على الإفصاح عن سبب رفض تمويل خارجي.
بخلاف قانون 2008 الذي ينص على أن الطلب يُقبَل تلقائيا بعد 30 يوما في غياب جواب من الحكومة، ستلغي التعديلات الموافقة التلقائية، ما سيسمح للحكومة رفض الطلبات بعدم الإجابة.
تشترط التعديلات على المجموعات غير الحكومية التي تحصل على تمويل خارجي أن تقدم موازنة وتقريرا عن كل تمويل موافَق عليه، بشكل منفصل عن التقارير المطلوبة بالعادة.
كما تشترط التعديلات أن يوضَع التمويل الخارجي الذي تبغيه المجموعات في "حساب أمانات" في صندوق "دعم الجمعيات" الذي تديره وزارة التنمية الاجتماعية. ليس واضحا في التعديلات إن كان بإمكان المانح الخارجي أن يستعيد المنحة المالية من "حساب الأمانات" في حال رفضت السلطات طلب تمويل المجموعة.
يبدو أن القيود الجديدة على التمويل الخارجي تؤمن إطارا قانونيا لآلية إدارة التمويل الخارجي، التي فرضها مجلس الوزراء على كل مجموعات المجتمع المدني في أكتوبر/تشرين الأول 2015. تشترط هذه الآلية على المنظمات غير الحكومية أن تقدم طلب التمويل الخارجي إلى وزارة التنمية الاجتماعية وأن تضمّنه معلومات شاملة عن المشروع الذي تطلب التمويل من أجله وأن يتوافق المشروع مع أهداف الأردن الوطنية والتنموية ومع خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية. السلطات ليست مضطرة أن تقدم أي تبرير لرفض التمويل.
تبرر السلطات الأردنية الإجراءات الجديدة بحجة ضرورة تنظيم القطاع غير الحكومي بشكل أفضل وتفادي أن تكرر مجموعات عدة العمل نفسه. ولكن آلية الإدارة تعطي السلطات الأردنية القدرة على اختيار المشاريع التي يُسمَح للمنظمات غير الحكومية بتنفيذها في مختلف القطاعات وبالتالي تحد من قدرتها على العمل بدون تدخل غير متناسب من قِبل الحكومة.
بعد فرض آلية التمويل الخارجي، قالت مجموعات محلية لـ هيومن رايتس ووتش أن على أي تمويل خارجي أن يحصل على موافقة وزارة التنمية الاجتماعية ومجلس الوزراء ووزارة التخطيط والتعاون الدولي وأي وزارة أخرى مرتبطة بالمشروع. قالت المجموعات إن الموافقات قد تأخذ أسابيع أو أشهر وأنه في حال ردّت أي من الجهات الطلب يُرفَض التمويل. قال 3 ديبلوماسيين خارجيين لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات قد رفضت طلبات لمجموعات محلية للحصول على تمويل من بلدانهم منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015.
انتقد المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات في تقريره السنوي في 2014 إلى أمين عام الأمم المتحدة تزايد القيود على حصول المنظمات غير الحكومية على تمويل خارجي في جميع أنحاء العالم، قائلا: "لا تعترض الدول بوجه عام في ولاياتها القضائية على استثمار الشركات لرأس المال المتأتي من مصادر أجنبية في حين أنها تعترض على تلقي منظمات المجتمع المدني تمويلا أجنبيا".
إجراءات مقيِّدة أخرى
لا تتطرق التعديلات المقترحة إلى أي من بنود قانون 2008 التي تسمح للحكومة باللجوء إلى سيطرة غير متكافئة على عمل المنظمات غير الحكومية. تشترط التعديلات الجديدة على المجموعات المدنية أن تقدم خططها السنوية مسبقا إلى الحكومة وأن تقبل بوجود ممثلين حكوميين في اجتماعاتها. يسمح القانون أيضا للحكومة بإقالة إدارة المجموعات واستبدالها بموظفين حكوميين وبحلّ المجموعات في حال تكرار مخالفات بسيطة. ويسمح لها أيضا بالاطلاع على حساب المجموعات المالي بدون سبب أو تفويض قضائي. تجعل هذه الإجراءات من الصعب على الجمعيات أن تعمل باستقلالية عن الحكومة الأردنية، وهو هدف المنظمات غير الحكومية الأساسي.