(بروكسل) - جهود الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة من ليبيا تعرّض المهاجرين وطالبي اللجوء إلى خطر الاعتداءات العنيفة على أيدي المسؤولين الحكوميين والميليشيات والجماعات الإجرامية في ليبيا. تشمل الانتهاكات الموثقة حديثا التعذيب والاغتصاب والقتل في مراكز الاعتقال المزرية التي يُحتجز فيها المهاجرون، بمن فيهم من أوقفهم خفر السواحل الليبي في البحر.
وسّع الاتحاد الأوروبي في 20 يونيو/حزيران 2016، عمليته البحرية لمكافحة التهريب في وسط البحر الأبيض المتوسط لتشمل تدريب خفر السواحل والبحرية الليبية، والتي تعترض القوارب وترسل المهاجرين وطالبي اللجوء إلى ليبيا. يطلب الاتحاد الأوروبي أيضا من منظمة "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) المساعدة في عملياته. سيناقش أعضاء الناتو الخيارات في قمّتهم في وارسو يوميّ 8 و9 يوليو/تموز.
قالت جوديث سندرلاند، زميلة في قسم أوروبا وآسيا الوسطى: "لا يرسل الاتحاد الأوروبي الناس إلى ليبيا، لعلمه أن هذا غير قانوني. لذلك يريد إسناد عمله القذر للقوات الليبية. يفوّض الاتحاد الأوروبي – وربما قريبا بمساعدة حلف الناتو - القوات الليبية بشكل أساسي للمساعدة في إغلاق حدود أوروبا."
لا يُسمح لسفن الاتحاد الأوروبي والناتو بالعمل في المياه الإقليمية الليبية، في الوقت الحاضر. أقرّ الاتحاد الأوروبي أنه بموجب القانون الدولي، لا يمكنه إرسال الأشخاص الذين أنقِذوا في المياه الدولية إلى ليبيا، بسبب المخاطر الشديدة في ذلك البلد.
قابلت هيومن رايتس ووتش في يونيو/حزيران 47 شخصا في صقلية، (23 امرأة و24 رجلا)، سافروا مؤخرا من ليبيا إلى إيطاليا على متن قوارب المهربين. قال هؤلاء (من الكاميرون وإريتريا وغامبيا وغينيا وساحل العاج ونيجيريا والسنغال والسودان) إنهم تركوا بيوتهم هربا من الاضطهاد، بما في ذلك الخدمة العسكرية التعسفية، أو هربا من الزواج القسري، أو للحصول على التعليم والعمل. كما وصفوا انتهاكات شديدة في ليبيا من قبل المسؤولين الحكوميين والمهربين وأفراد المليشيات والعصابات الإجرامية، وتحدثوا عن التعاون أحيانا بين المسؤولين والمهربين. دفع الفلتان الأمني المستشري والعنف في أنحاء ليبيا أولئك الذين ذهبوا هناك للعمل، إلى محاولة عبور البحر المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا.
قال رجل من غامبيا (31 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش إن المجرمين اغتصبوا زوجته في ليبيا. أضاف: "يفعلون ما يحلو لهم في ليبيا، لأنه ليس هناك قانون، لا شيء".
قال 8 من الذين قوبلوا إن القوات الليبية، التي اعتقدوا أنها من خفر السواحل أو البحرية، اعترضت قواربهم في حوادث مختلفة وأعادتهم وركاب آخرين إلى البر، كما ضربتهم في بعض الحالات. احتُجزوا على الشاطئ، في مراكز احتجاز المهاجرين مع آخرين قُبض عليهم في البر الليبي لدخولهم ليبيا بصورة غير قانونية، أو لعدم حيازتهم إذن للبقاء.
يدير "جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية" معظم المراكز تحت إشراف وزارة الداخلية، التي تسيطر عليها اسميا حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، والمعترف بها من الاتحاد الأوروبي، وهي إحدى 3 سلطات متنافسة في ليبيا. يدير جهاز مكافحة الهجرة، وفقا لفريق عمل دولي يزور المرافق، قرابة 20 مركزا، معظمها في غرب ليبيا، ويحتجز 3500 شخصا تقريبا. تشغّل الميليشيات والمهربين عديدا من مرافق الاحتجاز غير الرسمية الأخرى.
قال محتجزون سابقون إن الظروف في مراكز إدارة مكافحة الهجرة في طرابلس والزاوية وصبراتة بالغة السوء. ذكروا أنها كانت شديدة الاكتظاظ وغرفها قذرة، ولا طعام يكفي فيها. شملت الانتهاكات القتل والضرب والعمل القسري، والعنف الجنسي ضد الرجال والنساء.
قال "غويزو" الكاميروني، (40 عاما)، إنه اعتقل في مدينة سبها الجنوبية في ديسمبر/كانون الأول 2014 لعدم حيازته أوراق الإقامة المناسبة وقضى عاما في السجن، في 3 مراكز مختلفة، خلال الأشهر الستة الماضية في طرابلس:
"كان الوضع غير إنساني. لدي عديد من آثار الجروح.... شنق 6 رجال أنفسهم في غرفتي. كانوا قد اغتُصبوا، ولم يعودوا يحتملون. حدث ذلك [الاغتصاب] لي 7 مرات. 4 أو5 رجال في وقت واحد، ضربوني ليثبتوني إلى الأسفل. إن قاومت ينادون آخرين لضربك أكثر".
بالإضافة إلى الاعتداء الجسدي، قال جميع المعتقلين السابقين إنه لم يعرضهم أحد على القضاة أو يسمح لهم بالطعن في اعتقالهم. يرقى الاحتجاز لفترات طويلة دون مراجعة قضائية إلى الاعتقال التعسفي، المحظور بموجب القانون الدولي.
وصف 4 أشخاص التجاوزات والمناورات الخطيرة في البحر من قبل خفر السواحل. في إحدى الحالات، دارت القوات بسرعة حول زورق مطاطي للمهاجرين، ما تسبب بالذعر. سُحقت امرأة نيجيرية حتى الموت.
دعت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، جميع الدول إلى السماح للمدنيين (المواطنين الليبيين والمقيمين بصفة اعتيادية في ليبيا والرعايا من دولة ثالثة) الهاربين من ليبيا بالدخول إلى أراضيها، نظرا إلى حالة الفوضى والعنف في ليبيا.
قالت هيومن رايتس ووتش إن سياسات الاتحاد الأوروبي التي تؤدي إلى منع المهاجرين وطالبي اللجوء من مغادرة ليبيا، أو إعادتهم إلى ليبيا لمواجهة الانتهاكات الخطيرة، تتعارض مع روح دعوة المفوضية وتنتهك القانون الدولي. تمنح المادة 12 (2) من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" الناس الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلدهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الاتحاد الأوروبي ضمان عدم إسهام التدريب أو التمويل أو المساعدة المادية لقوات خفر السواحل الليبية والسلطات الليبية الأخرى في تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان. على الاتحاد الأوروبي دعم الرصد والإبلاغ العام من قبل المراقبين الدوليين، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، عن مرافق الاحتجاز في ليبيا، ومنها المراكز التي يُحتجز فيها الذين أنقِذوا أو تم اعتراضهم في البحر من قبل قوات خفر السواحل الليبية. على الاتحاد الأوروبي أيضا الضغط على السلطات الليبية لإنهاء سوء المعاملة في الاعتقال، ولعرض بدائل لاحتجاز المهاجرين، والتصديق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تمويل الاستجابة الإنسانية بشكل سخي في ليبيا، لمساعدة الليبيين وغير الليبيين على حد سواء. تلقّى النداء الإنساني للأمم المتحدة 18.2 بالمئة فقط من المبلغ المطلوب وهو 165.6 مليون دولار، حتى أبريل/نيسان 2016.
أي دعم من الناتو لعمليات الاتحاد الأوروبي البحرية يجب أن يتجنب المساهمة في محاصرة المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا. يجب أن تحظى جميع سفن الناتو في وسط البحر المتوسط بالتفويض والقدرة على إجراء البحث والإنقاذ.
على الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في ليبيا العمل على وضع حد للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في جميع مرافق الاحتجاز الخاضعة لسيطرتها. يجب أن تحتجز الأشخاص لأغراض الهجرة فقط عند الضرورة القصوى ولأقصر فترة زمنية ممكنة.
قالت سندرلاند: "يجب أن يكون دعم القوات الليبية مصحوبا بإنهاء التعذيب وسوء المعاملة في المرافق التي ترسل تلك القوات الناس إليها. من غير المقبول إنقاذ أو اعتراض الناس في البحر، ثم إعادتهم لسوء المعاملة في البر".
الانتهاكات في مراكز الاحتجاز الرسمية
تحدث المهاجرون المحتجزون في المرافق التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية (جهاز المكافحة) لـ هيومن رايتس ووتش عن مجموعة واسعة من الانتهاكات، منها القتل والاعتداء الجنسي.
يدير جهاز المكافحة (هيئة مستقلة نسبيا تحت إشراف وزارة الداخلية) نحو 20 مركز اعتقال، معظمها في غرب ليبيا، ويحتجز من اعتُقلوا في البر خلال مداهمة المنازل أو التحقق من الهوية أو من اعتُرضوا في البحر. لدى الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة سيطرة مزعومة على هذه الوزارة، ولكن تأثيرها ضعيف. تشغّل الميليشيات والمهربون والعصابات في جميع أنحاء البلاد، عددا غير معروف من مرافق الاحتجاز غير الرسمية للأجانب.
"فريق عمل الاحتجاز"، الذي يشارك في إدارته مفوضية اللاجئين و"المنظمة الدولية للهجرة" مع أعضاء من "المجلس الدنماركي للاجئين"، و"الهيئة الطبية الدولية"، و"المجلس الإيطالي للاجئين "وغيرهم، يستطيع الوصول إلى مراكز جهاز المكافحة. يوفر مستلزمات الصحة والنظافة، ويحدد من يريد العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية، ويساعد أولئك الذين يرغبون في التسجيل كلاجئين، ويدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين المعرضين للخطر.
تحتجز مراكز جهاز المكافحة الهجرة حاليا قرابة 3500 شخص، معظمهم من الرجال، وفقا لفريق العمل. يحتجز مركزا في صرمان والغاوة في طرابلس، ما بين 100 و200 امرأة من بينهم، ولكن هناك مراكز أخرى تحتجز النساء أيضا. تقول الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية وحتى مسؤولو جهاز المكافحة إنهم يعملون فوق طاقتهم ولديهم نقص في التمويل.
كانت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تزور المرافق حتى إخلائها من ليبيا إلى تونس في يوليو/تموز 2014. ومنذ ذلك الحين، زارت مرفقا واحدا، وهو معتقل أبو سليم بطرابلس في مايو/أيار 2016، وتستمر في متابعة حالات الاعتقال، ومنها تلك في مرافق جهاز المكافحة، من مقرها في تونس.
أبرزت وكالات الأمم المتحدة مرارا الظروف الخطيرة وغير الإنسانية في هذه المراكز. قالت مفوضية اللاجئين في تقريرها "العنف المستشري" في فبراير/شباط 2016 إن: "ظروف الاحتجاز غير ملائمة، وغالبا ما تتميز بالاكتظاظ المزمن، وسوء الصرف الصحي والرعاية الصحية، ونقص الغذاء".
أطلق الحراس النار في 1 أبريل/نيسان في مركز احتجاز النصر بالزاوية، وقتلوا 4 معتقلين وجرحوا نحو 20 آخرين بعد محاولة هروب على ما يبدو، حسب ما أفادت بعثة الأمم المتحدة، كما أصيب حارس أيضا. قالت الأمم المتحدة إن "الأوضاع في مركز الاعتقال غير إنسانية، مع الاكتظاظ الشديد ونقص المواد الغذائية وغيرها من الضروريات الأساسية، وعدم توفر الرعاية الطبية".
وثّق تقرير لـ "منظمة العفو الدولية" صدر في يونيو/حزيران 2016 التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في مراكز احتجاز المهاجرين. قال معتقلون سابقون إن الحراس "كانوا يضربونهم يوميا باستخدام عصي خشبية وخراطيم المياه والكابلات الكهربية والبنادق إلى جانب تعريضهم للصدمات الكهربية".
بموجب القانون الليبي، يمكن احتجاز الأفراد إلى أجل غير مسمى ورحل عن الدخول غير النظامي، أو الإقامة غير القانونية، أو المغادرة غير القانونية، دون تمييز بين طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين وضحايا الاتجار.
بموجب القانون الدولي، يمكن للسلطات الليبية احتجاز الأشخاص فقط لأغراض الهجرة في حالة الضرورة القصوى ولأقصر فترة زمنية ممكنة. ينبغي عرض كل المعتقلين فورا على القاضي الذي يمكن أن يحكم على شرعية وضرورة الاحتجاز وطلب الإفراج عنهم.
العنف الجنسي
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 3 أشخاص قالوا إنهم تعرضوا للعنف الجنسي في مراكز احتجاز المهاجرين.
قالت "نورا"، من ساحل العاج (26 عاما)، إنها اعتُقلت في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2015 في منشأة تاجوراء، شرق طرابلس، لأنها لم يكن لديها أوراق إقامة. اعتدى عليها جنسيا مرارا حارس يدعى إبراهيم. وأضافت:
"لم يكن لديه إبهام أو سبابة في يده اليسرى، أتذكر جيدا جدا. كان يأتي إلى الغرفة ويلف سيغارته ويدخن بيننا. كانت الرائحة غريبة. اختارني. أخذني وكان يحمل واقيا ذكريا في يده. أرغمني على ممارسة الجنس الفموي معه. كان يأتي كل ليلة، ما عدا الجمعة".
قالت نورا إن الحراس الآخرين أخذوا النساء واعتدوا عليهن جنسيا. أضافت: "كان هناك رجل يغطي وجهه، وكان أوضعهم. كان يأتي إلى غرفتنا، مع 3 أو 4 رجال آخرين، لاختيار الفتيات. كانوا يختارون إريترية تدعى أميرة كل مرة. كانت تبكي في كل مرة يأتون فيها".
قالت نورا: "في أحد الإيام، حاولنا الهرب، من خلال فتحة في الجدار. هربت 7 فتيات ولكنهم أمسكوا بالبقية منا. جرّد الحراس واحدة منا من ملابسها، وهي فتاة نيجيرية، واغتصبوها أمامنا في الفناء."
قال عديد من الرجال إنهم شهدوا أو سمعوا عن الاعتداء الجنسي في مراكز الاعتقال التي يُحتجزون فيها. قال "جبريل" (30 عام)، من غامبيا، والذي قضى 6 أشهر عام 2015 في منشأة في صبراتة بعد اعتراض قاربه، إنه كثيرا ما رأى الحراس يأخذون النساء: "في الليل، يأخذون النساء لاستغلالهن. يذهبون ويقولون: 1، 2، 3 – تعالينَ هنا."
قال سوندي (30 عاما)، من نيجيريا، إنه قضى شهرا محتجزا في طرابلس. حُبس في زنزانة بباب حديدي له نافذة صغيرة. كانت النساء في مكان منفصل لكنه تمكن من التحدث مع إحداهن عندما ذهب ليحضر الماء للمرحاض الوحيد في الزنزانة. أضاف "إنهم [الحراس] أخذوا الفتيات النيجيرية وناموا معهن. تحدثت مع إحداهن عندما ذهبتُ لإحضار المياه، وقالت لي الفتاة إن ذلك حدث لها ولغيرها من الفتيات."
قالت اختصاصية نفسية تعمل في مركز استقبال اللاجئين في مينيو بصقلية إنها وزملاءها لاحظوا "زيادة كبيرة" في تقارير العنف الجنسي خلال الأشهر الستة الماضية. قالت: "أعرف، لأننا شهدنا زيادة في طلبات الدعم. في بعض الأحيان كان حافز طلب الدعم هو الغرق، ولكن بعد ذلك تحدث الناس كثيرا عن العنف الجنسي. من المستحيل في الوقت الحاضر عبور ليبيا دون السجن أو الاعتداء".
قال طبيب عمل سنة في مركز تسجيل المهاجرين في بوتسالو بصقلية إن النساء اللاتي يسافرن عبر ليبيا، يتحدثن في كثير من الأحيان عن تعرضهن للعنف الجنسي ويطلبن الرعاية الطبية، بما في ذلك الإجهاض. قال الطبيب في كل حالة انقاذ للناس هناك حالة اغتصاب واحدة على الأقل، وأحيانا قد يصل العدد إلى 4.
قالت "ميهريت" (16 عاما)، من إريتريا، إنها تعرضت للاغتصاب من قبل مجرمين بالقرب من مخيم الشجراب للاجئين بالسودان قبل دخولها ليبيا. قضت أسبوعين في بوتسالو، ولكن لم تتحدث مع طبيب أو أي شخص آخر عن الاعتداء. قالت "إن لم يسألوني، ما الذي سأقوله؟".
يختلف مدى توافر الخبراء النفسيين والعاملين في خدمات الصحة النفسية في مراكز استقبال الوافدين الجدد والإقامة الطويلة. لملء الفراغ، تشغّل المنظمات غير الحكومية، بما فيها "أطباء من أجل حقوق الإنسان" و"أطباء بلا حدود" و"أرض البشر" مشاريع في مراكز الوصول الأولي واستقبال ضحايا العنف الجنسي والتعذيب والناجين من تحطم السفن. ولكن عدد الواصلين الكبير والاحتياجات الهائلة والإمكانيات المحدودة تمنع كثيرا من الناس من الحصول على الرعاية اللازمة. قال معظم النساء والرجال الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن أحدا لم يسألهم حول العنف الجنسي الذي تعرضوا له أثناء رحلاتهم تحديدا.
القتل والضرب
وصف مهاجرون وطالبو لجوء في صقلية العنف الشديد في مراكز احتجاز المهاجرين الليبية، بما فيه الضرب وإطلاق النار القاتل.
قال "مدهين" (21 عاما)، من إريتريا، إنه اعتُقل مرتين خلال تواجده 18 شهرا في ليبيا. اعتُقل أول مرة خلال مداهمة في يوليو/تموز 2015، واحتُجز 4 أشهر في منشأة صلاح الدين التي يديرها جهاز المكافحة في طرابلس، لعدم حيازته أوراق إقامة. بقي في قاعة كبيرة مع حوالي 500 شخص، ينام على الأرض، مع زيارات عرضية من الأطباء. قال: "كان عذر هؤلاء لضربنا أننا لم نكن نملك أوراق. استخدموا خراطيم المياه لضربنا في كل مكان كلما أرادوا".
قال مدهين إنه أطلِق سراحه في أكتوبر/تشرين الأول 2015، لأن الحراس أدركوا أنه لا يستطيع دفع المال الذي كانوا يطلبونه. حاول مدهين السفر في قارب للمهربين إلى إيطاليا مع حوالي 100 شخص آخرين في أبريل/نيسان 2016، ولكنهم أوفقوا من قبل ما أسماه "بحارة لبيبين". أخذِت المجموعة إلى مركز اعتقال بالقرب من الساحل في طرابلس:
"كان الأمر فظيعا، مروعا حقا. كان الحراس يخيفونا بأسلحتهم.... كان هناك نحو 300 شخص قبلنا، وجاء أكثر بعدنا. بقينا في الزنازين. لا أدري كم كان منا هناك، ولكن لم يكن ممكنا الاستلقاء للنوم. استطعنا النوم ونحن جالسين فقط .... ضربونا، كانوا دائما يبحثون عن المال، ويفتشون ملابسنا".
قال مدهين إنه قضى 21 يوما في السجن حتى تمكن وآخرون في زنزانته من الهرب خلال نافذة في إحدى الليالي. وصل إلى إيطاليا في مايو/أيار 2016.
قال جبريل، من غامبيا، إن القوات الليبية اعترضت القارب الذي كان فيه مرتين عام 2015، وأعادته إلى ليبيا، حيث اعتُقل وتعرض لانتهاكات. أمضى 6 أشهر محتجزا في صبراتة، ثم 6 أشهر أخرى في طرابلس. قال جبريل إن الحراس ضربوه وغيره من المحتجزين بشكل روتيني في كل الأماكن: "إذا تحدثت يسألون: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ توقف، ثم يضربونك. أو يضربونك حين تكون نائما".
قال "ديمساس"، من إريتريا (24 عاما)، إن السلطات الليبية اعترضت في سبتمبر/أيلول 2015 القارب الذي كان فيه وزوجته، بعد ساعة ونصف من إبحارهما، في عرض البحر واقتادتهما إلى أحد مراكز الاحتجاز في ضواحي طرابلس. قال: "كان الأمر مرعبا، لأن الجدران كانت مليئة بدماء الناس، وكانت الرائحة سيئة للغاية. كثير من الناس عانوا من الحساسية، ومشاكل الجلد".
أمر الحراس ديمساس و4 رجال آخرين بتنظيف خارج السجن في نوفمبر/تشرين الثاني. حاول أحد الرجال (نيجيري) الهرب ولكن قُبض عليه، قال ديمساس:
"جاء حارس [فيما بعد] وسأل عمن حاول الهرب. اكتشفوا من هو، وأطلقوا عليه النار مرتين. سال دمه على قميصي. اعتقدت في تلك اللحظة أنهم قتلوني. لفّوه بقطعة قماش بيضاء ووضعوه في سيارة واقتادوه بعيدا".
قال ديمساس إنه في إحدى المرات جاء زائر أجنبي. قبل وصوله، أخذ الحراس والمسؤولون المعتقلين إلى منشأة منفصلة كانت أنظف، وحذروهم أنهم سيقتلون أي شخص يشتكي. تذكر ديمساس: "سألونا كم مرة نأكل في اليوم. كانوا قد أمرونا أن نقول 3 مرات في اليوم. فقلنا 3 مرات في اليوم".
قال ديمساس إنه يمكن للناس دفع المال للخروج من هذا المرفق. قال: "أعطى المهربون 500 دينار [360 دولار] لمدير السجن عن كل سجين. ثم يدفع السجناء 2000 دولار للمهربين [للذهاب إلى أوروبا]".
وصف معتقلون سابقون، وغيرهم ممن لم يُحتجزوا، التعاون الواضح بين المهربين ومسؤولي الاعتقال الليبيين، بما في ذلك حالات إجبار المعتقلين على أداء أعمال السخرة والدفع لإطلاق سراحهم. قال إريتري يتحدث العربية وأمضى 5 أشهر يعمل في طرابلس (44 عاما): "رأيت العلاقات بين المهربين والشرطة. رئيس السجن يبيع الإريتريين للمهربين. إنها تجارة كبيرة".
دفعت "ماكدا" (38 عاما)، أم إريترية لأربع أطفال، المال للمهربين كي يأخذوها وأطفالها، وأصغرهم بعمر 4 سنوات، من السودان إلى إيطاليا. قالت: "كان علينا دفع المال للشرطة طوال الطريق، في الصحراء، بل وعلى الساحل، قبل أن نذهب".
قالت "عائشة" (27 عاما)، من غامبيا، إن مجرمين احتجزوها واغتصبوها وامرأة أخرى في مارس/آذار 2016، قبل تسليمهما إلى ما وصفته بـ "الشرطة". ثم احتُجزت في منشأة للهجرة في الزاوية، حيث قالت إنها تعرضت للاغتصاب أيضا، ومن ثم نُقلت إلى مركز للنساء يديره جهاز المكافحة في صرمان.
تحدث آخرون عن إجبارهم على العمل خارج مركز الاحتجاز. قضى "أمان" (22 عاما)، من إريتريا، 3 أشهر معتقلا في الزواية بعد أن اعترضت القوات الليبية القارب الذي يأخذه إلى إيطاليا. قال أمان: "عندما يختارك الحراس، يشيرون إليك ويقولون أنت، أنت، أنت. ولكن بعد ذلك إذا كنت تعمل بشكل جيد، يطلبك صاحب العمل". أضاف أمان أن "قائد [مركز الاحتجاز] كان يأتي بين الحين والآخر، ويقول إننا هنا لأننا كنا غير قانونيين. قال إنهم يعملون على اتفاق مع مهربين لنقلنا إلى إيطاليا".
قال أنيان (22 عاما)، من نيجيريا، إنه اعتُقل مع 4 مهاجرين كانوا يعملون معه في محطة لغسيل السيارات في طرابلس وقضى من أغسطس/آب إلى ديسمبر/كانون الأول 2015 في مركز احتجاز بطرابلس: "خلال 4 أشهر، رأيت 3 أشخاص يموتون [من المرض]، غاني وسنغالي وآخر. تعرضنا للضرب كثيرا ... لا يزال لدي ألم في ظهري [من الضرب]".
قال "فودي"، من غامبيا (27 عاما)، إنه أمضى من ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى مايو/أيار 2016 في مركز اعتقال صلاح الدين بطرابلس، والذي تديره جهاز مكافحة الهجرة، مع حوالي 600 رجل آخر. احتُجز في غرفة كبيرة بلا نوافذ، ونام على الأرض دون فراش أو بطانية أو أغطية. أضاف فودي: "كانوا يجبرونا على وضع أيدينا تحت أرجلنا ثم يضربونا على أقدامنا بالعصي أو أيا شيء لديهم. كانوا يجلدوني بالأحزمة في بعض الأحيان .... كنا نخرج للعمل فقط، أو للضرب. كانوا يضربونا في القاعة، ولكن في بعض الأحيان يخرجونا. يرشون علينا الماء ثم يضربونا. كانوا يطلقون النار كل الوقت. أطلقوا النار على الذين حاولوا الفرار".
قال جبريل، (30 عاما) من غامبيا، إنه رأى الحراس في صبراتة يفرقون مشاجرة بين معتقلين بإطلاق النار وقتلوا رجلا. أضاف جبريل: "في يوم من الأيام رأيتهم يأتون إلى السجن لإعطائنا الخبز والغذاء، ركض الجميع للحصول على الخبز. ثم أطلقوا النار على الرجال. قتل شخص وأصيب 2. لماذا يطلقون النار؟ بلا سبب. أخذوا القتيل، لا أعرف إلى أين. أخذوا الرجال الآخرين إلى المستشفى وأعادوهم".
انتهاكات قوات حرس السواحل
استمعت هيومن رايتس ووتش لأربع شهادات عن الانتهاكات، بما فيها الضرب، من قبل خفر السواحل الليبي خلال اعتراض القوارب في البحر.
قال "عبدلّاهي"، (21 عاما) من غينيا، إن 6 رجال في بزات عسكرية مموهة في قارب "زودياك" مطاطي سريع وكبير اعترضوا القارب الذي كان فيه وضربوا الأشخاص على متنه، واقتادوهم إلى مركز احتجاز المهاجرين في الزاوية. نزل رجلان إلى القارب، قاد القارب أحدهما ليعود بهم، بينما كان الآخر يضرب الناس بهراوة. أضاف: "وضعونا جميعا في وسط القارب، وضربنا بهراوة وكلاشينكوف، كان يضرب أي شخص يمكن أن يصل إليه".
قال "إبراهيم"، (20 عاما) من ساحل العاج، إنه استقل زورقا مطاطيا مع 132 شخصا من صبراتة في 19 مارس/آذار 2016، ولكن اعترضتهم القوات الليبية الرسمية:
"غادرنا حوالي 3 أو 4 صباحا لكننا ضعنا. ضبطنا زورق زودياك أسود ليبي، وعليه العلم الليبي. كان على متنه 6 أو 7 رجال. اقتربوا منا وألقوا حبلا ليربطوا مركبنا بزورقهم لكننا رفضنا. قالوا: حسنا، اذهبوا، ففرحنا ولكن أدركنا فيما بعد أنهم أخذوا جهاز الاتصال اللاسلكي منا [الهاتف]. ثم بدأ الليبيون يبحرون حول مركبنا بسرعة عالية، فتسببوا بموجات كبيرة. بدأت الألواح في الجزء السفلي من مركبنا بالتكسر، واحدا تلو الآخر. كانت هناك حالة من الذعر على متن القارب. كان الناس يتحركون من جانب إلى آخر. كان هناك فتاة نيجيرية في الوسط، مع شقيقتها، وعلى مقربة مني... كانت تداس، ثم ماتت. كنا نظن أنه أغمي عليها فقط".
قال إبراهيم إن الليبيين غادروا، وإن قاربا أوروبيا أنقذ المجموعة في نهاية المطاف. أضاف: "كان قاربنا ينهار. وكنت آخر من خرج من القارب. رأيت الفتاة، كانت عمرها ربما 16 أو 17 عاما. كانت بشرتها مسلوخة. لا أزال أرى كوابيسا. أرى نفسي في ذلك القارب".
قال إسوف، من ساحل العاج (20 عاما)، إن عنصرين بالزي العسكري في زورق زودياك اعترضا زورقه المطاطي يوم أحد في أواخر مايو/أيار. صعد أحدهما إلى قارب إسوف:
"طلبنا الاستمرار في الإبحار. طلب [العنصران] رقم هاتف للاتصال بالمهرب لكننا لم نعطه لهما. كان الهاتف معي، ولكن السائق أشار بعدم إعطائه للعسكري. اتصلت بالرقم على أي حال ولكن لم يكن هناك أي رد. طلب عنصر أن نذهب، لكن الآخر الذي كان في قاربنا رفض ذلك. كان يرتدي زيا مموها لونه بيج. أعادنا إلى ليبيا.
عندما كنا قريبين من الشاطئ، دفع الناس إلى الماء. كان هناك 125 شخصا على متن القارب، استطاع الوصول إلى الشاطئ 105 فقط. أعتقد أن 20 شخصا لقوا حتفهم. تمسكت بالقارب، ولم أتركه إلا عندما أصبح مستوى الماء عند الركبة. كانت الساعة حوالي 11 صباحا، وكنا قرب صبراتة ولكن ليس في ميناء حقيقي".
ذكر خفر السواحل الليبي أنه اعترض 7 زوارق في 22 مايو/أيار، وفقا لتقارير إخبارية، ولكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من التحقق من ادعاء إسوف بأن الضابط دفع الناس عمدا في البحر.
قال "أمان" (22 عاما)، من إريتريا، إن القوات الليبية اعترضت قاربه مرتين لكنه نجح في المحاولة الثالثة، ليصل إلى إيطاليا في مارس/آذار 2016. في المحاولة الأولى، أواخر أكتوبر/تشرين الأول أو أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أتى بحاران ليبيان على متن زورق زودياك سريع، أحدهما يرتدي الزي الأزرق والآخر الأبيض، بعد حوالي ساعتين من الإبحار. كانت كلمة "الشرطة" مكتوبة على القارب باللغة الإنغليزية.
قال أمان: "صعد أحدهما إلى زورقنا، وبدأ يبحث عن السائق. عامل المغربيين في القارب بشكل سيئ حقا، ضربهم، لأنه أراد معرفة من كان يقود... ثم بدأ الليبي بقيادة زورقنا إلى ليبيا، قائلا إنه أنقذنا لأننا لم نكن لنستطيع الوصول إلى إيطاليا مطلقا. ولكن بعد ذلك انتهى بنا المطاف في السجن".
قال أمان إن المجموعة أخِذت إلى ميناء في الزاوية، حيث تم تفتيشهم. كان لدى أحد الإريتريين بوصلة، فاعتقدوا أنه كان السائق وألقوا به في الماء. ألقى ليبي آخر له حبلا وأخرجوه. قال أمان إنهم أطلقوا النار على مواطن مغربي، لإخافته على ما يبدو، لكنها أصابته في قدمه.
انتهاكات المهربين والميليشيات والعصابات
ذكر المهاجرون الذين تمت مقابلتهم سلسلة من الانتهاكات على أيدي المهربين وأعضاء الميليشيات والعصابات. شملت الانتهاكات الاغتصاب والضرب والقتل، بلا تدخل أو حماية من الأجهزة الأمنية أو القضائية الليبية الضعيفة. في بعض الحالات، أجبرت العصابات وأعضاء الميليشيات الناس على العمل حتى يتمكنوا من كسب ما يكفي من المال لدفع تكاليف المرحلة التالية من رحلتهم. في حالات أخرى، اعتقلهم الخاطفون في سجون مؤقتة حتى يرسل أقاربهم في الوطن المال.
يبدأ العنف والاستغلال غالبا عند عبور المهاجرين الحدود الجنوبية لليبيا من السودان أو النيجر أو تشاد. كانوا يأتون عبر الصحراء في شاحنات المهربين، وفي كثير من الأحيان كان المهاجرون يتعرضون للضرب أو التعذيب وأجبروا على العمل.
قالت 5 نساء في مقابلات إن المهربين أو المجرمين اغتصبوهن في ليبيا. قالت سادسة إن المهربين اعتدوا عليها جنسيا هناك، وإنها شاهدت رجالا يأخذون فتيات أخريات بعيدا. قالت 3 إريتريات بينهن فتاة تبلغ من العمر 16 عاما، إن المهربين اغتصبوهن في السودان، وقالت رابعة إن المهربين اعتدوا عليها جنسيا هناك. قالت امرأة إريترية أخرى إن مجرمين اغتصبوها في تشاد.
قالت "عائشة"، الامرأة ذات الـ 27 عاما من غامبيا، إنها أمضت نحو 11 شهرا في ليبيا في تنظيف المنازل، منذ منتصف 2015. خطفت عصابة مسلحة في طرابلس مجموعة من غامبيا كانت معهم في مارس/آذار 2016، وحاولوا فصلها وامرأة أخرى عن المجموعة. قالت إن ابن عمها تدخل فأطلقوا عليه النار وقتلوه.
اغتصب أفراد العصابة عائشة والامرأة الأخرى. قالت: "اغتصبونا، رجلان لكل واحدة. أتفهم؟ كنت أصرخ. جعلوني أنزف".
ثم أخذ أفراد العصابة المرأتين إلى مركز شرطة حسب قولها وسلموهما هناك. قالت إنها بقيت هناك 5 ساعات ثم اقتيدت إلى سجن في الزاوية، حيث مكثت أسبوعا. خلال ذلك الوقت، قالت إن الحراس اغتصبوها 3 مرات.
قالت "أرسيما" (22 عاما)، من والدين من إريتريا وإثيوبيا، إن مهربا اغتصبها في جنوب ليبيا. قالت "أخذنا أحد المهربين إلى بيته، أنا وفتاة عمرها 18 عاما. اغتصبني أولا، ثم طلب مني تنظيف منزله. ولكني كنت أبكي ولم أستطع. رجل آخر – حارس منزله – انتهك جنسيا الفتاة ذات الـ 18 عاما".
قالت تسيبكتي (18 عاما)، من إريتريا، إن مهربا اغتصبها أيضا، وأن النساء اللاتي يسافرن عبر ليبيا كن يدفعن 80 دينارا في الخرطوم بالسودان، ثمن حقن قيل إنها تمنع الحمل لأنهن يعرفن المخاطر في ليبيا. قالت هي و3 نساء أخريات إنهن تلقين حُقنا أيضا في السودان ولم يعرفن نوع الدواء.
قالت امرأة أخرى من إريتريا، "ماكدا" (38 عاما)، لـ هيومن رايتس ووتش إن المهربين اعتدوا عليها جنسيا في السودان وليبيا. كما رأت مجهولين يأخذون نساء أخريات في ليبيا. قالت ماكدا: "رأيت كيف وصلوا إلى المكان الذي كنا ننتظر القوارب فيه وأخذوا الفتيات. لا نستطيع أن نعرف إن كانوا من الشرطة أو المهربين لكنهم كانوا المسؤولين عن حمايتنا".
قالت ماكدا إن رجلين أخذا امرأتين. وأضافت: "اختفت المرأتان 30 دقيقة. [عندما عادتا] لم نستطع التحدث معهن وإلا تعرضنا للضرب، ولكننا نساء ويمكننا أن نعرف ما الذي حدث لهن. كن يبكين". تعتقد ماكدا أنها لم تُغتصب في ليبيا لأنها كانت مسافرة مع ابنها ذي الأربع سنوات.
ذكر الرجال الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أيضا سوء المعاملة، بما في ذلك العمل القسري في المزارع ومواقع البناء، من قبل المهربين وجهات خاصة الأخرى.
قال "ميشيل"، من الكاميرون، إنه قضى عامين في الاحتجاز في الكفرة من 2014 إلى 2015 على يد مجموعة مجهولة طلبت 5 آلاف دينار (3600 دولار) لإطلاق سراحه. قال إنهم وآخرين أجبروا على العمل في مزرعة لأنهم لم يستطيعوا دفع المال.
قال ميشيل: "كان الوضع في الكفرة صعبا، لقي كثير من الناس حتفهم. فعلوا لي أشياء كثيرة جدا، لا يمكنني التحدث عنها. كان مثل فيلم رعب". أظهر ميشيل لـ هيومن رايتس ووتش أثر جرحين على ذراعيه، وقال إن الحراس في الكفرة احرقوه بسكين ساخن.
قال "عمر" (18 عاما)، من السنغال، إن مجموعة مسلحة قبضت عليه في صبراتة في يناير/كانون الثاني 2015 واحتجزته لمدة سنة، وأجبرته على العمل. أضاف: "قالوا إنهم كانوا من الشرطة. كانت ملابسهم مختلفة ولكن جميعهم كانوا يحملون البنادق. حتى قطاع الطرق هناك قالوا إنهم الشرطة".
الفوضى في ليبيا
تُرتكب الانتهاكات ضد الأجانب في ليبيا ضمن سياق الصراع والفوضى بعد سقوط معمر القذافي عام 2011. كما تنتشر العنصرية على نطاق واسع في ليبيا. نشرت هيومن رايتس ووتش عام 2014 تقارير عن التعذيب والمعاملة غير الإنسانية في مراكز احتجاز المهاجرين الرسمية، ولا يبدو أن الوضع تحسن.
يعاني الليبيون أيضا كثيرا من انهيار القانون والنظام والصراعات المسلحة في أنحاء البلاد. قدّرت الأمم المتحدة أن 2.44 مليون شخص في ليبيا بحاجة إلى الحماية، وإلى أحد أشكال المساعدة الإنسانية. نزح نحو 425 ألف شخص حتى يونيو/حزيران 2016، وفقا لمنظمة الهجرة الدولية. وثّق تقرير هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول الاعتقال التعسفي على المدى الطويل والتعذيب وغيره من أشكال إساءة المعاملة في 4 سجون غير مخصصة للهجرة في طرابلس ومصراتة.
تشمل السلطات الثلاث التي تتنافس على السيطرة في ليبيا حكومة "وحدة" مدعومة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. أسست حكومة الوفاق الوطني الليبية وجودها في طرابلس، لكنها لم تتمكن من ممارسة سلطتها على عديد من الميليشيات القوية التي تفرض سيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد. تشارك حكومة "الوحدة" وقوى أخرى أيضا في نزاع مسلح مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي سيطر لأشهر على مدينة سرت المركزية الساحلية، وارتكب انتهاكات خطيرة ضد السكان هناك.
وفقا لمنظمة الهجرة الدولية، وصل في الأشهر الستة الأولى من عام 2016، 67538 شخصا إلى إيطاليا من شمال أفريقيا، معظمهم من ليبيا، وغرق 2920 شخص أو فقدوا في المتوسط (مقارنة مع 1838 قتيل ومفقود في النصف الأول من 2015). يوجد على الأقل 264 ألف مهاجر وطالب لجوء ولاجئ في ليبيا، معظمهم من جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. وفقا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، سجلت 9300 لاجئ و28268 طالب لجوء في ليبيا، منهم 18986 مواطنا سوريا. ليس لليبيا قانون لجوء ولم تصادق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
تعمل البحرية وحرس السواحل الإيطاليان، وبعثة "تريتون" في "فرونتكس" التابعة للاتحاد الأوروبي، و"عملية صوفيا" للبحرية الأوروبية"، فضلا عن عديد من المنظمات غير الحكومية، في المياه الدولية قبالة السواحل الليبية وتجري عمليات إنقاذ. تلتزم السفن التي ترفع علم الاتحاد الأوروبي بمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان يواجه فيه تهديدات لحياته وحرياته.
يخطط حلف شمال الأطلسي في قمته في 8 و9 يوليو/تموز بوارسو، لمناقشة التعاون مع عملية الاتحاد الأوروبي البحرية في وسط البحر الأبيض المتوسط. قال الأمين العام للحلف جين شتولتنبرغ في 4 يوليو/تموز إن حلف شمال الأطلسي قد يوفر السفن والطائرات والاستخبارات، أو غير ذلك من القدرات.
التوصيات
نظرا لحجم المشكلة وعدم وجود حكومة ليبية فعالة، لا يوجد حل بسيط لأزمة المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين في ليبيا. على السلطات الليبية والجهات الفاعلة الدولية، وخاصة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، بذل جهد متعدد الجوانب يعطي الأولوية لاحترام الحقوق على إغلاق الحدود ويدعم الهدف الأكبر المتمثل في استقرار ليبيا وبناء مؤسسات تحترم الحقوق.
لدول الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه:
- يجب التأكد من أن أي تدريب أو تمويل أو مساعدة المادية لقوات خفر السواحل الليبية والسلطات الليبية الأخرى لا يفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا.
- إعطاء الأولوية لعمليات البحث والإنقاذ على عمليات الاعتراض في تدريب قوات خفر السواحل الليبية والبحرية.
- تمويل وتنفيذ برامج لتحسين الأوضاع في مراكز احتجاز المهاجرين.
- دعم المراقبة والتقارير العامة للمراقبين الدوليين، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية ذات الصلة، في مراكز احتجاز المهاجرين. يجب توفير مزيد من القدرة لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا على الرصد والإبلاغ عن ظروف المعتقلين الليبيين وغير الليبيين.
- الدعم السخي لخطة استجابة الأمم المتحدة الإنسانية في ليبيا، التي تلقت 165.6 مليون دولار فقط، أي 18.2 بالمئة من المبلغ المطلوب، حتى إبريل/نيسان 2013.
- توسيع قنوات آمنة وقانونية في أوروبا للذين يحتاجون إلى الحماية الدولية وغيرهم من المهاجرين، سواء للموجودين في ليبيا وفي بلدانهم الأصلية. يشمل ذلك زيادة دعم إعادة توطين اللاجئين وخطط القبول الإنسانية ولم شمل العائلات والتأشيرات التعليمية وانتقال اليد العاملة وإعادة التوطين من خلال رعاية خاصة.
- الضغط على السلطات الليبية لإنهاء التعذيب والمعاملة غير الإنسانية أثناء الاعتقال ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، واللاجئين. يشمل ذلك تقديم بدائل لاحتجاز المهاجرين، وإطلاق سراح الذين اعتقلوا بشكل غير قانوني أو غير ضروري.
لحلف شمال الأطلسي:
- يجب التأكد من أن أي دعم من الحلف للعمليات البحرية في الاتحاد الأوروبي لا يسهم في محاصرة المهاجرين في ليبيا، ويتوافق مع الشرط القانوني الدولي في عدم الإعادة القسرية.
- منح التكليف والقدرة على إجراء عمليات البحث والإنقاذ لجميع السفن التي تساعد عمليات الاتحاد الأوروبي. على السفن المجهزة على النحو المطلوب مساعدة القوارب القريبة أثناء تعرضها لأزمات، بموجب القانون البحري، بغض النظر عما إذا كان في المياه الإقليمية الدولية أو الليبية.
للسلطات الليبية:
- إزالة الحراس والمسؤولين المسيئين من مراكز احتجاز المهاجرين، ومحاسبة الذين استخدموا التعذيب أو ارتكبوا انتهاكات أخرى.
- احتجاز الأشخاص لأغراض الهجرة فقط على أساس فردي في حالة الضرورة القصوى وفقط لأقصر وقت ممكن. عرض كل المعتقلين فورا على القضاء الذي يمكن أن يحكم على قانونية وضرورة الاحتجاز، ويأمر بالإفراج عن جميع الأشخاص الذين لا ينبغي اعتقالهم.
- إطلاق سراح أي شخص احتُجز بشكل غير قانوني أو ضروري، خاصة من الفئات الضعيفة، مثل النساء العازبات والقاصرين غير المصحوبين، والذين يرغبون في تقديم طلب لجوء لدى المفوضية.
- المصادقة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، واعتماد قانون وطني للجوء، وإقامة علاقات رسمية مع المفوضية من خلال مذكرة تفاهم لتنظيم سير العمل في الوكالة.
المنهجية
قابلت هيومن رايتس ووتش 47 شخصا في صقلية (23 امرأة و24 رجل) في يونيو/حزيران، سافروا مؤخرا من ليبيا إلى إيطاليا على متن قوارب المهربين. من بينهم كان هناك: طفلة تبلغ من العمر 16 عاما وصبي يبلغ من العمر 12 عاما، وكلاهما من إريتريا. أجريت المقابلات في مركزي وصول أولي، فيما يسمى بـ "النقاط الساخنة" في تراباني وبوتسالو، وفي مركزي مينيو وفيلا سيكانيا لاستقبال طالبي اللجوء.
أجرى موظفو هيومن رايتس ووتش المقابلات باللغتين الإنغليزية والفرنسية، وبمساعدة مترجمَين للّغة التغرينية. أوضح الموظفون الغرض من المقابلات، وضمنوا عدم الكشف عن الهوية، وحصلوا على الموافقة لاستخدام الشهادات. أجريت جميع المقابلات بشكل سري. تم إيلاء عناية خاصة بالناجين من العنف الجنسي والتعذيب. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الحصول على إذن للسفر إلى ليبيا وإجراء الأبحاث في مرافق احتجاز المهاجرين. وجّهت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى "هيئة الاتحاد الأوروبي للعمل الخارجي" و"عملية صوفيا" لطلب معلومات عن تدريب حرس السواحل الليبية. لم تتلق هيومن رايتس ووتش ردا من "هيئة الاتحاد الأوروبي للعمل الخارجي" حتى 5 يوليو/تموز. وأشارت "عملية صوفيا" إلى أنها ستردّ على العرض ولكن لم تتمكن من القيام بذلك في الوقت المناسب لهذا التقرير.