(نيويورك) – على الولايات المتحدة وروسيا تفعيل التزامهما الأخير بالتحقيق في الهجمات التي تتسبب بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في سوريا. على وجه الخصوص، ينبغي فتح التحقيقات في غارة جوية في 5 مايو/أيار 2016 على مخيم للنازحين، وفي مقتل مدنيين على يد جماعات مسلحة أثناء سيطرتها على قرية ذات أغلبية عَلويّة في 12 مايو/أيار.
وعدت الولايات المتحدة وروسيا في بيان يوم 9 مايو/أيار، بإجراء تقييم مشترك للهجمات في سوريا والتي "تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين"، ومشاركة النتائج مع أعضاء "مجموعة عمل وقف إطلاق النار" التابعة لـ "المجموعة الدولية لدعم سوريا" ومجلس الأمن الدولي. قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن اتخاذ تدابير للمعاقبة على هذه الانتهاكات وردعها.
قال نديم حوري، نائب مدير قسم الشرق الأوسط: "يجب أن تكون هذه الهجمات الأخيرة اختبارا لعزم الولايات المتحدة وروسيا على وضع حد لقتل المدنيين غير القانوني في سوريا. على البلدين التحقيق الفوري وإتاحة نتائج التحقيق للجمهور."
قال 4 شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن 3 غارات جوية أصابت حوالي الساعة 5 مساء 5 مايو/أيار مخيم الكمّونة، الذي كان يأوي 4500 نازح سوري. يقع المخيم قرب مدينة سرمدا في محافظة إدلب الشمالية، على بعد 5 كيلومترات من الحدود التركية التي تزاد صعوبة عبورها. قال مصدر إنساني مستقل في تركيا إن مسعفين انتشلوا 20 جثة، بينها جثتيّ طفلين، وإن 37 شخصا على الأقل أصيبوا بجروح، منهم 10 فقدوا طرفا أو أكثر ونُقِلوا إلى تركيا لتلقي الرعاية الطبية. أفاد شهود عيان أنه لم يكن هناك شيء في المخيم قد يجعل منه هدفا عسكريا مناسبا.
هاجمت جماعات معارضة مسلحة بما فيها "أحرار الشام" و"جبهة النصرة"، بلدة الزارة ذات الأغلبية العَلويّة بريف حماة الجنوبي وسيطرت عليها. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الوصول إلى أي شخص من الزارة، ولكن وكالة الانباء السورية "سانا" ذكرت أن الهجوم الذي شنته جماعات المعارضة القادمة من حمص القريبة وقع في الصباح الباكر. أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الجماعات المسلحة قتلت 19 مواطنا بينهم 6 نساء.
وثّقت هيومن رايتس ووتش سابقا الانتهاكات على أيدي الجماعات المسلحة، بما فيها أحرار الشام وجبهة النصرة بعد السيطرة على القرى والبلدات العلوية، ومنها القتل وأخذ الرهائن خلال هجوم عسكري بريف اللاذقية في أغسطس/آب 2013.
الهجمات المتعمدة أو المستهترة ضد المدنيين والمنشآت المدنية، والمرتكبة بقصد جنائي، هي جرائم حرب. تُلزِم قوانين الحرب أطراف النزاع بالحذر الدائم أثناء العمليات العسكرية لاستثناء السكان المدنيين و"اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة" لتجنب أو تقليل الخسائر في أرواح المدنيين والإضرار بالأعيان المدنية. يجب عدم استهداف المستشفيات، مثل غيرها من المنشآت المدنية. وعلاوة على ذلك، فهي محمية ما لم "تُستَخدم في ارتكاب أعمال عدائية" فيما هو خارج نطاق مهمتها الإنسانية. حتى إن حدث هذا، يمكن مهاجمتها فقط بعد أن يتم توجيه إنذار وتحديد مهلة زمنية معقولة، وبعد تجاهل هذا التحذير.
غارات 5 مايو/أيار الجوية على مخيم الكمّونة
عندما أصابت الغارات الجوية مخيم الكمّونة، كانت فاطمة قطايني (35 عاما) في خيمتها مع أطفالها الأربعة. انتقلوا إلى المخيم قبل شهرين هربا من العنف في بلدة عندان بريف حلب. أُصيبَت في رأسها وصدرها وبطنها، وقُتل 2 من أطفالها. أُصيب طفلاها الآخران بجروح خطيرة ونُقِلا إلى مستشفى في تركيا. تواصلت هيومن رايتس ووتش معها عن طريق الهاتف في مستشفى في تركيا:
كنتُ جالسة في خيمتي أعلّم ابنتي كيفية قراءة آية من القرآن عندما ضرب الانفجار. لم نسمع أي شيء، لا طائرات أو مروحيات، فجأة كان هناك غبار وصخور تتطاير في كل مكان، ورأيت أطفالي يطيرون في الهواء من أثر الانفجار. استطعت النهوض، وعندما نظرت حولي رأيت ابني بلا رأس، وأيضا ابنتي ممزقة بلا أطراف. غطت الدماء طفليّ الآخرين وبديا ميتين لذلك تركتهما حيث كانا. صُدمتُ وبدأت أصرخ وأصرخ، ثم فقدت الوعي. عندما استيقظت وجدت نفسي في المستشفى.
كانت فاطمة طارق (17 عاما) من حي الصالحين بريف حلب، في سرير مجاور بالمستشفى، وتحدثت لـ هيومن رايتس ووتش كذلك عبر الهاتف من المستشفى:
كنت ووالدتي نزور أحد الجيران في خيمتهم، أبعد قليلا من مكان إقامتنا. كنا قد وصلنا للتو إلى الكمّونة ذلك اليوم، من [حي] الصالحين. كان يومنا الأول هناك. عندما ضرب الانفجار، لم نسمع طائرات أو أي شيء، ولكنه كان مفاجئا وعنيفا، وكان هناك غبار في كل مكان. استطعت الخروج من الخيمة، ولكن والدتي كانت عالقة واضطررت الى سحبها لإخراجها من تحت الخيمة التي سقطت عليها. أُصيبت ذراعي في الهجوم ولكني لم أشعر بأي شيء حتى أخذني عمال الإنقاذ إلى المستشفى.
مصطفى الحسن، الناطق الإعلامي باسم الدفاع المدني السوري، وهي منظمة بحث وإنقاذ تطوعية تعمل في مناطق سوريّة تسيطر عليها المعارضة استجابت للهجوم، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن 3 غارات أصابت المخيم:
كانت الضربتان الأولى والثانية داخل المخيم، والثالثة وقعت قربه ما إن بدأ عمال الانقاذ عملهم. كان هناك كثير من الاشلاء في كل مكان في المخيم، ولا وجود لأهداف عسكرية أو جماعات مسلحة داخل المخيم.
أظهرت لقطة فيديو نشرتها مجموعة الدفاع المدني عمال إنقاذ يخمدون الحرائق بخراطيم المياه، ودخان يتصاعد من الخيام المدمّرة. كانت ممتلكات سكان المخيم المحروقة متناثرة على الأرض، وعمال الانقاذ وهم يضعون الجرحى في سيارات الإسعاف، وبقايا الجثث المحترقة.
قال المسؤول عن مخيم الكمّونة، عبد الرحمن خليفة، في 9 مايو/أيار إن عمال الانقاذ كانوا ما زالوا يجمعون رفات القتلى:
"غادر معظم الناس المخيم بحثا عن الأمان في القرى المجاورة أو على الحدود. كان المخيم مليئا بالمدنيين، كثير منهم نساء وأطفال، فرّوا من أعمال العنف شمال حلب."
هجوم 12 مايو/أيار على الزارة
نقلت صفحة "فيسبوك" لقناة "الخبر" الإخبارية أنها قابلت رجلا فرّ من الزارة. قال الرجل إنه استيقظ على أصوات اشتباكات عنيفة بين قوات الحكومة والمعارضة، وإنه هرب إلى أقرب قرية. قال أشخاص آخرون قابلتهم الشبكة إن قوات المعارضة سجنت عددا كبيرا من سكان المدينة، وأخذتهم إلى بلدة الرستن شمال حمص.
أظهرت الصور التي نشرها حساب "تويتر" التابع لـ "غرفة عمليات ريف حمص الشمالي"، التي نسقت تحركات الجماعات المسلحة المهاجمة، مواقع داخل الزارة التي سيطر عليها المقاتلون وهم يدخلون المدينة. قال حساب تويتر إن من بين الفصائل المسلحة المشاركة بالإضافة إلى أحرار الشام وجبهة النصرة، شاركت جماعة "أهل السنة والجماعة" و"أجناد الشام".
أظهر مقطع فيديو نشرته غرفة العمليات مقاتلا في غرفة مع عديد من البنادق وجثة على الأرض، أعلن النصر في الزارة وقال إن المعارك القادمة ستكون في حلب. نشر حساب تويتر غرفة العمليات أيضا صور 3 قتلى زعم أنهم عناصر موالية للحكومة. قالت إحدى التغريدات على تويتر إن قوات المعارضة قتلت "عشرات" من القوات الحكومية وأخذوا سجناء.
تداولت وسائل الاعلام الاجتماعية صورة تُظهِر مقاتلين فوق جثتي امرأتين. أصدر حساب تويتر غرفة العمليات في 13 مايو/أيار، بيانا يؤكد صحة الصورة، ولكنه أفاد أن المرأتين قُتِلتا لأنهما كانتا مسلحتين وقتلتا مقاتلا. أشار البيان إلى عدم قبول طريقة تعامل المقاتلين مع الجثة في الصورة. لم يذكر البيان أي معلومات عن مصير سكان المدينة الآخرين.