Skip to main content

رسالة إلى التونسيات والتونسيين

تحت وقع الصدمة والرّعب التي سببتها  الهجمات الإرهابية ، طالب التونسيون بتدابير قويّة وحازمة للقضاء على الإرهاب، معتبرينه تهديدا للشعب والوطن التونسي.


الحال اليوم أن بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب، الذي تمّ تبنيه كرد فعل على هذه الهجمات، قد تفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
غير أن تنبيه الحقوقيين إلى ذلك قد أدى إلى نتيجة عكسية :  من يدافع عن حقوق الإنسان الآن، يُتهم  ب"التساهل" مع الإرهابيين، وذلك  وفي سياق تفشي خطاب بين عامة التونسيين مفاده : لن يُسمح لحقوق الإنسان بعرقلة الجهود اللازمة لمكافحة الإرهاب.

نحن، المنظمات الحقوقية التونسية والدولية الموقعة أدناه، نقرّ بأهمية هذا النقاش، ونوجه هذه الرسالة إلى الشعب التونسي لمعالجة مشاغله المشروعة وتوضيح أي سوء فهم.

بداية، نؤكد بقوّة على أن الإرهاب جريمة فظيعة لا يُمكن أبدا التسامح معها أو تبريرها. يشكل الإرهاب تهديدا لحقوق الإنسان  بدءا من أوكدها وهو الحق في الحياة. إن مكافحة الإرهاب من المسؤوليات الجوهرية للحكومة، وعليها لذلك اتخاذ جميع الخطوات المتاحة للكشف عن هوية المتورطين وتقديمهم إلى العدالة. وإذا أُدين المتهمون بالإرهاب بشكل عادل، وجب عقابهم بالصرامة التي تناسب أفعالهم.

لكن على الحكومة أيضا احترام حقوق الإنسان. وقناعتنا راسخة بأنه لا يوجد أي تناقض بين هذين الواجبين، ولا يجب أن يكون أي منهما على حساب الآخر.

وبهذا وجب توضيح ما يلي:

يسعى الإرهابيون إلى تدمير السلام والطمأنينة؛ على الحكومات ألا تسهل لهم المأمورية.

ترمي الهجمات الإرهابية إلى جعل الناس يعيشون في حالة مستمرة من الترقب والخوف والدمار النفسي. لكن تُخلق ظروف مشابهة أيضا عندما تستطيع قوات الأمن التعسف على أي شخص دون محاسبة و تحت حماية قوانين جائرة. الحكومات التي تدوس على حقوق الناس هي في الواقع تساعد الإرهابيين على تحقيق غايتهم، وبذلك تضمن فعليا انتصارهم.

التضحية بحقوق الإنسان لا تهزم الإرهاب، بل تغذيه.

اللامساواة الاجتماعية وانعدام الفرص الاقتصادية تخلق ارضية خصبة لاستقطاب شباب مهمش من قبل مجموعات ارهابية. لكن يوجد سبب (وليس مبرر) أساسي آخر للإرهاب يتمثل في غياب العدالة والمساءلة. هذا ما يدفع البعض إلى القيام بأعمال يائسة تصل إلى تبرير عمليات إرهابية أو حتى ارتكابها. لذا، لا يعد انتهاك الحقوق في سياق مكافحة الإرهاب خطأ قانونيا وأخلاقيا فحسب، بل كذلك تصرفا يفتقر إلى الحكمة الاستراتيجيةلأنه يأتي بنتائج عكسية. إن انتشار الظلم يخلق أرضا خصبة للإرهاب. ولا يؤدي نظام حكم يسمح بوقوع الانتهاكات دون معاقبتها سوى لتوفير مزيد من الأعذار لبعض الأشخاص حتى يندفعوا نحو العنف. ينبغي القضاء على دوامة الإحباط والحقد، وليس تغذيتها.

القوانين التعسفية التي تستهدف الإرهابيين، تهدد في الواقع الجميع.

يعتقد الكثيرون أن الصرامة المفرطة في قوانين مكافحة الإرهاب، هي ثمن يجب دفعه في سبيل حماية الأمن القومي والسلامة العامة. لكن هذا الطرح ينطوي على منزلق خطير، لأن الدول التي لا تحكمها قوانين تحترم حقوق الإنسان كثيرا ما تميل الي التعسف في استخدام السلطة. مكافحة الإرهاب بلا رقيب تؤدي  بطريقة شبه منهجية إلى التعسف على مواطنين شرفاء وأبرياء، وذلك عن خطأ أو ربما عن قصد، بغية تصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بالإرهاب. وجود قوات أمن  كفأة وناجعة يمثل ضرورة للحفاظ على الاستقرار والسلم المدني، ولكن لا يجب أبدا منحها صكا على بياض. هكذا تولد الدول البوليسية، والتونسيون قد تخلصوا لتوّهم من دولة من هذا النوع دام تسلطها 23 سنة. القوانين الجائرة تنتج ضرورة أنظمة ظالمة، وعلى تونس أن تتجنب الوقوع في هذا الفخ مجددا.

احترام حقوق الإنسان لا يعني الليونة في التعامل مع الإرهاب.

احترام حقوق المتهمين بالإرهاب لا يعني تعاملا ضعيفا أو ليّنا معهم، بل يعني توفير ضمانات المحاكمة العادلة لهم، بما في ذلك قرينة البراءة التي هي حق مخول للجميع. إن ضمان الإنصاف وتحقيق العدالة لا يمثلان علامة على ضعف الدولة بل العكس هو الصحيح . الإنصاف القضائي لا يعرقل تنفيذ القوانين ضدّ من يهدّد الحياة والأمن. حماية حقوق الجميع تعني ضمان سلامة الأبرياء بقدر ما تعني معاقبة المذنبين.

تعذيب المتهمين لا يفيد محاربة الإرهاب.

التعذيب ممارسة شنيعة اتفقت جميع الدول على حظرها بشكل مطلق، ولا يمكن تبريرها مهما كانت الظروف والغايات. لكن البعض يتغاضى عن التعذيب، ويعتقد أن تعنيف المشتبه فيهم قد يمكن من الحصول على معلومات مفيدة في مكافحة الإرهاب. إلا أن أدلة متنوعة من جميع أنحاء العالم – من أشخاص تعرضوا للتعذيب وجلادين سابقين – تبرز أن تعنيف المشتبه فيهم نادرا ما ينتج معلومات حقيقية وموثوقة تساعد على مكافحة الإرهاب.

قد يقول الموقوفون الذين يتعرضون للتعذيب أي شيء يريد سجانوهم سماعه حتى يكفوا عن تعذيبهم. هذه الاعترافات تحت الإكراه تخلق أدلة خاطئة. والأدلة الخاطئة، حتى وإن تخللتها بعض المعلومات الصحيحة، تؤدي إلى المزيد من الاعتقالات والاستنطاقات التعسفية وذلك في دوامة لا تنتهي من الظلم وانعدام الفعالية. وفي نهاية المطاف تكون أجهزة الأمن قد أضاعت من الوقت والموارد ما كانت تستطيع استغلاله بشكل أفضل وأنجع في جهود قانونية ومثمرة لمكافحة الإرهاب.

التعنيف ينفر المبلغين ويغذي الدعاية الإرهابية.

للتعذيب أثر جانبي مدمّر إضافي: إنه يخيف من يُرجح امتلاكهم معلومات قد تساعد في تجنب أعمال إرهابية، مثل أقارب وجيران ومعارف المتورطين في الإرهاب. تكون مكافحة الإرهاب فعّالة عندما تمنح الثقة للمواطنين الشرفاء حتى يبلّغوا السلطات بأي نشاط مشبوه عاينوه. أما إذا كانوا يخشون أن يتسبب التبليغ في تعذيب أشخاص، بل وربما تعذيبهم كذلك باعتبارهم شركاء في ما يحصل، فسيستلزمون الصمت. تَبنّي مقاربة تحترم حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب هو أفضل سبيل لتشجيع المبلغين على الإدلاء بمعلومات مفيدة.

إن الدولة عندما تدعم التعذيب، فهي تعزز شعور الإرهابيين بأنهم يقاومون نظاما طاغيا يستحيل إصلاحه. انتهاك الدولة لحقوق الإنسان من المرجح أن يزيد تشبّث الإرهابيين بأهدافهم، ويدعم دعايتهم، ويعزز قدرتهم على الاستقطاب.
ـ ـ 

انتهاك الحقوق في سبيل التصدي لانتهاكات حقوق أخرى مستقبلا، نهج غير حكيم وغير فعال، ولا يحقق أي استقرار طويل المدى. إن السبيل الأفضل في مكافحة الإرهاب يكون عبر إنشاء مؤسسات ديمقراطية والالتزام بقوانين منصفة – علاوة، طبعا، على معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، لكي يأمل الشباب في مستقبل أفضل.

" شغل، حرية، كرامة وطنية" : تلك كانت مطالب التونسيات والتونسيين الذين هبّوا إلى الشارع قبل 5 سنوات لإسقاط عقود من الدكتاتورية والفساد والظلم. اليوم، يهدّد الإرهاب فعلا الديمقراطية الناشئة في تونس، ولذلك تتعين مواجهته ومكافحته والانتصار عليه. لكن الغاية، حتى وإن كانت مشروعةً، لا تبرّر الوسيلة. بل العكس صحيح: الوسيلة إذا ما كانت سيئة، قد تُفسِد الغاية. لا يحق لأحد تشويه الغايات النبيلة للثورة التونسية بانتهاكات لحقوق الإنسان لا تُحمَد عقباها.

 

  كاريكاتير من إهداء الرسامة التونسية نادية خياري، كمساهمة في حملة "لا للإرهاب، نعم لحقوق الإنسان". تحت عنوان"عقوبة الإعدام مضمونة في قانون مكافحة الإرهاب"، تقول الشخصية الكرتونية : "سوف نقضي على العنف والمجية. بواسطة القتل نادية خياري. © 2016
  كاريكاتير من إهداء الرسامة التونسية نادية خياري، كمساهمة في حملة "لا للإرهاب، نعم لحقوق الإنسان". تقول الشخصيتان الكرتونيتان : — “لا أبالي بالثورة. لا أبالي بحقوق الإنسان. لا أبالي بالحرية. أريد الأمن." — “مرتاح؟ أنت في وضع آمن الآن.”   نادية خياري. © 2016

 

المنظمات الموقعة:

قائمة المنظمات الوطنية:

  1. الاتحاد العام التونسي للشغل
  2. الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
  3. الهيئة الوطنية للمحامين بتونس
  4. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
  5. النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين
  6. جمعية القضاة التونسيين
  7. منظمة مناهضة التعذيب في تونس
  8. الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات
  9. البوصلة
  10. مراقبون
  11. جمعية نواة
  12. مخبر الديمقراطية
  13. المرصد الوطني لاستقلال القضاء
  14. لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس
  15. مؤسسة الشهيد شكري بلعيد لمناهضة العنف
  16. مؤسسة الشهيد محمد البراهمي
  17. مؤسسة محمد بلمفتي للعدالة والحريات
  18. جمعية يوتوبيا تونس (UTOPIA Tunisie)
  19. جمعية أمل للبيئة بالمتلوي، الحوض المنجمي
  20. جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية
  21. جمعية مواطنة وحريات
  22. جمعية المرأة والمواطنة
  23. الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة
  24. فدرالية التونسيين من أجل مواطنة الضفتين
  25. جمعية تالة المتضامنة (Thala Solidaire)
  26. جمعية ارتقاء
  27. جمعية آفاق الكاف للتنمية الشاملة
  28. جمعية زنوبيا
  29. جمعية رؤية حرة
  30. المنظمة التونسية للعدالة الاجتماعية والتضامن
  31. الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
  32. جمعية توحيدة بن الشيخ
  33. مركز تونس للهجرة واللجوء
  34. الجمعية العلمية للدراسات السكانية والهجرة والصحة
  35. تحالف من أجل نساء تونس
  36. رابطة الناخبات التونسيات
  37. شبكة دستورنا
  38. التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية

 

قائمة المنظمات العالمية:

  1. الشبكة الأورو–متوسطية للحقوق
  2. المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب
  3. الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
  4. هيومن رايتس ووتش
  5. أوكسفام
  6. مركز كارتر
  7. منظمة المادة 19  (Article 19)
  8. إنترناشونال آليرت

 

تحديث :

  : قررت النظمات التالية الانضمام إلى الحملة بعد انطلاقها—مرحبا بها

- المركز الدولي للعدالة الانتقالية

- الائتلاف ضد عقوبة الإعدام

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.