(باريس) – نفذت فرنسا في ظل قانون الطوارئ الحالي مداهمات واعتقالات تعسفية وتمييزية ضد المسلمين. أثارت تلك الإجراءات مصاعب اقتصادية للمستهدفين، وضدمة لدى الأطفال.
في يناير/كانون الثاني 2016، قابلت "هيومن رايتس ووتش" 18 شخصا قالوا إنهم تعرضوا لعمليات تفتيش تعسفية أو وُضعوا قيد الإقامة الجبرية، كما قابلت نشطاء حقوق إنسان ومحامين عاملين في المناطق المتضررة. قال المستهدفون إن الشرطة اقتحمت منازل ومطاعم ومساجد ودمرت ممتلكات الناس وأصابت الأطفال بالرعب، وفرضت قيودا مشددة على حركة الناس تسببت في خسائر لهم، وجعلتهم يعانون جسديا.
قالت إيتزا لاغتس، باحثة غرب أوروبا في هيومن رايتس ووتش: "فرنسا مسؤولة عن ضمان السلامة العامة ومحاولة منع المزيد من الهجمات، لكن الشرطة استخدمت سلطات الطوارئ الجديدة بطريقة تعسفية وتمييزية وغير مبررة. صدم هذا الاعتداء الأسر وشوه سمعتها، وجعل المستهدفين يشعرون أنهم مواطنون من درجة ثانية".
في مداهمة لأحد المنازل، كسرت الشرطة 4 أسنان لرجل معاق قبل أن تدرك أنه لم يكن من تبحث عنه. في قضية أخرى، نُقل أطفال لأم عازبة لتلقي الرعاية بعد مداهمة منزلهم. قال العديد ممن قابلناهم إنهم أصبحوا الآن يخافون الشرطة وباتوا منبوذين من جيرانهم.
قال وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إن سلطات الطوارئ، التي تسمح للشرطة بتفتيش المنازل ووضع الأشخاص قيد الإقامة الجبرية دون موافقة قضائية مسبقة، "لا تعني التخلي عن سيادة القانون". في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أصدر توجيها إلى السلطات المحلية ليحذرها من ارتكاب أي انتهاكات.
كما نشرت "منظمة العفو الدولية" مؤخرا بحثا حول الانتهاكات الحاصلة في ظل حالة الطوارئ في فرنسا.
نفذت الشرطة أكثر من 3200 مداهمة ووضعت بين 350 و400 شخص تحت الإقامة الجبرية بعد هجمات غير مسبوقة جرت في باريس وضاحيتها سانت دينيس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أسفرت عن مقتل 130 شخصا وإصابة المئات. مع ذلك، لم تفتح وحدة مكافحة الإرهاب في مكتب المدعي العام في باريس إلا 5 تحقيقات تتعلق بالإرهاب.
قالت الحكومة إنها ستطلب من البرلمان تمديد حالة الطوارئ 3 أشهر إضافية، لكنها لم تقدم أدلة مقنعة تبرر ضرورة مواصلة هذه التدابير الكاسحة.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه في ظل غياب الأدلة، على البرلمان ألا يجدد حالة الطوارئ.
تتطلب المداهمات وعمليات التفتيش مثل هذه إذنا قضائيا، يمكن الحصول عليه بشكل مستعجل في الحالات الطارئة. على الحكومة ضمان إمكانية وصول الناس بشكل فوري إلى طرق معالجة أي ضرر نتج عن تصرفات الشرطة خلال حالة طوارئ، ويجب اطلاع المجتمعات المحلية المستهدفة على سبل المعالجة هذه.
تسعى الحكومة أيضا لسنّ قانون من شأنه تضمين أحكام تتعلق بإعلان حالة الطوارئ في الدستور. يشمل هذا الاقتراح إجراء إشكالي يمكّن الحكومة من تجريد المواطنين الفرنسيين مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية إذا أدينوا بجرائم تتعلق بالإرهاب.
قد يؤدي تجريد المواطنين الفرنسيين من جنسيتهم إلى نفيهم من البلاد الوحيدة التي عرفوها. بالنظر إلى ارتفاع معدلات ذوي الجنسية المزدوجة بين المواطنين الفرنسيين من أصول مهاجرة، يثير هذا الإجراء مخاوف من معاملة بعض المواطنين فرنسيي المولد كمواطنين من الدرجة الثانية. استقالت وزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا احتجاجا على الاقتراح، ومن المتوقع أن يبدأ البرلمان في مناقشة مشروع القانون في 5 فبراير/شباط 2016.
تلقى جاك توبون، أمين المظالم المتعلقة بحقوق الإنسان في فرنسا (défenseur des droits)، حوالي 40 شكوى تجاه انتهاكات مرتبطة بحالة الطوارئ، من ضمنها مذكرات بحث غير مبررة، وعدم كفاية أدلة، ومداهمات على عناوين خاطئة. قال في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش إنه بينما لا تستهدف التدابير المسموح بها بموجب حالة الطوارئ مجموعة معينة، "إلا أنها في الواقع تستهدف المسلمين الملتزمين جدا. قد يزيد هذا من الشعور بالظلم وتحدي السلطات العامة".
قالت "مجموعة مناهضة الإسلاموفوبيا" CCIF)) التي تكافح العداء للمسلمين، وهي منظمة ساعدت هيومن رايتس ووتش على الاتصال بالأشخاص الذين مستهم هذه التدابير، إنها وثقت 180 حالة إقامة جبرية تعسفية ومداهمات.
أغلب من وُضعوا تحت الإقامة الجبرية أو دوهمت منازلهم أو فُتشوا مسلمون أو من أصول شمال أفريقية. استهدفت جميع التدابير، التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، مسلمين أو مؤسسات إسلامية أو مطاعم حلال. قال عديد من الأشخاص إنهم شعروا بالاستهداف بسبب دينهم، كما أكدت مجموعة مناهضة الإسلاموفوفوبيا هذا الشعور. أثار نيلس موزنيكس، مفوض "مجلس أوروبا لحقوق الإنسان"، أيضا مخاوف من وجود تنميط عرقي محتمل في مقابلة يوم 12 يناير/كانون الثاني.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الممارسات التي تنطوي على تمييز ضد المسلمين غير قانونية وتؤدي إلى نتائج عكسية لأنها تُنفر المسلمين الفرنسيين وتقوض التعاون بين المجتمعات الإسلامية والجهات الأمنية. يساعد هذا التعاون في تحديد التهديدات الإرهابية المحلية ذات التوجه الإسلامي الراديكالي.
في 19 يناير/كانون الثاني، دعا 5 مقررون خاصون للأمم المتحدة، منهم المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير والمقرر الخاص المعني بحماية وتعزيز حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب، الحكومة إلى عدم تمديد حالة الطوارئ إلى ما بعد 26 فبراير/شباط. كما قالوا: "رغم أن الظروف الاستثنائية قد تتطلب إجراءات استثنائية، إلا أن ذلك لا يعفي السلطات من التأكد من أن هذه الإجراءات تُطبق فقط للأغراض التي وضعت من أجلها، وترتبط مباشرة بالهدف المحدد لها".
تنص المادة 15 من "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، والمادة 4 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، على إمكانية تقييد بعض الحقوق، مثل حرية التنقل والتعبير وتكوين الجمعيات، ضمن حالات الطوارئ، ولكن فقط "إلى أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع". على الحكومة أيضا ضمان تناسب أي تدابير تُتخذ بموجب القانون مع أهدافها المنشودة بدقة، وألا تُستخدم تلك السلطات بطريقة تمييزية أو ضد أناس من عرق أو دين أو فئة اجتماعية معينة.
كما حذرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرارا من أن الإجراءات الأمنية التي تنتهك حقوق الإنسان وسيادة القانون قد تزيد من حالات الإرهاب.
قالت لاغتس: "في سياق تنامي ظاهرة المشاعر المعادية الإسلام، على الحكومة الفرنسية التواصل بسرعة مع المسلمين ومنحهم ضمانات بأنهم ليسوا قيد الشبهات لدينهم أو لعرقهم. تضررت مبادئ الحرية والمساواة والإخاء بشدة في الأسابيع التي تلت هجمات نوفمبر/تشرين الثاني. على فرنسا إحياء تلك المفاهيم واستعادة معناها".
سلطات الطوارئ
أعلن الرئيس فرانسوا هولاند حالة الطوارئ يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني، إذ فعّل قانون الطوارئ المستحدث عام 1955 خلال حرب فرنسا في الجزائر. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مدد البرلمان حالة الطوارئ 3 أشهر حتى 26 فبراير/شباط 2016 ووسّع السلطات التي يمنحها قانون 1955.
يمنح القانون الحالي وزير الداخلية والمسؤولين في الحكومة المحلية صلاحيات واسعة لتفتيش المنازل والمباني وتقييد حركة الناس دون مذكرة قضائية.
يخول القانون المفوض – ممثل الحكومة المحلي – في كل دائرة فرنسية إصدار مذكرات بحث "عندما تكون هناك أسباب جدية للاعتقاد بأن ذلك المكان يرتاده أشخاص يشكل سلوكهم تهديدا للنظام والأمن العام"، إضافة إلى نسخ البيانات الرقمية المحفوظة على الأجهزة الإلكترونية في ذلك المكان.
في توسعة لقانون عام 1955، تخول حالة الطوارئ لوزير الداخلية وضع أي شخص "ممن توجد أسباب جدية للاعتقاد بأن سلوكه يشكل تهديدا للنظام العام والأمن" تحت الإقامة الجبرية.
يجوز للسلطات تحديد إقامة الناس في منازلهم لمدة تصل إلى 12 ساعة يوميا والحد من حركتهم خارجها واجبارهم على الذهاب إلى مركز الشرطة 3 مرات في اليوم – بعدما كانت 4 في أعقاب الهجمات.
أبلغ مسؤول في وزارة الداخلية هيومن رايتس ووتش أن الحكومة نفذت حتى 2 فبراير/شباط 3289 عملية تفتيش وكان هناك بين 350 و400 حالة إقامة جبرية، منها 303 أمر إقامة جبرية لا يزال ساري المفعول حتى ذلك التاريخ. نتيجة لـ3289 عملية تفتيش، أُجريت فقط 5 تحقيقات في جرائم تتعلق بالإرهاب من قبل مكتب المدعي العام في باريس.
قال المتحدث باسم مجموعة مناهضة الإسلاموفوبيا ياسر اللواتي: "فقد المجتمع المسلم الثقة في الحكومة، ولم تقم الحكومة بدورها لإصلاح الضرر".
الإقامة الجبرية
كزافيي نوغويراس، محام يمثل عديد من المسلمين تحت الإقامة الجبرية، قال لـ هيومن رايتس واتش: "الآثار المترتبة على الإقامة الجبرية كارثية. فقد الناس مصادر رزقهم وسمعتهم وكل شيء".
"كامل"، وهو من أصول شمال أفريقية – تم تغيير اسمه الحقيقي لحمايته – قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة وضعته قيد الإقامة الجبرية في منزله في إحدى ضواحي باريس يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بتهمة "التورط مع جماعة إسلامية متطرفة"، وتسهيل سفر المجندين للجهاد مع الجماعات الإرهابية. باتت إقامته الآن مقتصرة على بلدته، حيث هو قيد الإقامة الجبرية في منزله من 8 مساء حتى 6 صباحا، إضافة إلى وجوب ذهابه إلى مركز الشرطة 3 مرات في اليوم.
قال كامل: "إن كنت أقوم بالتجنيد، لماذا لست في السجن بدل الإقامة الجبرية؟ أعتقد أن السبب هو لحيتي. عندما يستهدف السياسيون الإسلام الراديكالي، فهم يستهدفون من له لحية. أحد رجال الشرطة أخبرني أن منظر اللحية سيئ. الهدف الحقيقي للمداهمات الكبيرة والإقامة الجبرية هو طمأنة الناس. لا أستطيع العمل، كما أنني في حاجة للذهاب إلى مركز الشرطة 3 مرات في اليوم [...]، يعاملني الجميع وكأنني مجرم [...] لم أعد أذهب إلى المسجد، فلا أريدهم أن يتهموني بشيء آخر". وتابع بأنه لم يقدم شكوى حول إقامته الجبرية لأنه لا يثق في النظام القضائي الفرنسي: "لم أثق به سابقا، والآن باتت ثقتي به أقل".
* * *
قال أيوب، وهو مسلم جاء إلى فرنسا كلاجئ منذ 10 سنوات ويعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة إن الشرطة داهمت منزله في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ووضعته تحت الإقامة الجبرية بتهمة "التشدد" وجمع المال لتمويل الجهاد في سوريا، الأمر الذي نفاه بشكل مطلق.
لدى أيوب ساق اصطناعية، وقال إن ذهابه إلى مركز الشرطة 3 مرات في اليوم يتطلب مجهودا أكبر مما اعتاد عليه، وهو ما يسبب له آلاما جسدية كبيرة. مُنع أيضا من مغادرة البلدة الصغيرة قرب أورلينز حيث يعيش، وعليه البقاء في منزله من 8 مساء حتى 6 صباحا.
قال أيوب: "يبعد مركز الشرطة عن بيتي 7 كلم، كما تبعد محطة الحافلات عن بيتي 300 متر. في كل مرة [أمشي إلى هناك] أشعر بالألم. لا أستطيع السير لأكثر من 100 أو 200 متر".
يتناول أيوب أدوية إضافية لتخفيف الألم، وهو ما تسبب في نزيف في معدته دخل على إثره المشفى. قال أيضا إن المشي جعله أكثر غضبا، مما زاد في ألمه وعدم راحته. أضاف: "أنا متعب معنويا وجسديا ومكتئب بسبب الإقامة الجبرية هذه".
***
وُضع حليم أ.، وهو مواطن فرنسي (25 عاما) يدير ورشة لإصلاح الدراجات النارية، تحت الإقامة الجبرية في إحدى ضواحي باريس يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. اُتهم بأنه عضو في "جماعة إسلامية متشددة" لم تُسمى. اُتهم أيضا بالتقاط صور بهاتفه المحمول يوم 13 مايو/أيار أمام منزل رئيس تحرير مجلة "شارلي إبدو"، المجلة الساخرة التي هاجم مكتبها في باريس رجال مسلحون في يناير/كانون الثاني 2015. ورد في المحضر أيضا أنه متورط في عصابة للاتجار بالسيارات المسروقة نظمتها ذات الجماعة الإسلامية المتشددة التي لم تُسمّ.
أمرت السلطات حليم بالقدوم 4 مرات في اليوم إلى مركز الشرطة، ثم صارت 3 مرات لاحقا؛ كما طُلب منه البقاء في منزله من 8:30 مساء حتى 7:30 صباحا، ومُنع من مغادرة مسقط رأسه فيتري-سور-سين. قال إن هذه الإجراءات منعته من الذهاب إلى مكتبه في باريس أو القيام بزيارات يومية للعملاء.
في 23 يناير/كانون الثاني 2016، ألغى قاضي إداري إقامة حليم الجبرية، معللا الحكم بأن حليم لم يلتقط الصور بهاتفه في مايو/أيار 2015 بل كان يتصل بأمه القريبة من المكان. قال القاضي إن علاقة حليم بعصابة الاتجار بالسيارات كانت بسبب وجوده شاهدا في قضية اتجار بالسيارات. أمر القاضي الحكومة بدفع مبلغ 1500 يورو كتعويض لحليم.
لكن حليم قال إنه كان قد خسر آنذاك أكثر أعماله، وانتهت حياته الاجتماعية الخاصة. أضاف: "خسرت مصداقيتي، وخسرت نمط حياتي. منذ ذاك اليوم لم يعد لي إلا الله وحده وعائلتي ومحاميّ".
***
في صباح 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حلقت طائرتان مروحيتان في سماء المنطقة، وداهمت نحو 40 سيارة مليئة بالشرطة قرية ديرتيغات، وهي قرية صغيرة من 8 منازل في حي آريغيه الريفي في منطقة ميدي–بيرينيه. طوقت الشرطة القرية وفتشت المنازل ووضعت 8 من سكانها قيد الإقامة الجبرية، بمن فيهم أوليفييه كوريل، وهو فرنسي من أصل سوري، معروف باسم "أمير بلان" ("أمير الأبيض")، شكت السلطات الفرنسية بوجود نشاطات له متصلة بالإرهاب. اُتهم كوريل بحيازة سلاح ناري غير قانوني وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ.
قالت فاطمة، إحدى الأشخاص الذين وضعوا تحت الإقامة الجبرية، لـ هيومن رايتس ووتش إنها وزوجها اُستهدفا ببساطة لأنهما كانا جيران كوريل. اتهم أمر الإقامة الجبرية الزوجين بأنهما جزء من خلية إسلامية متطرفة.
قالت فاطمة: "قالوا إن لنا علاقات مع جارنا أوليفييه كوريل. لم نكن حتى نتبادل السلام معه في السنوات الـ 12 الماضية. صُدمنا، وشعرنا أنه لم يعد هناك أي سيادة قانون أو أي حدود".
طلبت السلطات من فاطمة وزوجها الاتصال بمركز الشرطة الواقع على مسافة 8 كلم 3 مرات في اليوم. قالت فاطمة إنه خلال شهرين، قطع الزوجان حوالي 3000 كيلومتر ذهابا وإيابا بالسيارة. قالت فاطمة: "كنا نشعر بالإهانة في قريتنا الصغيرة. كان الناس يتحدثون عنا من وراء ظهورنا".
رفض المفوض الالتماس الذي قدماه لتغيير ساعات الاتصال بمركز الشرطة كي يتمكنا من حضور أنشطة طفليهما الرياضية – 12 و14 عاما. قالت أيضا إن الشرطة منعت زوجها من تنظيم وتحكيم مسابقات رياضية في المنطقة، وأضافت: "لقد تضرر جزء كبير من حياتنا الاجتماعية".
في 25 يناير/كانون الثاني 2016، ألغى قاضي إداري إقامة الزوجين الجبرية حيث قال: "يبدو أن ... وزارة الداخلية قيدت حرية حركتهم بشكل ملموس وبطريقة غير قانونية". وأضاف أن الأسباب المذكورة في أمر الإقامة الجبرية "تفتقر إلى أي عنصر واقعي محدد" مشيرا إلى أنه لو كان طُلب إذن قضائي بالإقامة الجبرية، لم يكن ليُقبل.
قالت فاطمة: "شعرت وكأنني دمية تهزها الحكومة لتؤكد أنها بصدد القيام بشيء".
مداهمات
قال م. علمي، فرنسي (64 عاما) من أصل مغربي ويحمل إعاقة، إن 6 عناصر شرطة كسروا 4 من أسنانه عندما اقتحموا منزله الذي يقيم فيه مع زوجته و3 من أطفاله الساعة 2 صباحا يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015:
لم يمنحوني فرصة للكلام. دفعوني ووضعوا يداي خلف ظهري. وضعوني على الأرض ووجهي لأسفل. وضع أحدهم ركبته على ظهري حتى شعرت وكأنه انكسر، قلت له: "أنت تؤذيني!" سحبني من شعري وضرب رأسي بالأرض محطما 4 من أسناني. فتشوا الشقة حتى الساعة 5:45، ثم طلبوا منا أنا وزوجتي وثائق هويتنا. قال رئيسهم "لقد ارتكبنا خطأ". [...] ولم يعتذر.
قال علمي إن مذكرة التوقيف كانت ضد ابنته، التي تعيش في مكان آخر مع زوجها، واللذين دوهم منزلهما في نفس الوقت. كما قال إن عناصر الشرطة أعطوه نسخة عن مذكرة البحث عندما أصر على ذلك. ما يزال باب منزله مكسورا، حيث قال إن رجال الشرطة ردوا عليه بالقول: "إنها حالة الطوارئ. لدينا الحق في كسر الأشياء، ويمكننا أن نفعل ما نريد".
قال علمي إن جيرانه باتوا يعادونه منذ المداهمة، وبات أولاده خائفين. أضاف: "لم يعد الجيران يلقون التحية علينا بعد اليوم وكأننا مجرمون. لم يعد ابني (15 عاما) وابنتي (12 عاما) يستطيعان النوم إلا بوجود والدتهما على أن تكون الغرفة مضاءة".
***
قالت إيلودي س.، وهي أم لتوأمين عمرهما عام، إنها كانت في البيت وحيدة مع ابنتيها ليلة 3 ديسمبر/كانون الأول 2015، عندما داهم شقتها 10 عناصر شرطة:
طرقوا الباب فطلبت منهم الانتظار لثانيتين، إلا أنهم خلعوه. كانوا يرتدون أقنعة وسترات مضادة للرصاص. وضعوني على الأرض ويداي خلف ظهري. بناتي كن يصرخن [...]. أحضروا كلبا، وقلبوا كل شيء رأسا على عقب [...]. أخبرونا أنهم لم يجدوا أي شيء.
قالت إن الشرطة كانت تبحث عن زوجها الذي اعتنق الإسلام. أضافت: "رأى عناصر الشرطة الواقفون في الخارج زوجي ورافقوه [إلى الشقة]. كان جميع الجيران هناك. نطالب بالتعويض عن الأضرار حيث ما يزال الباب مكسورا. نريد الاعتراف بأن ذلك كان خطأ، والتأكد من عدم وجود تداعيات مستقبلية لذلك".
***
حوالي الساعة 8:30 مساء يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، اقتحم 40 عنصرا من شرطة مكافحة الشغب مطعم "بيبر غريل" للأكل الحلال وقاعتي صلاة في سانت أويه لامون، 30 كلم شمال باريس. قال جوردان، مدير المطعم الذي شهد الحادثة – طالبا عدم ذكره لقبه – إن الشرطة داهمت المكان وصرخت: "ضعوا أيديكم على الطاولة!". أمرت الجميع بعدم الحركة، ثم حطمت أبواب المطعم المفتوحة رغم أن المالك قدم لهم المفاتيح. كان هناك نحو 50 زبونا في المطعم.
قال جوردان: "تفاجأنا جدا. لم يكن لدينا فكرة عن سبب تواجد الشرطة هناك". بعد تفتيش دام نصف ساعة، لم تعثر الشرطة على شيء. سلموا مذكرة تفتيش وغادروا دون اعتذار أو توضيح. قدم صاحب مطعم بيبر غريل شكوى حول المداهمة التي وثقتها كاميرا المراقبة في المطعم.
أضاف جوردان أن العمل انتعش بعد المداهمة مع قدوم المزيد من الزبائن للتعبير عن غضبهم وتضامنهم إزاء المداهمة.
***
في تمام الساعة 11:30 مساء يوم 7 يناير/كانون الثاني 2016، داهم نحو 40 عنصرا من قوات التدخل الخاصة والشرطة المحلية شقة مريم نعار، فرنسية (25 عاما) من أصل جزائري، في بلدة ميلو في منطقة لانغدوك جنوبا. قالت نعار إنها كانت ترتدي ثوبا منزليا قصيرا دون غطاء للرأس، وأضافت: "شعرت كما لو أنني عارية من دون حجابي". مع صراخ طفليها بسبب الوضع، طلب منها عناصر الشرطة الملثمون الانبطاح أرضا ورفضوا طلبها بتغطية شعرها بحجاب، ما اعتبرته مهينا.
فتشت الشرطة المنزل بحثا عن أسلحة ولكنها لم تجد شيئا. مع ذلك، في 12 يناير/كانون الثاني، وضعت السلطات طفلي نعار، وهما فتاة (5 سنوات) وصبي (8 سنوات) في دار رعاية معللين ذلك بأن منزلها غير صحي وبأنها تعيش "كما لو كانت في مخيم". قالت نعار، التي انفصلت عن زوجها، إن الشقة كانت فارغة تقريبا لأنها كانت في طور الانتقال إلى المغرب. أضافت بأنها تشك بأن احتفاظ السلطات بطفليها جاء لمنعها من الانتقال.
في 26 يناير/كانون الثاني، نقلت السلطات الطفلين إلى دار رعاية ثانية لمدة 6 أشهر، وهي خطوة تتطلب من الطفلين تغيير مدرستيهما. قالت نعار، التي قدمت التماسا حول وضع طفليها في دار الرعاية لكن دون جدوى، إنه سُمح لها برؤية طفليها فقط في عطلة نهاية الأسبوع واصفةً الأمر بأنه "صادم جدا" ومثير للغثيان:
لم يسبق لي أن شهدت عنصرية مثل هذه. لم أعد أشعر بالأمان من الدولة. الجميع يخلطون [بين المسلمين والمتطرفين المسلحين]، حتى حكومتنا. هذا شيء خطير جدا، وهو ما يريده المتطرفون [المسلحون]. ما يؤلم هو أن الدولة هي التي تفعل هذا، وليس فقط الأشخاص العاديين.
***
في مداهمة جرت قبل فجر يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في نيس، جرحت الشرطة طفلة نائمة (6 سنوات) عندما أطلقت أعيرة نارية لاقتحام باب الشقة ما أدى لتطاير شظايا خشب في الغرفة أصابت أذن ورقبة الطفلة. لم تعثر الشرطة على شيء في الشقة لأن العنوان كان خاطئا.
قال عمر – أب لخمسة أطفال من ضمنهم تلك الطفلة – "استيقظنا فجأة على صوت طرق عنيف، ثم سمعنا صوت إطلاق رصاص". دخلت الشرطة وأجبرته على الانبطاح أرضا. ركض لاحقا إلى غرفة نوم أطفاله فرأى دما على رقبة ابنته.
قال: "شعرت كأن سكينا اخترق قلبي. اعتقدت أنها ماتت". منع قائم السرير والباب من أن يتضرر رأسها أكثر.
جروح الفتاة سطحية، لكنها لا تزال في حالة صدمة. قال الأب: "لا تزال ابنتي تحمل كدمات، وتعاني من نوبات هلع وكوابيس ليلا. نضعها فوق السرير، ثم نجدها لاحقا نائمة في مكان آخر".
أضاف الأب: "لقد كانت ضربة قاسية جدا لعائلتنا". يتلقى 6 من أفراد الأسرة السبعة ممن كانوا في الشقة أثناء المداهمة رعاية نفسية، كما حصل عمر على إجازة طبية بسبب القلق والأرق.
اعتذرت السلطات المحلية عن المداهمة الخاطئة ودفعوا ثمن استبدال الباب. صحيح أن عمر تفهم أنهم كانوا يقومون بعملهم، إلا أنه قال إن عليهم أن يكونوا أكثر حذرا.
***
في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، داهمت الشرطة في أوبرفيلييه، وهي بلدة شمال ضاحية سين سان دوني في باريس، المنازل والمسجد – وهو أيضا مقر مكتب "رابطة مسلمي أوبرفيلييه" – بهدف تفتيشها. وصف أمر المفوض بالتفتيش – الذي تسرب للإعلام – المكتب بأنه مكان يستخدمه "متطرفون مسلمون" للقيام "بأنشطة ذات طابع تآمري"، مع وجود "أسباب جدية للاعتقاد بأن المسجد ومنزل الإمام يحويان أسلحة وأشخاص مرتبطين بنشاطات إرهابية".
تعرض منزل رئيس الرابطة، شهاب حرار، كذلك إلى مداهمة. قال شهاب:
كسروا باب بيتي. نزلت إلى الطابق الأرضي لأجد نفسي في مواجهة الشرطة والدرك. كان هناك حوالي 60 منهم [بمن فيهم من هم خارج المنزل]. وضعوا وجهي على الأرض، وقيدوني وضغط شرطي على ظهري، وآخر على كتفي. صرخت زوجتي، "لا يوجد شيء هنا"، رد عليها الضابط: "اخرسي". فتشوا المنزل ولم يجدوا أي شيء مرتبط بالإرهاب.
أكد حرار أن الشرطة أخذته حوالي منتصف الليل في دورية إلى المسجد. على الرغم من أنه عرض فتح باب المسجد بالمفاتيح، إلا أن الشرطة اقتحمت الأبواب. كما أكد أنه علم لاحقا أن 2 من أعضاء الرابطة، أحدهم نائب رئيس بلدية أوبرفيلييه، قد عرضا أيضا فتح المسجد للشرطة.
اقتحمت الشرطة المكان عبر الأسقف وخزائن الكتب، ما تسبب في أضرار كبيرة، إلا أنها لم تجد أي شيء وفقا لحرار. مع ذلك، حوالي 3 صباحا، أخذوا حرار إلى الحجز في باريس لأنهم عثروا على 5 أو 6 صناديق من الملابس والأحذية الجديدة في منزله مع عدم وجود إيصالات حيث اتهموه بإخفاء مسروقات. قال حرار للشرطة إن البضائع لأخيه. أفرجت الشرطة عن حرار في 6 مساء بعد تأكيد شقيقه أن الصناديق له.
قال حرار إن المسجد والرابطة استنكرا هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني وكذلك جميع الأعمال الإرهابية مضيفا بأنه قرأ في وقت لاحق تقارير إعلامية تزعم أن المشتبه به في هجمات نوفمبر/تشرين الثاني، وهو بلجيكي الجنسية يدعى عبد الحميد أبا عود، كان مختبئا تحت جسر الطريق السريع في أوبرفيلييه قبل أن ينتقل إلى شقة في مكان قرب سانت دينيس، حيث قُتل في مداهمة للشرطة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني.
تفهم حرار بعد ذلك أن للشرطة سببا وجيها للتفتيش في أوبرفيلييه، لكنه لم يفهم حتى الآن لم فتشت الشرطة منزله، واحتجزته ليلة كاملة وكسرت أبواب المسجد عندما عرض فتحه، وتسببت في أضرار واسعة النطاق في الداخل:
نشعر بالاضطهاد. عندما تُرتكب أعمال إرهابية باسم الإسلام، بتنا نشعر نحن [المسلمون الفرنسيون] أننا مضطرون لتبرير أنفسنا. إنه عقاب جماعي. في البداية، عندما كنا صغارا، اعتبرنا أنفسنا فرنسيين، ثم مع معاناتنا من التمييز في العمل والسكن وباقي جوانب الحياة، ومع إظهار الناس لفكرة أنه إما أن تكون فرنسيا من أصول مهاجرة أو "ذي أصل فرنسي"، بتنا نشعر في نهاية المطاف أننا مواطنون من الدرجة الثانية.
وأضاف في إشارة إلى القانون المقترح بسحب الجنسية من مزدوجي الجنسية أنه يخشى استخدامه في الغالب ضد المسلمين ما سيزيد من شعورهم "بالتهميش" لدرجة أكبر. يضيف: "الرسالة التي يرسلها مشروع القانون هي أن هناك نوعان من الشعب الفرنسي: أولئك الذين يمكن أن يفقدوا الجنسية، وأولئك الذين لن يفقدوها".