Skip to main content

حماية اللاجئين في حالات الطوارئ المتطاولة في الشرق الأوسط

كانت أم غسان في الحادية عشرة عند فرار عائلتها من حيفا، وانضمامها إلى النزوح الفلسطيني الجماعي إلى الأردن. وقد انتقلوا إلى سوريا بعد ذلك. وقالت أم غسان: "لقد رحبوا بنا وكأننا من أقاربهم". وبعد عقود، حينما اندلع القتال في سوريا في 2011، ظلت أم غسان في البداية في منزلها. "لن أترك منزلي أبداً" كما قالت لي. لكنها لم تعد تملك الاختيار بعد أن دمر القصف جزءاً منه، ففرت إلى اليرموك، وهو مخيم حضري على الطرف الجنوبي لدمشق، حيث استقر الفلسطينيون بعد الحرب العربية-الإسرائيلية في 1948. "كنا نعتقد أن اليرموك آمن ـ فكله لاجئون فلسطينيون، ولن يعتدي عليه أحد".

لكنها كانت مخطئة.

وقد قابلت أم غسان بعد فرارها إلى لبنان، حيث تتزاحم هي وأحفادها مع غيرهم من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم البدوي قرب طرابلس. إن حياتها مثال حي على ما أسماه أنتونيوغوتيرس، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، "حالات الطوارئ المتطاولة" ـ أو النزاعات شبه المستديمة التي تجتاح الشرق الأوسط ومناطق أخرى. وها هم الفلسطينيون الذين فروا في البداية سنة 1948 أو 1967، وربما عاودوا النزوح بسبب نزاعات في البلدان المضيفة ـ أيلول الأسود في الأردن في 1970-1971 أو "حرب المخيمات" في لبنان في ثمانينات القرن العشرين ـ يشهدون حياتهم تنهار مجدداً بفعل النزاعات المسلحة.

والأوضاع المتطاولة في عالم اليوم تتميز بالركود الذي يقتطع من حقوق اللاجئين الاقتصادية والاجتماعية، مثل التعليم والرعاية الصحية والتوظف. لكن اللاجئين يعانون أيضاً من انتهاكات للحقوق المدنية والسياسية بسبب حالة الطوارئ المستديمة التي يعيشون فيها. فالذين يعيشون في حالات طوارئ متطاولة كثيراً ما يتكرر نزوحهم، ثم يعاودون العيش في منطقة نزاع، حيث يعمل العنف المستمر وعدم كفاية ردود الأفعال من المجتمع الدولي على تهديد احتياجهم الأكثر أساسية عندما تخفق كل الحلول الأخرى: القدرة على الفرار.

إن مخيم اليرموك الذي تخيلته أم غسان ملاذاً آمناً للفلسطينيين كان أبعد ما يمكن عن ذلك، فبعد فرارها قامت قوات الأسد بمحاصرة اليرموك وقطع الغذاء والمستلزمات الطبية عن المخيم بينما تواصل قصفه، محاصرة 18 ألف فلسطيني وسط مبان دمرتها القنابل. وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مؤخراً إلى اليرموك على أنه "أعمق دوائر الجحيم". ولم يتوقف العنف، حيث أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وصل الآن إلى المخيم وانضم إلى القتال.

وكان الفلسطينون الفارون من سوريا أوائل الفئات التي تعيدها البلدان المجاورة قسرياً. لكن المواطنين السوريين بدورهم يتعرضون للإعادة على نحو متزايد. ففي العام الماضي تقدم لبنان بتنظيمات تفرض القيود على الوصول إليه من الحدود مع سوريا. أما طالبو اللجوء السوريون فإن مجرد الخوف من الاضطهاد القائم على أساس لم يعد يكفي لدخولهم، بدون البرهنة على "حاجة إنسانية ماسة" ـ بل إن سلطات الحدود اللبنانية نادراً ما تقبل هذا الاستثناء.

فهل سيكون اللاجئ التالي هو القشة التي تقصم ظهر البعير اللبناني؟ فلنتأمل عبء لبنان: لقد تدفق عليه 1,2 مليون لاجئ سوري على مدار الأعوام الأربعة الماضية، ليضافوا إلى تدفقات سابقة من اللاجئين العراقيين الذين دخلوا في تسعينات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحالي، ومن اللاجئين الفلسطينيين الذين دخل بعضهم في 1948. إن اللاجئين يمثلون الآن ما يتراوح بين ربع وثلث إجمالي سكان لبنان.

أما الأردن فقد قام، بعد الإشارة إلى نفاد قدرته على استيعاب اللاجئين، بفرض قيود مشددة منذ أواخر مارس/آذار على عبور الحدود بغير الطرق النظامية في الشرق ـ وهو آخر قطاعات الحدود مع سوريا التي لم يتم إغلاقها. وتظهر صور القمر الصناعي الملتقطة هذا الشهر انتشار الخيام في المنطقة الصحراوية النائية داخل الحدود الأردنية مباشرة، مع منع السوريين من الانتقال إلى مناطق أكثر أمناً. كما يستمر توارد التقارير عن اختناقات عند الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، مع اضطرار طالبي اللجوء إلى عبور حواجز تمنع الدخول بعد الفرار من المعارك الأخيرة في تل أبيض. ولا تعد حدود سوريا الشرقية مع العراق، التي محتها داعش، ولا حدودها الجنوبية الغربية المغلقة مع إسرائيل من خيارات اللجوء المتاحة.

كما تمتد المخارج المسدودة إلى أزمات أخرى في الشرق الأوسط، مثل غزة حيث تسبب نزاع صيف 2014 بين حماس وإسرائيل في قتل ما يقرب من 2100 فلسطيني، تعرفت الأمم المتحدة وسطهم على أكثر من 1500 مدني، وفي تشريد 108 آلاف شخص. ومع تحديد إسرائيل لنقاط العبور الرسمية، وإغلاق مصر لمعبر رفح الحدودي ـ وهو معبرها الرسمي الوحيد مع غزة ـ أمام الجميع عدا قلة نسبية من الجرحى، فإن الفلسطينيين لم يبق لهم خيار سوى تحمل العنف.

وتستمر المحنة في غزة بفعل الحصار الاقتصادي وتقييد حرية التنقل، وبطء ترميم المنازل التالفة والمدمرة، وأعلى معدلات البطالة في العالم، وتصاعد أعداد سكان غزة الذين يجربون رحلات القوارب الخطيرة عبر المتوسط إلى أوروبا.

ولا يوجد من يهوّن من ضخامة عبء حالات الطوارئ المتطاولة على بلدان مثل الأردن ولبنان، ولكن لا ينبغي لهم أن يبعدوا طالبي اللجوء. إن إعادة الأشخاص قسرياً إلى خطر يهدد الحياة هو انتهاك لمبدأ عدم الإعادة القسرية، المكرس في اتفاقية اللاجئين لسنة 1951، والمعاهدات الحقوقية، والقانون الدولي العرفي.

ومع اقتراب اليوم العالمي للاجئين الموافق للسبت القادم، يتعين على المجتمع الدولي الأوسع نطاقاً ـ وبخاصة حكومات الدول الأغنى والأكثر استقراراً خارج المنطقة المباشرة ـ أن يقوم بدوره في مساعدة بلدان اللجوء الأول، والمعاونة في إبقاء أبوابها مفتوحة. ويبدأ هذا بألا يغلقوا أبوابهم هم أنفسهم.

وقد ورد في تصريح الاتحاد الأوروبي في 23 أبريل/نيسان في أعقاب اجتماعه الخاص بأزمة الهجرة المتوسطية أنه سيقوي حضوره البحري "لمحاربة المتجرين" ويستخدم القوة لتدمير السفن قبل تسني استخدامها لنقل مهاجرين. لكن إطلاق الدخان لوقف تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء لا يتصدى للأسباب الجذرية لانتقالهم: الاضطهاد والانتهاكات الحقوقية ـ سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو مدنية أو سياسية ـ والعنف المعمم في بلدان منشأهم. كما لا تتصدى تلك التحركات لغياب تدابير الحماية الفعالة في دول العبور التي يفر منها المهاجرون وطالبو اللجوء، مثل ليبيا التي تجتاحها حرب أهلية، لم تعمل على تشريد نحو 400 ألف من مواطنيها فقط، بل إنها عرضت للخطر أيضاً أرواح المقيمين بها من غير المواطنين. لقد قام انتشار الفوضى والعنف بإرغام العديد من العمال المهاجرين في ليبيا على محاولة عبور البحر إلى الاتحاد الأوروبي.

أما السوريون والفلسطينيون فقد انضموا، مع اشتداد المصاعب التي تواجههم، إلى صفوف الأعداد غير المسبوقة من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين الذين يلجأون للمهربين لشحنهم عبر المتوسط إلى أوروبا، رغم المخاطر. وقد غرق حتى الآن في هذا العام ما لا يقل عن 1850 شخصاً في عرض البحر عند الشروع في تلك الرحلة. ومن بين ما يقدر بـ 103  ألف شخص وصلوا إلى شواطئ الاتحاد الأوروبي حتى منتصف يونيو/حزيران، كان 60 بالمائة قد جاءوا من أفغانستان وإريتريا والصومال وسوريا ـ وهي بلدان يجتاحها النزاع المسلح أو الانتهاكات الحقوقية الجسيمة.

وقد بدأت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، متأخرة وتحت ضغط من مواطنيها، في بذل المزيد لإنقاذ القوارب المكروبة في المتوسط. ولا شك أن هذا مفيد، لكنه لا يكفي. ومن بين الضرورات العاجلة تلبية احتياجات العالقين في مناطق نزاع. لقد طلبت الأمم المتحدة 8,4 مليار دولار هذا العام لتلبية احتياجات 18 مليون متضرر من الأزمة السورية. وتم تمويل 44 بالمائة من هذا المبلغ من خلال تعهدات البلدان، التي تتضمن 1,83 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، و507 مليون دولار من الولايات المتحدة.

وصحيح أن 8,4 مليار دولار هو رقم هائل، لكن 130000 ليس كذلك: إنه عدد اللاجئين السوريين الذين تطالب مفوضية اللاجئين الحكومات بتوطينهم، من بين اللاجئين السوريين الـ 4 ملايين الموجودين في بلدان مجاورة. وقد صدرت التعهدات بما يقل عن 90 ألفاً حتى الآن: فتعهدت دول الاتحاد الأوروبي بتقديم نحو 45 ألف مكان. ولم تتقدم الولايات المتحدة بتعهد محدد، لكنها لم تقبل سوى 902 لاجئاً سوريا منذ 2011 وحتى 31 مايو/أيار.

ورغم أن إعادة التوطين ليست حلاً سحرياً إلا أنها تنقذ الأرواح بالفعل، كما تحقق أهدافاً تتجاوز إنقاذ الأفراد. إن إعادة توطين اللاجئين تبرهن على التضامن مع البلدان الواقعة على الخطوط الأمامية للأزمة. ولا يخفي جيران سوريا اعتقادهم بأنهم بلغوا حدودهم القصوى ـ وجاري إغلاق الحدود. ومع إغلاق جيران سوريا لحدودهم فإن استعداد الولايات المتحدة وغيرها من البلدان خارج المنطقة لتوطين اللاجئين ـ بوتيرة وأعداد تتفق مع الاحتياجات ـ هو أمر حاسم بالنسبة للمستضعفين. أما بقاء طرق الفرار مفتوحة أو مغلقة ففيه الفارق بين الحياة والموت بالنسبة لمن يحاولون الفرار.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة