(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الغارات الجوية التي يشنها تحالف تقوده السعودية والتي أصابت مخيماً للنازحين في شمال اليمن يوم 30 مارس/آذار 2015 تثير بواعث قلق جسيمة من انتهاك قوانين الحرب. أدت الضربات الجوية إلى قتل ما لا يقل عن 29 مدنياً وجرح 41، وبينهم 14 طفلاً و11 سيدة، كما أصابت منشأة طبية في المخيم، وسوقا محلية، وجسراً، وهذا بحسب تقارير مبدئية من منظمة الصحة العالمية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على جميع القوات الحكومية المشاركة في الهجوم إجراء تحقيقات محايدة في ما إذا كان قد تم انتهاك قوانين الحرب، واتخاذ الإجراءات اللازمة. وتشارك الولايات المتحدة، من خلال تقديم معلومات استخبارية للحملة الجوية التي تقودها السعودية، في الالتزام بتقليل الضرر الواقع على المدنيين وممتلكاتهم جراء القتال.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إن وفاة هذا العدد من المدنيين في مخيم خال من أي هدف عسكري ظاهر يشدد بواعث القلق من انتهاك قوانين الحرب. وعلى كافة الأطراف في نزاع اليمن أن تبذل قصارى جهدها لتجنب الإضرار بالمدنيين".
وكانت طائرة حربية لم تتحدد جنسيتها، أو أكثر، قد قامت قبيل الحادية عشرة من صباح 30 مارس/آذار بإصابة عدة مواقع داخل مخيم من ثلاثة مخيمات مخصصة للنازحين في المزرق بمحافظة حجة في شمال اليمن، على بعد نحو 6 كيلومترات من الحدود مع السعودية.
وقال خالد مرح، أحد مديري المخيم، لـ هيومن رايتس ووتش إنه بينما كان يقف عند بوابة المخيم الساعة 10:50 صباحاً، فوجئ بانفجار يطرحه أرضاً: "في البداية سمعت صوت طائرة بعيدة، ثم الانفجار المدوي. ورأيت أشلاء تتناثر أمامي، وجثثاً متفحمة، وخيام ممزقة، وكمية كبيرة من الشظايا أصابت البوابة وأحرقت السيارات". وقال إنه شاهد انفجاراً ثانياً يصيب أحد أجزاء المخيم على بعد 500 متر، علم فيما بعد أنه قتل عدة أطفال من المخيم كانوا يسيرون نحو مدرستهم. كما شاهد من بعيد انفجاراً ثالثاً عند بوابة المخيم الغربية، وانفجاراً رابعاً يصيب السوق.
وقال عامل إغاثة محلي كان موجودا وقتذاك إنه شاهد طائرة واحدة تشن الغارة على المخيم: "رأيت الطائرة تضرب على بعد 500 متراً من مكتب المنظمة الدولية للهجرة، فاهتز المبنى وارتجت النوافذ". وصرح يوهانس فان در كلاوف، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، في 31 مارس/آذار بأن جميع الأبنية المصابة تشكل بنى أساسية مدنية.
وأفادت وكالة رويترز بأن أحد عمال الإغاثة قال إن طائرة حربية أصابت شاحنة عند بوابة أحد المخيمات كانت تنقل مقاتلين من أنصار الله، الجناح المسلح للحوثيين. وأفادت صحيفة "الغارديان" بأن بعض عمال الإغاثة يعتقدون أن الهجوم كان يستهدف قاعدة قريبة لمقاتلي الحوثيين، وهو الزعم الذي لم تستطع هيومن رايتس ووتش التأكد منه. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه حتى في وجود عدد من مقاتلي الحوثيين أو شاحنة عسكرية في المخيم فإن الهجوم يظل على الأرجح عشوائياً عديم التمييز أو عديم التناسب على نحو يخالف القانون.
قال مرح، مدير المخيم، إن أنصار الله لديهم مكتب أمني في المخيم قرب السوق، لكنه كان خالياً منذ 3 أيام، حيث رحل الحراس للانضمام إلى العمليات العسكرية على الحدود. وقال إنه لم يسمع أية مدفعية أو نيران أخرى في المنطقة قبل الغارة، وإن سلطات المخيم لا تسمح للمسلحين بدخول المخيم قط، بما في ذلك صباح ذلك اليوم. وقال شاهد آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم ير أي مسلحين في المخيم قبل الغارة، ولا سمع أية نيران.
ولم يقدم أي بلد من البلدان المشاركة في التحالف معلومات تفيد بأن المخيمات هدف عسكري مشروع. وعند سؤال مسؤول عسكري سعودي عن الغارات، وهو العميد أحمد العسيري، قال: "يجوز أن تكون المقاتلات قد ردت على نيران، ولا يمكننا أن نؤكد أنه كان مخيماً للاجئين".
وقد أكدت منظمة أطباء بلا حدود، التي ترعى أحد المستشفيات في المنطقة، إن أفرادها عالجوا عشرات الجرحى جراء الغارات في ذلك اليوم، واستقبلوا رفات بعض الأشخاص الذين قتلوا. وقال عامل إغاثة في المستشفى لـ هيومن رايتس ووتش: "استقبلنا عدداً من الجثث المتفحمة، وحالات الأطراف المبتورة، وآخرين مصابين بحروق جسيمة".
وهناك حاجة إلى تحقيق كامل لتحديد ما إذا كانت الغارات على المخيم قد انتهكت اشتراطات قوانين الحرب بأن يتم توجيه الهجمات إلى أهداف عسكرية مشروعة، بحسب هيومن رايتس ووتش. وتفرض قوانين الحرب، المنطبقة على النزاع في اليمن، حظراً على الهجمات التي تستهدف مدنيين أو ممتلكات مدنية، أو لا تميز أو تعجز عن التمييز بين المدنيين والمحاربين، أو تلحق بالمدنيين والممتلكات المدنية أضراراً غير متناسبة مع أية ميزة عسكرية منتظرة. ويقع على عاتق أطراف النزاع جميعاً التزام باتخاذ كافة الاحتياطات المعقولة لوقاية المدنيين من الضرر، وعدم نشر قوات في المناطق كثيفة السكان.
وقال مرح إن 400 من سكان المخيم فروا منه في أعقاب الهجوم، ملتمسين المأوى في مكان آخر.
وكانت المخيمات الثلاث، التي ما زال اثنان منها يعملان، تؤوي نحو 12500 شخص بحسب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، الذي أقامها في 2001. وكان معظم المقيمين بها قد نزحوا بفعل القتال في محافظة صعدة بين الحوثيين وقوات الحكومة اليمنية من 2004 إلى 2010.
وفي يناير/كانون الثاني 2015 قام الحوثيون فعلياً بإزاحة حكومة الرئيس عبد ربه هادي منصور. وأدت الغارات الجوية بقيادة السعودية، التي بدأت في 26 مارس/آذار، إلى قتل ما لا يقل عن 11 مدنيا، وقد يصل عددهم إلى 34، في صنعاء في يومها الأول. كما أصابت الطائرات السعودية وغيرها أهدافاً في مدن أخرى، ومنها صعدة، والحديدة، وتعز، ولهج، والضالع، وعدن. وفي 29 مارس/آذار قال مسؤولون في وزارة الصحة التي يسيطر عليها أنصار الله إن حصيلة الوفيات وسط المدنيين في الليلة السابقة بلغت 35. وبحسب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، تسبب القتال في اليمن منذ 27 مارس/آذار في قتل ما لا يقل عن 93 مدنياُ وجرح 364.
وإضافة إلى المملكة العربية السعودية، قالت الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وقطر والأردن والمغرب والسودان إن طائراتها تشارك في الغارات الجوية. كما قالت مصر وباكستان إنهما تقدمان مساندة بحرية. وأكدت الولايات المتحدة أنها تشارك بمعلومات استخبارية ومساعدات استهدافية علاوة على دعم لوجيستي، يشمل إعادة تزويد الطائرات بالوقود.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد أثارت في توقيت أسبق بواعث قلق بشأن احتمالات استخدام السعودية للقنابل العنقودية في العملية، بالنظر إلى الأدلة ذات المصداقية المتاحة عن استخدام السعودية السابق للقنابل العنقودية في اليمن في 2009. وفي مؤتمر صحفي في الرياض يوم 29 مارس/آذار، رد العميد العسيري على سؤال من أحد الإعلاميين عن المسألة قائلا: "نحن لا نستخدم القنابل العنقودية على الإطلاق". وقالت هيومن رايتس ووتش إن على السعودية أن توضح أنها لن تستخدم ذخائر عنقودية بأي حال من الأحوال.
وقال جو ستورك: "إن جميع البلدان المشاركة في الهجوم على المخيم، وهو ما قد يشمل الولايات المتحدة، ملزمة بالتحقيق في احتمالات انتهاك قوانين الحرب. وعلى الولايات المتحدة أن تتأكد من أن التحالف الذي تدعمه يتخذ كافة الاحتياطات الضرورية لتجنب إلحاق خسائر بالمدنيين في الأرواح أو الممتلكات".