(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش ومركز الخليج لحقوق الإنسان اليوم إن على سلطات البحرين إسقاط كافة التهم الجنائية الموجهة إلى اثنين من النشطاء الحقوقيين البارزين وإطلاق سراحهما على الفور، فالتهم تمثل انتهاكاً واضحاً لحقهما في حرية التعبير. كما أن على البحرين إلغاء كافة القوانين التي تنتهك حرية التعبير، بما فيها تلك التي تجرم إهانة مؤسسات الدولة أو الملك والتشهير بهم.
وقد تقرر مثول نبيل رجب، وهو واحد من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين، أمام المحكمة في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014 لمواجهة اتهامات تفيد بأنه أهان المؤسسات الوطنية، واحتمال الحكم بسجنه لمدة 3 سنوات. أما زينب الخواجة، وهي أيضاً من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان، فقد تتلقى حكماُ أشد قسوة، يصل إلى السجن لمدة 7 سنوات، عند محاكمتها في 30 أكتوبر/تشرين الأول بتهمة إهانة ملك البحرين. انفردت الولايات المتحدة وسط حلفاء البحرين بدعوة حكومة الدولة الخليجية إلى إسقاط التهم الموجهة إلى رجب والخواجة والإفراج عنهما.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يواجه هذان الناشطان الجسوران سنوات من السجن لانتقادهما السلمي لحكومة شديدة القمع، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة والنرويج وحدهما تقدمتا بدعوات صريحة للإفراج عنهما. ويبدو أن حياء مخزيا يلجم ألسنة العديد من الحكومات ذات النفوذ، التي تدافع عن حرية التعبير بضراوة في مناسبات أخرى، حينما يتعلق الأمر بانتهاك الحقوق في البحرين".
ورجب هو رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، وأحد المديرين في مركز الخليج لحقوق الإنسان، وعضو باللجنة الاستشارية لـ هيومن رايتس ووتش، وقد ظهر في المحكمة في 19 أكتوبر/تشرين الأول لحضور أولى جلسات محاكمته بتهمة أن ما أدلى به من تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي يخالف المادة 216 من قانون العقوبات البحريني.
ينتقد رجب الحكومة على استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان، وقد اتهم قوات الأمن البحرينية بتوليد معتقدات عنيفة تماثل معتقدات تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أشار إلى أن موظفاً سابقاً بوزارة الداخلية قد انضم إلى تلك الجماعة الإسلامية المتطرفة. وفي المحكمة قدم محامي رجب أدلة تؤيد مزاعمه، وبينها مقطع فيديو من موقع يوتيوب يظهر محمد عيسى البنعلي، وهو فرد أمن سابق بوزارة الداخلية في البحرين، يدعو آخرين من أفراد قوات الأمن إلى الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية.
وقد قالت مصادر حضرت الجلسة لـ هيومن رايتس ووتش إن الادعاء استحث المحكمة على إدانة رجب نظراً لإقراره بالإدلاء بالتعليقات التي شكلت أساس الاتهام. واتهم ممثل الادعاء رجب بالكذب في قوله إنه لم يكن يقصد إهانة أحد، كما اتهمه بكراهية البحرين، بحسب المصادر.
وكان قد سبق لسلطات البحرين ملاحقة رجب بتهم تمثل انتهاكات لحقوقه، ومنها حرية التجمع. ففي يوليو/تموز 2012 حكمت عليه محكمة جنايات بالسجن لمدة 3 سنوات لتنظيم 3 مظاهرات والمشاركة فيها بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2012. ولم تقدم السلطات أدلة على مناداة رجب بالعنف أو ممارسته له. وتم الإفراج عن رجب في 24 مايو/أيار 2014، بعد قضاء سنتين من العقوبة.
وتواجه زينب الخواجة، الحامل في 8 شهور، ست تهم تمثل خمس منها انتهاكات واضحة لحقها في حرية التعبير، بحسب معلومات قدمها محاميها. أما التهمة الأخرى فتنبع من قيامها بتمزيق صورة للملك في 14 أكتوبر/تشرين الأول أثناء جلسة محاكمة واجهت فيها تهم تتعلق بواقعتين سابقتين مزقت فيهما صور الملك. في سبتمبر/أيلول 2012 صدر الحكم على الخواجة بالحبس لمدة شهرين لتمزيق صورة الملك حمد. وفي أوائل فبراير/شباط 2013 سُجنت بتهم تشمل التجمهر غير المشروع وإهانة رجال الشرطة، وأطلق سراحها في فبراير/شباط 2014.
وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول دعا مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى الإفراج الفوري عن رجب، وصارت النرويج في 14 أكتوبر/تشرين الأول أول بلد يطالب بالإفراج عنه فوراً. وبعد يومين تقدم ناطق باسم الخارجية الأمريكية بنفس المطلب، وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول طالبت الخارجية الأمريكية أيضاً بالإفراج الفوري عن الخواجة.
كما دعت فرنسا حكومة البحرين إلى احترام حرية التعبير وطابت بـ"الرأفة" في قضية رجب، لكنها لم تدع صراحة إلى إسقاط التهم. وأبدت أيرلندا القلق. أما الاتحاد الأوروبي فلم يصدر أي نداء علني للإفراج عن أي من الناشطين، ولم تتقدم بريطانيا، الحليف الوثيق للبحرين، بأي نداء أحادي الجانب للإفراج عن أي ناشط حقوقي أو منتقد للحكومة منذ الاحتجاجات المعارضة للحكومة في 2011.
في أبريل/نيسان صدق الملك حمد على القانون 1/2014 الذي يعدل المادة 214 من قانون العقوبات بحيث تنص على عقوبة السجن لمدة أقصاها 7 سنوات وغرامة قدرها 10 آلاف دينار بحريني (26500 دولار أمريكي) لأي شخص يعتبر أنه أهان ملك البحرين أو علمها أو شعارها الوطني. وتنص المادة 216 من قانون العقوبات على أن "يعاقب بالحبس أو بالغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية المجلس الوطني أو غيره من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة". وتنص المادة 54 من قانون العقوبات على الحبس لمدة أقصاها 3 سنوات لهذه الجرائم، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وقد خلصت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التي تراجع امتثال الدول للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، خلصت في ما يتعلق بالمادة 19 الخاصة بحرية التعبير إلى أن "مجرد اعتبار بعض أشكال التعبير مهيناً لشخصية عامة لا يكفي لتبرير فرض عقوبات، ومع ذلك فإنه يجوز للشخصيات العامة الانتفاع ببنود العهد. علاوة على هذا فإن كافة الشخصيات العامة، بما فيها تلك التي تمارس أعلى السلطات السياسية مثل رؤساء الدول والحكومات، تخضع على نحو مشروع للنقد والمعارضة السياسية". كما قررت اللجنة أنه "لا يجوز للدول الأطراف حظر انتقاد المؤسسات مثل الجيش أو الإدارة". وقد صدقت البحرين على العهد.
وقال خالد إبراهيم، المدير المشارك لمركز الخليج لحقوق الإنسان: "إن صمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي وغيرهم قد يؤدي بنبيل رجب وزينب الخواجة إلى دفع ثمن إضافي ثقيل لنشاطهما، فالبحرين ومنطقة الخليج بصفة عامة يتحولان بسرعة إلى محك اختبار، حينما يتعلق الأمر بتأييد الدول لحرية التعبير".