(بيروت) ـ إن موجة الاغتيالات التي وقعت بين 18 و20 سبتمبر/أيلول 2014 قد خلفت وراءها ما لا يقل عن 14 من القتلى، في بعض من أكثر الأيام دموية هذا العام في مدينة بنغازي شرقي البلاد. ومن بين القتلى اثنان من النشطاء الشباب، وبعض أفراد القوات الأمنية، امام تتسم آراؤه بالجرأة، وخمسة مدنيين آخرين.
وترفع جرائم القتل الأخيرة هذه عدد عمليات الاغتيال ذات الدوافع التي تبدو سياسية، إلى 250 على الأقل في بنغازي ودرنة المجاورة في عام 2014 وحده. ولم تقم أي جهة بتبني المسؤولية عن جرائم القتل، ولم تجر أية اعتقالات معلنة على خلفيتها. وقد أخفقت السلطات الليبية في إجراء تحقيقات أو ملاحقة للمسؤولين عن أية جريمة من جرائم القتل غير المشروع منذ 2011، مما ولد ثقافة من الإفلات من العقاب عملت بدورها على تشجيع المزيد من الانتهاكات، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تقوم الميليشيات والأفراد من القتلة بإزهاق أرواح البشر من كافة الأطراف في إفلات تام من العقاب. وعلى المسؤولين عن جرائم القتل الأخيرة في شرق ليبيا أن يعلموا أن مكتب الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية مفوضٌ بالتحقيق في مثل هذه الانتهاكات الجسيمة في ليبيا".
ومن بين ضحايا وابل الاغتيالات التي مرت دون أن تتبنى أية جهة المسؤولية عنها أو معاقبة المسؤولين عنها منذ 2012، صحفيون ونشطاء وقضاة ووكلاء نيابة وأفراد من القوات الأمنية. أما جرائم القتل في يوم 19 سبتمبر/أيلول 2014، والذي أطلق عليه النشطاء "الجمعة السوداء" في بنغازي، فقد طالت بعض سكان بنغازي من ذوي الآراء السياسية المتعددة، ويتراوحون بين أفراد سابقين في قوات القذافي الأمنية، وطالت كذلك كلاً من الناشطين توفيق بن سعود وسامي الكوافي، وعمرهما 18 و19 عاماً على التوالي.
ويعد قتل المدنيين جريمة حرب إذا ارتكبته أطراف في النزاع المسلح في بنغازي. أما القتل على نطاق واسع أو ممنهج كسياسة للدولة أو بيد جماعة منظمة فهو جريمة ضد الإنسانية.
وقالت هيومن رايتس ووتش أن على لجنة دولية لتقصي الحقائق أو آلية مماثلة أن تحقق في الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان من جانب كافة الأطراف في ليبيا. وينبغي تفويض التحقيق صلاحية التثبت من الوقائع وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بهدف ضمان محاسبتهم. كما ينبغي للتحقيق جمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من جانب المؤسسات القضائية.
وحذرت مدعية المحكمة الجنائية الدولية في بيان بتاريخ 25 يوليو/تموز، من أن مكتبها "لن يتردد في التحقيق وملاحقة مرتكبي الجرائم بموجب اختصاص المحكمة في ليبيا، بصرف النظر عن مكانتهم الرسمية أو انتمائهم". وتتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالاختصاص في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والإبادة العرقية في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970.
وقام مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية بفتح التحقيق في 2011 بحق كبار مسؤولي حكومة معمر القذافي السابقة، إلا أنه لم يقم بإجراء أي تحقيقات منذ ذلك الحين، رغم الانتهاكات متزايدة الخطورة المرتكبة في ليبيا، بما فيها التهجير القسري والاعتقالات التعسفية والتعذيب والاعتداء على مدنيين؛ مما قد يرقى إلى مصاف جرائم تخضع لاختصاص المحكمة، والتي عجزت السلطات الليبية عن التحقيق فيها أو لم تبد الاستعداد للتحقيق.
وبالإضافة إلى أفراد القوات الأمنية السبعة السابقين أو العاملين الحاليين فيها، وكلا الناشطين الشابين، والداعية الديني المعروف، اشتمل الضحايا على خمسة مدنيين، كما تم اختطاف شاب آخر، هو عبد الرحمن المغيربي، أثناء، الشيخ نبيل ساطي، وعثر عليه ميتاً فيما بعد.
وشرع معتدون مجهولون أيضاً، إلا أنهم أخفقوا، في قتل أربعة أشخاص آخرين: هم ضابطة أمن، وداعية ديني، وشيخ، وضابط أمني في 19 سبتمبر/ايلول 2014 في بنغازي.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع أحد أقارب توفيق بن سعود، 18 عاماً، أحد الناشطين الشباب في بنغازي، فقال إن معتدين مسلحين مجهولين تتبعوا خطى بن سعود وسامي الكوافي، 19 عاماً، فيما عادا بالسيارة إلى منزليهما مع صديق ثالث في نحو الحادية عشرة من مساء 19 سبتمبر/أيلول. وأطبق المعتدون على الضحايا بثلاث سيارات، وفتحوا النيران على سيارة بن سعود والكوافي والصديق الثالث ثم فروا على الفور. أصيب بن سعود والكوافي بعدة طلقات نارية، بينما أصيب صديقهما بجراح طفيفة.
وكان بن سعود مدوناً وناشطاً حقوقياً بارزاً في بنغازي، ودأب على تقديم برنامج إذاعي و كان ضيف برامج إخبارية أخرى في بعض الأحيان. وقد قام مع الكوافي بتنظيم وحضور العديد من المظاهرات والحملات ضد عنف المليشيات والتطرف، وحملات بغرض تعزيز سيادة القانون، بالإضافة الى حث الجمهور على التصويت في الانتخابات. وكان كلا الناشطين قد لفتا انتباه الرأي العام إلى محنة الآلاف من النازحين من بلدة تاورغاء، والمقيمين في مخيمات مؤقتة في بنغازي وغيرها، والذين تم تهجيرهم قسرا من بلدتهم على أيدي مليشيات تتهمهم بتأييد القذافي. وكان بن سعود والكوافي ينتميان إلى عدد من المنظمات غير الحكومية.
وقد اتسمت المنطقة الشرقية من ليبيا بعدم الاستقرار، مع نشوب نزاع مسلح في بنغازي ودرنة، وهما اثنتان من كبريات مدنها. وفي مايو/أيار شن خليفة حفتر وهو لواء في الجيش السابق، عملية عسكرية بشرق ليبيا بدعوى "القضاء على الإرهاب". ويقوم تحالفه المسمى "كرامة ليبيا" بمحاربة تحالف إسلامي يضم أنصار الشريعة ومجلس شورى شباب الإسلام بمدينة درنة.
وقد استهدف معتدون مسلحون الأفراد السابقين من قوات القذافي الأمنية منذ نهاية ثورة 2011. واشتمل الضحايا مؤخراً على نشطاء وآخرين ممن أبدوا التأييد لأطراف مختلفة في النزاع. ففي الشرق ضمت صفوف الضحايا مؤيدين ومعارضين لحملة حفتر، إضافة إلى غيرهم من مؤيدي أو معارضي الإخوان المسلمين وسائر الفصائل الإسلامية المسلحة مثل أنصار الشريعة. وكان الشيخ نبيل ساطي، الامام المعروف في بنغازي، من المجاهرين بمعارضة حملة الكرامة التي يشنها حفتر.
ومن ضمن الآخرين الذين تم اغتيالهم في بنغازي هذا العام بأيدي مسلحين مجهولين، مفتاح بوزيد، رئيس تحرير صحيفة "برنيق"، يوم 26 مايو/أيار، والناشطة البارزة سلوى بوقعيقيص في 25 يونيو/حزيران. كما قتل الناشط السياسي البارز عبد السلام المسماري بالرصاص في 26 يوليو/تموز 2013 في بنغازي.
وتعتبر كافة أطراف النزاعات المسلحة في ليبيا ملزمة بالتقيد بقوانين الحرب. كما أن بعض الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب، عند ارتكابها بنية إجرامية، تشكل جرائم حرب. ويخضع مرتكبو جرائم الحرب ومن يأمرون بها أو يساعدون فيها أو لهم مسؤولية قيادية عنها للملاحقة من جانب المحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية.
وفي 27 أغسطس/آب 2014 أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2174 الذي يوسع دائرة العقوبات الدولية الحالية المفروضة على ليبيا بحيث تشمل الأشخاص الذين يمارسون أو يؤيدون أفعالاً من شأنها "تهديد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو عرقلة أو تقويض استكمال انتقالها السياسي بنجاح". وتشمل تلك الأفعال "تخطيط أو توجيه أو ارتكاب أفعال تنتهك القانون الدولي المنطبق لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، أو أفعالاً تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان".
وقد أعاد مجلس الأمن في القرار رقم 2174 التذكير بقراره من سنة 2011 القاضي بإحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأعاد التأكيد على أهمية المحاسبة للأشخاص المسؤولين عن جرائم خطيرة، بمن فيهم المتورطين في اعتداءات تستهدف المدنيين.
وفي 2011 أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق في ليبيا، ومنحها التفويض للتحقيق في كافة مزاعم انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان في ليبيا والتقدم بتوصيات. تشكلت اللجنة في 25 فبراير/شباط 2011 وأصدرت تقريرين، وانتهى تفويضها في مارس/آذار 2012.
وقد أخفق المجتمع الدولي، وخاصة الدول التي شاركت في حملة الناتو الجوية على ليبيا المجازة بقرار من مجلس الأمن، والتي أدت إلى انتصار المقاتلين المعارضين للقذافي، في دعم ليبيا في إعادة بناء مؤسساتها وفرض سيادة القانون.
وقالت سارة ليا ويتسن: "يدقُ اغتيال اثنين من النشطاء الليبيين الشباب مسماراً جديداُ في نعش ثورة ليبيا التي أصبحت تقتل أبناءها. أما المجتمع الدولي، فيخفق الآن في واجب إنقاذ ثورة قام بدور محوري في حمايتها ".
أسماء من تم الإبلاغ عن مقتلهم في:
الخميس، 18 سبتمبر/أيلول 2014:
- أحمد حبيب أبوعزيزة المسماري، القائد السابق للقوات الجوية الليبية، قتل في بنغازي
- الشيخ نبيل ساطي، مدير إدارة الشؤون الثقافية والدعوية بوزارة الأوقاف، قتل في بنغازي
الجمعة، 19 سبتمبر/أيلول 2014:
- توفيق العقوري، ضابط بالمخابرات العسكرية، قتل في الثمة ببنغازي
- العقيد فتحي المسلاتي، قتل في القوارشة، بنغازي
- العقيد فتحي عبد السلام، قتل في الكيش، بنغازي
- عقيد القوات الجوية محمد المشيتي، قتل في بنغازي
- ضابط الأمن حسام العرفي، قتل في الكويفية، بنغازي
- توفيق بن سعود، قتل في الكيش، بنغازي
- سامي الكوافي، قتل في الكيش، بنغازي
- حسين العبيدي، قتل في بنغازي
- أحمد الحسوني، قتل في بنغازي
- محمد خليفة قصيل، قتل في بنغازي
السبت، 20 سبتمبر/أيلول 2014:
- عبد الرحمن المغيربي، 20 سنة، عثر عليه ميتاً في بنغازي بعد يومين من اختطافه على يد جناة مجهولين
- حسين فاضل، ضابط بالمباحث الجنائية، قتل بمنطقة حي السلام في بنغازي