تخيل السيناريو التالي. تقوم قوات الأمن بإلقاء القبض على شاب خلال تظاهرة احتجاجية في أحد الشوارع. وبعد بضعة أيام يموت علي صقر في السجن، وجثمانه مغطى بـ"كدمات ناتجة عن القوة الغاشمة". يتم إدانة اثنين من ضباط الأمن بالسجن 10 أعوام لدورهما في وفاته، ولكن محكمة استئناف تقوم بتقليص الحكم إلى عامين فقط، وذلك لأن أفعال المتهمين كانت تسعى إلى "الحفاظ على حياة المعتقلين، ومن بينهم الضحية". بمعنى آخر، فالضابطان المعنيان وهما يساعدان في ضرب علي صقر حتى الموت، كانا في الحقيقة يحاولان إبقائه على قيد الحياة.
اختلط عليك الأمر؟ أنت محق في أن تكون كذلك. وينعكس هذا الارتباك كله بشكل جلي في سياسة المملكة المتحدة تجاه البحرين، التي دارت فيها قضية علي صقر. ففي حين أثارت انتهاكات البحرين الخطيرة لحقوق الإنسان إدانة من قبل العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم، كان رد فعل المملكة المتحدة باهتا وغير فعال على حد السواء.
لقد مر عامان ونصف العام منذ أن تعهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإصلاح نظام العدالة في البحرين، في أعقاب انتقادات من حملة الحكومة الوحشية على الاحتجاجات التي كانت سلمية إلى حد كبير. في يوليو/تموز 2011، وفي مواجهة إدانة دولية متزايدة، أنشأ لجنة بحرينية مستقلة لتقصي الحقائق، تتألف من خمسة قضاة دوليين، مكلفة بالتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. وخلص تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إلى أن المحاكم البحرينية أدانت مئات الأشخاص باتهامات سياسية تتعلق بممارسة الحق في التعبير والتجمع السلمي، وأوصت اللجنة بإعادة النظر في هذه الإدانات وإسقاط أو تخفيف الأحكام والاتهامات.كما وجد تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أن قوات الأمن قتلت ما لا يقل عن 18 من المتظاهرين والمعتقلين ، وأنه كان ينبغي أن يتم التحقيق في تلك الوقائع، مع تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. وفي حين، وعد الملك حمد بأن توصيات لجنة تقصي الحقائق ستنفذ على وجه السرعة، فقد أخفقت السلطات البحرينية إلى حد كبير في القيام بذلك الأمر.
لذلك فمن الغريب أن يخرج تقرير وزارة الخارجية في الحكومة البريطانية ليقول إن برنامج الإصلاح البحريني يشير إلى أن "المسار الشامل لحقوق الإنسان سيكون إيجابيا" في هذا البلد. بكل بساطة ليس هناك أي أساس لمثل هذا التقييم المتفائل.
يظهر البحث الجديد لـ هيومن رايتس ووتش أن ادعاءات المملكة المتحدة حول وجود تقدم في الإصلاح القضائي والقطاع الأمني في البحرين منذ عام 2011 لا أساس لها. على الرغم من "المشاركة البناءة" للدبلوماسية البريطانية الهادئة ودعم بناء القدرات، فليس ثمة تغيير يذكر في إدارة – أو بالأحرى سوء إدارة –منظومة العدالة البحرينية.
لا يزال قادة احتجاجات 2011 يقبعون في السجن، وبعضهم حكم عليهم بالسجن المؤبد، ويستمر القضاة في إدانة متهمين جدد في "الجرائم" التي تستند فقط إلى التعبير عن وجهات نظر سياسية معارضة أو الاحتجاج السلمي.
وفي قضية 13 من أبرز قادة ونشطاء المعارضة البحرينية، أيدت أعلى محكمة بحرينية العديد من الإدانات والأحكام المطولة التي تم النطق بها أول الأمر، على نحو جائر وغير ملائم، من قبل محكمة عسكرية. ومن قبيل العبث، وخلافا لأي معايير دولية، سعت المحاكم البحرينية أيضا لتبرير تأييد هذه الأحكام الأولية على أساس أن الإرهاب لا يحتاج للتورط في أعمال عنف، بل يمكن أن يكون نتيجة لـ"الضغط المعنوي".
وبينما كانت لدى السلطات البحرينية التصميم على تجريم الاحتجاج والمعارضة السلميين، فإنها لم تبذل أي شيء يذكر لتقديم أولئك المسؤولين عن الجرائم الحقيقية إلى العدالة. قامت السلطات فقط بمحاكمة عدد قليل من أفراد الأمن المتورطين في الانتهاكات الخطيرة، وكانوا إلى حد بعيد من الرتب الدنيا فقط. علاوة على ذلك، وكما تظهر قضية صقر، فغالبا ما ينتج عن تلك المحاكمات أحكام مخففة للغاية في أفضل الأحوال. على هذه الخلفية، فإن حكومة المملكة المتحدة - مع هذا التوق الدائم إلى المبالغة في حديثها عن الإصلاح في البحرين والتقليل من شأن الانتهاكات المستمرة هناك- تستنفد بالتأكيد أي مبررات لموقفها الذي لا يمكن الدفاع عنه.
قدم اجتماع يونيو/حزيران لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لبريطانيا فرصة للعب دور أكثر إيجابية في تعزيز احترام حقوق الإنسان في ذلك البلد، بما يتفق مع ما أعلنته المملكة المتحدة من سياسات. وفي حين أظهرت بريطانيا نفسها كزعيم قوي في العديد من القضايا التي تثار في مجلس حقوق الإنسان، وكانت مؤخرا في معظمها عن سريلانكا، إلا أن سياستها في ما يخص البحرينظلت ضعيفة باستمرار، فقد رفضت دعم بيان انتقادي في يونيو/حزيران 2012، وقامت فقط بالتوقيع على بيانات تالية العام الماضي عندما تم تخفيف لهجتها.
تنسق الآن سويسرا وعدد من الحكومات الأخرى بيانا جديدا حول البحرين، يسلط الضوء على إخفاق الحكومة المستمر في إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن الانتهاكات السابقة. ينبغي على المملكة المتحدة أن تكف عن التظاهر بأن ثمة تقدما حقيقيا يتم إحرازه في البحرين، وأن تقوم بدلا من ذلك بدعم موقف قوي في مجلس حقوق الإنسان في يونيو/حزيران؛ موقفا من شأنه أن يفرض على الحكومة البحرينية ثمنا لتلك الانتهاكات وسياسة الإفلات من العقاب المستمرة، ويدعم جهود الأمم المتحدة في إقامة كيان قطري لها هناك من شأنه أن يرصد حالة حقوق الإنسان هناك، ويوفر معايير واضحة لإصلاح جوهري. ينبغي أيضا على المملكة المتحدة الضغط بقوة من أجل الإفراج عن جميع المسجونين ظلما، والسماح لهؤلاء القادة والنشطاء أن يكونوا جزءا من عملية هادفة وشاملة للحوار الوطني، وللمساعدة على رسم مستقبل أفضل لجميع البحرينيين.
ديفيد ميفام هو مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في المملكة المتحدة. للمتابعة عبر تويتر @mephamd