Skip to main content

كان الضحايا أطفالاً يلعبون في الخلاء، وأناس من المارة في الشارع، وعمال يعصرون زيت الزيتون، بل وحتى أسر داخل منازلها. وبينما وضع العالم في بؤرة اهتمامه مسألة ما إذا كانت الحكومة السورية قد استخدمت الأسلحة الكيماوية، كان استخدام الحكومة السورية الكثيف للقنابل العنقودية قد أوقع على مدى العام المنقضي أضراراً مدمرة بالمدنيين.

تعرضت بلدة تلبيسة القريبة من حمص لهجمات متكررة بالقنابل العنقودية. أحد السكان المحليين قال لـ هيومن رايتس ووتش بعد أن شهد عياناً غارة استخدمت فيها القنابل العنقودية :"سمعت الناس يصرخون، فركضت باتجاههم واكتشفت أن أحد الشوارع التي انتثرت فوقها القنيبلات كان بها أناس في ذلك الوقت. وعندما بلغت المنزل رأيت بالداخل أطفالاً مصابين بجراح شديدة. وبعد أن قدمنا يد العون للجرحى، عثرنا على ثلاثة أشخاص قتلى في أحد المنازل القريبة. كانوا من نفس الأسرة".

تنشطر الذخيرة العنقودية في الجو سواء أسقطت من طائرة أو أطلقت من الأرض وتنشر العشرات بل وأحياناً المئات من القنيبلات، التي تعرف أيضاً بالذخائر الصغيرة. وقد أدى القلق بشأن الخسائر البشرية الناجمة عن الهجمات باستخدام الذخائر العنقودية وعن مخلفاتها في لبنان والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى؛ أقول أدى بتلك البلدان وسواها في عام 2008 إلى حظر تلك الأسلحة حظراً شاملاً. وحتى الآن فإن سوريا ليست من بين الدول الـ 112 التي وقعت على الاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية.

كان آخر استخدام معلن للذخائر العنقودية من قبل الولايات المتحدة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2013 في اليمن، حين أصاب صاروخ كروز من طراز TLAM-Dأو أكثر  معبأ بقنيبلات من نوع BLU-97قرية المعجلة جنوبي محافظة أبين فأودى بحياة 41 مدنياً. وفي أعقاب الهجمات الواضحة بالأسلحة الكيماوية يوم 21 أغسطس/آب بالقرب من دمشق فإن هناك مخاوف برغم ذلك من أن الولايات المتحدة قد تستخدم الذخائر العنقودية في تدخلها العسكري الجائز حدوثه في سوريا.

لقد وقعت المزيد من الإصابات في أعقاب هجمات الحكومة السورية بالقنابل العنقودية، خصوصاً تلك التي وقعت بسبب القنيبلات التي لم تنفجر أثناء الهجوم غير أنها انفجرت لاحقاً عند لمسها. بعض القنيبلات تكون على شكل كرات تنس فضية اللون فتجتذب اهتمام الفضوليين من الأطفال.

ظهرت للعيان أولى التقارير التي أفادت بأن القوات النظامية السورية كانت تستخدم الذخائر العنقودية في منتصف عام 2012، ثم تزايدت التقارير بصورة واضحة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول مع ازدياد كثافة غارات تلك القوات الجوية على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، واستمر استخدام تلك الذخائر خلال العام الحالي. وتكشف مراجعة قامت بها هيومن رايتس ووتش للمنشور السنوي "تقرير مراقبة الذخائر العنقودية"عن أن ما لا يقل عن 200 نوع من الذخائر العنقودية قد استخدمت في تسع من محافظات سوريا الأربعة عشر فيما بين يوليو/تموز 2012 ويونيو/حزيران 2013، وذلك على الرغم من أن تلك كانت فقط الذخائر التي كان بمقدورنا توثيقها. ومن المحتمل أن يكون عدد الغارات الفعلي أكبر من ذلك.

تمثلت استجابة الحكومة السورية في إنكاراستخدامها للذخيرة العنقودية، ورفض الأدلة باعتبارها "غير صحيحة"، وزعمها أن قواتها المسلحة لا تمتلك بدءاً تلك الأسلحة.

من المحير إنكار الحكومة في مواجهة الأمر، مع أخذ الأدلة الدامغة المعاكسة لادعائها في الحسبان. والظاهر أن تفسير ذلك هو في أن الذخائر العنقودية قد وصمت من واقع الاتفاقية التي تحظرها إلى الحد الذي يُشعر حكومة دمشق بالعجز عن مجرد محاولة تبرير استخدام مثل تلك الأسلحة المحظورة.

الحق أن الممثل الرسمي السوري في المؤتمر السنوي للاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية منذ عامين قد وصف ا لذخائر العنقودية بأنها أمر "تجرمه الإنسانية". وقال " نحن نقدر الجهود الدولية في سبيل حظر تلك الأسلحة" إلا أنه أكد أن المواجهة مع إسرائيل على مرتفعات الجولان هي التي منعت سوريا من الانضمام للاتفاقية.

وفي واقع الأمر فقد أعربت غالبية الدول الثمانين التي لم تنضم بعد للاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية عن تأييدها لأحكامها ذات النزعة الإنسانية، بما في ذلك هدف "إنهاء المعاناة والخسائر البشرية التي تتسبب فيها الذخائر العنقودية."

يقف استخدام سوريا للذخائر العنقودية متحدياً المبدأ الدولي الذي يحرم استخدامها والذي تطمح المعاهدة إلى تحقيقه. غير أن سوريا لم تنجح بعد في تقويض المعاهدة. فمنذ تبني الاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية في 30 مايو/أيار 2008 لم تصدر أية تقارير مؤكدة أو حتى ادعاءات باستخدام الذخائر العنقودية مجدداً من قبل أي من البلدان التي صارت طرفاً فيها.

إن ما تبديه الدول الأطراف والموقعة على الاتفاقية من حيوية وعزيمة في تنفيذ بنود الاتفاقية يدعم مركزها باعتبارها واحدة من أدوات للقانون الدولي المتزايدة الفعالية. ففرنسا والمملكة المتحدة وبلدان أخري سبق وأن استخدمت الذخائر العنقودية في الماضي قد تخلت عن امتلاك تلك الأسلحة بانضمامها لاتفاقية الحظر كما وأنها تقوم بتدمير ما لديها من مخزون منها على نحو سريع.

يعد استخدام سوريا للذخائر العنقودية أمراً استثنائياً. فمعظم الدول التي بقيت خارج المعاهدة تنصاع على أية حال لأحكامها. وباستثناء ثلاث من الدول المعلوم إنتاجها للذخائر العنقودية ولم توقع بعد على المعاهدة فإن جميعها قد صرحت بأنها لم تستخدم تلك الأسلحة مطلقاً. أما إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة فإنها لم تستخدم الذخائر العنقودية منذ أصبحت المعاهدة قانوناً في عام 2010.

يتعارض أي استخدام من قبل الولايات المتحدة للقنابل العنقودية مع بياناتها التي تدين فيها استخدام سوريا للذخائر العنقودية. ولقد كانت الولايات المتحدة من بين 107 دولة صوتت لصالح قرار صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مايو/أيار يدين عدداً من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني من قبل القوات النظامية السورية شملت استخدام الذخائر العنقودية.

ستكون كيفية الاستجابة لاستخدام تلك الأسلحة المحرمة موضوعاً رئيسياً للمناقشة في الاجتماع السنوي للدول الداعمة للمعاهدة في لوساكا بزامبيا في التاسع من سبتمبر/أيلول.

في الاجتماع الذي عقد في عام 2011 بلبنان وبحضور سوريا تبنت أكثر من 100 من الحكومات المشاركة إعلاناً داعماً للاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية أدان بقوة استخدام أي من كان للذخائر العنقودية، قائلاً "إننا مجبرون سوياً على أن نقوم بالمزيد في سبيل إنجاز هدفنا الجماعي وهو عالم خال من الذخائر العنقودية."

من المتوقع إعادة تأكيد ذلك التعهد في زامبيا عبر رسالة قوية تفيد بأن الذخائر العنقودية هي سلاح محظور يجب ألا يستخدم مرة أخرى.

في غضون ذلك يظل المدنيون في سوريا عرضة للخطر من الهجمات الجارية بالقنابل العنقودية فضلاً عن مخلفاتها، خاصة القنيبلات التي لم تنفجر. إن الكابوس الذي تعانيه سوريا سوف ينتهي في وقت ما وسيتمكن البلد عندئذ من إعادة البناء. وسوف تكون إزالة وتدمير مخلفات الحرب القابلة للانفجار تلك وغيرها واحدة من أوليات الخطوات الواجب اتخاذها، غير أن المهمة ستكون أضخم وستستغرق وقتاً أطول إذا استمر استخدام القنابل العنقودية.    

ماري ويرهام هي مديرة مناصرة حقوق الإنسان بقسم الأسلحة وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش ومحررة تقرير مراقبة الذخائر العنقودية 2012.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة