Skip to main content

استيقظت في السابعة من صباح الأربعاء على مكالمة هاتفية محمومة. كان على الخط أحد معارفي من داخل رابعة العدوية، موقع واحد من اعتصاميْ الإخوان المسلمين اللذين استوليا على اثنين من أحياء القاهرة لستة أسابيع. قال لي، "لقد بدأ الأمر. نحن محاصرون. إنهم يطلقون النار علينا من ثلاث جهات".

قضيت بقية اليوم بالتناوب بين البحث عن المصابين وتجنب الانضمام إلى صفوفهم. قتل العشرات، إن لم يكن المئات، في رابعة، وفي اعتصام جامعة القاهرة، وعند نقاط احتكاك تشمل أرجاء القاهرة وبقية البلاد.

يبدو المجتمع هنا وكأنه معلق بشعرة. فالقتال مستمر، ومن غير الواضح من يقف في صف من. لقد تحدثت مع مصاب من اعتصام جامعة القاهرة، وقال إنه جاء مع 25 فرداً آخرين لمحاربة الإخوان بجوار الشرطة.

نقاط التفتيش تغطي أنحاء المدينة، بعضها تديره عناصر الجيش أو الشرطة، والبعض تديره مجموعات من الرجال في ثياب مدنية تذكرنا بـ"اللجان الشعبية" التي تولت أمور [الأمن] بنفسها أثناء ثورة يناير 2011في مصر. والبلد مستقطب على نحو لم يكن بوسعي تخيله.

هذه المشاهد، في مصر التي كنت أظنني أعرفها، تذكرني للأسف بالمكان الذي قضيت فيه معظم العام الماضي كباحثة لدى هيومن رايتس ووتش: العراق.

فالعراق بدوره مغطى بنقاط التفتيش، الأكثر عدداً واستقراراً مما هي في القاهرة، وبالأحياء التي تعلوها ندوب القنابل؛ وبالجماعات الراديكالية الجهادية وقوات الأمن التي ترتكب الانتهاكات باسم محاربة الإرهاب. هذا ما أخشى أن تصير إليه مصر. الانقسامات هناك مترسخة: والأطراف عاجزة عن تخليص أنفسها من براثن مظالم الماضي، وهي تختار العنف في النهاية على حساب المصالحة الوطنية. عندما استيقظت في مصر يوم الأربعاء، بعد ليلة من الحرائق المشتعلة في أحياء القاهرة، وحصيلة قتلى بلغت 500 وتتصاعد بانتظام، كنت أخشى أن تكون مصر قد وضعت قدمها على درب مشابه.

كان يمكن منع أحداث الأربعاء. منذ عودتي إلى القاهرة في نهاية يونيو/حزيران وقادة مصر العسكريون ومؤيدوهم يتخذون موقف المحصلة الصفرية الذي يحاكي القيادة العراقية، وبالأخص رئيس الوزراء نوري المالكي. وقد بدت تصريحات الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية محمد إبراهيم وغيرهما طوال الأسابيع الست الماضية، وكأنها تمثل عقلية يتوقف فيها الانتصار السياسي على الإخضاع التام للخصوم.

بدلاً من التعامل مع الجرائم التي ربما ارتكبها بعض الأفراد أثناء المظاهرات ـ كإساءة معاملة الوشاة المشتبه بهم، أو استخدام الأسلحة النارية في الاشتباك مع السكان ـ تمثلت استراتيجية السلطات المصرية في شيطنة الإخوان وكأنهم مسؤولون عن "الإرهاب" بشكل جماعي. وكما في العراق، يصور الزعماء المصريون أنفسهم وكأنهم يبحثون عن حلول سلمية، إلا أن الطرف الآخر يضطرهم للمواجهة.

حتى إذا رغب الجيش والإخوان في التراجع عن حافة الهاوية حالياً فإنه من غير الواضح أنهم يتمتعون بسرعة الحركة الكافية. ومعظم الفضل في هذا يرجع لاستخدام حكام مصر الحاليين ـ مثلهم مثل نظرائهم العراقيين ـ لإطار "الإرهاب" لوصف اعتصامات غير عنيفة، بدلاً من اعتبارها احتجاجات سلمية مشروعة، ثم فضها على هذا الأساس. في كلمة الفريق أول السيسي يوم 24 يوليو/تموز أمام ضباط كليتي البحرية والدفاع الجوي، الكلمة التي اكتسبت الآن سمعة سيئة، قال السيسي للمصريين إنه يريد منهم منح تأييدهم للجيش والشرطة، محذراً من أنه "في حالة أن تم اللجوء للعنف والإرهاب يفوض الجيش والشرطة باتخاذ اللازم لمواجهة العنف والإرهاب". وبهذا النداء رسخ السيسي الشق الذي قسم مصر بين قطبين: مؤيدي حكم الجيش والمعارضين له. لقد تجنب قادة مصر البحث عن حل لأزمة مصر السياسية، ولجأوا بدلاً من هذا إلى سياسة حافة الهاوية مع قيادة الإخوان المسلمين التي لا تقل شططاً.

لقد أدى خطاب مشابه من جانب المسؤولين السياسيين والعسكريين في العراق إلى مجتمع مستقطب على نحو متزايد، وعاد بالبلاد إلى نزاع أهلي خبيث، وتسبب مباشرة في الكثير من مشاكل حقوق الإنسان المستعصية التي وثقتها هنا. تصاعد هذا الاستقطاب منذ ديسمبر/كانون الأول 2012، حينما نزل المواطنون السنيون المحبطون إلى الشوارع احتجاجاً على ما يرون فيه تهميشاً لهم في الحياة السياسية العراقية. وبدلاً من اعتراف المالكي بشرعية هذه المظالم فقد اقترح أن "الصداميين والإرهابيين ومتطرفي القاعدة" هم دعاة الاحتجاجات.

ولم تتضح معالم الأسلوب العراقي كما اتضحت في الهجوم على مخيم الحويجةالاحتجاجي في نهاية أبريل/نيسان.

كان أكثر من ألف شخص من المنطقة قد تجمعوا هناك لأكثر من 3 أشهر احتجاجاً على ما وصفوه بتهميشهم في العملية السياسية العراقية. أطلق الجيش والشرطة النار على المعتصمين فقتلت ما لا يقل عن 50 منهم، زاعمة أن الهجوم جاء رداً على تهديدات من مسلحين مختبئين وسط الاعتصام.

أعلنت سلطات العراق، في وقت فراغها من تبرير الهجوم، أنها ستحقق فيه، وشكلت العديد من لجان تقصي الحقائق، لكنها لم تسفر عن أية محاسبة. وتكرر الأمر مع التحقيقات المعلنة في الاعتداءات الأسبق على المتظاهرين، في الفلوجة والموصل.

وقد رأيت في مصر، في الأسابيع الأخيرة، سيناريو مشابهاً على نحو مؤرق: فقد عمدت قوات الأمن، في مرتين قبل يوم الأربعاء، إلى إطلاق النار على مؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي، رداً على ما زعمت أنها استفزازات. والأدلة وفيرة على أن قوات الأمن استخدمت القوة بإفراط وحشي في المرتين. في الاعتداء الأول، ظهرت تقارير تفيد بأن أفراد الجيش والشرطة قتلوا51 شخصاً، وفي الثاني يسود اعتقاد بأن قوات الأمن المركزي والشرطة ورجال بثياب مدنية قتلواما لا يقل عن 80. قال الجيش إن جندياً واحداً واثنين من أفراد الشرطة قتلوا في الاعتداء الأول. ولم تتعرض قوات الأمن لوفيات في الثاني.

ومثل سلطات العراق بعد الحويجة، أنكر حكام مصر الحاليون المسؤولية عن جرائم القتل. في أبريل/نيسان وصف وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي متظاهري الحويجة بأنهم "إرهابيون" وقال، بعد وقت قصير من قيام قوات الأمن بفتح النيران، إن على الحكومة أن "تتركهم يُقتلون". وفي ديسمبر/كانون الأول 2012 وصف المالكي المتظاهرين بأنهم إرهابيون وهدد "بسحقهم".

ثم ننتقل إلى مصر، يوم 8 يوليو/تموز، والاعتداء الذي قتل 51 فرداً. قال المتحدث العسكري أحمد محمد علي، "أية قوة مفرطة؟ كانت تعد مفرطة لو قتلنا 300".

في 24 يوليو/تموز، قبل يومين من الهجوم الثاني، دعاالفريق أول السيسي إلى مظاهرات حاشدة لتأييد حملة قمعية على "الإرهاب والعنف". وفي 27 يوليو/تموز، اليوم التالي للهجوم، أنكروزير الداخلية إبراهيم على نحو مشين أن قوات الأمن "رفعت السلاح يوماً في وجه أي متظاهر".  واتهم الإخوان بالمبالغة في حصيلة القتلى، رغم براهين وافرة على وفاة معظمهم بطلقات نارية في الرأس والعنق والصدر. في 31 يوليو/تموز قام مجلس الوزراء المؤقت في مصر بتفويض وزير الداخلية لفض الاعتصامات بصفتها "تهديد للأمن القومي".

إن الاستهانة الوحشية بأرواح متظاهري المعارضة في مصر تخاطر بإحداث نفس الأثر الذي كان لها في العراق، حيث يتزايد جنوح المعارضة إلى الراديكالية. ومع استغلال القاعدة لغضب سنة العراق من رفض الحكومة تلبية مطالبهم ـ زاعمة أن الهجمات العديدة التي شنتها في الشهور الأخيرة كانت ثأراً لجرائم القتل في الحويجة ـ فإن المكاسب التي أحرزتها "الصحوة" ضد التمرد بعد 2007 آخذة في التآكل.

قام القادة في مصر بشيطنة الإخوان وبتحريض شعب مستعد كل الاستعداد لالتقاط الطُعم، ويرجع جزء من الفضل في هذا إلى الانتهاكات التي ارتكبها قادة الإخوان أثناء العام الذي قضوه في السلطة. قال بعض مؤيدي الإخوان إنهم لا يرون أي مخرج سلمي، فالتقطوا الطعم [بدورهم] وصاروا أشد استماتة وتطرفاً.

لقد تحدثت مع العديد من الرجال والسيدات في اعتصامي رابعة والنهضة ممن فقدوا أصدقاء أو أقارب لهم في الاعتداء الثاني. وقال كثيرون إن هذا شدد من عزمهم على "الاستشهاد". قال لي محاسب عمره 22 عاماً، "سأبقى الآن هنا حتى تسيل آخر قطرة من دمي".

لم يدن مستوى العنف السياسي في مصر حتى الآن من مستواه في العراق. لكن سلوك الجانبين وخطابيهما يثيرا أبلغ القلق. وإذا استمر القادة في الرد الوحشي فربما يزداد جنوح المعارضة إلى الراديكالية. وهناك مجموعات فرعية يبدو من الآن أنها تهاجم المنشآت الأمنية والكنائس في أرجاء البلاد ـ وهي، كما أكرر، صورة عراقية مألوفة للغاية عندي.

بوسع قادة مصر النجاة من دوامة العنف بالتوقف، لا فقط عن خطاب "نحن في مواجهتهم"، بل أيضا عن التصرفات التي تبدو وكأنها تظهر احتراماً محدوداً، إن وجد، لحق مؤيدي المعارضة الأساسي في الحياة، لتبرير معركة حتى الموت على هوية من يمتلك مصر. يتعين على القادة بدلاً من هذا أن يقنعوا المعارضة بأنها ما زالت صاحبة مصلحة في المشاركة السلمية في المجتمع والعملية السياسية.

إرين إيفرز باحثة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، والآراء التي تعبر عنها تخصها. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.