Skip to main content
تبرعوا الآن

العراق - هجمات ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية

على السلطات التوقف عن تلك الردود القاسية

 

(بغداد) – المتشددين الذين نفذوا سلسلة من  الهجمات بالقنابل في العراق في 29 يوليو/تموز 2013، فقتلوا عمدا أكثر من 60 شخصا، ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية. تعتبر الجرائم ضد الإنسانية من أشد الجرائم خطورة بموجب القانون الدولي.

أعلنت دولة العراق الإسلامية، كما يطلق تنظيم القاعدة في العراق على نفسه الآن، مسؤوليتها، قائلة على الملأ إنها نظمت وارتكبت هجمات 29 يوليو/تموز وسلسلة من الهجمات الأخرى على مدى الأشهر الأربعة الماضية. أصدر تنظيم القاعدة في العراق بيانات أعلن فيها مسؤوليته عن عدد من العمليات الانتحارية المميتة، والسيارات المفخخة، وهجمات أخرى في العراق، التي اجتمعت ضمن سياسة مستمرة ومنتظمة لقتل المدنيين في مخالفة جسيمة للقانون الدولي. في 6 و10 أغسطس/آب، استهدفت سلسلة أخرى من التفجيرات بسيارات مفخخة الأسواق المزدحمة وشوارع التسوق والمتنزهات حيث كانت الأسر تحتفل بختام شهر رمضان في بغداد وحولها؛ ما خلف ما لا يقل عن 130 قتيلا على الرغم من أحدا لم يعلن عن مسؤوليته عنها.

قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "تقدم هجمات 29 يوليو/تموز، التي تأتي على رأس هجمات مروعة أخرى في الأشهر الأخيرة، تقدم دليلا جليا على أن تنظيم القاعدة في العراق يعتبر مذنبا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ولا يمكن لهدف أو مظلمة سياسيين أن يكونا مبررا لحملة القتل هذه والتي تتم على نطاق واسع ومنظم، الأمر الذي يجلب معاناة رهيبة على العراقيين".

تعد هجمات 29 يوليو/تموز من أكثر الاعتداءات دموية في عام 2013. قتلت التفجيرات بالسيارات المفخخة التي وقع غالبيتها في الأحياء الشيعية في بغداد، أكثر من 60 شخصا، وجرحت مئات أخرين، من بينهم الكثير من المدنيين. كانت تلك الهجمات جزءا من موجة من الهجمات التفجيرية من قبل تنظيم القاعدة وجماعات متشددة أخرى خلال شهر رمضان في كل من المناطق الشيعية والسنية. استهدفت الهجمات أيضا مؤسسات الدولة والمنشآت العسكرية.

جعلت تلك الهجمات مجتمعة شهر يوليو/تموز أكثر الشهور دموية على مدار خمس سنوات، وفقا للأمم المتحدة. في 1 أغسطس/آب، أصدرت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق إحصائيات تبين أن أعمال الإرهاب والعنف في يوليو/تموز أودت بحياة ألف و57 عراقيا، وإصابة ألفين و236 آخرين. كان من بين القتلى 204 من ضباط الشرطة و129 من أفراد قوات الأمن العراقية.

أصدر القائم بأعمال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جورجي بوستن، بيانا يوم 1 أغسطس/آب محذرا من أن العنف في الأشهر الماضية قد ينذر بعودة عهد "أحدث فيه... الغضب الأعمى للفتنة الطائفية... جرحا غائرا لهذا البلد". 

وفقا لتقرير صادر من معهد دراسة الحرب، وهي منظمة بحثية مستقلة مقرها واشنطن، نفذ تنظيم القاعدة مرارا وتكرارا هجمات بسيارات محملة بأجهزة تفجير بدائية الصنع خلال الـ12 شهرا الأخيرة. قال التقرير إن تلك الهجمات – بمعدل يصل إلى ثمانية تفجيرات في اليوم – "أصبحت أكثر تكرارا وفتكا في ربيع عام 2013"، حيث كانت تحدث أحيانا مرتين في الأسبوع. 

أعلنت جماعة دولة العراق الإسلامية في 30 يوليو/تموز مسؤوليتها عن تفجيرات 29 يوليو/تموز. في 23 يوليو/تموز، أصدرت الجماعة بيانا أعلنت فيه مسؤوليتها عن هجمات قبل يومين على اثنين من السجون في بغداد، هما أبو غريب، والتاجي؛ ما أدى إلى هروب جماعي للسجناء. ووفقا لبيان لوزارة العدل، أدى الهجوم على سجن أبو غريب لمقتل 68 على الأقل من أفراد قوات الأمن، وعدد غير معلوم من السجناء، بينما فر ما بين 500 وألف من المحتجزين.

قالت الجماعة عند إعلانها عن مسؤوليتها عن الهجمات على السجن إن ذلك الهجوم، وغيره خلال الشهور الأربعة السابقة كانت انتقاما من هجوم من قبل قوات الأمن الحكومية على مخيم احتجاج سني في الحويجة في 23 أبريل/نيسان، وأسفر عن مقتل 51 شخصا.

في 6 أغسطس/آب استهدفت سيارات مفخخة في شمالي وشرقي وجنوبي بغداد مناطق مزدحمة بالمتسوقين ومصلين قرب أحد المساجد، ووقعت بالأساس في أحياء شيعية. قتل تفجير في ملعب لكرة القدم يوم 30 يونيو/حزيران 12 شخصا، معظمهم صبية دون الـ16 عاما. في هجوم آخر، في 12 يوليو/تموز، توفي 10 أشخاص، عندما انفجرت سيارة مفخخة في جنازة شيعية في المقدادية، غرب بغداد، أعقبها هجوم انتحاري استهدف عمال خدمات الطوارئ، الذين كانوا في طريقهم لتقديم المساعدات الأولية للمجموعة الأولى من الضحايا. استهدفت هجمات أخرى في حي شيعي مزدحم في بغداد مقاهي ومنشآت أمنية حكومية، ومساجد للسنة والشيعة على حد سواء.

كما نفذت جماعات مسلحة أخرى، بما في ذلك الميليشيات الشيعية، عدة هجمات انتحارية وتفجيرات بسيارات مفخخة، فضلا عن الاغتيالات المستهدفة. قال سكان من بلدة المقدادية لـ هيومن رايتس ووتش إن 100 عائلة على الأقل فروا من منازلهم، بعد توزيع ميليشيا جماعة عصائب أهل الحق الشيعية منشورات تهدد بقتل السكان السنة، الذين أخفقوا في الجلاء عن المنطقة. قال أحد سكان البلدة لـ هيومن رايتس ووتش إنه يعتقد أن الميليشيا أصدرت التهديدات انتقاما للهجوم الذي تم على موكب الجنازة. لم تعلن لا عصائب أهل الحق ولا حزب الله العراقية ولا أي ميليشيا شيعية أخرى، مسؤوليتها عن الهجمات، ولكن المنشورات التهديدية التي طالعتها هيومن رايتس ووتش، تحمل بوضوح شعار عصائب أهل الحق، وأعلنت ميليشيا شيعية ثالثة، تدعى جيش المختارمسؤوليتها عن العديد من الهجمات الأخيرة، بما في ذلك الاعتداءات المتكررة على معسكر الحرية، حيث يجري حاليا استيعاب أعضاء جماعة إيرانية معارضة إيرانية فيه.

تعتبر الجرائم ضد الإنسانية من الجرائم الخاضعة للولاية القضائية العالمية، وهذا يعني أن أولئك المسؤولين، بمن في ذلك هؤلاء المتواطئين في مثل هذه الجرائم، يمكن أن يحاكموا في أي مكان في العالم. وبموجب القانون الدولي العرفي، فإن مصطلح "جرائم ضد الإنسانية" يشمل مجموعة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل، التي يتم ارتكابها كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي من قبل حكومة أو جماعة منظمة غير تابعة للدولة ضد مجموعة من السكان المدنيين.

قالت هيومن رايتس ووتش إن أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، أو أصدروا الأوامر، أو اشتركوا فيها يجب أن يخضعوا شخصيا للمحاسبة الجنائية عن أفعالهم.

وقد يمثل إخفاق السلطات العراقية في مساءلة أي شخص عن عنف قوات الأمن ضد المتظاهرين السنة، واستخدام التعذيب على نطاق واسع لانتزاع الاعترافات من المعتقلين، بغض النظر عن طائفتهم الدينية، واعتماد المحاكم على شهادات المخبرين السريين، التي لا يمكن للدفاع الاطلاع عليها والاعترافات المنتزعة بالإكراه لاستصدار مذكرات توقيف واستصدار إدانات، كل ذلك قد يمثل فشلا في اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع وقوع ومحاكمة الجرائم ضد الإنسانية. 

تحتاج السلطات العراقية إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية الحق في الحياة من خلال إنهاء هذه الهجمات، وينبغي أن يتم تحديد واعتقال ومحاكمة المسؤولين عنها، وغيرهم من المتواطئين في المساعدة على تلك الهجمات. وللقيام بذلك، ينبغي على السلطات العراقية أن تجري إصلاحات بالعدالة الجنائية التي هناك حاجة ماسة لها، بما في ذلك، إعادة النظر في قانون مكافحة الإرهاب الوحشي.

ينبغي للسلطات العراقية أيضا أن تلغي مواد قانون الإجراءات الجنائية، التي تسمح باستخدام شهادة المخبر السري، والاعترافات القسرية، التي تشوب إجراءات المحاكمة. وعلى القضاة والمسؤولين الأمنيين أن يستندوا في إداناتهم إلى أدلة، وليس إلى الاعترافات التي قد تكون قد تمت بالإكراه. ينبغي على الحكومة أن تضع حيز التنفيذ سياسة من عدم التسامح مع الرشوة، والتي تخللت منظومة العدالة كثيرا، بدءا من المسؤولين عن الاحتجاز الذين يسعون للحصول على رشاوى لإطلاق سراح المعتقلين، إلى قوات الأمن الذين يرشون القضاة لإصدار أمر اعتقال مزيف أو غير مستند إلى حقيقة.

في الأشهر الـ12 الماضية، تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى مالا يقل عن 20 معتقلا حاليين وسابقين، ممن يزعمون أن الجيش أو الشرطة أو قوات الأمن الأخرى التي تأخذ أوامرها مباشرة من رئيس الوزراء نوري المالكي، احتجزوهم بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة بسبب العلاقات الفاسدة بين أولئك الذين يحتجزونهم والقضاة الذين يستصدرون أوامر الاعتقال لإكراههم على الاعتراف. وقالت بعض أسر المعتقلين لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن طلبت منهم دفع مبالغ تزيد عن 6 آلاف دولار أمريكي لإطلاق سراح ذويهم.

منذ اقتحام السجن في 21 يوليو/تموز، تشير التقارير الواردة من أعضاء البرلمان والنشطاء المحليين إلى أن قوات الأمن نفذت اعتقالات جماعية في المناطق السنية، والتي يعتقد أن المحتجزين الهاربين فروا إليها. قال أحد أعضاء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان لـ هيومن رايتس ووتش إن المقيمين في أبو غريب وتاجي أخبروهم أن قوات الأمن نفذت العديد من عمليات الاعتقال الجماعي في هاتين المنطقتين، واحتجزت العديد من أفراد أسرهم في فترة معينة، لكنه لم يتمكن من التحقق من رواياتهم بسبب حملة القوات الأمنية في المنطقتين.

قال محام من الرمادي لـ هيومن رايتس ووتش إنه وفقا لسكان الأنبار، فإن قوات الأمن ألقت القبض على "عائلات بأكملها" لسجناء هاربين؛ لإجبار الفارين على الاستسلام. قال علي شبر، عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، لوسائل الإعلام المحلية، إن السجنين ظلا "مؤمنين بصورة كبيرة". وقال إنه وأعضاء أخرين في لجنة تحقيق رسمي حول عملية هروب السجناء، والمزاعم بأن الحراس فتحوا النار على السجناء خلال الهجوم، لم يتمكنوا من زيارة السجن حتى الآن.

قال جو ستورك: "في ظل الأجواء الحالية، يرتكب جميع الأطراف –جماعات التمرد السنية والميليشيات الشيعية وقوات الأمن الحكومية- اعتداءات ويستخدم كل منهم عنف الآخرين مبررا لانخراطه في العنف. وبدلا من الرد بمزيد من الوحشية واللجوء إلى التعذيب الاعترافات القسرية والاعتقالات الجماعية والمحاكمات الجائرة، تحتاج الحكومة إلى أن تأخذ زمام المبادرة لإنهاء تلك الدوامة الوحشية".

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.