Skip to main content

 ليس من المعتاد أن يبكي الرجال السوريون. لكن بالنسبة إلى ياسر، كان الألم الناجم عن ذكرى ابنه محمد يفوق احتماله. جالساً في الظلام، محنياً في مقعده بحانوته الكائن بشارع مزدحم من شوارع السوق في حلب، ظل الشيخ البالغ من العمر 63 عاماً يسألني: "لماذا استحق ميتة كهذه؟". يقتسم ياسر حزنه على ابنه، الذي أعدم على ما يبدو، مع الكثير الكثير من السوريين العالقين في هذه الحرب الوحشية.

كان محمد يبيع الثياب في أحد شوارع السوق بحلب، ولم يتورط مع المعارضة المسلحة قط، كما أخبرني أبوه. بل إنه لم يشارك في المظاهرات. ومع ذلك فإن الحرب الدائرة بين الحكومة وقوات المعارضة زادت حياته صعوبة ـ وخطورة. منذ أغسطس/آب من العام الماضي والمواجهة سجال بين القوات الحكومية والمعارضة في حلب، حيث احتفظ كل طرف بالسيطرة على نصف المدينة تقريباً، مع اشتباكات على خط الجبهة. وتمثلت مشكلة محمد في أن خط الجبهة يمتد بين المكانين اللذين يشتري منهما الثياب ويبيعها من أجل متجره. وهكذا، ذات صباح في مطلع مارس/آذار، انطلق محمد نحو المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة، عبر نقاط التفتيش والشريط العازل الذي يفصل القوتين المتحاربتين، لشراء بضاعته. يعبر الكثيرون خطوط التماس على هذا النحو أثناء النهار، وقد فعلها محمد عدة مرات من قبل بدوره. لكنه لم يعد هذه المرة. قال لي أبوه، "حين لم يعد بحلول الثانية مساءً كما يفعل عادة، بدأت أقلق". بحث الأب عنه، دون جدوى.

في اليوم التالي عثر نشطاء محليون على جثة محمد في نهر قويق، الذي يقسم حلب وخط الجبهة، وينساب من الجهة الخاضعة لسيطرة الحكومة نحو تلك التي تسيطر عليها المعارضة. كانت يدا محمد موثقتين خلف ظهره، وفمه مسدوداً بشريط لاصق، وطلق ناري في رأسه قد شوه وجهه تماماً، كما قال أبوه.

فيما بين أواخر يناير/كانون الثاني ومنتصف مارس/آذار، ظل نهر قويق يلفظ الجثث، كجثة محمد، بصفة يومية. يقول السكان المحليون إنهم دفنوا ما يقرب من 250 جثة تم رفعها من النهر منذ 29 يناير/كانون الثاني؛ وقد تأكدت من 147 منها عن طريق إحصاء الجثث في الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو. كان بعض الضحايا من الأطفال، وأحدهم في الحادية عشرة. وكان بعضهم كبار السن. لكن معظمهم كانوا مثل محمد، بين العشرين والأربعين. تم التعرف على نحو 60 جثة، إلا أن أغلبها دفن دون اسم. وظهر على كافة الضحايا تقريباً نفس علامات الإعدام التي ظهرت على محمد.

إننا لا نعرف هوية الجناة بعد، لكن جهة ما في المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة قامت بعمليات إعدام واسعة النطاق وألقت بالجثث في النهر حتى تكتشف في مجراه. والنظرية السائدة بين هؤلاء الباقين في حلب هي أنها رسالة لإثنائهم عن تأييد المعارضة.

وجثث نهر قويق ليست الحالات الوحيدة للقتل خارج نطاق القانون في النزاع السوري الذي دام عامين حتى الآن، فقد قامت شبكة من نشطاء المعارضة المحليين بتسجيل أسماء ما يقرب من 7 آلاف شخص تم إعدامهم في سوريا منذ بداية النزاع. ورغم أن هيومن رايتس ووتش لا يمكنها التحقق من هذا العدد، إلا أن الأبحاث تبين أن عمليات الإعدام كثيراً ما كانت ترافق العمليات العسكرية للحكومة. فعلى سبيل المثال، بعد هجوم القوات الحكومية على عدد من بلدات إدلب في أبريل/نيسان 2012، تسنى لنا توثيق إعدام 35 شخصاً. وقال لنا أحد الشهود الناجين إن مسلحين يرتدون زيا عسكرياً ويقودون مركبة عسكرية احتجزوه ومعه ثلاثة من جيرانه. أخذ المسلحون الأربعة إلى منزل، وصفوهم بإزاء جدار وأطلقوا عليهم الرصاص، كما قال.

كما نفذت جماعات المعارضة عمليات إعدام. فبينما كنا في حلب، أعدم مقاتلو المعارضة أربعة رجال اشتبهوا في انتمائهم إلى ميليشيا مؤيدة للحكومة، بحسب مقاطع فيديو ومقابلات مع قادة المعارضة. وأعدموا رجلاً خامساً بالقرب من الموضع الذي كنا نقيم به، زاعمين انتماء الخمسة إلى ميليشيا مؤيدة للحكومة. كما يتوالى ظهور مقاطع فيديو على "يوتيوب" تصور على ما يبدو عمليات إعدام تجريها قوات المعارضة.

في مارس/آذار قامت سلطات المعارضة في حلب بخفض منسوب الماء في نهر قويق بحيث لا يعود تياره قادراً على حمل الجثث. ونتيجة لهذا تم إعفاء النشطاء من مهمة استخراج الجثث من النهر. لا يعرف أحد إن كانت عمليات الإعدام مستمرة، لكن الكثيرين ما زالوا مفقودين، وما زال الناس يختفون.

بالنسبة لياسر، يظل قتل ابنه لغزاً. قال لي: "كان ودوداً مع الجميع. بل إنه لم يكن يدخن. لماذا استحق ميتة كهذه؟"

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.