(طرابلس) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن عبد الله السنوسي رئيس المخابرات لفترة طويلة في عهد معمر القذافي، قد أخبر هيومن رايتس ووتش أثناء زيارة له في السجن في 15 أبريل/نيسان 2013 بأنه لم يقابل محامي ولم يُخطر بالاتهامات الرسمية المنسوبة إليه على مدار ثمانية شهور رهن الاحتجاز في ليبيا. لم يتقدم بشكوى من التعرض لإساءات بدنية، وقال إن ظروف احتجازه "معقولة".
اتهمت السلطات الليبية السنوسي بارتكاب جرائم خطيرة أثناء توليه منصبه الأمني الرفيع في عهد القذافي، بما في ذلك التورط في مذبحة سجن أبو سليم في عام 1996، والتي قُتل فيها نحو 1200 سجين. كما أنه مطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم ضد الإنسانية، من واقع دوره المزعوم في محاولة قمع انتفاضة 2011 التي أدت إلى خلع القذافي.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "نتفهم تماماً رغبة السلطات الليبية في محاكمة أولئك المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. غير أن كفالة العدالة الحقيقية تتطلب منح السنوسي حقوقه التي حرمت الحكومة السابقة الليبيين منها لزمن طويل، ويبدأ هذا بضمان مشاورته لمحامي".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة الليبية أن تضمن على الفور قدرة السنوسي بشكل كامل على مقابلة محامي من اختياره، بغض النظر عمّا إذا كان المحامي ليبياً أم من الخارج، وأن تخطره السلطات رسمياً بالاتهامات التي يواجهها في ليبيا. كما يجب أن تسمح السلطات بزيارات من المحامين المصرح لهم تمثيل السنوسي أمام المحكمة الجنائية الدولية.
قابلت هيومن رايتس ووتش السنوسي في سجن الهضبة بطرابلس، وهو منشأة تم تجديدها مؤخراً فيها العديد من كبار المسؤولين من عهد القذافي، وهو هناك منذ سلّمته موريتانيا في سبتمبر/أيلول 2012. كانت الزيارة – وهي الأولى من نوعها لسنوسي من منظمة حقوق إنسان دولية – من تسهيل وزير العدل صلاح المرغني ومن المدير المكلف في السجن.
سمحت سلطات السجن لـ هيومن رايتس ووتش بمقابلة السنوسي على انفراد، دون تواجد عاملين من السجن أو أي مسؤولين آخرين في الحجرة.
قال وزير العدل صلاح المرغني لـ هيومن رايتس ووتش بعد الزيارة أن "للسنوسي الحق في محامي من اختياره مثله كأي شخص يواجه المحاكمة". وقال إن حتى الآن لم يقم محامٍ ليبي بتولي القضية. وقال المرغني إنه يمكن أيضاً لمحامٍ أجنبي معه تصريح بمزاولة المهنة في ليبيا أن يمثّل السنوسي.
طمأن المرغني هيومن رايتس ووتش إلى أن "ليبيا ملتزمة بكفالة محاكمة عادلة" مضيفاً أن القانون الليبي ينص على أن "لا تحدث محاكمة دون حضور محامي الدفاع".
قالت هيومن رايتس ووتش إن رغم التحديات، على الحكومة الليبية أن تيسّر إتاحة محامٍ بشكل فوري ومستمر من اختيار السنوسي، بما في ذلك محامٍ من تعيين الحكومة إذا أخفق السنوسي في تعيين محامٍ من اختياره.
في 27 يونيو/حزيران 2011 أثناء النزاع في ليبيا، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أوامر توقيف بحق السنوسي ومعمر القذافي وسيف الإسلام القذافي نجل معمر القذافي، وهو محتجز حالياً في الزنتان. كان الثلاثة مطلوبون على ذمة جرائم ضد الإنسانية بسبب الهجمات على المدنيين، ومنهم المتظاهرين السلميين في طرابلس وبنغازي ومصراتة ومواقع أخرى في ليبيا. تنطبق أوامر المحكمة الجنائية الدولية على وقائع في ليبيا بداية من 15 فبراير/شباط 2011 فقط. في حين سقطت إجراءات المحكمة الجنائية الدولية بحق معمر القذافي إثر مصرعه في أكتوبر/تشرين الأول 2011، فإن أوامر توقيف السنوسي وسيف الإسلام القذافي ما زالت سارية.
إذا رغبت الدولة المعنية في محاكمة شخص مشتبه فيه من المحكمة الجنائية الدولية داخلياً على جرائم ورد ذكرها في أمر توقيف للمحكمة الجنائية الدولية، فإن على سلطات تلك الدولة أن تطعن على اختصاص المحكمة في القضية من خلال مذكرة قانونية تُعرف بمسمى "طعن في مقبولية الدعوى". في 1 مايو/أيار 2012 طعنت ليبيا على مقبولية دعوى المحكمة الجنائية الدولية ضد سيف الإسلام القذافي، وفي 2 أبريل/نيسان 2013 طعنت على مقبولية دعوى السنوسي. القرار الآن يعود لقضاة المحكمة الجنائية الدولية، لتحديد ما إذا كانت الإجراءات القضائية الوطنية القائمة تفي بمعايير الطعن المقبول.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على ليبيا أن تتعاون بشكل كامل مع المحكمة الجنائية الدولية، كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 1970 الذي صرّح بتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية. يشمل هذا التعاون الالتزام بقرارات وطلبات المحكمة وكذلك الالتزام بإجراءاتها ومداولاتها.
قالت هيومن رايتس ووتش إن في مداولات القضايا المحلية، سوف تواجه ليبيا تحديات ضخمة على مسار ضمان أمن القضاة والنيابة والمحامين والشهود في القضية، لا سيما من يدعمون المتهم. ومطلوب تدابير دفاع يقظ وفعال من أجل ضمان حق المحاكمة العادلة.
كما أن ليبيا مطالبة في جميع الأوقات بموجب معايير حقوق الإنسان باحترام الحقوق الأساسية للمحتجزين، وأي شخص يواجه محاكمة جنائية، بما في ذلك الحق في إتاحة المحامي.
تطالب المعايير الدولية – ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية المتعلقة بدور المحامين – إمداد المدعى عليهم بالحق في مقابلة محامي على الفور، أي في حدود ما لا يزيد عن 48 ساعة بعد القبض عليهم. ورد في المبادئ الأساسية أنه يجب أن يتاح للمحتجزين "فرص كافية، من الوقت والتسهيلات وإتاحة الزيارات والاتصالات والمشاورات مع محامي دون تأخير أو إعاقة أو رقابة وفي سرية تامة. يمكن أن تكون هذه المشاورات على مرأى – لكن ليس على مسمع – من مسؤولي إنفاذ القانون". يقر الإعلان الدستوري الليبي بالدور المركزي لمعاهدات حقوق الإنسان الدولية.
سبق أن ناقشت هيومن رايتس ووتش التحديات التي تواجه النظام القضائي الليبي، بما في ذلك الانتهاكات رهن الاحتجاز، والحرمان من المحامين، ونقص المراجعات القضائية.
كان السنوسي صهر معمر القذافي ورئيس مخابراته منذ فترة طويلة. وهو متهم بالتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء حكم القذافي، والأبرز بين هذه الانتهاكات أعمال القتل في سجن أبو سليم في يونيو/حزيران 1996. قال محتجزون لـ هيومن رايتس ووتش كانوا في السجن في ذلك التوقيت ونجوا من الموت، إن السنوسي كان المفاوض الرئيسي للحكومة مع النزلاء، وإنه وعدهم بمعاملة آمنة قبل بدء أعمال القتل.
وفي عام 1999 أدين السنوسي غيابياً وحُكم عليه بالسجن المؤبد في فرنسا جراء دوره في تفجير طائرة ركاب فوق نيجيريا في عام 1989.
وقالت سارة ليا ويتسن: "إن معاملة السنوسي اختبار كبير لليبيا الجديدة". وأضافت: "هل ستعامله الدولة الليبية الجديدة بشكل عادل نزيه وتُظهر أنها أصبحت ملتزمة بسيادة القانون وأن سيادة القانون هي التي تحكمها؟"
زيارة السنوسي في السجن
المحامي
حدثت مقابلة 15 أبريل/نيسان مع السنوسي في مكتب مدير سجن الهضبة، دون تواجد أي مسؤولين، وقد استغرقت 30 دقيقة. تقع هذه المنشأة في أكاديمية الهضبة العسكرية في طرابلس وتديرها الشرطة القضائية تحت إشراف وزارة العدل.
قال السنوسي الذي كان يرتدي ثوباً أبيض طويل على سروال أبيض – وهو زي ليبي تقليدي – إن لا شكاوى لديه بشأن المعاملة وظروف السجن باستثناء أن السلطات لم تسمح له بمغادرة زنزانته لممارسة النشاط البدني. فيما بعد قال القائم بأعمال مدير المنشأة – محمد قويدر – لـ هيومن رايتس ووتش إنه سيسمح للسنوسي بممارسة النشاط البدني خارج الزنزانة لمدة ساعة يومياً.
كانت شكوى السنوسي الأساسية هي عدم إتاحة مقابلته لمحامي منذ تسليمه في سبتمبر/أيلول 2012. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "طلبت محامي في اليوم الثاني أو الثالث من وصولي إلى هنا في ليبيا. لم أر أو أكلم محامٍ بعد".
بموجب قانون الإجراءات الجنائية الليبي، لابد أن تسمح الدولة بإتاحة مقابلة المحتجز لمحامي أثناء فترة التحقيق إذا طلب الشخص ذلك. إذا لم يكن لدى المحتجز محامٍ أو لم يعثر على واحد، مطلوب من السلطات الليبية بموجب القانون الدولي أن توفر له محامٍ دون رسوم إذا لم يكن قادراً على تحمل الرسوم.
كما اشتكى السنوسي من أن السلطات لم تخبره بالاتهامات المحددة المنسوبة إليه في ليبيا. قال إنه على علم بأنه مطلوب على ذمة جرائم جسيمة في المحكمة الجنائية الدولية، وقد عرف من خلال تقارير إعلامية رآها قبل القبض عليه. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "أنا مستعد لمواجهة هذه الاتهامات".
يطالب القانون الدولي في حال تعرض أي شخص لإجراءات ملاحقة جنائية "بأن يُخطر فوراً وبالتفصيل بلغة يفهمها بطبيعة وأسباب الاتهامات المنسوبة إليه" بحيث يتمكن الشخص من تحضير دفاعه.
قال السنوسي إنه لا يعرف بأن له أي تمثيل قانوني في إجراءات الملاحقة الجنائية ضده في المحكمة الجنائية الدولية. قال: لا أعرف ع محامي يمثلني في لاهاي. لم أر أو أكلم أحداً".
في 15 يناير/كانون الثاني أقرت المحكمة الجنائية الدولية بتعيين محامٍ من لندن للدفاع عن السنوسي. وفي 6 فبراير/شباط طلب قضاة الجنائية الدولية من ليبيا الترتيب لزيارة خاصة بين السنوسي وفريق الدفاع عنه أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن حتى 16 أبريل/نيسان لم يكن الاجتماع قد انعقد.
وفيما يخص إتاحة محامي، قال قويدر إن السنوسي "له مطلق الحرية في جلب المحامي الذي يريده"، وإن أضاف إن هذا الأمر سيكون على الأرجح صعباً... أن يعثر على محامٍ ليبي يقبل تمثيله.
في مذكرة الحكومة الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية في 2 أبريل/نيسان، قالت إنها "ما زالت حريصة على توفير زيارة قانونية خاصة لعبد الله السنوسي من قبل محاميه وتأمل أن تعد مذكرة تفاهم مع المحكمة الجنائية الدولية في أسرع وقت ممكن في هذا الشأن". أعزت ليبيا التأخير إلى تبديل النائب العام الليبي مؤخراً وقالت إنها ستتصدى لمسألة التمثيل القانوني للسنوسي مع منح هذا الأمر "الأولوية". غير أن محاميّ السنوسي أمام المحكمة الجنائية الدولية يقولون بأن ليبيا تجاهلت أمر قضاة المحكمة الذي دعا إلى الترتيب لزيارة المحامين المكلفين بتمثيله.
وفي 20 مارس/آذار حل عبد القادر جمعة رضوان محل عبد العزيز الحصادي نائباً عاماً لليبيا.
قال السنوسي إنه كان يُحال إلى قاضي مرة في الشهر لمراجعة قرار احتجازه. وفي كل مرة مدد القاضي احتجازه، على حد قوله: "أثناء تلك الجلسات، طلبت من القاضي أن يدعني أقابل أسرتي وقد طلبت محامي".
قال المدير السابق للمخابرات إن المحققين الليبيين استجوبوه بالأساس أثناء الشهور الخمسة الأولى من احتجازه، وأن معاملتهم له كانت "معقولة".
كما اشتكى السنوسي من محدودية الزيارات العائلية. قال إنه تلقى زيارة عائلية واحدة أثناء احتجازه ثمانية شهور، من ابنته عنود، وهي بدورها محتجزة في ليبيا. ولدى سؤاله عن هذا الأمر، أكد قويدر إن السنوسي حُرم من زيارتين عائليتين لأسباب أمنية.
تفاصيل الاحتجاز
قدم السنوسي تفاصيل لم تكن معروفة عن القبض عليه ونقله إلى ليبيا. قال إن السلطات المغربية ألقت القبض عليه في مارس/آذار 2012 ثم احتجزته نحو 12 يوماً قبل وضعه على متن طائرة إلى موريتانيا، حيث سُلم إلى السلطات الموريتانية لدى وصوله، في 17 مارس/آذار.
قال إن السلطات الموريتانية احتجزته في أكاديمية عسكرية وأيضاً في بيت بالعاصمة نواكشوط، حيث استجوبوه وسمحوا أيضاً لمسؤولين من السعودية ومن لبنان والولايات المتحدة باستجوابه. قابله المسؤولون الأمريكيون – الذين قال السنوسي إنهم من مكتب التحقيقات الفيدرالية – مرتين. قال إن معاملته طيلة هذا الوقت كانت "معقولة" وأن السلطات الموريتانية سمحت له بمقابلة محامين، وكذلك سمحت ببعض الزيارات العائلية.
في 5 سبتمبر/أيلول أحالت السلطات الموريتانية السنوسي إلى ليبيا. قال إنهم أيقظوه حوالي الساعة السابعة صباحاً وأخبروه بأن أمامه اجتماع مع رئيس المخابرات الموريتاني، لكن بدلاً من الاجتماع أخذوه إلى المطار لنقله الطائرة إلى طرابلس. وهو محتجز في سجن الهضبة منذ دخوله ليبيا.
لا يمكن لـ هيومن رايتس ووتش التثبت من صحة رواية السنوسي الخاصة باحتجازه في المغرب أو موريتانيا، أو من صحة تفاصيل نقله إلى ليبيا.
ظروف الاحتجاز
تفقدت هيومن رايتس ووتش زنزانة السنوسي، ومساحتها نحو 4 في 3 أمتار. لها نافذة واحدة عالية، وهي مغلقة. تحتوي الزنزانة على دورة مياه صغيرة فيها مرحاض وحوض وصنبور استحمام، وفيها حشية على الأرض للنوم، وبطانيات ووسادة. وكانت توجد أكياس بلاستيكية على الأرض تحتوي على ثياب السنوسي وطعامه.
يستضيف سجن الهضبة حالياً 144 نزيلاً، وهم جميعاً من الرجال، بينهم السنوسي وعدد من كبار المسؤولين الآخرين من عهد القذافي، على حد قول قويدر لـ هيومن رايتس ووتش. يُزعم أن نصف المحتجزين تقريباً تورطوا في مذبحة سجن أبو سليم عام 1996، لكن لم تصل قضايا المتهمين بهذه الجرائم بعد إلى مرحلة الملاحقة القضائية. إنهم محتجزون في منشأة مجاورة تحت سلطة الحرس الوطني وتحت إشراف قويدر.
قال قويدر إنه والمسؤولين الآخرين يواجهون ضغوطاً ضخمة من الليبيين الذين يشعرون بالغضب الشديد من السنوسي ومسؤولي القذافي السابقين الآخرين الذين تورطوا في أعمال القتل والاختفاءات والتعذيب على يد الحكومة السابقة على مدار أربعين عاماً. وقال: "ورغم هذا، فإننا نريد أن نكون مختلفين. نريد أن نُظهر لهم أننا لسنا مثلهم، فنعاملهم بشكل أفضل".
قال قويدر إنه أمر بإبعاد عدة حراس من منشأة الهضبة بعد أن نظر في شكوى من سجين ضدهم.
قال قويدر لـ هيومن رايتس ووتش إن الأمن مسألة مهمة للغاية في السجن: "هناك دائماً خوف من أن يتم استهدافنا بسبب من نحرسهم. نحن معرضون للخطر طوال الوقت".