(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات الكويتية إسقاط التهم الجنائية الموجهة إلى عدد من نشطاء الإنترنت والصحفيين والسياسيين لمجرد ممارستهم المشروعة لحقهم في حرية التعبير. كما ينبغي للسلطات سحب التهم وإلغاء العقوبات الصادرة بحق 10 أشخاص على الأقل تمت إدانتهم بالفعل في قضايا مماثلة، كانت آخرها في 15 أبريل/نيسان 2013.
منذ نشوب أزمة سياسية في يونيو/حزيران 2012، وجهت السلطات تهمة "التطاول على" الأمير، رأس الدولة الكويتية، إلى عشرات من السياسيين ونشطاء الإنترنت والصحفيين، كما علمت هيومن رايتس ووتش من المتهمين ومحامييهم ونشطاء حقوق الإنسان.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لا يجوز من الأساس ملاحقة أي شخص قضائيا لا لشيء إلا لتعبيره عن انتقاد سلمي. وعلى السلطات الكويتية أن تسقط فوراً كافة التهم الموجهة إلى منتقدي الحكومة وغيرهم لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير".
في 15 أبريل/نيسان حكمت محكمة جنائية على مسلّم البراك، وهو نائب برلماني سابق وشخصية معارضة بارزة، بالسجن لمدة 5 سنوات لـ"التطاول على الأمير". وجدت المحكمة أنه فعل هذا في خطبة وسط مظاهرة بتاريخ 20 أكتوبر/تشرين الأول، قال فيها مخاطباً الأمير على ما يبدو، "سمو الأمير، لن نسمح لك بالحكم الفردي".
في 31 مارس/آذار حكمت محكمة جنائية على ناشط الإنترنت حامد الخالدي بالسجن لمدة سنتين بنفس التهمة، على عدة تغريدات نشرها في أغسطس/آب. قال الخالدي في إحدى التغريدات، "إذا رحل سأنزل للشارع مرتديا البرتقالي [والبرتقالي هو اللون الذي يستخدمه منتقدو الحكومة الكويتية ومعارضوها]"، وهذا بحسب وثائق المحكمة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش. اعترفت المحكمة بأن الخالدي "لم يذكر الأمير مباشرة" لكنها ارتأت أنه "كان يعلم بعناصر الجريمة" وكان "على استعداد" لارتكاب "الجريمة".
في 7 مارس/آذار حكمت محكمة جنائية على ناشط آخر على الإنترنت هو صقر الحشاش بالسجن لمدة سنتين بنفس التهمة، على تعليقات ظهرت بموقع "تويتر" في أكتوبر/تشرين الأول، وفي مقالةعلى مدونته بعنوان "إلى مقام أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد". يقضي الحشاش عقوبته حالياً رغم تقدمه بطعن لم يبت فيه حتى الآن.
في 5 فبراير/شباط فرضت محكمة جنائية حكماً بالسجن لمدة 3 سنوات على 3 أعضاء سابقين في البرلمان الكويتي بنفس التهمة، على خطب ألقوها في تجمع عام في شهر أكتوبر/تشرين الأول. طعن الثلاثة على الحكم وخرجوا بكفالة.
في 6 يناير/كانون الثاني حكمت محكمة جنائية على ناشط الإنترنت راشد العنزي بالسجن لمدة سنتين بنفس التهمة، على عدة تغريدات نشرها في الفترة من 23 أكتوبر/تشرين الأول 2012، وجاء في إحداها: "يفر الجبان بعد أن يأمر بشيء من شأنه زعزعة الاستقرار، وهذا هو الحال اليوم، فقد فر الجبان بعد إصدار أمره". يقبع العنزي بدوره في السجن رغم طعنه على الحكم. في جلسة الاستئناف بتاريخ 13 فبراير/شباط 2013 التي حضرتها هيومن رايتس ووتش وراقبتها، قال العنزي للمحكمة إن تغريدته كانت تتعلق بمسؤول أمني يزعم أنه أمر بقمع مظاهرة في 23 أكتوبر/تشرين الأول، وليس بالأمير.
يواجه معظم المتهمين الملاحقة الجنائية بموجب المادة 25 من قانون الجزاء لعام 1970، التي تفرض عقوبة السجن لمدة لا تتجاوز السنوات الخمس لكل شخص "طعن علناً في حقوق الأمير وسلطته أو عاب على ذات الأمير أو تطاول على مسند الإمارة". بموجب المادة 54 من الدستور الكويتي، يعد الأمير رأس الدولة وذاته "مصونة لا تمس".
قالت سارة ليا ويتسن: "لا يجوز للسلطات الكويتية أن تسجن نشطاء المعارضة والصحفيين بتهمة ‘التطاول على الأمير‘، بل إن عليها أن تلغي نصوص قانون الجزاء التي تجرم هذا الأمر، وأن تعزز التزامها الدولي بحماية حرية التعبير".
منذ منتصف عام 2012 يخوض الكويت غمار أزمة سياسية وسط توتر متزايد بين الحكومة والمعارضة. في يونيو/حزيران 2012، قام الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح بتعليق البرلمان المنتخب في فبراير/شباط لمدة شهر، وتم حله بعد ذلك بحكم من المحكمة الدستورية. في أكتوبر/تشرين الأول عدل الأمير القانون الانتخابي للبلاد وأمر بانتخابات برلمانية جديدة في الأول من ديسمبر/كانون الأول.
استدعت تصرفات الأمير معارضة من أطراف مختلفة، تشمل الإسلاميين والليبراليين والقوميين وبعض العشائر، الذين احتجوا بأن البرلمان وليس الأمير هو المخول بإدخال أية تعديلات على قانون الانتخابات. نظم هؤلاء اجتماعات عامة ودعوا إلى مقاطعة انتخابات الأول من ديسمبر/كانون الأول. وكان حضور الناخبين أقل بكثير منه في انتخابات فبراير/شباط. في عدة حالات قبل الانتخابات، استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين، وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول قامت الحكومة بحظر التظاهر لمدة قصيرة.
استهدفت النيابة العامة الكويتية وبعض الساسة قناة "اليوم" التلفزيونية الفضائية الخاصة بوجه خاص، حيث رفعوا دعاوى على 12 على الأقل من الصحفيين وغيرهم من العاملين بالإعلام في القناة التلفزيونية، متهمين إياهم بـ"التطاول على الأمير" و"مخالفة الآداب العامة" و"التشهير" برجال السياسة، بحسب عرائض دعاوى حصلت عليها هيومن رايتس ووتش.
في أواخر ديسمبر/كانون الأول قامت وزارة الإعلام بإغلاق قناة اليوم، لإخفاقها المزعوم في تعيين مدير يدير القناة. ألغت محكمة الاستئناف الإدارية هذا الحكم في فبراير/شباط، واستأنفت القناة بث برامجها.
تنتهك الملاحقة الجنائية على الانتقاد السلمي للمسؤولين العموم المعايير الدولية لحقوق الإنسان. توفر المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدق عليه الكويت في 1996، توفر حماية للحق في حرية التعبير، بما فيه "حرية التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى".
وقد قررت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي الهيئة المراقبة للمعاهدات التي توفر التفسير المعتمد للعهد الدولي، أن "كافة الشخصيات العامة، بما فيها تلك التي تمارس أعلى السلطات السياسية كرؤساء الدول والحكومات، تخضع قانوناً للنقد والمعارضة السياسية" وأن هناك بالتالي حاجة إلى "التعبير غير المقيد عن الرأي" في النقاش العام المتعلق بالشخصيات العامة.