Skip to main content

يجب أن تمنع الحكومة الليبية الجرائم الانتقامية بحق المُهجّرين

تحليل صور الأقمار الصناعية يكشف التدمير الممنهج لتاورغاء

(طرابلس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الحكومة الليبية اتخاذ خطوات عاجلة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة والمستمرة بحق سكان بلدة تاورغاء، الذين يشيع اعتبارهم من  مؤيدينسابقين لمعمر القذافي. تنتشر أعمال التهجير القسري لنحو 40 ألف شخص، والاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل، على نطاق واسع وممنهجوعلى نحو منظم بما يكفي لاعتبارها جرائم ضد الإنسانية، ويجب أن تلقى الإدانة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

يُظهر تحليل تم نشره مؤخراً لصور الأقمار الصناعية، التدمير الممنهج لقطاعات كبيرة من البلدة بالإحراق والهدم العمدي بعد توقف القتال هناك في منتصف عام 2011، في ما يبدو أنه محاولة لمنع أهل تاورغاء من العودة إلى ديارهم.

قال فريد آبراهامز، المستشار الخاص في هيومن رايتس ووتش: "أخفقت الحكومات المتعاقبة في طرابلس، والسلطات المحلية في مصراتة، في وضع حد للاضطهاد المستمر لمجتمع بأسره ولتدمير البلدة، مما يترك بقعة سوداء على سمعة ليبيا الجديدة التي تدعي احترام حقوق الإنسان".

تقع مسؤولية معظم الانتهاكات على عاتق جماعات مسلحة من مصراتة الواقعة على مسافة نحو 30 كيلومتراً إلى الشمال. وتتهم هذه الجماعات أهل تاورغاء بالمشاركة في القتال في صفوف القوات المؤيدة للقذافي أو تأييدها، أثناء نزاع عام 2011، وبارتكاب جرائم حرب في مصراتة. وقد عجزت الحكومة الليبية وسلطات مصراتة عن كبح جماح تلك الجماعات المسيئة المسلحة.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه يمكن تحميل قادة المليشيات بمصراتة وكبار مسؤوليها المسؤولية الجنائية أمام المحاكم الوطنية والدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على إصدار الأوامر بارتكاب هذه الجرائم أو الإخفاق في منعها أو معاقبة مرتكبيها.

في أحدث تقريررفعته المدّعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية إلى مجلس الأمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، قالت إن مكتبها يواصل جمع المعلومات حول مزاعم "القتل والنهب وتدمير الممتلكات والتهجير القسري من جانب مليشيات مصراتة" لأهل تاورغاء، لتحديد ما إذا كان يتعين إدراج هذه المزاعم في قضية جديدة.

قالت هيومن رايتس أيضاً إن على السلطات الليبية أن تعجل بدورها بالتحقيق مع الأفراد من أهل تاورغاء المتهمين بارتكاب جرائم جسيمة أثناء نزاع عام 2011، بما في ذلك مزاعم الاغتصاب والقتل غير المشروع في مصراتة، وملاحقتهم جنائياً بأقصى ما يتيحه القانون في حال وجود أدلة على جرائم. أما معاقبة مجتمع كامل على مزاعم بارتكاب بعض أفراده لجرائم فهي ترقى إلى مصاف العقاب الجماعي.

أدانت الحكومات الأجنبية التي تدخلت في ليبيا عسكرياً بموجب قرار من مجلس الأمن لحماية المدنيين، انتهاكات حكومة القذافي بكل قوة، لكنها أخفقت في مواجهة الانتهاكات المستمرة بحق أهل تاورغاء وغيرهم بشكل فعال، بحسب هيومن رايتس ووتش. إن ازدواجية المعايير المتبعة في التعامل مع تلك الجرائم، حسب هوية مرتكبيها، تنتقص من مصداقية الحكومات التي قالت إنها تدخلت لحماية المدنيين.

دعت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن لإدانة الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق أهل تاورغاء، وأن يطالب الحكومة الليبية بتقديم تقرير للرد في ظرف ثلاثة أشهر حول كيفية وفائها بمسؤوليتها الخاصة بحماية سكانها من الأعمال الوحشية الجماعية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب على مجلس الأمن أيضاً أن يفرض عقوبات على المسؤولين وقادة المليشيات الذين أمروا بارتكاب هذه الجرائم أو أخفقوا في منعها.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 13 عائلة من تاورغاء، وقد أدلى أفرادها بمعلومات تفصيلية عن 17 شخصاً من البلدة قالوا إنهم تعرضوا للأسر والقتل، كما عرضوا صوراً فوتوغرافية لجثث القتلى.

كان 13 من هؤلاء الضحايا من المدنيين المقتولين بعد فرارهم من تاورغاء في منتصف أغسطس/آب 2011، حسبما قالت العائلات. وكان أحدهم مدنياً قتل أثناء احتجازه في مصراتة، وأحدهم مدنياً تم أسره وقتله أثناء القتال في 2011، بحسب أفراد العائلات. قتل الاثنان الباقيان في سرت على ما يبدو، أثناء القتال الدائر إبان أسر القذافي في أكتوبر/تشرين الأول 2011 في ظروف غامضة.

قال قيادات من تاورغاء في طرابلس لـ هيومن رايتس ووتش إن عدد الأسرى والقتلى من أهل تاورغاء على أيدي المليشيات بعد انتهاء النزاع أعلى بكثير، وقالوا إن الأعداد الدقيقة غير معروفة بسبب تشتت أهل تاورغاء في أنحاء ليبيا وافتقار أولئك القيادات إلى قوائم كاملة بأسماء المحتجزين والقتلى.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع اثنين من أقارب ميلاد البومة، 33 سنة، اللذين قالا إن إحدى مليشيات مصراتة احتجزته هو وقريبه حسين حنيش، 25 سنة، بالقرب من طرابلس في 28 أغسطس/آب 2011، بعد أسبوع من مغادرة العائلة لتاورغاء. تم أخذ الرجلين إلى مصراتة وانقطعت أخبارهما بعد ذلك، كما قال قريباهما. في مطلع 2013 حصلت العائلة على صورة فوتوغرالية لجثة البومة.

في مقابلة منفصلة قدم اثنان من أقارب حنيش نفس التفاصيل عن اختطافه وأظهرا صورة لجثته قالا إنهما حصلا عليها في أواخر 2012. لم تحصل أي من العائلتين على شهادة وفاة أو معلومات عن مكان الدفن.

امتد احتجاز الكثير من أهل تاورغاء المحتجزين حالياً لأكثر من عام بدون توجيه اتهام إليهم أو عرضهم على قاض أو التواصل مع محام. وينطبق هذا أيضاً على أغلبية الثمانية آلاف شخص تقريباً الذين تحتجزهم الحكومة الليبية والمليشيات. سبق لـ هيومن رايتس ووتش توثيقاستخدام التعذيب، المفضي إلى الموت أحياناً، بحق المحتجزين من أهل تاورغاء. 

أجرت هيومن رايتس ووتش تحليلاً جديداً لصور الأقمار الصناعية استناداً إلى 5 صور ملتقطة بين 2011 و2012، بحيث تتيح تحليل الدمار الحادث في تاورغاء بعد توقف القتال في منتصف أغسطس/آب 2011. تعرف التحليل على 1690 من الأبنية المصابة بالتلف أو الدمار بعد توقف الأعمال العدائية، ويبدو أكثر من 90 بالمئة منها محترقاً بالنيران. قالت هيومن رايتس ووتش إن العدد الإجمالى للأبنية المدمرة أعلى دون شك.

وكانت الصور، ومشاهدات هيومن رايتس ووتش المتكررة في 2011 لأبنية منهوبة ومحترقة في تاورغاء، توحي بقوة بأن الدمار واسع النطاق والمنهجي مقصود من أجل منع السكان من العودة.

قال فريد آبراهامز: "تؤكد صور الأقمار الصناعية ما رأيناه على الأرض: تدمير البلدة بشكل واسع النطاق. لقد كان النهب والحرق والهدم المنهجي منظماً ويبدو مقصوداً لمنع الناس من العودة إلى ديارهم".

وقالت هيومن رايتس ووتش إن هناك حاجة إلى نظام عدالة فعال للتعامل مع الجرائم التي ارتكبتها كافة الأطراف قبل نزاع 2011 وأثناءه وفي ما بعده. ومن شأن وجود قوانين خاصة بالعدالة الانتقالية أن تساعد في تحديد ومعاقبة مرتكبي الجرائم وتعزيز المصالحة بين المجتمعات والقبائل.

شكلت الحكومة المركزية لجنة للعمل على إعادة كافة المشردين الداخليين ومؤيدي القذافي الذين فروا إلى الخارج، إلا أن تفاصيل عملها لم تزل غير واضحة. تقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إن ليبيا كان بها، حتى يناير/كانون الثاني 2013، أقل قليلاً من 60 ألف من المهجرين داخليا، ونصفهم من تاورغاء.

دعت هيومن رايتس ووتش الحكومة الوطنية وسلطات مصراتة، بما فيها قادة المليشيات، إلى إدانة الاعتداءات على أهل تاورغاء وغيرهم من المجتمعات المهجرة، والسماح للراغبين في العودة إلى بيوتهم بالعودة الطوعية. وعلى السلطات أن تتهم المحتجزين أو تفرج عنهم بناءً على الأدلة، وأن تحقق في مزاعم التعذيب والانتهاك بحق المحتجزين من أهل تاورغاء، وتحقق في ما تم من إحراق وتدمير واسع النطاق للممتلكات.

في تقرير لجنة الأمم المتحدة الدولية لتقصي الحقائق حول ليبيا المنشور في مارس/آذار 2012، خلصت اللجنة إلى قيام مليشيات مصراتة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية متمثلة في قتل وتعذيب أهل تاورغاء. ورد في التقرير أن "ثوار مصراتة [أو القواتالمناهضة للقذافي] مارسوا القتل والاعتقال التعسفي والتعذيب بحق أهل تاورغاء في أرجاء ليبيا... لقد تم تدمير تاورغاء لجعلها غير صالحة للسكنى".

في 14 مارس/آذار 2013 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2095 الذي يبدي القلق العميق من "أعمال التنكيل، والاحتجاز التعسفي دون سبيل إلى الإجراءات القانونية السليمة، والحبس دون وجه حق، وإساءة المعاملة، والتعذيب والإعدام خارج نطاق القانون" في ليبيا ويدعو الحكومة "لتشهيل العملية القضائية، ونقل المحتجزين إلى عهدة الدولة ومنع انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها". شدد القرار على مسؤولية الحكومة الأساسية عن حماية سكان ليبيا.

ويدرس مجلس الأمن حالياً مسودة قرار يدعو ليبيا للتحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان والإسراع بعودة المشردين. ومن شأن تبني هذا القرار، بتأييد الحكومة الليبية، المنتظر في 21 أو 22 مارس/آذار، أن يرسل رسالة إيجابية تفيد بأن ليبيا ملتزمة بإنهاء هذه الانتهاكات، بحسب هيومن رايتس ووتش.

مفقودون ومحتجزون وموتى
في يناير/كانون الثاني 2013 أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أفراد 13 عائلة من تاورغاء فأدلوا بمعلومات تفصيلية عن 17 شخصاً من البلدة قالوا إنهم تعرضوا للأسر والقتل. اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور فوتوغرافية لجثث هؤلاء الرجال مكفنة بالشراشف وعليها أرقام، تمهيداً لدفنها على ما يبدو. لم تتمكن أي من العائلات من الحصول على شهادة وفاة أو معرفة موضع دفن قريبها.

كان 13 من هؤلاء الرجال مدنيين تم أسرهم من جانب مليشيات مختلفة وقتلهم بعد أن فروا من تاورغاء في منتصف أغسطس/آب 2011، كما قال أفراد العائلات. وكان أحدهم مدنياً مات من الضرب أثناء الاحتجاز في مصراتة، وأحدهم مدنياً تم أسره وقتله أثناء القتال حين سافر من مصراتة إلى طمينة القريبة لشراء الوقود لسيارته. قال أفراد العائلة إن الاثنين الآخرين شوهدا لآخر مرة في سرت في أكتوبر/تشرين الأول 2011، أثناء القتال العنيف في البلدة، وإنهم لا يعرفون كيف فارقا الحياة.

اطلعت هيومن رايتس ووتش على قائمة بالأسماء وصور فردية لـ93 رجلاً قتيلاً قال قادة تاورغاء إنهم ماتوا منذ بدء النزاع في فبراير/شباط 2011 وقد تعرف ذووهم عليهم. لم يتضح حتى الآن ما إذا كان كل من هؤلاء الرجال مدنياً أو مقاتلا، ولا أسباب وفاتهم.

يزعم قادة تاورغاء أن ما يبلغ 1300 شخص من بلدتهم ماتوا أو احتجزوا أو فقدوا منذ فبراير/شباط 2011. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هذا الزعم أو التيقن مما إذا كان الموتى قد تعرضوا للقتل غير المشروع أو ماتوا أثناء القتال. كان بعض الأشخاص من تاورغاء يقاتل في صفوف قوات القذافي.

في إحدى الحالات قال رجل من تاورغاء اشترط حجب اسمه مخافة التنكيل إن جماعة مسلحة من مصراتة احتجزته في سرت في أكتوبر/تشرين الأول 2011، إبان أسر معمر القذافي وقتله هناك، واحتجزته في مصراتة حتى أواخر عام 2012. وقال الرجل عقب الإفراج عنه لعائلة صلاح التريكي، 38 سنة، إن التريكي توفي أثناء الاحتجاز في ديسمبر/كانون الأول 2011 من جراء الضرب عقب أسره مباشرة. اطلعت هيومن رايتس ووتش على صورة لجثة التريكي.

قال الرجل المفرج عنه لـ هيومن رايتس ووتش عن التريكي: "لقد شجوا جمجمته في سرت وكسروا عظامه ـ كان يبصق الدم. ليست الجثة معي ولا أعرف أين هي".

في 28 أغسطس/آب 2011 خرج حسين حنيش، 28 سنة، المعلم السابق في كلية عسكرية بطرابلس، لتفقد مزرعة قرب طرابلس مع قريبه، ميلاد البومة، 33 سنة، بحسب اثنين من أقارب حنيش. كان الرجلان يأملان أن تتمكن العائلة من العيش هناك بعد الفرار من تاورغاء في وقت أسبق من ذلك الشهر. لم يعد الرجلان قط وعجزت العائلة عن معرفة مكانهما. في أواخر 2012 ومطلع 2013 تلقت عائلتا حنيش والبومة صوراً فوتوغرافية لجثتي الرجلين، إلا أن أياً من العائلتين لا تعرف مكان دفنهما.

في حالة ثالثة، قال اثنان من أقارب أحمد الغرياني، 24 سنة، إنهما رأياه لآخر مرة في 6 مارس/آذار 2011 حين غادر منزله في تاورغاء لشراء الوقود لسيارته من طمينة. قال فردا العائلة إنهما اتصلا بهاتفه فرد رجل مجهول الهوية قائلاً: "لقد أمسكنا به، لا تعاودوا الاتصال به".

بعد أسابيع شاهدت عائلة الغرياني مقطع فيديو على الإنترنت يعرض أحمد أثناء استجوابه مع رجل آخر من تاورغاء في مكان غير معروف. في مقطع الفيديو يرقد الرجلان على الأرض وهما مقيدان ومصابان على ما يبدو. لم تتلق العائلة أية أخبار أخرى عن أحمد لكن في أواخر 2012 تلقى الأقارب صورة فوتوغرافية لجثته. ما زال مكان الجثة غير معروف.

تتفق هذه التقارير عن الضرب والقتل مع شهادات أدلى بها أشخاص من تاورغاء سابقاً لـ هيومن رايتس ووتش. شوهد بعض أهل تاورغاء المأسورين في سرت في أكتوبر/تشرين الأول 2011 مع قافلة القذافي، شوهدوا أحياء في مقطع فيديو في عهدة مليشيات مصراتة، ثم ظهروا موتى في صور فوتوغرافية. في مقطع الفيديو يقوم أفراد المليشيات بتوجيه السباب إلى تاورغاء ويفتشون عن أبناء تاورغاء بين المحتجزين.

قال الرئيس الجديد للمجلس المحلي بمصراتة إسماعيل شكلاوون لـ هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني إن هناك 2700 إلى 3000 شخص محتجزون في مقرات خاضعة لإدارة مدنية أو عسكرية في مصراتة. وقال إنه لا يعرف كم يبلغ عدد أبناء تاورغاء بين المحتجزين.

تم الإفراج عن نحو 1300 من المحتجزين بمصراتة منذ أواخر 2011 بعد مراجعة قضاياهم، بحسب شكلاوون. وجه شكلاوون اللوم إلى الحكومة الوطنية لعدم بذل المزيد من الجهد لإحياء النظام القضائي بحيث يتسنى فرز كافة المحتجزين واتهامهم أو الإفراج عنهم.

قال وزير العدل صلاح المرغني لـ هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني إن الحكومة أقرت بالحاجة العاجلة لفرز كافة المحتجزين، وقال إنه أمر 24 وكيل نيابة إضافياً مؤخراً بالعمل في مصراتة. تشيد الحكومة سجناً جديداً بسعة 2000 نزيل على أطراف مصراتة، في أكاديمية سابقة للطيران، لاستيعاب سجناء المدينة تحت إشراف الحكومة، كما قال الوزير.

قال شكلاوون إن الانتهاكات في مقرات مصراتة هي نتيجة إساءات فردية وإن كافة الشكاوى موضع تحقيق. أحيل نحو 4 قضايا إلى المحاكم، بما فيها حالتي وفاة أثناء الاحتجاز، كما قال دون تقديم تفاصيل.

تحليل صور الأقمار الصناعية يبين تدميراً ممنهجاً
زارت هيومن رايتس ووتش تاورغاء مراراً في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2011، وفي يناير/كانون الثاني 2012، ولاحظت عمليات حرق ونهب واسعة النطاق للمباني السكانية والتجارية في معظم أجزاء البلدة. في إحدى الحالات استمرت أعمال النهب أمام باحثي هيومن رايتس ووتش في حراسة مليشيا من مصراتة.

في إحدى زيارات يناير/كانون الثاني 2012 شاهدت هيومن رايتس ووتش أفراد مليشيا من مصراتة وهم يمارسون الإحراق المنهجي لأحد الأحياء بسكب الكيروسين على المنازل وإشعال النار فيها.

حللت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية التي تبين مدى التلف الناجم عن الإحراق والهدم الاستهدافي في البلدة بعد توقف القتال فيها. ويوحي هذا التحليل، بجانب المشاهدات على الأرض، يوحي بقوة بأن التدمير العمدي والممنهج للبلدة كان مقصوداً لمنع العودة إليها.

حللت هيومن رايتس ووتش 5 صور التقطتها الأقمار الصناعية بين 28 يوليو/تموز 2011 و18 أغسطس/آب 2012. تبين تلك الصور 1690 مبنى في حالة من التلف والدمار. ويبدو أكثر من 92 بالمئة من هذه المباني وقد أتلفته أو دمرته النيران.

لا تظهر كافة أشكال التلف الهيكلي في صور الأقمار الصناعية، ولذا يرجح أن يكون التلف الفعلي بعد [توقف] القتال في تاورغاء أعلى بكثير، بحسب هيومن رايتس ووتش.

تظهر الصور الإحراق التام لاثنين من المجمعات السكنية، وتلفاً جسيماً بخمسة مجمعات سكنية أخرى. ويبدو أن كافة المنشآت الكبيرة التجارية أو الصناعية أو البلدية قد دمرتها النيران، بما فيها مجمع لمزارع الدواجن على الطرف الشمالي لتاورغاء.

قارنت هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية مع مقاطع الفيديو المنشورة على موقع "يوتيوب" والتي يبدو أنها تصور المليشيات وهي تستخدم المتفجرات في هدم خزان بلدي للمياه و مبان سكنية في تاورغاء بعد توقف الأعمال العدائية. وقامت هيومن رايتس ووتش بمضاهاة المباني الظاهرة في مقطع الفيديو مع المباني في صور الأقمار الصناعية، وبالتالي تأكدت من استخدام المتفجرات في أعمال هدم محكومة، علاوة على مواقع تصوير مقاطع الفيديو وفتراتها الزمنية.

أثناء إحدى زيارات أكتوبر/تشرين الأول 2011 إلى تاورغاء، قام فريق وثائقي دولي أيضاً بتصوير مسلحين من مصراتة وهم يطلقون نيران أسلحتهم على مبان سكنية مهجورة.

وبناءً على تحليل مقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعية، تعرفت هيومن رايتس ووتش في صور الأقمار الصناعية على 81 مبنى و2 من خزانات المياه على الأقل يرجح تدميرها باستخدام المتفجرات ـ أو ما يقرب من 5 بالمئة من إجمالي الدمار المكتشف في أرجاء البلدة.

كشف تحليل صور الأقمار الصناعية عن فترتين منفصلتين للتدمير. بدأت الأولى في أعقاب الاستيلاء على تاورغاء في منتصف أغسطس/آب 2011 واستمرت حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول. وتبين الصور 240 موقعاً يبدو أنها تعرضت للتلف أو التدمير في تلك الفترة. استناداً إلى البحث الميداني في ذلك الوقت، ولأن الصور لا تعكس الاحتراق واسع النطاق داخل المنازل بالكامل، فإن هيومن رايتس ووتش تعتقد أن العدد الإجمالي للمباني التالفة أو المدمرة أعلى كثيراً على الأرجح.

أعقب المرحلة الأولى فترة كمون نسبي دامت شهراً. ثم وقعت مرحلة التدمير الثانية والرئيسية بين 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 و25 مايو/أيار 2012، حين تعرض ما يفوق 1370 موقعاً على ما يبدو للتلف أو التدمير. ويمثل هذا أكثر من 81 بالمئة من المباني التالفة المكتشفة من الصور، ويبدو أنه [يعكس] جهداً أكثر منهجية لتدمير المباني.

في 3 مايو/أيار 2012 ردت الهيئة العسكرية الرئيسية في مصراتة، ألا وهي المجلس العسكري، على اتهامات هيومن رايتس ووتش السابقة بالإحراق وتدمير الممتلكات في تاورغاء بقولها إن "حرق وهدم بعض بيوت منطقة تاورغاء" كان "تصرفات فردية ارتكبها أشخاص تعرضوا لأبشع الانتهاكات من قبل أهل تاورغاء".

تعتقد هيومن رايتس ووتش أن نتائج تحليل صور الأقمار الصناعية تناقض هذا الزعم. إن مدى الدمار والوقت والموارد اللازمة لإتلاف أو تدمير ما يفوق الـ1600 موقع صناعي وتجاري وسكني توحي كلها بقوة بأن التدمير كان مخططاً وممنهجاً.

في عدة مناسبات شهد باحثو هيومن رايتس ووتش النهب والحرق والهدم في تاورغاء تحت أنظار أفراد مليشيات مصراتة في نقاط التفتيش القريبة. في إحدى زيارات أكتوبر/تشرين الأول 2011 أنكر قائد نقطة التفتيش عند مدخل تاورغاء لـ هيومن رايتس ووتش وقوع أعمال النهب والحرق بينما كان أفراد مليشيا من مصراتة يطلقون قنبلة يدوية صاروخية الدفع على مبنى غير مسكون. ثم سمح القائد للمقاتلين بالمرور من نقطة تفتيشه بشاحنة مليئة بالبضائع المنهوبة، بما فيها مقاعد مدرسية.

خلفية
أثناء نزاع 2011 كانت قوات القذافي تستغل تاورغاء كقاعدة للهجوم على مصراتة والمناطق المجاورة من مارس/آذار وحتى أغسطس/آب. أيد الكثير من أهل تاورغاء القذافي، الذي كانت حكومته تزعم أن مقاتلي المعارضة الليبية سيستعبدون أهل تاورغاء إذا استولوا على السلطة. التحق المئات من أبناء تاورغاء بالجيش، كما قال عدد من سكان مصراتة وتاورغاء على السواء لـ هيومن رايتس ووتش.

بين مارس/آذار ومايو/أيار حاصرت قوات القذافي مصراتة وعرّضت سكانها مراراً لهجمات عشوائية عديمة التمييز بالهاون وصواريخ غرادتسببت في قتل الكثير من المدنيين. في أبريل/نيسان وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام الحكومة للذخائر العنقودية على المدينة. نجح مقاتلو مصراتة في الدفاع عن المدينة وبدأوا في التغلب على قوات القذافي في المنطقة، بمعونة غارات الناتو الجوية.

مع اقتراب مقاتلي مصراتة من تاورغاء في حوالي 10 أغسطس/آب 2011، فر كل سكان البلدة تقريباً منها. وتعرضوا بعد ذلك للهجوم والاعتقال والتضييق، في الأغلب على أيدي مليشيات مصراتة.

ينتشر أهل تاورغاء المشردون الآن في أنحاء ليبيا عاجزين عن العودة إلى ديارهم. وبحسب قادة المجتمع في تاورغاء، يوجد نحو 18 ألف شخص في بنغازي و13 ألف في طرابلس و7 آلاف حول سبها في الجنوب، وتوجد أعداد أقل في ترهونة والخمس وسرت واجدابيا وبضعة أماكن أخرى.

في طرابلس يستقر مجتمع تاورغاء أساساً في أربعةمخيمات: في الأكاديمية البحرية في جنزور قرب طريق المطار وفي حي الفلاح وحي السراج. وتأتي المساعدات الإنسانية الأساسية في معظمها من وكالة تابعة للحكومة الليبية هي "ليبيا إيد".

تحسن الوضع الأمني بمضي الوقت في مخيمات طرابلس، حيث تناقصت غارات مليشيات مصراتة التي تدعي البحث عن رجال مطلوبين. في 6 فبراير/شباط 2012 أغارت مليشيات من مصراتة على مخيم جنزوروقتلت بالرصاص رجلاً و3 نساء و3 أطفال.

تقول السلطات المدنية والعسكرية في مصراتة إن أهل تاورغاء ارتكبوا جرائم خطيرة بحقهم أثناء نزاع 2011، تشمل التعذيب والاغتصاب، وتلوم الحكومة الوطنية لإخفاقها في اعتقال وملاحقة المعنيين من أبناء تاورغاء.

كما أن السلطات في مصراتة ومحيطها تمنع الآلاف من العودة إلى قريتي طمينة وكراريم القريبتين، متهمة إياهم أيضاً بالانحياز إلى القذافي أثناء نزاع 2011. وقالت هيومن رايتس ووتش إن تلك السلطات أخفقت في منع المليشيات المحلية من نهب البيوت وحرقها في القريتين.

وبحسب رئيس مجلس تاورغاء المحلي، عبد الرحمن شكشاك الذي أجريت معه مقابلة في يناير/كانون الثاني في طرابلس، كان سجل البلدة المدني يشتمل على 42 ألف شخص قبل اندلاع النزاع، وكان نحو 37 ألف شخص يقيمون في تاورغاء ونحو 5000 يقيمون في مصراتة، حسب قوله، ويقيم آخرون في طمينة وكراريم.

تقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إنه حتى يناير/كانون الثاني 2013 كان بليبيا 59425 مشرداً داخلياً، ومن بين هؤلاء يأتي 30 ألفاً من تاورغاء و9404 من سرت و9200 من جبال نفوسة، ومعظمهم من أعضاء قبيلة المشاشية التي ينظر إليها بدورها كمؤيدة للقذافي. تفيد تقارير بنزوح نحو 6100 شخص عن مصراتة وتشير التقديرات إلى أن أغلبهم أصلاً من تاورغاء. ثمة 2400 شخص آخرون من الطوارق الذين فروا من غدامس.

المعايير القانونية
يمكن لجرائم معينة إذا ارتكبت كجزء من هجوم واسع النطاق أو ممنهج على مجموعة سكانية مدنية ـ كسياسة لإحدى البلدان أو المنظمات كالمليشيات ـ أن تعد جرائم ضد الإنسانية. وتشمل هذه الجرائم القتل والتعذيب والترحيل أو الإبعاد القسري والاحتجاز التعسفي أو اضطهاد جماعة بعينها على أساس سياسي أو عنصري أو عرقي أو غير ذلك.

ويقع على عاتق القيادات المدنية والعسكرية في مصراتة، وكذلك الحكومة الوطنية، التزام قانوني بمنع القوات الخاضعة لقيادتهم من ارتكاب مثل تلك الجرائم، كما أنهم ملزمون بدعم الخطوات المتخذة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم. والإخفاق في هذا قد يؤدي إلى مسؤولية جنائية.

وقد منح قرار مجلس الأمن رقم 1970 المحكمة الجنائية الدولية اختصاصاً مستمراً بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. وبهذه الصفة يمكن للمحكمة الجنائية الدولية ملاحقة كبار المسؤولين المدنيين والقادة العسكريين أو من يقومون مقام القادة العسكريين على الجرائم الخطيرة التي ارتكبتها قوات أو أتباع لهم خاضعين لقيادتهم وسيطرتهم الفعلية.

ويمكن حدوث هذا إذا كان المسؤول أو القائد يعرف أو كان ينبغي أن يعرف بقيام قواته أو أتباعه بارتكاب تلك الجرائم أو أنهم بسبيل ارتكابها، وإخفاقه في اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية والمعقولة لمنع الجرائم، أو إحالة الأمر للسلطات المختصة بغرض التحقيق الجنائي والملاحقة.

التوصيات لسلطات مصراتة والسلطات الوطنية

  • الإدانة العلنية للهجمات الانتقامية بحق أهل تاورغاء وغيرهم من المجتمعات المشردة وبحق ممتلكاتهم، ومحاولة منعهم من العودة إلى ديارهم.
  • الالتزام العلني بحق العودة بالنسبة لأهل تاورغاء وغيرهم من المجتمعات المشردة عن طريق [إجراء] الترتيبات المالية واللوجستية والأمنية المناسبة.
  • التحقيق في المزاعم ذات المصداقية عن تعذيب وانتهاك المحتجزين في المقرات الرسمية والتي تديرها المليشيات ومحاسبة المسؤولين المسيئين، بمن فيهم القادة.
  • تشهيل الفرز القضائي لكافة المحتجزين وملاحقة الأفراد قانونياً أو الإفراج عنهم حسب الأدلة المتوافرة.
  • التحقيق في أدلة الإحراق وهدم الممتلكات في تاورغاء، بما فيها صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو، ومحاسبة الذين دمروا ممتلكات دون وجه حق.

التوصيات لمجلس الأمن

  • إدانة الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في تاورغاء.
  • توجيه طلب إلى الحكومة الليبية بإطلاع مجلس الأمن خلال 3 شهور على الخطوات التي تتخذها للوفاء بمسؤوليتها عن حماية مجتمع تاورغاء من الجرائم ضد الإنسانية.
  • فرض عقوبات على المسؤولين وقادة المليشيات الذين أمروا بالجرائم بحق تاورغاء أو أخفقوا في منعها.

التوصيات لمجلس حقوق الإنسان

  • إدانة أعمال التهجير القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل بحق أهل تاورغاء في القرار المزمع بشأن ليبيا في الجلسة رقم 22 لمجلس حقوق الإنسان.
  • دعوة الحكومة الليبية لاتخاذ خطوات جادة في سبيل وقف تلك الجرائم بحق أهل تاورغاء وضمان التحقيق في تلك الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة