(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على أعضاء مجلس الأمن بالأمم المتحدة أن يرسلوا رسالة قوية إلى ليبيا مفادها ضرورة التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. كما يجب أن يضغط المجلس على السلطات الليبية المعينة حديثاً من أجل توفير المحاسبة على الجرائم الجسيمة والجارية في ليبيا. من المقرر أن تطلع مدعية عامة المحكمة الجنائية الدولية الجديدة – فاتو بنسودا – مجلس الأمن على مجريات تحقيقاتها في ليبيا يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
ما زالت ليبيا لم تسلّم المشتبه عبد الله السنوسي إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو محتجز في ليبيا، رغم أن صلاحيات المحكمة بموجب قرار مجلس الأمن تقتضي أن تتعاون ليبيا معها، وهناك طلب لم يتم الوفاء به إذ لم يُسلم ذلك الشخص للمحكمة. تبحث المحكمة الجنائية الدولية في الطعن على اختصاصها المقدم إليها، والخاص بمحاكمتها للمتهم الثاني، سيف الإسلام القذافي. كما لم تتمكن السلطات الليبية من السيطرة على الميليشيات المعارضة للقذافي التي ارتكبت انتهاكات وأخفقت في محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. وهناك أيضاً قانون جديد يسعى بوضوح لحماية أحد الفصيلين الأساسيين في ليبيا – في شقيه السياسي والعسكري – من العدالة.
وقال ريتشارد ديكر مدير برنامج العدل الدولي في هيومن رايتس ووتش: "أعطى مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص التحقيق في ليبيا وأمر ليبيا بالتعاون. على أعضاء المجلس أن يوضحوا لطرابلس أنه لا يمكنها تجاهل التزاماتها القانونية، وأن الوقت قد حان للوفاء ببنود القرار 1970".
قرار مجلس الأمن 1970 – الذي أحال ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية – يطالب السلطات الليبية بالتعاون بشكل كامل مع المحكمة، وهو بند ملزم بموجب ميثاق الأمم المتحدة، رغم أن ليبيا ليست دولة طرف في الاتفاقية المنشئة للمحكمة. يشمل هذا التعاون الالتزام بقرارات وطلبات المحكمة وكذلك احترام حصانة مسؤولي المحكمة، كما ورد في المادة 48من الاتفاقية المنشئة للمحكمة.
أكد المجلس الانتقالي الليبي في رسالة أرسلها إلى مجلس الأمن في 20 يونيو/حزيران 2012، وهو السلطة الحاكمة في طرابلس وقت إرسال الرسالة، على التزامه بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. سبق وتعهد المجلس الانتقالي بالتعاون في رسالة أرسلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011إلى قضاة الجنائية الدولية وقبلها في رسالة في أبريل/نيسان 2011إلى مدعي عام المحكمة. على مجلس الأمن أن يدعو الحكومة الليبية المشكلة حديثاً لأن تعد بالتعاون وأن تدعم علناً نشاط المحكمة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
تأتي جلسة إطلاع مدعية المحكمة الجنائية الدولية مجلس الأمن على تطورات التحقيق بعد شهر من عقد المحكمة جلسات في لاهاي للنظر في الطعن المقدم من ليبيا في اختصاص المحكمة بمتابعة قضية سيف الإسلام نجل معمر القذافي، وبعد شهرين من تسليم موريتانيا عبد الله السنوسي رئيس المخابرات الليبي السابق إلى ليبيا، والذي صدرت بحقه مذكرة توقيف أخرى من المحكمة الجنائية الدولية.
إثر طلب من ادعاء المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2011 أصدر قضاة المحكمة مذكرات توقيف بحق معمر وسيف الإسلام القذافي والسنوسي. كان الثلاثة مطلوبين على ذمة اتهامات بجرائم ضد الإنسانية على أدوارهم في الهجمات على المدنيين، بمن فيهم المتظاهرين السلميين، في طرابلس وبنغازي ومصراتة وأماكن أخرى في ليبيا. وبما يتفق مع شروط القرار 1970، فإن أوامر المحكمة الجنائية الدولية تنطبق فحسب على الأحداث في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011.
انتهت إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد معمر القذافي إثر موته في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011. قامت القوات المعارضة للقذافي بالقبض على سيف الإسلام القذافي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، في جنوبي ليبيا وهو محتجز في بلدة زنتان. في 1 مايو/أيار 2012 طعنت ليبيا على اختصاص المحكمة نظر قضية سيف الإسلام وحصلت على إذنبتأجيل تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، إلى أن يصدر قرار قضاة المحكمة. يقول مسؤولون حكوميون إنهم يعتزمون محاكمة سيف الإسلام القذافي في ليبيا على دوره أثناء حملة القمع الحكومية في 2011 وبتهم فساد سابقة. بموجب الاتفاقية المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، فقد جمد ادعاء المحكمة تحقيقاته فيما يخص سيف الإسلام إلى حين صدور حُكم في الطعن على اختصاص المحكمة في القضية.
ولأن المحكمة الجنائية الدولية هيئة قضائية، فلابد أن تتم إجراءاتها في مجراها المستقل. قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن أن يضمن التزام ليبيا الكامل بقرار القضاة فيما يخص الطعن مهما كان القرار.
تم القبض على السنوسي في 17 مارس/آذار 2012 في موريتانيا وتم تسليمه في 5 سبتمبر/أيلول إلى ليبيا، حيث ما زال في حيازة الحكومة في طرابلس. ورغم صدور طلببالقبض عليه وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية ووصول هذا الطلب إلى السلطات الليبية في يوليو/تموز 2011، فإن ليبيا لم تسلمه للمحكمة، في خرق لالتزاماتها بموجب القرار 1970. أصر مسؤولو المجلس الانتقالي على أنه سيحاكم بدوره في ليبيا.
الطعن المقدم من ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية لا يشمل قضية السنوسي، ومن ثم فإن تحقيقات ادعاء المحكمة فيما يخصه مستمرة. كما أن أمام السلطات الليبية خيار الطعن على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في قضيته إذا أرادت محاكمته داخلياً على جرائم وردت في مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية. في حال الطعن يُعهد لقضاة المحكمة الجنائية الدولية تحديد ما إذا كانت إجراءات التقاضي الليبية تستوفي معاييرقبول الطعن على اختصاص المحكمة. قالت هيومن رايتس ووتش إن الالتزام بإجراءات المحكمة عنصر مهم في تعاون ليبيا معها.
وقال ريتشارد ديكر: "في غياب الطعن على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، يجب أن يصمم مجلس الأمن على أن تنفذ ليبيا القرار وتسلم السنوسي إلى المحكمة".
من المتوقع أن يشمل عرض مدعية المحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الأمن نظرة شاملة على أنشطة التحقيق التي أجراها مكتبها حتى تاريخه. كانت المدعية العامةفي ذلك الوقت قد لاحظت في مايو/أيار مزاعم بجرائم ارتكبتها قوات المعارضة والميليشيات وذكرت أنها تعتزم الاستمرار في تقييم جهود السلطات من أجل التصدي لجميع الجرائم في ليبيا.
أفادت لجنة أممية لتقصي الحقائق في مارس/آذار أن القوات المعارضة للقذافي ارتكبت انتهاكات جسيمة أثناء النزاع المسلح وفي الفترة من بعد انتهاءه. لكن هناك قانون فعّله المجلس الانتقالي في مايو/أيار بشأن إجراءات خاصة، يمنح عفواً عاماً لمن ارتكبوا جرائم إذا كانت أعمالهم بهدف "إنجاح الثورة أو حمايتها" من معمر القذافي.
ألقى تقرير الأمم المتحدة الضوء على محنة أهل تاورغاء الذين يُنظر إليهم بأنهم مؤيدون للقذافي، وقد قُتل منهم أفراداً وتعرضوا للاعتقال التعسفي والتعذيب على يد المقاتلين المعارضين للقذافي من مصراتة. قال التقرير إن الطبيعة المتفشية والمنهجية لهذه الانتهاكات تشير لاحتمال وقوع جرائم ضد الإنسانية.
ومن جانبها وثقت هيومن رايتس ووتش أعمال قتل مماثلة وأعمال تعذيب وتهجير على يد الميليشيات في ليبيا وذكّرت السلطات المحلية باختصاص المحكمة الجنائية الدولية المستمر والقائم على الانتهاكات الجسيمة. في رسالة أرسلتها هيومن رايتس ووتش في مايو/أيار دعت ادعاء المحكمة الجنائية الدولية إلى فحص الجرائم المعفاة حالياً من الملاحقة القضائية في ليبيا، وأن تحقق فيها إن لزم الأمر.
وقال ريتشارد ديكر: "على أعضاء المجلس أن يشيروا إلى أهمية عدم تحيز القضاء المحايد وأن يدينوا محاولات ليبيا حماية قادة الميليشيات المعارضة للقذافي وغيرهم من المحاسبة". وأضاف: "يبدو أن السلطات الليبية غير مستعدة للتحقيق في هذه الجرائم، وإذا صمت مجلس الأمن عليها فهذا سيؤدي إلى الإفلات من العقاب، وهو ما يعتبر إهانة للآلاف من الضحايا".