(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن مناقشة مجلس الأمن لدور المحكمة الجنائية الدولية تعد فرصة مهمة للتصدي لأوجه عدم الاتساق في إحالة مجلس الأمن الملفات إلى المحكمة. من المقرر عقد مناقشة مجلس الأمن في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2012، وهي المناقشة الأولى من نوعها بشأن المحكمة وهي مفتوحة أمام مشاركة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن النقاش على وجه الدقة يجب أن يتناول إخفاقات مجلس الأمن في إحالة ملفات النزاع في سريلانكا وغزة وسوريا – على وجه الخصوص - للمحكمة، وكذلك مثالب إحالة ملفات ليبيا ودارفور.
وقال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدل الدولي في هيومن رايتس ووتش: "إن علاقة مجلس الأمن المهمة بالمحكمة الجنائية الدولية تستحق نقاشاً مستفيضاً يشارك فيه أعضاء مجلس الأمن والدول غير الأعضاء فيه. هذا النقاش المفتوح بين دول الأمم المتحدة جميعاً فرصة غير مسبوقة للحكومات التي تدعم المحكمة الجنائية الدولية، لأن تطالب مجلس الأمن بمنهج إحالة أكثر اتساقاً تجاه العدالة الدولية".
بموجب نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، فإن من حق مجلس الأمن أن يحيل الوضع في أية دولة إلى ادعاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إن رأى مجلس الأمن أن الوضع المعني يرقى إلى مستوى تهديد السلم والأمن الدوليين. تحرك مجلس الأمن بموجب هذه الصلاحية لأول مرة عندما أحال الوضع في منطقة دارفور بالسودان إلى المحكمة في مارس/آذار 2005 إثر شهور من النقاش المحتدم حول الإحالة. كانت إحالة مجلس الأمن الأخرى الوحيدة في فبراير/شباط 2011 بشأن الوضع في ليبيا.
تمتد صلاحية إحالة مجلس الأمن المذكورة إلى المحاسبة على الجرائم الدولية الجسيمة التي يُفلت مرتكبوها من العقاب إن لم يتدخل مجلس الأمن بإحالة الوضع للمحكمة. في الوقت نفسه، فإن بعض الحكومات تقول بأن إحالات مجلس الأمن تتداخل مع التحقيقات القائمة، فتُرى على أنها ذات دوافع سياسية. قالت هيومن رايتس ووتش إن المحكمة الجنائية الدولية فيما أصبحت لها مكانة عالمية، فإن العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة أصبحت أكثر أهمية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن انتقائية المجلس وكيله بمكيالين أثناء صياغة الإحالات – والإخفاق في تحريك الإحالات أيضاً – تؤثر كثيراً على النظرة القائمة إلى حيادية واستقلالية المحكمة، لا سيما فيما يتعلق بدور الولايات المتحدة وروسيا والصين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وهي الدول غير الخاضعة في الوقت نفسه لسلطة المحكمة. أخفق مجلس الأمن في مناسبات مهمة في التحرك على النحو الواجب في مواقف كانت فيها أدلة قوية على كثرة وجسامة الجرائم الدولية الواقعة، مع ضعف احتمالات بدء محاكمات داخلية حيث تقع الانتهاكات.
وقال ريتشارد ديكر: "فيما يخص أوامر الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية، يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا والصين مهتمون بمقاضاة أعدائهم وحماية أصدقائهم أكثر من أي اعتبارات أخرى". وتابع: "خلّف هذا المنهج الانتقائي ضحايا الانتهاكات في سوريا وغزة وسريلانكا دون منابر تحقق لهم العدالة".
شمل أمرا الإحالة من مجلس الأمم للمحكمة الجنائية الدولية، بموجب القرارين 1593 و1970، أحكاماً ضارة بالمحكمة، على حد قول هيومن رايتس ووتش. فرض أمرا الإحالة عبئاً مالياً كبيراً يتعلق بالتحقيقات والملاحقات القضائية، تتحمله المحكمة بالكامل ودولها الأعضاء. كما سمح الأمران بإعفاءات لمواطني الدول غير الأعضاء بالمحكمة في حال تورطهم في الجرائم الجسيمة المُرتكبة في الدول المُحالة للمحكمة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن إحالة ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية كانت إجراءً دالاً على عدم اتساق منهج مجلس الأمن. بينما كان أمر الإحالة في فبراير/شباط 2011 فورياً وبالإجماع، فما إن تغيرت الظروف السياسية في ليبيا، حتى لم يعد مجلس الأمن داعماً قوياً لتحقيقات الجنائية الدولية، ولم يضغط على حكومة ليبيا الجديدة من أجل التعاون مع المحكمة. بالمثل، لم يفعل مجلس الأمن الكثير لضمان أن تساعد مختلف الحكومات في تنفيذ أوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة فيما يخص دارفور. هذه الممارسات تقوض من فعالية المحكمة الجنائية الدولية.
وقال ريتشارد ديكر: "منهج مجلس الأمن تجاه أوامر الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية الذي يتراوح بين الاهتمام والتجاهل يقوض من مصداقية المحكمة فيما يتعلق بتوفير العدالة الناجزة". وأضاف: "على الدول الأعضاء بالمحكمة الجنائية الدولية أن تستغل هذا النقاش في الحشد لدعم حقيقي من مجلس الأمن للمحكمة، بدلاً من ترك المحكمة تتحرك حسب أهواء المجلس".
في رسالة بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2012 إلى وزراء خارجية 121 دولة أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، دعت هيومن رايتس ووتش الحكومات إلى الحديث أثناء النقاش عن مثالب علاقة المحكمة بمجلس الأمن.
يمكن أن يساعد نقاش 17 أكتوبر/تشرين الأول في إلقاء الضوء على عدم اتساق منهج مجلس الأمن فيما يخص أوامر الإحالة للمحكمة، وأن يحول دون صدور أوامر إحالة في المستقبل من غير توفير التمويل للمحكمة ودون إعفاء مواطني الدول غير الأعضاء بالمحكمة من الملاحقة. قالت هيومن رايتس ووتش إن النقاش يمكن أيضاً أن يلقي الضوء على دعم مجلس الأمن للمحكمة بعد صدور أوامر الإحالة".