(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الحكومة السورية السماح فورًا لمراقبي الأمم المتحدة بزيارة السجون المركزية في حمص وحلب للإطلاع على السجناء الذين قد يكونون عرضة لأعمال انتقامية عنيفة على أثر أعمال الشغب التي شهدتها السجون.
وقال "سمير" لـ هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف، وهو سجين في الجزء القديم من السجن المركزي في حمص، إن أعمال شغب اندلعت في 21 يوليو/تموز 2012 ونتج عنها سيطرة السجناء على بعض أجزاء السجن، فردّت القوات الحكومية على ذلك بمحاصرة المكان، ومهاجمة السجناء بالذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، وقطع إمدادات الغذاء والماء. كما تحدث سمير عن وفاة سبعة أشخاص، بمن فيهم ثلاثة أطفال، بينما تحدث أحد النشطاء عن وفاة ثلاث أشخاص آخرين.
وقال المجلس الوطني السوري، وهو ائتلاف من أعضاء المعارضة، في بيان أصدره في 24 يوليو/تموز إن القوات الحكومية استعملت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع في السجن المركزي في حلب كردّ على احتجاج السجناء يوم 23 يوليو/تموز، وهو ما تسبب في مقتل ثمانية أشخاص. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الاتصال بأي شخص من السجن المركزي في حلب.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إن الغموض الذي يلفّ مصير السجناء في حمص وحلب يبرز الحاجة الملحة إلى السماح لمراقبي الأمم المتحدة بدخول هذه السجون ونشر تقارير علنية عن النتائج التي يتوصلون إليها. ويجب على الحكومة السورية أن تعي أن المجتمع الدولي يراقب ما يجري، وأن القمع العنيف لما يجري في السجون لن يمرّ دون عقاب".
وقال سمير إن أعمال الشغب في السجن المركزي في حمص اندلعت في 21 يوليو/تموز حوالي منتصف الليل أو الواحدة صباحًا:
طلب السجناء من العميد خالد أحمد كاخي السماح لهم بأداء صلاة التراويح في الساحات [صلاة تؤدى في شهر رمضان، وغالبًا ما تكون جماعية]، ولكنه رفض ذلك. شعر السجناء بإحباط كبير، وكان من المستحيل الصلاة داخل زنازين السجن لأنها مكتظة. والزنزانة الواحدة لا تتسع لأكثر من خمسة أشخاص ولكن فيها حوالي 15 شخصًا. لم نكن نستطيع الجلوس أو النوم، فما بالك بالصلاة. شرع السجناء في الصياح والتكبير. حدث ذلك في المبنى القديم الذين كنت مسجونًا فيه. وبعد دقائق معدودة، بدأ ذلك الجزء من السجن، وهو ملاصق للجزء الذي يُحتجز فيه أصحاب تهم المخدرات، يردد الله أكبر. ثم شرع السجناء، وأنا واحد منهم، في تكسير شبابيك وأجهزة تبريد الزنزانات. كانت الأجهزة قديمة جدًا، وكان من السهل اقتلاعها من الجدران. استعملنا أجهزة التبريد لإسقاط الجدار الذي كان يفصلنا عن الجزء الذي فيه سجناء المخدرات...
وما هي إلا ساعات معدودة حتى تمكن السجناء من الخروج من زنازينهم بعد تحطيم أبوابها وشبابيكها وجدرانها، بينما فرت قوات الأمن من المبنى القديم دون أن تحاول التصدي لنا. كان يوجد في طابقي أربعة أو خمسة ضباط خائفين جدًا ففروا. تمكنا من السيطرة على المبنى القديم حوالي الساعة الخامسة صباحًا، وعندها بدأت قوات الأمن في إطلاق الغاز المسيل للدموع عبر الشبابيك. التجأ بعض السجناء إلى السطح كي يستطيعوا التنفس. وهناك تم إطلاق النار على علي القايدي، فتوفي على الفور، لقد كان أول المتوفين... كما أصيب جندل رجوب على مستوى الرأس [فقُتل] بينما كان واقفًا على السطح.
وبعد ذلك، شرعوا في إطلاق الذخيرة الحية على الشبابيك... كانت قوات الأمن متمركزة خارج السجن المركزي والقناصة على صهريج الماء، وكان ارتفاعه حوالي عشرين مترًا ويوجد في وسط السجن، وكانوا يطلقون النار في اتجاه السطح، كما كان القناصة يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع.
وقال ناشط من اللجنة العامة للثورة السورية ،وهو عضو في الشبكة السورية لحقوق الإنسان أيضًا، لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان على اتصال بستة أشخاص من داخل السجن المركزي في حمص، وكانوا يقدمون له المعلومات حول الوضع في الداخل. كما قال إن السجناء الذين أثاروا الشغب كانوا مدعومين بضباط مسلحين انشقوا واشتبكوا مع قوات الأمن السورية. وإضافة إلى وفاة علي القايدي، قال هذا الناشط إن أحداث 21 يوليو/تموز تسببت أيضا في مقتل محمود حسون، ومحمود تركمان، وأحمد جمو. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من عمليات القتل والانشقاقات بشكل مستقل.
كما قال سميرلـ هيومن رايتس ووتش إن الوضع داخل السجن تفاقم في 22 يوليو/تموز لما وصلت أعمال الشغب إلى الجزء الجديد من السجن الذي يأوي الأطفال والسجينات:
في المبنى الجديد، لم يتمكنوا من تحطيم الجدران، ولكنهم تمكنوا من كسر أقفال الزنازين. لست أدري كيف تمكنوا من ذلك. وربما سمح لهم الضباط بالخروج قبل إخلاء المبنى بشكل متعمد. كان يوجد في المبنى الجديد قسم الأطفال وقسم النساء والقسم الأمني، وهو القسم الذي تم فيه سجن النشطاء السياسيين على مدار سنوات عديدة.
وأضاف سمير لـ هيومن رايتس ووتش إن سجينين آخرين، هما أحمد حرمان وجمال سهيوني، قُتلا في 22 يوليو/تموز، إضافة إلى ثلاثة أطفال قتلوا اختناقًا بالغاز المسيل للدموع. كما قال إن 16 سجينًا أصيبوا بجروح، ولكن سلطات السجن "لم تسمح للهلال الأحمر بتقديم الرعاية الطبية للمصابين".
كما قال سمير إن الوضع الإنساني داخل السجن متدهور، وتوقفت الحكومة عن مد السجن بالغذاء بعد اندلاع أعمال الشغب في 21 يوليو/حزيران. وفي 23 يوليو/حزيران، قامت الحكومة بقطع الكهرباء والماء. وأوضح سمير أن السجناء كانوا يعيشون على ما تبقى لديهم من الماضي، وأن كل المؤونة نفذت بحلول 25 يوليو/تموز، فأصبحوا "يخبزون الخبز من الدقيق الذي عثروا عليه. وكانوا يشعلون الخشب لإعداد الخبز لأنه لا توجد كهرباء لتشغيل الموقد".
وقالت وسائل إعلام حكومية في نشراتها الإخبارية ليوم 25 يوليو/تموز إن "الهدوء عاد إلى السجن المركزي في حمص بعد أن تمت السيطرة على الوضع بالحوار". ولكن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من الاتصال بـ سمير لمزيد من المعلومات منذ ظهر 25 يوليو/تموز.
ودعت هيومن رايتس ووتش الحكومة السورية إلى السماح لبعثة مراقبة الأمم المتحدة في سوريا بدخول مراكز الاعتقال، بما في ذلك السجون المركزية في حمص وحلب، لمراقبة الانتهاكات.
كما كررت هيومن رايتس ووتش دعوتها لمجلس الأمن بإحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ودعت الدول الأخرى إلى دعم دعوات المساءلة من خلال دعم إحالة الملف السوري إلى الجنائية الدولية بصفتها الجهة الأكثر قدرة على التحقيق مع من يتحملون المسؤولية الأكبر عن الانتهاكات الحاصلة في سوريا ومحاكمتهم. ودعت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن إلى فرض خظر للأسلحة على الحكومة السورية وعقوبات على المسؤولين السوريين الضالعين في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وقالت سارة ليا ويتسن: "إن حالة عدم اليقين الراهنة في سوريا تجعل السجناء أكثر عرضة للانتقام وسوء المعاملة".
لسوريا تاريخ حافل بالحملات العنيفة على السجون، ففي 27 يونيو/حزيران 1980، بعد يوم من محاولة اغتيال فاشلة للرئيس السابق حافظ الأسد، نفذت فرق عسكرية خاصة تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق الرئيس، حملة انتقامية ضد سجناء في السجن العسكري في تدمر الذي كان يُحتجز فيه العديد من الإسلاميين. وتم إرسال جنود من الفرقة الخاصة إلى السجن وهناك فتحوا النار على السجناء. ورغم انه لم يتم نشر أي تقدير محدد، قُدّر عدد القتلى في مجزرة تدمر بـ 600 شخص. وقال ميشال سورا، وهو خبير سوري أختطف وقُتل في لبنان سنة 1985، في كتابه "الدولة الهمجية" ) إن تحليلا أجرته الأجهزة الأمنية كشف أن عدد الضحايا بلغ 1181 ضحية.
وفي 5 يوليو/تموز 2008 استعملت سلطات السجون والشرطة العسكرية أسلحة نارية لإخماد أعمال شغب جدّت في السجن العسكري في صيدنايا، حوالي 30 كيلومتراً شمال دمشق. وقال شهود التقت معهم هيومن رايتس ووتش إن أعمال الشغب، وكانت في معظمها بقيادة إسلاميين، جاءت كردّ على عملية تفتيش واسعة نفذتها عناصر من الشرطة العسكرية. وكان السجناء قد سيطروا على الشرطة العسكرية واتخذوا منهم رهائن. ورغم أنه تم إطلاق سراح أغلب الرهائن بعد يومين، واصل السجناء فرض سيطرتهم على أجزاء من السجن حتى يناير/كانون الثاني 2009.
وفرضت الحكومة تعتيمًا كاملا على الأحداث ولم تنشر أية معلومات حول كيفية تعامل قواتها مع السجناء أو أي تحقيق قامت به حول العنف داخل السجن. وقال أحد السجناء ممن عايشوا الأحداث ثم أطلق سراحهم، لـ هيومن رايتس ووتش إن اليوم الأول من أحداث الشغب شهد مقتل 60 سجينًا و45 عنصرًا من الشرطة العسكرية، كما قُتل 69 سجينًا في الهجوم الأخير على السجناء الذين قاموا بأعمال الشغب في عملية إعادة السيطرة على السجن في 18 يناير/كانون الثاني 2009.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على قوات الأمن، بما في ذلك حرس السجون، الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون. وتدعو هذه المبادئ الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون إلى "تقليل الضرر والإصابة، واحترام وصون حياة الإنسان"، وعدم اللجوء إلى القوة المميتة إلا إذا كانت الخيار الوحيد المُتاح لحماية الحياة.
وقالت سارة ليا ويتسن: "تفرض سوريا دومًا تعتيمًا إعلاميا على الأحداث الدامية التي تقع في سجونها. ويتعين على مراقبي الأمم المتحدة الإصرار على زيارة السجنين لضمان عدم حدوث مثل هذه المآسي أثناء فترة عملهم هناك".