Skip to main content

لقد كان أسبوعًا مهمًا ـ ولكن نظام العدالة في تونس مازال يفتقر إلى الاستقلالية ومبدأ "مسؤولية القيادة".

قبل بضع سنوات، كان يبدو أن زين العابدين بن علي سوف يكون رئيسًا لتونس مدى الحياة، بعد أن حكمها منذ سنة 1987. ولكن محكمة عسكرية حكمت يوم الأربعاء الماضي على بن علي بالسجن المؤبد لمشاركته في قتل ومحاولة قتل المتظاهرين أثناء الثورة التي تصدرت ثورات الربيع العربي.

على أرض الواقع، قد يعني ذلك الحكم على بن علي بالمنفى في المملكة العربية السعودية التي فرّ إليها مع عائلته بعد أن تسببت الاحتجاجات التي فشل في إخمادها في مقتل أكثر من مائة شخص.

رغم أن المحاكمات التي انتهت يوم الأربعاء لم تكن مثالية إلا أنها أدت إلى إدانة بعض المسؤولين الكبار الذين عملوا مع بن علي وتبرئة البعض الآخر. ولأن بن علي ليس متواجدًا في تونس، تمت محاكمته بشكل غيابي، ولذلك فإن العدالة لم تتحقق بالنسبة إليه رغم حضور جميع المتهمين الآخرين.  

إذا قرر بن علي العودة يومًا ما إلى تونس، سوف يكون له الحق في محاكمة جديدة. ولكن ذلك قد لا يحصل في الوقت الحاضر بالنظر إلى عدم جدية مطالب الحكومة التونسية الحالية للسعودية بتسليمه. لقد سبق وأن اعتبر رئيس الوزراء التونسي تسليم بن علي مسألة "ثانوية".

لقد تمت محاكمة بن علي أمام القضاء العسكري، وهو ما يثير شكوكًا حول استقلالية المحاكمة. يجب أن تقتصر المحاكمات العسكرية على الأفراد العسكريين في قضايا ذات طبيعة عسكرية صرفة، ويجب إحالة القضايا المتعلقة بقتل المدنيين إلى القضاء المدني.

ورغم أهمية الإصلاحات التي تم إدخالها على القضاء العسكري في تونس بعد الثورة، ومنها انتداب  قضاة مدنيين والسماح لضحايا الجرائم بالمشاركة في المحاكمات، مازالت المنظومة القضائية العسكرية تعاني من عدة مشاكل أخرى. لقد قال لي أحد القضاة المدنيين في تونس العاصمة منذ بضع أسابيع: "لقد صار القضاة العسكريون يرتدون زيّ القضاء المدني، ولكنهم مازالوا يرتدون تحته لباسا رسميًا ورُتبًا عسكرية"، وكان يشير إلى خضوع القضاة إلى الترتيب الهرمي العسكري. إضافة إلى ذلك، مازال وزير الدفاع يستأثر بصلاحية تعيين القضاة العسكريين.

رغم هذه المشاكل، يجب الإقرار بأن ما تحقق في تونس مهم جدًا. وإضافة إلى بن علي، تمت إدانة بعض كبار المسؤولين الآخرين، ومنهم رفيق الحاج قاسم، وزير الداخلية السابق. ورغم أن محامي الضحايا والمتهمين اشتكوا من عدم تمكنهم من الإطلاع على الأدلة، إلا أننا أثناء مراقبتنا لجلسات المحاكمة لم نعثر على أدلة واضحة على انتهاك الحق في المحاكمة العادلة. كما برأت المحكمة ساحة آخرين، بمن فيهم علي السرياطي، مدير الأمن الرئاسي السابق، رغم عدم رضا عديد الأشخاص عن ذلك. ولكن الادعاء العام لم يقدم أدلة على تواجد القوات التابعة لـ علي السرياطي في الأماكن التي تم فيها إطلاق النار، ولا على أوامر صدرت منه بإطلاق النار على المتظاهرين.

إن أكبر مشكل يواجه تحقيق المساءلة القانونية للشخصيات رفيعة المستوى في تونس يتمثل في عدم وجود مبدأ "مسؤولية القيادة" في القانون التونسي، وهو مبدأ يُحمل المسؤولين الكبار مسؤولية جنائية على الجرائم الخطيرة التي يرتكبها مرؤوسوهم، والتي يكونون على علم بوقوعها ولا يتدخلوا لمنعها ومعاقبة مرتكبيها. يُعتبر هذا المبدأ أساسيًا في العدالة الجنائية الدولية، وتبين بشكل متكرر أنه ضروري لمساءلة كبار المسؤولين، وخاصة أولئك الذين لا يكونوا متواجدين في مكان وقوع الجريمة ولا يسدون تعليماتهم بشكل كتابي. ولأن هذا المبدأ غير موجود في القانون التونسي، كان على الادعاء إثبات وجود أوامر صادرة عن القيادات العليا. 

لقد غابت تونس عن عناوين الأخبار لفترة ما لأسباب ايجابية، فهي لم تشهد الفوضى التي شهدتها ليبيا أو مصر. ولكن، مازالت تونس في مرحلة دقيقة يقوم خلالها أول مجلس منتخب في البلاد بصياغة دستور جديد. وفي نفس الوقت، مازالت وضعية العدالة وسيادة القانون علامة هامة حول ما إذا كانت تونس تسير في الاتجاه الذي ثار من أجله المتظاهرون على بن علي. ويوجد في تونس وزير للعدالة الانتقالية، وهي الحقيبة الوزارية الوحيدة من نوعها في العالم، ولكن يبدو أنه يوجد بطء في التقدم الحاصل في المسائل الأساسية التي يجب معالجتها في إطار إصلاح منظومة العدالة بعد الثورة.

يتعين على تونس تحقيق استقلالية القضاء عن الحكومة بإرساء منظومة لا تسمح للوزراء بالتدخل في قرار القضاء والمحاكمات. كما يجب عليها فصل ومحاكمة القضاة الذين تواطؤوا مع بن علي في ارتكاب الانتهاكات. وفي الوقت الحالي، تم اعتماد حل "مؤقت" يتمثل في تعليق عمل الهيئات المُشرفة على القضاء في عهد بن علي، وهو ما اعطى لوزير العدل صلاحيات لتعيين وتأديب القضاة أكثر من أي وقت مضى. لا يجب أن يصبح هذا الوضع المؤقت وضعًا دائمًا.

مازال نظام العدالة في تونس في طور التحول، ومازال يتعين عليك عبور أسلاك شائكة والمرور بجانب عربة عسكرية حتى تتمكن من الوصول إلى إحدى المحاكم المدنية. وتبرز محاكمات كبار المسؤولين رغبة في محاكمة أفعالهم أمام المحكمة، ولكن القوانين المعتمدة ونظام العدالة الحالي ليسا في حجم هذا النوع من المحاكمات. لقد أصبح يتعين على تونس إصلاح القوانين ونظام العدالة بما يتماشى مع المعايير الدولية التي وقعت عليها، والاعتراف بمسؤولية القيادة في ارتكاب الجرائم الخطيرة، وضمان استقلالية القضاة والنيابة عن السياسيين.

*كلايف بالدوين هو استشاري قانوني أول في هيومن رايتس ووتش*

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة