(طرابلس) - عندما التقيت لأول مرة مصطفى عبد الجليل، الذي أصبح الآن رئيس المجلس الوطني الانتقالي، في أبريل/نيسان 2009، كان يشغل منصب وزير العدل في ليبيا القذافي، كان تقريبا الصوت الشجاع الوحيد بين كبار المسئولين الذي يطالب بمحاسبة الأجهزة الأمنية بالبلاد.
جيئ به وزيراً كتنازل مقدم إلى أهل مدينة بنغازي المضطربة في شرق البلاد، حيث كان قاضياً فيها لسنوات عديدة. وقت مقابلته للمرة الأولى، لم يكن عبد الجليل ينتقي كلماته وهو يندد بالفساد في وزارة الداخلية، التي تعمل خارج نطاق القانون لتعتقل الليبيين تعتدي عليهم دون أن يتم محاسبتها. تعليقا على الإصلاحات الجديدة تحت حكم القذافي، وصف ليبيا بأنها بلد "تمر بمرحلة مخاض عسيرة ومؤلمة". لم يكن يعلم كيف ستتحول ليبيا بعد عامين فقط من ذلك اللقاء.
مؤخرا في طرابلس، جلست مع عبد الجليل لمناقشة القضايا الجديدة في ليبيا والتي كان لم يكن بالإمكان تصورها في 2009. التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة شاقة، بداية من الحاجة لاستعادة السيطرة على آلاف الرجال في عشرات المليشيات المستقلة. ليبيا بحاجة لإعمال النظام القضائي على وجه السرعة حتى تتمكن من التعامل بعدالة مع الجرائم التي ترتكب حاليا، ومع جرائم الماضي، ومن أجل إعادة بناء المؤسسات الرئيسية، التي تدهورت على مدى عقود طويلة من الحكم الاستبدادي.
يعترف مسئولو الحكومة بالحاجة لإعطاء المقاتلين ضد القذافي، الذين ينظر إليهم على أنهم أبطال، سببا للتخلي عن أسلحتهم.
يدرس المجلس الانتقالي الليبي خططا لبرامج ضخمة للتدريب، وفرص العمل، والتعليم، والقروض والتعويضات. لكن هذه المبادرة الحميدة ستتطلب وقتا وتمويلا ضخما. في الوقت نفسه، لا ينبغى على المجلس الانتقالي الانتظار حتى تكون لديه السيطرة الكاملة على الميليشيات لتأكيد سلطته على ما يزيد عن 5000 معتقل تحتجزتهم الميليشيات، خارج نطاق أي سلطة قضائية ليبية أو النظام القضائي عموما.
رصدت هيومن رايتس ووتش انتهاكات خطيرة عندما زارت مراكز الاحتجاز، تشمل الضرب والتعذيب، وكذا اعتقالات تعسفية على نطاق واسع لأصحاب البشرة السمراء من الليبيين والأفارقة المهاجرين الذين يشتبه في دعمهم لقوات القذافي. يجب نقل هؤلاء الأشخاص إلى السلطات الرسمية، على أن توجه السلطات التهم إليهم على أساس أدلة واضحة بارتكاب مخالفات أو أن تفرج عنهم.
من المهم جدا للمجلس الانتقالي الليبي أن يضمن عدم محاباة النظام القضائي الليبي الجديد لأي طرف، وأن جميع الليبيين سيحصلون على حماية متساوية بموجب القانون. وطالبنا عبد الجليل بدعم تشكيل لجنة مستقلة للمفقودين، حتى تتمكن اللجنة من إيجاد المفقودين من كلا جانبي الصراع.
يجب أن يضمن المجلس أيضا أن القضاة والمحققين المستقلين بإمكانهم التحقيق في الادعاءات ـ بشكل كامل وعادل ـ بشأن الاعتداءات المزعومة أثناء القتال، حتى لو ثبت تورط الأشخاص الذين حاربوا للقضاء على نظام القذافي، أو الذين كان ضحاياهم قوات القذافي. في سرت، على سبيل المثال، وثقت هيومن رايتس ووتش إعداماً جماعياً سافراً لـ 53 شخصا على أيدي القوات المعادية للقذافي خارج فندق مهاري، ووجد بعض وأيديهم وأرجلهم مقيدة. يجب ألا يتستر المجلس على تلك الأعمال الوحشية.
ولقد حققت ليبيا تقدما رائعا عندما صاغت قانون العدالة الانتقالية والعفو العام. ولكن لبناء مجتمع حر، فهناك حاجة لإلغاء القوانين التي تجيز توقيع الغرامات وعقوبة السجن وحتى الإعدام لليبيين الذين "يهينون" أو "يسيئون" إلى مسئولي الدولة، أو إلى الوحدة الوطنية، أو الإسلام، أو الذين يسعون لتشكيل جمعيات سياسية أو وسائل إعلام مستقلة.
لجأ القذافي لتلك القوانين حتى يسجن الناشطين والمحامين والصحفيين ـ سواء الليبراليين أو الإسلاميين ـ الذين تجرءوا على تحديه.
يجب على الحكومة ألا تتمادى في تقييد ما يقرأه الليبيون أو قدرتهم على إعلان ارتباطهم أيديولوجياً أو دينياً بأفكار معينة، كما يجب أن يضمن القضاة حماية هذه الحقوق. مع انتخابات ستبدأ بعد ستة أشهر فقط، يجب على المجلس الانتقالي، على الأقل، وقف هذه المواد القانونية المقيدة بشكل رسمي الآن، حتى يطمئن الليبيون إلى أنهم سيكونون أحرارا في الانخراط في المناقشات الصاخبة التي تعتمد عليها المنافسة السياسية، طالما أن تلك المناقشات سلمية.
أعرب مراقبون دوليون، فضلا عن ناشطات ليبيات، عن تخوفهم بشأن ما إذا كانت الحكومات ستفي بتعهدات الحريات السياسية والمدنية مستقبلا، أم هل ستتراجع حين يتعلق الأمر بحقوق المرأة. أثار عبد الجليل حفيظة المجتمع الدولي حين قال، إنه واحتكاما إلى الشريعة، يجب أن تسمح ليبيا بتعدد الزيجات للرجال بدلا من القيود المفروضة حاليا على تلك الممارسة ـ وهو الموقف الذي أكده أثناء لقائنا.
بعض الناس أوضحوا لي أن الغرض من ذلك فقط مساعدة أرامل الحرب، من خلال السماح للأزواج باتخاذهن زوجات إضافيات. لكن أفضل طريقة لمساعدة النساء الليبيات هي منحهن نفس المزايا التي تمنح للمقاتلين، بما في ذلك التدريب، وفرص العمل، والقروض لدعم أسرهم. سيكون هذا متسقا مع الدستور الانتقالي الليبي، الذي يمنح المساواة في الحقوق المدنية والسياسية بغض النظر عن الجنس مع توفير تكافؤ الفرص لكل مواطن. تتطلب حقوق الإنسان لجميع المواطنين الليبيين، رجالا ونساء، ما لا يقل عن ذلك.
في ديسمبر/كانون الأول 2009، قبل وقت طويل من الثورات العربية والثورة الليبية، توقع ناشط ليبي شاب ـ ظننت وقتها أنه كان حالما: "إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تضع رجلا على القمر، فإن بإمكاننا أن نخلع القذافي". لقد حقق الشعب الليبي ما يبدو مستحيلا؛ دعونا نتمنى أن يساعد المجلس الانتقالي في جعل مكاسب الحرية مكاسب دائمة ومستمرة.
*سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.*