(نيويورك) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن المحكمة الجنائية الدولية بإصدارها أمر توقيف ضد معمر القذافي تشير إلى أن القانون قادر على بلوغ من كانوا يحسبون منذ زمن طويل أنهم محصنين من المحاسبة. أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أوامر توقيف في 27 يونيو/حزيران 2011 بحق القذافي، الزعيم الليبي، وابنه سيف الإسلام، ورئيس المخابرات الليبي عبد الله السنوسي. بحسب أوامر التوقيف، منسوب إليهم اتهامات بجرائم ضد الإنسانية على دورهم في الهجمات على المدنيين، وشمل ذلك المتظاهرين السلميين في طرابلس وبنغازي ومصراتة ومدن وبلدات ليبية أخرى.
إصدار أوامر التوقيف يعتبر خطوة هامة لتوفير فرصة لضحايا الجرائم الجسيمة في ليبيا للإنصاف. رغم المخاوف من أن أمر التوقيف بحق القذافي قد يمثل عائقاً يحول دون التوصل لتسوية للنزاع في ليبيا ويثبط عزم القائد الليبي عن التخلي عن السلطة، فمن غير المرجح أن تكون ثمة علاقة بين تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية ورفض القذافي للتخلي عن السلطة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وقال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدل الدولي في هيومن رايتس ووتش: "لقد أوضح معمر القذافي بالفعل نواياه البقاء في السلطة حتى النهاية المرّة، من قبل أن تبدأ إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، وكلمة ابنه في فبراير/شباط بأنه سيعيش ويموت في ليبيا تكفي لتوضيح موقفه في حد ذاتها. من غير المنطقي أن ديكتاتورا يمسك بالسلطة منذ أكثر من 40 عاماً سيتمسك بكرسيه فقط بسبب أمر التوقيف هذا".
وثقت هيومن رايتس ووتش الاعتقالات التعسفية والاختفاءات بحق العديد من الأفراد، وكذلك حالات فتحت فيها القوات الحكومية النار على المتظاهرين السلميين بعد بدء المظاهرات لامعارضة للحكومة في شرقي ليبيا يوم 15 فبراير/شباط.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه إثر إصدار المحكمة لأوامر توقيف، تعتبر المبادرات الرامية لإنهاء النزاع المدمر في ليبيا بالغة الأهمية، لكن لا يجب هجر العدالة أثناء السعي وراء تحقيق أهداف أخرى. بحوث هيومن رايتس ووتش في بلدان مثل سيراليون وأنغولا أظهرت أن الإخفاق في تحميل الجناة مسؤولية الجرائم الدولية الأكثر جسامة، يمكن أن يؤدي لوقوع انتهاكات جديدة.
سجلات النزاعات الأخرى تُظهر أيضاً أن أوامر توقيف القيادات الكبيرة يمكن أن تؤدي إلى تعزيز جهود مباحثات السلام، بما أنها تدين من يقف في طريق تسوية النزاعات. على سبيل المثال، إدانة رادوفان كاراديتش وراتكو ميلاديتش من قبل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة يُعزى إليها فضل تحييد الشخصين أثناء مباحثات دايتون للسلام، التي أدت إلى انتهاء حرب البوسنة.
المحكمة الجنائية الدولية مُكلفة بإحقاق العدالة بحق أولئك الأكثر مسؤولية عن وقوع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وعليها أن تتحرك بشكل مستقل دون اعتبارات سياسية لإتمام مهمتها وتكليفها، على حد قول هيومن رايتس ووتش. بالتوازي مع المحكمة، فعلى الفاعلين الآخرين دور هام في تسوية الأزمة في ليبيا، بما في ذلك عن طريق القنوات الدبلوماسية والإنسانية.
وقال ريتشارد ديكر: "من واقع كونها مؤسسة قضائية، فإن عمل المحكمة مميز ومختلف عن المبادرات العسكرية والدبلوماسية المطروحة في قضية ليبيا، ومن الخطأ الخلط بين المسارين". وتابع: "حتى تكون العدالة متمتعة بالمصداقية، فلابد أن تسير في مسار مستقل ومنفصل".
طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية من قضاة المحكمة في 16 مايو/أيار إصدار أوامر توقيف بحق ثلاثة مشتبهين ليبيين. وليبيا وإن لم تكن طرفاً في نظام روما المنشئ للمحكمة، فهي خاضعة لاختصاص المحكمة القضائي بعد صدور قرار مجلس الأمن 1970.
وبما أن المحكمة ليس لديها قوة شرطة خاصة بها، فهي تعتمد على سلطات الدول في إجراء الاعتقالات بالنيابة عنها. القرار 1970 يطالب السلطات الليبية بالتعاون التام مع المحكمة. في أبريل/نيسان وعد المجلس الوطني الانتقالي المؤقت - سلطة المعارضة في ليبيا - بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بموجب خطاب تم إرساله إلى مكتب المدعي العام للمحكمة.
ويُتاح لأي مشتبه به يتم اعتقاله أو يسلم نفسه للمحكمة فرصة الاعتراض على الاتهامات والطعن في الأدلة في جلسة "تأكيد الاتهامات". في ذلك التوقيت، على القضاة أن يقرروا إن كانت الأدلة القائمة كافية لإثبات "وجود أسس قوية للاعتقاد" بأن الشخص ارتكب الجرائم المنسوبة إليه. إذا قرروا أنها كافية، تتم إحالة القضية إلى المحاكمة.
قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق انتهاكات جسيمة ومنهجية لقوانين الحرب من قبل القوات الحكومية الليبية أثناء النزاع المسلح القائم، بما في ذلك هجمات عشوائية متكررة على أحياء سكنية في مصراتة وبلدات غربي منطقة جبال نفوسا الواقعة غرباً. كما وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات المعارضة.
في 1 يونيو/حزيران أصدرت لجنة تقصي حقائق بشأن ليبيا - من تشكيل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان - تقريرها، وشمل ارتكاب القوات الحكومية والمعارضة لأعمال ترقى لكونها جرائم حرب. حققت اللجنة في تقارير أفادت بتورط الناتو في هجمات عشوائية ضد المدنيين، لكن انتهت إلى عدم وجود أدلة كافية يظهر منها تعمد استهداف قوات الناتو لمناطق المدنيين أو تورطها في هجمات عشوائية على مدنيين.
قرار مجلس الأمن 1970 يرد فيه أن مواطني الدول الأخرى في ليبيا غير الأطراف في نظام المحكمة الجنائية الدولية لا يخضعون لاختصاص المحكمة القضائي فيما يخص جميع الأعمال الناشئة عن العمليات العسكرية في ليبيا والتي بدأت بموجب تصريح مجلس الأمن بها. هناك عدة دول قدمت إخطارات بمشاركتها في عمليات عسكرية بموجب قرار مجلس الأمن 1973، الذي يصرح للدول الأعضاء بـ "اتخاذ جميع الإجراءات المستطاعة" لحماية المدنيين في ليبيا. جميع الدول التي قدمت الإخطارات - ومنها الدول غير الأطراف في نظام روما - ما زالت ملتزمة بموجب القانون الدولي بالتحقيق مع ومقاضاة أفراد قواتهم المسلحة الضالعين في جرائم حرب.
وبالإضافة إلى القضية القائمة بحق ثلاثة من المشتبهين الليبيين، دعت هيومن رايتس ووتش ادعاء المحكمة الجنائية الدولية إلى الاستمرار في التحقيق في الجرائم الجسيمة التي ربما تم ارتكابها من قبل أي طرف أثناء النزاع المسلح في ليبيا. قرار مجلس الأمن 1970 يعطي المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص القائم بشأن النظر في قضايا الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة على الأراضي الليبية منذ 15 فبراير/شباط 2011.