Skip to main content

استطاع مهند أخيرا أن يهرب من مدينة درعا بالجنوب في التاسع من مايو/أيار، بعد أسبوعين من حصار الجيش السوري للمدينة وقطع الكهرباء، وخطوط الهاتف وخدمات الإنترنت، ومنع الحركة من المدينة وإليها. "الموقف في درعا لا يوصف" هكذا قال لنا من الأردن المجاورة.

مع ستة رجال آخرين، اتخذ من مجاري درعا ملجأً في السابع من مايو/أيار ليتجنب القوات السورية، والتي كانت تقتحم البيوت وتعتقل رجال البلدة. بعد 13 ساعة خرج ليعود لبيته، ليجد أن الدبابات تحاصر الجوار.

قرر أن يهرب. مع قرابة الخمسين من سكان درعا، بينهم نساء وأطفال، سار عبر الحقول ليصل إلى الحدود الأردنية قرب تل شهاب منتصف نهار التاسع من مايو/أيار. قال مهند "فتحت قوات الأمن السورية النار علينا مع اقترابنا من الحدود" " أظن أنهم قتلوا أحد عشر شخصا. لست متأكدا. فررت بحياتي فحسب".

يكشف لنا هروب مهند القمع الجاري في درعا اليوم. لقد حصرت مجموعات حقوق الإنسان السورية أسماء أكثر من 350 فردا ماتوا في المدينة منذ اندلعت المظاهرات المناهضة للحكومة في منتصف مارس/آذار. مئات الرجال، وربما الآلاف، تم اعتقالهم. الصور التي تم عرضها على الفيسبوك تشير إلى حجم الدمار الذي ألحقه الجيش السوري بالبلدة: المنازل التي تم قصفها، والسيارات المهشمة والمساجد التي مزقها الرصاص.  

عندما حاول سكان القرى المجاورة كسر الحصار حول درعا في 29 إبريل/نيسان بالسير نحو المدينة حاملين الماء والطعام، فتحت قوات الأمن النار عليهم، وقتلت ما لا يقل عن 12 شخصا، وفق ما أخبرنا به أحد الشهود. وإزاء أزمة إنسانية متصاعدة، طالب سكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون، سوريا في الحادي عشر من مايو/أيار بالسماح للفرق الإنسانية بالوصول لدرعا والمدن السورية الأخرى.

بالرغم من أن درعا عانت من وطأة الحملة العنيفة للسلطات السورية على المظاهرات المناهضة للحكومة، إلا أنها ليست فريدة من نوعها بحال من الأحوال. فقد نشر الجيش الدبابات في بانياس أيضا، على الساحل؛ وحمص، في مركز سوريا؛ وطفس، قرب درعا. قامت قوات الأمن بحملة اعتقال واسعة كذلك ضد الناشطين، والمحامين، والمتظاهرين، ومن بينهم الكثير من النساء والأطفال. ويحكي أولئك الذي يخرجون من الاعتقال عن المعاملة السيئة والتعذيب، وغالبا ما يحملون ندوبا تثبت ذلك.

تبرر السلطات السورية هجماتها قائلة أنها تحارب الإرهاب. في الأول من مايو/أيار، قال مصدر عسكري سوري للوكالة العربية السورية للأنباء، سانا، أن وحدات الجيش وقوات الأمن قتلت عشرة "إرهابيين"في درعا، وقبضت على 499 آخرين. فيما قالت بثينة رشوان، مستشارة الرئيس بشار الأسد، للنيويورك تايمز في التاسع من مايو/أيار أن السلطات كانت تحارب "تحالفا من الأصوليين، والمتطرفين، والمهربين، وأشخاص مدانين من قبل والذين تم استخدامهم لعمل المشاكل".

كان مسؤولون سوريون قد قالوا أن "متشددين مسلحين" قد قتلوا ما يزيد عن 80 جنديا وعنصرا من قوات الأمن. غير أن الأدلة الظاهرة - رغم جهود السلطات لقمع ذلك بمنع وصول الصحفيين والملاحظين المستقلين - تقول العكس.

شهادات المتظاهرين واللقطات المهربة من سوريا تظهر أن قوات الأمن لا تطلق الرصاص على "الإرهابيين" لكن في الأغلب على المتظاهرين السلميين المناهضين للحكومة. لقد قتلوا ما لايقل عن 600 خلال شهرين من الاحتجاجات.

فضلا عن اعتقال "المتطرفين والمهربين"، قامت قوات الأمن باعتقال ناشطين سياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، وطلبة الجامعة والصحفيين. بل وفي بعض الحالات، قامت قوات الأمن باعتقال أعضاء عائلات الناشطين للضغط عليهم ليوقفوا أنشطتهم. أُرغم  معظم المعتقلين على توقيع اعترافات دون أن يُسمح لهم بقراءة ما يوقعون عليه.

لم تُستثن المرأة من ذلك: في 30 إبريل/نيسان، اعتقلت قوات الأمن 11 امرأة لمشاركتهن في تظاهرة سلمية صامتة للنساء فقط قرب وسط مدينة دمشق. وقال أحد الشهود أن قوات الأمن قامت بضرب النساء لتفريقهن.

كانت هناك مرات هوجمت فيها قوات الأمن، لكنها كانت حوادث فردية، ولا يزال الأشخاص الذين يقفون وراء إطلاق النار هذا مجهولين. كان التلفزيون الرسمي السوري قد أذاع مقابلات مع أشخاص يعترفون علنا بأنهم تلقوا أمولا للهجوم على قوات الأمن، لكن مع الأخذ في الاعتبار مسألة تفشي تعذيب المتظاهرين المعتقلين؛ تبدو هذه الاعترافات جوفاء. حينما سُئلت عن هوية الذين يقفون وراء هذه الهجمات على قوات الأمن، قالت شعبان أن المسؤولين لا يزالون يحققون.

يتهم النشطاء المناهضون للحكومة قوات الأمن بإطلاق النار على أعوان الأمن الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين. مع الأخذ في الاعتبار نقص شفافية الحكومة؛ فمن الصعب أن تعرف ما يحدث بالضبط. لكن هناك شيئا واحد واضحا: أن قوات الأمن هي من استخدم العنف الساحق ضد التظاهرات السلمية الطابع في الأغلب الأعم.

لم يكن هذا العنف عشوائيا لكنه كان بالأحرى استراتيجية متعمدة لسحق حركة المعارضة عسكريا وإعادة نصب جدار الخوف. وبالرغم من أنه يمكن لهذه الاستراتيجية أن تنتصر على المدى القصير، فإن احتمالياتها على المدى الطويل أبعد ما تكون عن الحتمية. لقد كشفت القوة الوحشية - لأولئك الذين كان لديهم أي شك - أن النظام يحكم بالإرهاب والقمع.

مشروعية النظام، سواء محليا أو دوليا، تهتز وتنهار مع كل رصاصة تطلقها قوات الأمن. وسرعان ما سيكتشف الأسد أن "سحق" المتظاهرين يحوي بذور هزيمته.

نديم حوري باحث أول، معني   بلبنان وسوريا في هيومن رايتس ووتش ومدير مكتبها في بيروت.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة