(نيويورك) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات السعودية أن تُفرج عن الأشخاص المستحقة عليهم ديون وتعثروا في السداد، ومنهم طارق يونس المشهراوي، المحتجز في سجن بريمان في جدة منذ نحو أربع سنوات.
المشهراوي محتجز على ذمة حكم محكمة ورد فيه أنه مدين لأميرة سعودية بمبلغ 640 ألف دولار. ويقول إن النقود غير متوفرة لديه، ويزعم أنه سلمها إلى صاحب في عمل، في متجر لبيع السيارات الفاخرة، ويدّعي أنه غير مدين للأميرة بأي شيء. قضية المشهراوي ليست فريدة من نوعها، على حد قول هيومن رايتس ووتش .
وقال كريستوف ويلكى، باحث أول في قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "الزج بشخص مُعدم إلى السجن بسبب دين مستحق عليه لن يُعيد النقود لأصحابها. السجن يجب أن يُخصص لمن ارتكبوا جرائم حقيقية فقط".
تسمح القوانين السعودية بالحبس في حالة عدم سداد الديون، لكن في حالة تعثّر الشخص المدين وعدم قدرته على السداد؛ لا يُحبس. ويحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان أعمال الحبس من هذا النوع، ومن تلك المواثيق الدولية، الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي صدّقت عليه السعودية في أبريل/نيسان 2009. وهناك دول أخرى قليلة تحبس الأشخاص المدينين، ويُحبسون فقط في حالة رفض سداد الدين بينما هم قادرون على سداده.
المشهراوي - أردني الجنسية - يعيش في السعودية منذ عدّة أعوام. وكان يعمل مسؤول مبيعات في معرض لبيع السيارات الفاخرة، يمتلكه نايف عدنان الشربتلي، رجل الأعمال السعودي الذي يقيم في لندن. وفي عام 2000، اشترت الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز، ابنة الملك الراحل سعود بن عبد العزيز، عدّة سيارات من المعرض. ويقول المشهراوي إن وكيلها أعطاه شيكات لشراء السيارات، فقام بصرفها، وأعطى النقود للشربتلي.
بعد قليل، فرّ المشهراوي إلى الأردن بعد ما تعرض، على حد وصفه، لعملية اختطاف وتعذيب وتهديد لأسرته، من قبل مجموعة من الرجال، قال إنهم كانوا قد إستثمروا أموالهم في تجارة سيارات من الشربتلي وأرادوا استعادة نقودهم، وأعلن أن لا صلة تربطهم بعملية شراء الأميرة للسيارات.
قبض مسؤولون من الإمارات العربية المتحدة على المشهراوي، بناء على إذن توقيف صادر عن شرطة الإنتربول الدولية، بتهمة التزوير والاختلاس، عندما تقدم لوظيفة في دبي أواخر عام 2006. قاموا بترحيله إلى السعودية، حيث واجهته شرطة جدّة ببعض الأشخاص الذين وحسب الزعم، كانوا يريدون القبض عليه - وهم نفس الأشخاص الذين تعرضوا له بالأذى قبل ستة أعوام. لكنهم قالوا للشرطة والادعاء إنهم لم يعودوا راغبين في إتمام عملية تسليمه. وكانوا قد ربحوا قضية ضد الشربتلي، لكن لم يتمكنوا من إستلام المبالغ المحكوم بها لأن الأخير خارج المملكة.
وفي 12 فبراير/شباط 2007، قال مسؤولون للمشهراوي أن يستعد للترحيل، لكن بدلاً من ترحيله، اقتادوه إلى سجن بريمان. وعلى مدار الشهور الستة التالية، قامت المحكمة الجزئية بوقف نظر القضية الجنائية إلى حين الإنتهاء من القضية المدنية بتسوية القضايا الجنائية والمدنية القائمة بحقه.
وظلّ المشهراوي في السجن رغم ذلك. وزاره أحد أعوان الأميرة في أغسطس/آب، مطالباً إياه بتسديد ثلاثة ملايين ريال سعودي لها، ما يوازي 800 ألف دولار. ورفعت الأميرة قضية مدنية، وأُمر بموجبها بتسديد 2.492 مليون ريال سعودي (664553 دولاراً)، وحسب الحُكم، فالمبلغ مُقدر فقط بناء على اعتراف المشهراوي بأنه تلقى الشيكات وصرفها، وهو ما أكّده المصرف.
ويقول المشهراوي إن لديه وثائق تُظهر أن الشربتلي مالك معرض السيارات مسئول مالياً عن تصرفاته كموظف، وعن إعادة نقود الأميرة إليها. كما يقول إنه لم يُسمح له مُطلقاً أن يُظهر للمحكمة عدم قدرته على السداد. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن زوجتيه وأطفاله الأربعة انتقلوا إلى سوريا، حيث نفقات المعيشة أقل، لأنه غير قادر على أن يوفّر لهم الدخل الكافي.
ومنذ ذلك الحين، ظلّت قضيته تتنقل بين المحكمة العامة بجدة ومحكمة استئناف مكة، وأخيراً تمت إحالتها إلى قاضٍ جديد. القاضي الجديد قرر عقد جلسة في أغسطس/آب 2010، لكن قال لمحامي المشهراوي - وائل السعيدي - فيما بعد، إنه يحتاج للمزيد من الوقت لدراسة وثائق القضية.
عندما اشتكى المحامي من أن القاضي أتيح له بالفعل أكثر من سنة ظل فيها المشهراوي حبيساً، أمر القاضي المشهراوي بدفع كامل مبلغ الحُكم السابق وإلا يظل في السجن، على حد قول المحامي لـ هيومن رايتس ووتش.
وعرفت هيومن رايتس ووتش بوجود عدد كبير من الأشخاص في السعودية رهن الاحتجاز فقط لأنهم غير قادرين على تسديد ديون. وفي سبتمبر/أيلول 2008، قال رجل لبناني لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض للاحتجاز تسعة أشهر لأن الشركة السعودية التي كان يعمل طرفها زعمت إنه مدين لها بمبلغ 200 ألف ريال (53333 دولاراً)، أجور متأخرة على مباني يقوم بإدارتها لصالح الشركة. ولم تتوصل المحاكم إلى وجود أي نشاط إجرامي، لكنها تحفظت عليه رهن الاحتجاز طوال مدة نظر القضية المدنية، ثم حكمت بأن يبقى سجيناً إذا لم يتمكن من دفع إجمالي المبلغ. ولم يكن قادراً على توكيل محامٍ، ولم تسمح له المحكمة بإظهار عدم قدرته على السداد.
وفي مارس/آذار 2007، قال مهندس طبّي مصري، محبوس في سجن البريمان في جدّة، إن أصحاب عمله اتهموه بالاختلاس. توصلت محكمة إلى أنه غير مذنب، لكن صاحب الشركة رفع قضية مدنية أخرى أبقت المصري رهن الاحتجاز. فيما بعد قامت السلطات السعودية بترحيل الرجل.
وقال رجل صومالي في سجن البريمان لـ هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2007، إنه أمضى السنوات الخمس الأخيرة في السجن، وأربع سنوات أخرى قبل ذلك في سجن الرويس القريب من البريمان، لأن كفيله السعودي طالبه بتسديد مبلغ 1.3 مليون ريال (346666 دولاراً) ثمن مواد بناء زعم أن الصومالي باعها لصالحه بسعر غير مناسب. اتصل الرجل الصومالي بـ هيومن رايتس ووتش من مقديشيو بعد شهور قائلاً إنه تم ترحيله.
وفي 15 أبريل/نيسان 2009، كانت السعودية هي أول دولة تصدّق على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ومادة 18 من الميثاق تحظر "حبس شخص ثبت قضائياً إعساره عن الوفاء بدين ناتج عن التزام تعاقدي". والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يحظر بدوره حبس الأشخاص المدينين المتعسرين في السداد، رغم أن السعودية واحدة من نحو 30 دولة في العالم ما زالت لم توقّع على العهد.
تسمح القوانين السعودية بالحبس فيما يخص الاستدانة بالنقود، رغم أن للدائن حق السماح بالإفراج عن المدين، بموجب المادة 8.أ من نظام إجراءات المطالبة بالحقوق الشخصية (1985). المادة 231 من نظام المرافعات الشرعية (2000)، ونظام الإجراءات المدنية، تؤكد على احتمال حبس الأفراد من أجل حملهم على سداد الدين.
إلا أن القانون يستثني المتعسرين من حُكم الحبس، في تلك الحالة يتعين الإفراج [عن المدين] والامتناع عن مقاضاته ما لم يكن الدين نتيجة "جرائم ارتكبها عمداً" (مادة 18 من القواعد التنظيمية). المادة 231 من نظام الإجراءات المدنية تؤكد على أن على المحكمة النظر في مسألة التعسر إذا رفض المدين سداد التسوية التي أمرت بها المحكمة لأسباب العسر.
العديد من الدول في جميع أنحاء العالم كانت فيما مضى تستخدم الحبس في قضايا مدنية، والحبس في حالة الاستدانة، لكن في الوقت الحالي، فإن حالات استثنائية قليلة- تشمل الرفض المتعمد لتنفيذ أحكام المحاكم، مثل رفض دفع تعويض تأمر به المحكمة، فيما توجد السبل المالية اللازمة للسداد - هي التي يُمكن أن يُحكم فيها بالحبس بشكل مُبرر.
وفي حُكم هام صدر في جنوب أفريقيا عام 1995، كان علامة على طريق إلغاء ممارسة الحبس بسبب الاستدانة، رأت المحكمة الدستورية أن "إدخال الناس السجن لعدم سداد الديون" غير منطقي أو مبرر أو ضروري "في مجتمع ديمقراطي مؤسس على الحرية والمساواة".
وفي عام 2006، طلب برلمان جزيرة جيرسي (التابعة للمملكة المتحدة)، من الحكومة البريطانية، أن تسحب التحفظ على المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لأن قوانين جيرسي تغيرت فيما يخص السماح بالحبس مقابل الديون.
"السعودية تعبث بالميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي وعدت قبل عام لا أكثر بأن تصونه". وتابع: "عندما يتعلق الأمر بأميرة، تتصرف المحاكم على حريتها فتتجاهل القوانين السعودية التي تحظر الاحتجاز لأجل غير مسمى بحق المدينين المتعسرين".
في سبتمبر/أيلول 2010، تم انتخاب الدكتور إبراهيم الشدِّي، رئيس لجنة حقوق الإنسان والمظالم، رئيساً للجنة الدائمة لحقوق الإنسان في جماعة الدول العربية، للمرة الثانية. ووعد بأنه "سنعنى بالميثاق"، حسبما أفادت صحيفة الحياة.