Skip to main content

لمّا يتعلق الأمر بقضية حقوق الإنسان، فإن المغرب يستفيد من التصور المُدرك عنه بأنه "أفضل من جيرانه". وفي الواقع، فإن سجل المغرب أفضل بكثير مقارنة بما هو سائد في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنه أفضل اليوم مما كان عليه سجل المغرب قبل 20 عاماً. إلا أن ذلك يجب ألا يحجب حقيقة أن المغرب يسير الآن في الاتجاه الخاطئ.

إن الدول الأوروبية والولايات المتحدة لم تشد بالمغرب لأنه يحقق انفتاحاً سياسياً فقط، بل أيضاً لأنه أظهر أن هذا الانفتاح لا يتعارض مع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

وقد كتبت وزارة الخارجية الأميركية في عام 2007، بأن المغرب موجود "على الخطوط الأمامية في الحرب العالمية ضد الإرهاب" وهو "أحد حلفائنا الأكثر ثقة وقرباً في المنطقة. إنه بلد ينفتح ويسير في طريق الديمقراطية، وأمة شرق أوسطية معتدلة تقوم بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية واسعة النطاق". في تلك السنة، فاز المغرب بـ 700 مليون دولار لمدة خمس سنوات، كمنحة من مؤسسة تحدي الألفية المدعومة من طرف حكومة الولايات المتحدة.

في منتصف التسعينيات، بعيد انتهاء 38 عاماً من حكمه، خفف الملك الراحل الحسن الثاني من حدة القمع وأفرج عن السجناء السياسيين ووضع حداً لممارسة "إخفاء" المعارضين. وبعد وفاة الحسن الثاني في عام 1999، واصل ابنه وخليفته محمد السادس، الانفتاح السياسي، وسمح بعودة المنفيين ومنح المعارضين مساحة أوسع لإسماع صوتهم عبر وسائل الإعلام وفي الشوارع. وقد أجرى الملك الشاب أيضا اثنتين من التدابير الجريئة: إصلاح مدونة الأسرة لمنح المرأة مزيداً من الحقوق، وإنشاء لجنة الحقيقة - الأولى في المنطقة – للإقرار والتحقيق في الانتهاكات السابقة وتعويض الضحايا.

لكن في الآونة الأخيرة، تآكل التقدم الذي حققه المغرب أو انقلب إلى ضده، وذلك أساسا لأنه لم يتمأسس: فليست هناك آليات لمحاسبة المسؤولين الذين يعرقلون ذلك التقدم. المؤسسة القضائية غير المستقلة في البلاد، وهي المؤسسة التي تخلفت أكثر من غيرها في عملية الإصلاح، نادراً ما تحقق في الشكايات التي ترد إليها والمرتبطة بالانتهاكات التي يرتكبها المسؤولون، ولكنها تدين بكل ثقة المعارضين في ظل إجراءات غير عادلة. وفي نهاية الأمر، فعلى من هم في السلطة أن يتنازلوا عن إحدى الركائز الأساسية في الجهاز القمعي إن كانوا يريدون السماح للمحاكم بتحقيق العدالة على نحو مستقل.

على الرغم من أن المغرب لم يكن حادث ارهابي كبير منذ أيار / مايو 2003 هجوم ، الا انها تواجه تهديدا مستمرا وحقيقية من جانب جماعات اسلامية متشددة. مواجهة هذا التحدي ليس سهلا ولكنه يتطلب ، من بين أمور أخرى ، اعتبارا من عمل الشرطة ، التي تقوم على استغلال الوسائل التقنية المتاحة ، وجمع معلومات موثوق بها الإنسان. إن جدول الأعمال ليست متقدمة من خلال السماح للشرطة لتراجع بشكل عشوائي توقيف مشتبه بهم واحتجازهم في الحبس الانفرادي لمدد طويلة ، وإجبارهم على الاعتراف بأن المحاكم ثم تستخدم لادانتهم.

وساهم الجهد المبذول لوقف الإرهاب في التراجع عن الحقوق. فبعد التفجيرات الانتحارية المنسقة في الدار البيضاء في 16 مايو/أيار، 2003، قامت السلطات باعتقال وتعذيب مسلحين مشتبه بهم، وأدانت المئات في محاكمات جائرة. وما يحسب للحكومة أنها أحجمت عن توسيع نطاق الحملة فلم يشمل الحركات الإسلامية المعتدلة أو المجتمع المدني.

وبالرغم من أن المغرب لم يتعرض لهجوم إرهابي كبير منذ مايو/أيار 2003، إلا أنه يواجه تهديدا مستمرا وحقيقيا من طرف جماعات إسلامية مناضلة. مواجهة هذا التحدي ليس سهلا ولكنه يتطلب، من بين أمور أخرى، عمل فعال من طرف الشرطة يقوم على استغلال الوسائل التقنية المتاحة، وجمع معلومات موثوق بها. ولا يمكن خدمة تلك الأجندة من خلال السماح للشرطة لتعود إلى توقيف، بشكل عشوائي، مشتبه بهم واحتجازهم في الحبس الانفرادي لمدد طويلة، وإجبارهم على اعترافات تستخدمها المحاكم لإدانتهم.

لكن، وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن الانتكاسة في مجال الحقوق ترتبط بمكافحة الإرهاب بشكل أقل مما هي مرتبطة بكبح جماح أولئك الذين ينتقدون الوضع السياسي المأزوم، وتتمركز حول نظام ملكي غير خاضع للمساءلة ووزارات رئيسية تخضع لها.

على سبيل المثال، في يوليو/تموز، أدانت محكمة في الرباط زعيمي حزبين، وأربعة شخصيات سياسية أخرى معروفة، و29 آخرين بالتواطؤ في تنظيم إرهابي، استنادا إلى اعترافات كانت مثار خلاف بسبب مزاعم التعذيب وتزوير المحاضر. القضية تبدو أكثر ارتباطا بضبط المشهد السياسي من معاقبة الإرهابيين. قضية "بلعيرج"، والتي تبدو أكثر ارتباطا بالتدخل في الشؤون السياسية منها بمعاقبة الإرهابيين، ستعرض أمام محكمة الاستئناف في هذا الشهر. في تطور آخر ينذر بالسوء، أحال المغرب على محكمة عسكرية، الشهر الماضي، سبعة نشطاء لا عنفيين يسعون إلى تقرير المصير في الصحراء الغربية - منطقة متنازع عليها جنوب الحدود المغربية المعترف بها دوليا والتي يطالب بها المغرب ويديرها بحكم الأمر الواقع - بتهمة المساس بأمن الدولة الخارجي.
وصرح محمد السادس خلال الأسبوع الماضي في خطابه بمناسبة الذكرى 34 لـ"المسيرة الخضراء" للسيطرة على المستعمرة الاسبانية السابقة، "إما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا " ، " هل هناك بلد يقبل بجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مطية لتآمر شرذمة من الخارجين عن القانون مع الأعداء على سيادته ووحدته ومصالحه العليا؟" إن "مغربية" الصحراء الغربية، والتي صورتها السلطات المغربية لعدة عقود بأنها قضية وطنية، لا تزال تشكل ذريعة مريحة لقمع الحقوق، على أساس أن الصحراويين الذين يؤيدون تقرير المصير هم أعداء "الوحدة الترابية" للمغرب، مدعومين من طرف الجزائر.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه الصحافة في المغرب الأكثر حرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيمكن القول إن هذه الحرية قد تقلصت بشكل أكبر خلال العام الماضي. فمنذ يونيو/حزيران، سجنت المحاكم رئيس تحرير أسبوعية المشعل، إدريس شحتان، لأنه كتب عن الحالة الصحية للملك، وفرضت غرامات باهظة على ثلاث صحف بتهمة "إهانة" الزعيم الليبي معمر القذافي. ومارس وزير الداخلية، خلال شهر غشت/آب، صلاحيات لا وجود لها في أي مكان في القانون، من خلال إتلاف أعداد من مجلتين بسبب نشر استطلاع للرأي حول الملك، وقام رجال الشرطة، في شهر سبتمبر/أيلول، بطرد الموظفين وإغلاق مكاتب اليومية التي نشرت صورة كاريكاتورية لابن عم الملك.

مسؤولون مغاربة مغرمون بتكرار القول بأن تبني المملكة للإصلاح السياسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان "لا رجعة فيه" ولكن، وكما أظهرت السنوات القليلة الماضية، فإن التقدم قابل للانقلاب إلى العكس تماما ما دامت مؤسسات المساءلة - خاصة نظام العدالة - غير حاضرة بشكل قوي.

إن التزام عدم المبالاة تجاه تراجع المغرب بدعوى "أنه أفضل من جيرانه" من شأنه أن يعزز الشعور بالرضا إزاء حالة كانت يوما مبعثا للأمل، مهددة بأن تصير حالة انتقالية مشلولة. وهذا لا يبشر بخير، ليس فقط بالنسبة لاحتمالات الإصلاح المستدام ولكن أيضا بالنسبة لمكافحة التطرف.

* إريك غولدستين هو نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش والخبير في شؤون شمال افريقيا.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة