1 ديسمبر/كانون الأول 2008
الرئيس محمود عباس
مكتب الرئاسة
رام الله
سيادة الرئيس،
تعرب لكم هيومن رايتس ووتش عن عميق قلقها إزاء عودة المحاكم الفلسطينية بشكل موسع إلى الحًُكم بعقوبة الإعدام. فحتى الآن في عام 2008 حكمت محاكم السلطة الفلسطينية بالإعدام على 11 شخصاً، منهم مدعى عليه كان طفلاً وقت ارتكاب الجريمة المزعوم معاقبته بشأنها.
وندعوكم بشدة إلى استخدام سلطتهم، والتي تمتد لتشمل القضايا المنظورة في غزة والضفة الغربية على حد سواء، لتخفيف هذه الأحكام حين تبلغ مكتبكم. وتعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في كل الظروف بصفتها انتهاك للحق في الحياة ولاحتمال إدانة أشخاص بالخطأ ثم إعدامهم. كما نراها عقوبة قاسية ولاإنسانية ومهينة.
وهيومن رايتس ووتش قلقة على الأخص بشأن قضية سعيد جميل زهد، وكان طفلاً وقت ارتكابه الجريمة المزعومة. ويحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي العرفي عقوبة الإعدام في كل الجرائم التي يرتكبها أشخاص كانوا أقل من 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة.
وكان زهد يبلغ من العمر 17 عاماً في سبتمبر/أيلول 2003، حين وبرفقة ثلاثة أشخاص كبار، هم إيهاب دياب أبو العمرين، ورامي سعيد جحا، وعبد الفتاح محمد سمور، شارك حسب الزعم في اغتصاب وقتل طفلة. وإقراراً بصغر سنه حكمت محكمة غزة في 13 أبريل/نيسان 2004 على زهد بالسجن المؤبد، رغم حُكمها على المدعى عليهم الآخرين بالإعدام.
إلا أنه في 14 يونيو/حزيران 2005 رفضت محكمة الاستئناف قرار المحكمة الأقل درجة، وعاودت الحكم على زهد بالإعدام أسوة بالمدعى عليهم الآخرين. وأيدت محكمة نقض غزة أحكام الإعدام على الأربعة في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2008، برغم طعن محامي زهد بأنه كحدث يجب أن ينال حُكماً مخففاً.
ولم يسبق أن حكمت السلطة الفلسطينية من قبل بالإعدام على جناة في جريمة تم ارتكابها في سن الطفولة. وسيكون خطأ جسيماً إذا فعلت هذا الآن، بينما باقي العالم يتحرك نحو الالتزام العالمي بالحظر المطلق على الحكم بالإعدام على الأحداث. ومنذ يناير/كانون الثاني 2005 لم تقم سوى خمس حكومات في العالم - هي إيران والسعودية والسودان وباكستان واليمن - بإعدام مخالفين أحداث، ولم تعدم حدثاً مخالفاً منذ أغسطس/آب 2007 سوى إيران.
سيادة الرئيس، إن العالم يتحرك نحو القضاء على عقوبة الإعدام، كما ينعكس من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 8 ديسمبر/كانون الأول 2007 الداعي لتجميد عالمي على جميع عمليات الإعدام مع مراجعة إلغاء عقوبة الإعدام.
وفيما لا يحظر القانون الدولي بشكل صريح عقوبة الإعدام بحق الأشخاص أكبر من 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة في كل الدول، فهو يفرض قيوداً حازمة على استخدامه، ويشجع الدول التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام على اتخاذ الخطوات اللازمة لإلغاءها.
وقد ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية - وهو أكثر المعايير الدولية قبولاً بشأن استخدام عقوبة الإعدام - أن " لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر". كما وافق الموقعون على العهد على أن الجرائم الأكثر جسامة فقط هي التي يجب أن تكون عرضة لعقوبة الإعدام. وطبقاً للعهد الدولي، فإن الدول يحق لها فرض عقوبة الإعدام فقط في حالة التزام محاكمها الصارم بقواعد إجراءات التقاضي السليمة المحددة في العهد، وشريطة أن يحق للمدعى عليهم الطعن في حُكم المحكمة.
وليست السلطة الفلسطينية بالدولة ذات السيادة التي يمكنها التوقيع والتصديق على معاهدات حقوق الإنسان الدولية، لكنها ألزمت نفسها مراراً باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان. وطبقاً للمادة العاشرة من القانون الأساسي، فإن السلطة الفلسطينية "تعمل... دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الدولية التي تحمي حقوق الإنسان". كما ألزمت السلطة الفلسطينية نفسها في اتفاقات أوسلو بأن تمارس سلطاتها وتتولى مسؤولياتها "في ظل مراعاة المعايير المقبولة دولياً لحقوق الإنسان وسيادة القانون".
وقد خرق نظام القضاء الفلسطيني هذه المعايير من عدة أوجه: أولاً، عدد الجرائم التي يمكن فرض عقوبة الإعدام فيها هو عدد كبير للغاية، ولا ينسجم مع المطلب الخاص بأن يقتصر العقاب على الجرائم الأكثر جسامة. ويسمح قانون العقوبات الفلسطيني للمحاكم العادية في الضفة الغربية بإنزال عقوبة الإعدام في 17 جريمة منفصلة. وفي قطاع غزة، توجد 15 جريمة عرضة لعقوبة الإعدام.
ومما يثير قلقنا على الأخص أن السلطة الفلسطينية عاودت اللجوء إلى عقوبة الإعدام طرف المحاكم الأمنية والعسكرية، بما يتعارض مع التزام مكتبكم بتاريخ 22 يونيو/حزيران 2005 بإحالة كل قضايا الإعدام إلى المحاكم المدنية. وتفرض المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة عقوبة الإعدام بموجب قانون عقوبات منظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979. وهذا القانون الذي لم يصدق عليه المجلس التشريعي الفلسطيني قط يسمح بإنزال عقوبة الإعدام في 42 جريمة منفصلة.
والمُحاكمات في هذه المحاكم تحرم المدعى عليهم من تدابير الحماية المكفولة بموجب القواعد الأساسية لإجراءات التقاضي السليمة. ولا يحصل المدعى عليهم على أي فرصة فعلية للدفاع عن أنفسهم، ولا يمكن الطعن بصورة مستقلة في الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم. وفي المحاكم العسكرية فإن القضاة الذين يُصدرون الأحكام الأولية هم من ينظرون في الاستئناف. ومن بعدهم لا يحق لأحد تغيير الأحكام سوى رئيس السلطة الفلسطينية.
وقد حكمت المحاكم العسكرية الفلسطينية على سبعة أشخاص بالإعدام حتى الآن هذا العام:
- المحكمة العسكرية العليا في غزة حكمت على ياسر سعيد زنون، 41 عاماً، بالإعدام في 24 يناير/كانون الثاني 2008، لقتل ضابط الشرطة الزميل إسماعيل مشوخي في يونيو/حزيران 2007. وفي 20 يوليو/تموز حكمت المحكمة أيضاً على إياد أحمد سكر، 35 عاماً بالإعدام جراء ما وصفه القضاة بـ "أنشطة عدائية ضد الثوريين الفلسطينيين والعمليات العسكرية الخاصة بالثورة الفلسطينية".
- حكمت المحكمة العسكرية العليا في جنين على ثائر محمود رميلات، 23 عاماً، بالإعدام في 6 أبريل/نيسان 2008 جراء قتله علاء عياش مبارك، 20 عاماً، وهو زميل وعضو بالشرطة الفلسطينية. وحكمت المحكمة نفسها على وائل سعيد سعد، 27 عاماً، وعماد محمد سعيد سعيد، (غيابياً)، 44 عاماً، بالإعدام بتهمة "الخيانة والتآمر"، بالعمل كمخبرين للسلطات الإسرائيلية، وهذا في 15 يوليو/تموز 2008.
- حكمت المحكمة العسكرية العليا في الخليل على عماد محمود سعيد، 25 عاماً، بالإعدام في 26 أبريل/نيسان، بتهمة "الخيانة والتعاون" بواسطة إمداد القوات الإسرائيلية بمعلومات "أدت إلى وفاة أربعة شهداء فلسطينيين".
- حكمت المحكمة العسكرية العليا في بيت لحم على أيمن أحمد عواض الدغامغة، 24 عاماً، والعضو بجهاز المخابرات العامة الفلسطيني، بالإعدام رمياً بالرصاص في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، بتهمة "الخيانة والتعاون مع إسرائيل".
ولا تفي هذه المحاكمات العسكرية بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. مثلاً في قضية قتل ثائر محمود حسين رميلات، استغرقت جلسة المحكمة العسكرية يوماً واحداً فقط. وطبقاً للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي راقب المحاكمة، فقد أعطت السلطات رميلات إخطاراً قبل يوم من بدء المحاكمة ورفضت طلب محاميه بالتقييم النفسي لموكله. كما ذكر المركز الفلسطيني أن محاميه لم يُتح له سوى ساعة واحدة لتحضير دفاعه بعد أن انتهى الادعاء العسكري من كلمته.
ومحاكمة عماد محمود سعيد سعيد، طبقاً لمراقبي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، استغرقت بدورها يوماً واحداً.
من ثم فإننا ندعو سيادتكم إلى تخفيف هذه الأحكام وإعلان التجميد على كافة أحكام الإعدام، والتعاون مع المجلس التشريعي الفلطسيني من أجل إصدار وتنفيذ تشريع يضمن الإزالة النهائية لعقوبة الإعدام من القانون الفلسطيني. كما ندعوكم إلى الالتزام بما تعهدتم به في يونيو/حزيران 2005 من ضمان نقل كل القضايا التي يمكن إنزال أحكام الإعدام فيها من المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة إلى المحاكم المدنية لإعادة النظر فيها.
مع بالغ التقدير والاحترام،
سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا |
لويس ويتمان المديرة التنفيذية قسم حقوق الطفل |