Skip to main content

الاتحاد الأفريقي: لا تطالبوا بتجميد تحقيق المحكمة الجنائية الدولية الخاص بالرئيس البشير

رسالة إلى مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي

معالي الوزير كابينغا باندى  
وزير الخارجية، جمهورية زامبيا  
 
معالي الوزير،  
 
نكتب إليكم بشأن أمر الاعتقال الذي طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إصداره بحق الرئيس عمر البشير رئيس السودان. ونشعر بعميق القلق إزاء دعوة الاتحاد الأفريقي لمجلس الأمن لأن يجمد التحقيق من قبل هذه المؤسسة القضائية المستقلة. والتجميد من شأنه أن يحرم ضحايا الأعمال الوحشية في دارفور من الانتصاف. وندعوكم لأن تقوموا في اجتماع مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي في 22 سبتمبر/أيلول بإعادة النظر في هذا الموقف والتحول إلى إعادة التأكيد على التزامكم بوضع حد للإفلات من العقاب جراء ارتكاب مثل هذه الجرائم، مع دعمكم للمحكمة الجنائية الدولية واستمرار عملها في دارفور.  

وقد تم تشكيل المحكمة الجنائية الدولية بالمقام الأول من أجل ضمان أن أي فرد، ويشمل ذلك أي رئيس دولة، يرتكب جريمة حرب أو جرائم ضد الإنسانية يمكن تحميله المسؤولية. وكان بين الدول التي صدقت لأول مرة على نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية 22 دولة أفريقية، وأصبحت 30 دولة أفريقية الآن دول أطراف في نظام روما. بل وقد أظهرت هذه الدول طوعاً التزامها بهذه المؤسسة التي تم تأسيسها لوضع حد للإفلات من العقاب جراء الجرائم الأكثر جسامة في العالم. وثلاثة من تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية الحالية - في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى - تم البدء فيها بتكليف من دول أفريقية.  
 
وفي تقرير صدر حديثاً عن اجتماع الاتحاد الأفريقي الـ 142، أبدى الاتحاد قلقه إزاء إساءة استخدام مبدأ عالمية الاختصاص القضائي، عبر استهداف الأفارقة. وعالمية الاختصاص القضائي تسمح للمحاكم الوطنية - بعيداً عن حيث وقعت الجرائم - بأن تقاضي في عدد محدود من أكثر الانتهاكات جسامة في القانون الدولي والتي تهم جميع الأفراد (مثل أعمال الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب). وتعارض هيومن رايتس ووتش الحط من قدر القضاء بتحويله إلى أداة لتحقيق أغراض سياسية. لكننا نعتقد بأن مزايا الحد من الإفلات من العقاب جراء الجرائم الأكثر جسامة عبر مقاضاة الأشخاص بمبدأ عالمية الاختصاص القضائي تعلو في قيمتها خطر إساءة استخدام التقاضي، وهو الخطر الذي يمكن التخلص منه بتوفير ضمانات قضائية. من ثم فإننا لا نتفق مع موقف الاتحاد الأفريقي.  
 
وفي الوقت نفسه، فإن القلق على عالمية الاختصاص القضائي لا يمكن ربطه بالمخاوف الخاصة بأمر الاعتقال المحتمل بحق الرئيس البشير. فالمحكمة الجنائية الدولية لها اختصاص قضائي على الأشخاص الذين يتبعون دول خضعت لاختصاص المحكمة القضائي، وكذلك في حالة إحالة مجلس الأمن القضية أو الوضع إلى ادعاء المحكمة. وورد في تقرير لجنة الاتحاد الأفريقي في يوليو/تموز 2008 عن عالمية الاختصاص القضائي التوصية باستخدام المحكمة الجنائية الدولية كأداة لمكافحة بواعث القلق الخاصة باحتمال إساءة استخدام عالمية الاختصاص القضائي. ومن ثم، فإن القضايا التي يثيرها طلب أمر اعتقال ضد الرئيس البشير يجب النظر إليها بصورة منفصلة عن بواعث قلق الاتحاد الأفريقي الخاصة بعالمية الاختصاص القضائي.  
 
ولذلك فإن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في دارفور وأي احتمال لتفعيل المادة 16 من نظام روما من أجل تجميد عمل المحكمة، يجب ألا يُنظر فيه إلا في علاقته بتفاصيل الجرائم التي وقعت في دارفور.  
 
ومنذ إعلان طلب إصدار الأمر في 14 يوليو/تموز 2008 لم يتحسن الوضع إطلاقاً في دارفور. بل إن الحكومة السودانية استمرت في تنفيذ عمليات تفجير عشوائية وهجمات برية ضد المدنيين. وفي يوليو/تموز وقع 21 حادث إغارة جوية في دارفور، وفي أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول نفذت القوات الحكومية سلسلة من الهجمات في شمال دارفور وقُتل فيها الكثير من المدنيين وتعرض الآلاف للنزوح قسراً. وفي 25 أغسطس/آب تعرض للقتل 33 مدنياً، منهم نساء وأطفال، حين استخدمت القوات الحكومية القوة المفرطة أثناء مداهمة على مخيم كالما للأشخاص النازحين جنوبي دارفور.  
 
بالإضافة إلى أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن تجميد عمل المحكمة لقاء وعود بحسن السلوك في المستقبل سوف يسفر عنها تغيرات ملموسة في سياسات الحكومة المسيئة في دارفور، ولا أن هذا قد يؤدي إلى تحسن حماية المدنيين أو العدالة لسكان دارفور. وقد قطعت الخرطوم مراراً وتكراراً عهوداً لأعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي ثم ثبت أنها وعود واهية. وبقبول المزيد من الوعود من الحكومة السودانية، فإن الاتحاد الأفريقي وكأنه ينبذ التزامه الواجب عليه والذي أعلنه بنفسه، بمكافحة الإفلات من العقاب جراء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في دارفور.  
 
وأعلن مجلس السلم والأمن قناعته بأن "البحث عن العدالة يجب أن يتم بطريقة لا تعيق أو تخاطر بالجهود الرامية إلى تعزيز السلام الدائم". إلا أنه لا توجد صلة واضحة بين استمرار الفشل في محادثات السلام وطلب أمر الاعتقال. وتكمن المشكلة التي لا حل لها في غياب الإرادة السياسية من جانب كافة الأطراف من أجل الوصول إلى اتفاق، وهذه العوامل لا علاقة لها بالمرة بقضية المحكمة الجنائية الدولية، لكنها تتعزز يومياً مع استمرار الحكومة في تبنيها للحل العسكري في دارفور.  
 
كما طلب مجلس السلم والأمن من الحكومة السودانية أن تأخذ خطوات فورية وفعالة من أجل التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور ومن أجل تحقيق العدالة ضد الجناة. ومنذ تلك الدعوة في يوليو/تموز أعلنت الحكومة السودانية عن تشكيل محاكم خاصة في دارفور. وكان قد تم تأسيس هذه المحاكم في واقع الأمر في عام 2005، بعد إعلان الادعاء بدء التحقيق، لكن حتى الآن لم تنظر إلا قلة من القضايا الخاصة بجرائم عادية، ولم تنظر أية قضايا على صلة بأي من الأعمال الوحشية الكبرى في دارفور، ولا أية قضايا حوكم فيها مسؤول كبير. وإذا كان السودان مستعداً وبحق وقادراً على النظر في هذه القضايا في محاكمه الوطنية، يمكن في هذه الحالة للسلطات السودانية أن تطعن في إحالة الوضع - أو أية قضية ضمنه - إلى المحكمة الجنائية الدولية، بموجب المادة 19 من نظام روما. إلا أن هذا الإجراء لا علاقة له بالمرة بسلطات مجلس الأمن الخاصة بتجميد التحقيقات بموجب المادة 16.  
 
وفيما يقتصر التجميد في المادة 16 على فترة 12 شهراً قابلة للتجديد، فإنه حالما تم التجميد، يصبح من الصعب للغاية وضع حد لهذا التجميد إذ سوف تُمارس ضغوطاً أوسع من أجل تجديده العام القادم، ثم كلما حان موعد تجديده كل عام. من ثم فإن التجميد سوف يسمح للخرطوم بدوره باستخدام التهديدات السنوية بالعنف والوعود الفارغة من أجل الحصول على إفلات دائم من العقاب عن هذه الجرائم.  
 
وتجميد الدور القضائي للمحكمة الجناية الدولية يعني حجب الإنصاف عن الآلاف من ضحايا إساءات مروعة ويجب ألا يتم الخوض فيه إلا بتوخي أشد الحذر والحرص. فضلاً عن أن التجميد للنشاط القضائي المستقل القائم من شأنه أن يمثل سابقة جد خطيرة. وسوف يعود هذا بنا إلى زمن كان يمكن فيه لأمثال سلوبودان ميلوسوفيتش وأوغوستو بينوشيه وتشارلز تايلور ورادوفان كاراديتش أن يناموا باطمئنان وهم يعرفون أن وضعهم كرؤساء سابقين لدول يمكنهم من ارتكاب أبشع الجرائم في ظل إفلات تام من العقاب.  
 
إن هيومن رايتس ووتش تدعو الاتحاد الأفريقي لأن يرقى لمستوى التزامه الذي لا يتزعزع بمكافحة الإفلات من العقاب وأن يكف عن دعواته الموجهة إلى مجلس الأمن بالمقايضة بالعدالة لضحايا دارفور  
 
مع بالغ التقدير والاحترام،  
 
ريتشارد ديكر  
مدير برنامج العدل الدولي  
 
جورجيت غانيون  
مديرة قسم أفريقيا  
 
نسخة إلى:  
الدول الأعضاء بمجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي  
د. جين بينغ، رئيس المفوضية الأفريقية  
السيد رمضان العمامرة، مفوض مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي  
السيد جيفري موغوميا، مدير مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد