Skip to main content

قالت هيومن رايتس ووتش في ورقة خلفية أصدرتها اليوم، أن الحكومة البريطانية تحرص بشدة على أن تظهر بمظهر الدولة المناهضة للتعذيب على مستوى العالم، إلا أن سجلها يفضي بعكس عكس ذلك.

وتوثق الورقة التي تحمل عنوان "ازدواجية خطيرة: سياسة المملكة المتحدة بشأن التعذيب منذ 9/11" الكيفية التي تضعف الحكومة البريطانية من خلالها الحظر المفروض على التعذيب، حتى في الوقت الذي تعلن أنها تبذل جهودا في سبيل مكافحة التعذيب في أنحاء العالم. و يحظر القانون الدولي التعذيب بما في ذلك تسليم شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر التعذيب . ولا يسمح بأية استثناءات حتى في زمن الحرب وحالات الطوارئ على المستوى الوطني.

وقال بنجامين وارد المدير المساعد في قسم أوربا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش "لا يمكن أن تكيل بريطانيا بمكيالين. إن الحكومة تدعي أنها تعارض التعذيب ولكنها في الوقت نفسه تحاول جاهدة إضعاف الحظر العالمي المفروض عليه".

وتفيد التقارير بأن الحكومة البريطانية تقوم بإعداد قانون جديد بشأن التعذيب، سيتم الإعلان عنه في خطاب الملكة للبرلمان في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. ويسمح هذا القانون للحكومة والمحاكم قياس خطر التعرض للتعذيب في مواجهة حماية الأمن الوطني، بحيث تسمح بطرد المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب حتى مع علمها بأنهم سيتعرضون للتعذيب عند تسليمهم إلى بلد معين. وفي حال إقراره، فإن القانون سيشكل خرقا للقانون الدولي.

وفي مساع أخرى ذات صلة بالأمر، تحاول الحكومة البريطانية إقناع محكمة حقوق الإنسان الأوربية بأضعاف الحظر المفروض على التعذيب. وقد تدخلت في محكمة ستراسبورج في قضية جزائري يدعى محمد رمزي وطلبت إلغاء حكم رئيسي يؤيد الحظر التام لتسليم شخص إلى بلد يمكن أن يتعرض فيه للتعذيب، وقامت بطلب تجاهل قضية شاهال (مواطن من السيخ) ضد المملكة المتحدة عام 1996، وهي قضية سجلت واقعة حكم أساسي أكد على الحظر المطلق فيما يتعلق بتسليم الأشخاص ليواجهوا التعذيب. وقامت لندن بإقناع ليتوانيا وسلوفاكيا والبرتغال بأن تفعل بالمثل. ويدعي وزير الداخلية البريطانية جون ريد أن أولئك الذين يدافعون عن الحكم في قضية شاهال "لا يدركون الأمر على حقيقته" كونهم غير قادرين على إدراك المخاطر المترتبة.

وتسجل ورقة الخلفية التي أصدرتها هيومن رايتس ووتش تكاليف تجاهل القواعد الخاصة بالتعذيب؛ حيث يؤدي قبول التعذيب إلى مساعدة قضية الإرهابيين من خلال إضعاف المجتمع وإيقاع الفرقة فيه، كما تؤدي إلى عزل البريطانيين المسلمين الذين يعتبر تعاونهم مع الشرطة وأجهزة الأمن أمرا حيويا لنجاح جهود مكافحة الإرهاب، كما و تلحق الضرر بمكانة بريطانيا في الداخل والخارج.

وأكد بنجامين وارد على أن "فتح الباب أمام التعذيب لن يؤدي ببساطة إلى تمتع بريطانيا بمزيد من الأمان، وأن الرد الفعال الحقيقي على الإرهاب هو الإدارة الجيدة للأمن والعمل الاستخباري، وليس نبذ القيم الجوهرية".

وفي العام الماضي، عندما قررت محكمة الاستئناف البريطانية (أعلى درجة تقاضي في بريطانيا) بالإجماع منع استخدام الأدلة التي يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب في المحاكم البريطانية، وقال اللورد بنجهام، رئيس المحكمة، إنه "أصيب بالذهول وبنوع من الإحباط" إزاء احتمال أن تثير الحكومة هذه المسألة أصلا. و تحظر اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب صراحة استخدام مثل هذه الأدلة، وهي اتفاقية تلتزم بها بريطانيا.

وتوثق ورقة الخلفية أيضا مساعي الحكومة البريطانية إلى تأمين "مذكرات تفاهم" مع دول لها تاريخ غير مشرّف فيما يتعلق بالتعذيب – مثل الأردن وليبيا ولبنان حتى الآن – بحيث يمكنها ترحيل المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب إلى بلاد يواجهون فيها خطر التعرض للتعذيب طالما وعدت الدول المستقبلة بمعاملة هؤلاء الأفراد معاملة إنسانية. وتبرهن التجارب على أن مثل هذه الوعود، المعروفة بـ "الضمانات الدبلوماسية" لا توفر حماية من سوء المعاملة، حتى مع وجود مراقبة لوضع المشتبه بهم بعد تسليمهم.

إلا أن حكومة المملكة المتحدة مازالت متشبثة بسياستها، بالرغم من تنامي الانتقادات تجاهها، ومن ضمنها النقد الوجه من قبل ما نفرد نواك، المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب، واللجنة البرلمانية البريطانية المشتركة لحقوق الإنسان والتي قالت في مايو/أيار من العام 2006 بأن سياسة الحكومة من شأنها "الإخلال بالالتزامات الدولية كما ومن شأنها (إذا تم الاعتماد عليها فعليا) أن تشكل خطرا حقيقيا بإمكانية تعرض الأشخاص فعلا للتعذيب".

وقال وارد أيضا "عندما يتعلق الأمر بالتعذيب، فالضمانات الدبلوماسية ببساطة غير مجدية. وإفراغها في /مذكرة تفاهم/ مع إضافة توفير مراقبة للوضع بعد التسليم لا يغير من الأمر شيئا".

وتوثق ورقة الخلفية "ازدواجية خطيرة" أيضا تستر الحكومة البريطانية على تجاوزات الولايات المتحدة، بما في ذلك الإصرار الدائم على أن السياسة الأمريكية لا غبار عليها، وذلك في مواجهة كل الأدلة التي تثبت عكس ذلك. إلا أن الحكومة اعترفت بأن "الحكومات عندما تتغاضى (عن التعذيب) فهي قد تفقد شرعيتها وقد تدفع إلى الإرهاب".

ويجادل الوزراء البريطانيون أحيانا بأن لا خيار أمامهم سوى الطرد، أيا كانت احتمالات التعرض للتعذيب، وذلك بسبب الصعوبات المقترنة باتخاذ إجراءات قضائية ضد المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب. ورفع الحظر الراهن على استخدام الأدلة الناتجة عن التنصت على المحادثات الهاتفية – مثلما يوصي بذلك أرفع ضابط شرطة في بريطانيا وعدد من اللجان البرلمانية البريطانية – يمكن أن يكون حلا بديهيا لتسهيل رفع دعاوى قضائية. ولكن الحكومة رفضت ذلك. وجدير بالذكر أن بريطانيا هي واحدة من دولتين غربيتين فقط تحظران حظرا تاما استخدام مثل هذه الأدلة في المحاكم.

وقد كان للحكومة البريطانية فيما مضى دور ريادي في مجابهة التعذيب على مستوى العالم. وهي تواصل تشجيع الحكومات على الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وحثت هيومن رايتس ووتش الحكومة البريطانية على استئناف دورها الريادي في مناهضة التعذيب.

وأكد وارد "لم يفت الأوان كي تغير بريطانيا من مسلكها. وإذا لم تفعل ذلك، فالأضرار ستكون فادحة".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة