Skip to main content

للاشتباه في ضلوعهما في جريمة القتل العمد التي راح ضحيتها ناجح خياط؛ حيث أن الحقائق التي كشفت مؤخرا حول إعدام بلال موسى المشتبه في ضلوعه في جريمة القتل العمد في عام 2000 تمثل سببا جديداً قوياً يستوجب إلغاء عقوبة الإعدام في الأردن.

سعادة الدكتور معروف البخيت
رئيس الوزراء
عمان
الاردن

سعادة الدكتور معروف البخيت

نكتب إليكم هذا الخطاب بشأن المحاكمتين اللتين أجريتا مؤخرا لشخصين مختلفين لا صلة لأحدهما بالآخر للاشتباه في ضلوعهما في جريمة القتل العمد التي راح ضحيتها ناجح خياط؛ حيث أن الحقائق التي كشفت مؤخرا حول إعدام بلال موسى المشتبه في ضلوعه في جريمة القتل العمد في عام 2000 تمثل سببا جديداً قوياً يستوجب إلغاء عقوبة الإعدام في الأردن. فقد أخفق النظام القضائي الأردني إخفاقا ذريعا في قضيتي القتل العمد المرفوعتين ضد موسى وزهير خطيب، اللذين حوكما بتهمة القتل العمد للشخص نفسه.

ففي عام 2000 أصدرت محكمة الجرائم الخطيرة حكما بإعدام بلال موسى عقاباً على عشر جرائم قتل عمد كان قد أنكر ارتكابها، من بينها جريمة قتل ناجح خياط، بينما حاكمت المحكمة نفسها زهير خطيب عن الجريمة نفسها لكنها في نهاية المطاف أعفته من العقاب في سبتمبر/أيلول 2005، على الرغم من أنه كان قد اعترف طواعيةً بارتكابها. وفي الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، أعدمت الحكومة زهير خطيب في عجالة عقاباً على جريمتين أخريين من جرائم القتل العمد لا علاقة بينهما، الأمر الذي زاد من صعوبة اكتشاف الحقيقة بشأن التناقضات التي شابت المحاكمات المتعلقة بمقتل خياط.

وتمثل هاتان القضيتان نموذجا صارخا لضرورة الإسراع بإلغاء عقوبة الإعدام في الأردن؛ إذ إن احتمال الخطأ الكامن في طبيعة القضاء الجنائي يؤكد على أن المحاكم حتى لو كانت قد استوفت كافة المتطلبات القانونية، فالأمر لا يسلم من إعدام أشخاص أبرياء في بعض الأحيان. ولما كان الإعدام أمر نافذ بلا رجعة فإن مثل هذا الحيود عن مسار العدالة غير قابل للتصحيح. وتشير الثغرات الموجودة في التحقيق مع موسى وخطيب وفي محاكمتهما إلى أن موسى ربما يكون قد أعدم عن جريمة لم تثبت مسؤوليته عنها بما لا يدع مجالا للشك المعقول.

كما تمثل الثغرات الموجودة في التحقيق مع موسى وخطيب وفي محاكمتهما مثالا بارزا للعيوب التي تشوب النظام القضائي الأردني، خصوصا في اعتماده على "الاعترافات" بصفتها الأساس الوحيد لجمع الأدلة ضد المتهمين؛ ولذلك فإننا نأمل أن يقوم مسؤولوه ببحث السبل الجادة لإصلاح طريقة تعامل النظام القضائي مع الأدلة والتحقيق في الادعاءات المتعلقة بالتعرض للتعذيب.

وفي 27 أبريل/نيسان 2000، أصدر القضاء حكما بالإعدام على بلال موسى بتهمة قتل ناجح خياط عام 1995، إلى جانب آخرين، على الرغم من أن موسى ادعى أن اعترافه انتزع منه بالإكراه، وعلى الرغم من عدم وجود صلة ظاهرة تربطه بالمجني عليه. وفي أعقاب ذلك، وفي 26 سبتمبر/أيلول 2005، أعفت المحكمة نفسها زهير خطيب من العقاب، رغم إصراره على أنه هو الجاني الحقيقي. كما أن قضاة محكمة الجنايات في عمان الذين كانوا ينظرون قضية موسى أدانوا هذا الأخير بجرائم قتل عمد راح ضحيتها تسعة آخرون على مدى أربع سنوات، مستندة في ذلك إلى اعترافاته التي أنكرها، ولا شيء غيرها. وأعدم موسى شنقا في سجن سواقة، الواقع جنوبي عمان، وذلك في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2000. كما أدانت المحكمة زوجته سوزان إبراهيم بتهمة القتل العمد والتواطؤ في القتل العمد، لكنها ما لبثت أن خففت عقوبتها إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، دون أن تقوم بالتحقيق في ادعاءاتهما بالتعرض للتعذيب، ثم توفيت سوزان إبراهيم في السجن بعد عدة أشهر من إعدام زوجها.

وبعد خمسة أعوام من هذه القضية الشهيرة أدانت المحكمة نفسها زهير خطيب، ثم عادت لتعفيه من العقوبة بعد ذلك؛ ففي 15 مايو/أيار 2005، أصدر قاضيان، من نفس مجموعة القضاة بمحكمة الجرائم الخطيرة التي نظرت قضية موسى وحكمت بإعدامه، حكما بالإعدام على زهير خطيب في قضية مقتل خياط واثنين آخرين. وكان خطيب قد اعترف طواعية بقتل خياط عمدا بعد القبض عليه بسبب ما زعم من وجود علاقة تربطه بجريمتي قتل عمد أخريين، اعترف بارتكابهما أيضا. لكن المحكمة عندما رأت أن موسى قد أعدم عن جريمة قتل خياط، ألغت حكمها بإدانة خطيب في هذه الجريمة، وذهبت إلى القول بأن اعتراف موسى يتفق بدرجة أكبر مع حقائق جريمة القتل العمد، على الرغم من أن موسى في ذلك الوقت كان قد زعم أن الشرطة أملت عليه الاعتراف.

الاعتراف دليلا
لم يقدم الادعاء في قضية موسى أي دليل يربط بين موسى ومقتل خياط أو أي من جرائم القتل العمد الأخرى، عدا حالة واحدة لم ينكرها موسى مدعيا أنها كانت حالة دفاع عن النفس، كما نوضح أدناه. ولم تستند المحكمة إلا إلى اعتراف جاء نتيجة التعذيب، حسب شهادة أحد الشهود أمام المحكمة.

وكانت علاقة موسى وإبراهيم بالنظام القضائي قد بدأت بعد وقوع جريمة قتل زعما أنها كانت حالة دفاع عن النفس. فطبقا لما قاله محمد موسى، أخو بلال موسى، كان بلال قد تزوج سرا من سوزان إبراهيم عزازي ضد رغبة أسرته في عام 1998، وظل الزوجان يعيشان منفصلين إلا أنهما كانا يلتقيان بصفة منتظمة في شقة أحد الأصدقاء في الزرقاء، التي تقع على بعد 40 كيلو مترا شمالي عمان. وفي يوم 26 مايو/أيار 1998، عاد بلال موسى إلى الشقة التي كان قد ترك فيها زوجته سوزان إبراهيم مع صديقه مروة عبد الجليل ففوجئ به يعتدي جنسيا على زوجته، فاقتحم الشقة المغلقة وقتل صديقة في مشاجرة نشبت بينهما.

وبعد شهر سافر بلال موسى وسوزان إبراهيم من الأردن إلى بني غازي في ليبيا، وترك موسى خطابا لأسرته يبين فيه وجهته ويكشف عن زواجه السري، كما وجه خطابا إلى رئيس شرطة الزرقاء يعترف فيه بقتل عبد الجليل. وفي أكتوبر/تشرين الأول 1998، سلمت ليبيا موسى وإبراهيم إلى الأردن حيث تم احتجازهما في معتقل دائرة التحقيقات الجنائية في عمان دون إخطار أسرتيهما. وفي الثالث من يناير/كانون الثاني 1999 قالت الصحف إنهما اعترفا في أثناء التحقيقات بارتكاب ست جرائم قتل عمد بالإضافة إلى قتل عبد الجليل، وفي 28 فبراير/شباط 1999، أشارت عناوين إخبارية جديدة إلى أن الزوجين اعترفا بخمس جرائم قتل عمد أخرى.

وتشير الأدلة المتوافرة إلى أن مزاعم موسى وإبراهيم بأن اعترافاتهما انتزعت منهما عن طريق التعذيب جديرة بالتصديق؛ أولا لأن أحد شهود الدفاع، واسمه يوسف حمدان أبو عجلان، شهد أمام المحكمة بأنه سمع موسى يصرخ من الضرب الذي تعرض له في مقر دائرة التحقيقات الجنائية. وثانياً لأن سلطات السجن حرمت أسرتي موسى وإبراهيم من حق الزيارة طوال مدة التحقيق من أكتوبر/تشرين الأول 1998 إلى فبراير/شباط 1999، وفي حقيقة الأمر أن أحدا لم يعلم بحبسهما سوى السلطات، حتى الإعلان عن اعترافهما في الثالث من يناير/كانون الثاني 1999. وجدير بالذكر أن منظمة هيومن رايتس ووتش تعلم بوجود قضايا أخرى في الأردن تحظر فيها السلطات الزيارة منعا لخروج ادعاءات بالتعرض للتعذيب. ثالثا لأن موسى وإبراهيم بادرا بالتراجع عن اعترافاتهما، التي زعما الإدلاء بها قسرا، فور مثولهما أمام المحكمة في أول جلسة لهما في الثامن من مارس/آذار 1999، وطلبا توقيع الكشف الطبي عليهما، إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب. وتمسك موسى باعترافه بقتل أحد الضحايا دفاعا عن النفس، وهو مروة عبد الجليل الذي كان صديقه في يوم من الأيام.

القرائن
يعتبر الاعتراف بارتكاب هذه الجرائم المتعددة غير ذي جدوى، لأنه لا يثبت وجود علاقة بين المتهم والضحايا، ولا يقدم دافعا يعتد به لارتكاب الجرائم. وقد وقعت هذه الجرائم المزعومة بين عامي 1994 و1998 دون أن يكون هناك أي رابط واضح بين القضايا المختلفة (التي يتضمن ضحاياها أربعة رجال وسبع نساء وطفلا واحدا) عدا كونها قضايا معلقة ضد مجهول. وقد ادعت المحكمة أن موسى وإبراهيم سرقا الضحايا، لكن إحدى الضحايا كانت لا تزال مرتدية حليها عندما عثر على جثتها، وفي اثنتين من هذه الجرائم – وهي مقتل فاطمة جميل يوسف في 16 يناير/كانون الثاني 1994، وسعاد فريد يوسف في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 1994 – قدم الدفاع شهودا شهدوا بوجود موسى في مكان آخر وقت ارتكاب الجريمة، لكن الادعاء استند إلى الاعتراف وحده كدليل دون سواه.

وعلى النقيض من ذلك، اعترف زهير خطيب بمحض إرادته ومن تلقاء نفسه بقتل ناجح خياط عمدا في عام 1995، وهو أحد الرجال الذين اتهم موسى وإبراهيم بقتلهم عمدا. وقدم خطيب الدافع للجريمة، وهو أن خياط كان قد اتفق على توظيف خطيب مقابل تلبية شهواته الجنسية، وبعد أسبوع تقريبا من هذا الاتفاق لم يف خياط بما وعد به بشأن التوظيف كما قال خطيب، فاتجه إلى منزل خياط للانتقام منه، وقتله فور أن سمح له الأخير بالدخول. وظل خطيب متمسكا باعترافه طوال الإجراءات الأولية في محكمة الجنايات، على النقيض مما نصحه به محاميه عيسى عطية. وقال عطية لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه حاول استخراج شهادة تفيد بأن موكله مصاب باضطراب عقلي، لكن التشخيص أثبت سلامة قواة العقلية.

واستندت المحكمة إلى بضعة تناقضات غير ذات شأن في تبرئة خطيب في آخر الأمر في سبتمبر/أيلول 2005، ولم تكن هذه التفاصيل نفسها قد حالت دون صدور الإدانة التي حكمت بها المحكمة في بادئ الأمر في مايو/أيار 2005. فعلى سبيل المثال، أكد محامي خطيب على أن موكله قال إن المجني عليه كان يرتدي بيجاما، في حين أنه كان يرتدي حلة للخروج، وأن الشرطة وجدت مقعدا مكسورا إلى جانب المجني عليه، الذي يبدو أنه مات بسبب ضربه على رأسه، بينما ادعى خطيب أنه قتله بمطرقة.

إلا أن سجلات المحكمة تبين أن اعتراف موسى أيضا كان يتضمن بعض التناقضات، حيث قيل إنه اعترف بأنه أخذ صديقته آنذاك إلى منزل خياط كشريكة في جريمة السرقة، لكنه شرع – حسبما زعم – في القيام بأفعال جنسية مثلية مع خياط على مرأى من صديقته قبل أن يقتله ويسرق منزله. ويبدو أن التحقيق لم يرسل عينات للمعمل الجنائي ولم يطلب من السكان الآخرين في المنزل الشهادة بشأن رؤيتهم خطيب أو موسى وإبراهيم يوم الجريمة، أو ما إذا كانوا قد تعرفوا على أي منهما باعتبارهما من الزوار المترددين على منزل خياط بصفة معتادة.

جلسات المحكمة
أحيلت قضية خطيب إلى محكمة الاستئناف في مايو/أيار 2005، بعد أن اتضح أن موسى كان قد أعدم عقاباً على هذه الجريمة، فأعادت محكمة الاستئناف القضية إلى محكمة الجرائم الخطيرة لإعادة النظر فيها مرة أخرى.

ولم يسحب خطيب اعترافه إلا خلال إعادة النظر في الحكم الصادر في 26 سبتمبر/أيلول 2005 أمام محكمة الجنايات، زاعما أنه كان يعاني من مرض نفسي وأنه لم يعلم بأمر قضية خياط إلا من الإعلام. وأخبر أحد الصحفيين الذين حضروا الجلسة منظمة هيومن رايتس ووتش أن الجلسة لم تستغرق سوى عشر دقائق، وأن المحكمة لم تتجشم عناء البحث في مسألة التحول المفاجئ في موقف خطيب، وما كان منها إلا أن سارعت بإلغاء إدانتها السابقة لخطيب عن مقتل خياط، مشيرة إلى أن إفادته لم تتطابق في بعض تفاصيلها مع الحقائق التي تم اكتشافها في مسرح الجريمة.

توصيات
إن منظمة هيومن رايتس ووتش تحث سعادتكم على فتح تحقيق مستقل في الإجراءات القضائية التي أدت إلى إعدام بلال موسى وإدانة سوزان إبراهيم وإدانة زهير خطيب ثم تبرئته.

ونوصي بأن ينظر التحقيق فيما إذا كانت هناك أدلة كافية، إلى جانب الاعترافات، لاستبعاد التفسيرات البديلة لجريمة القتل العمد على أساس أن موسى أو خطيب أو كليهما لم يرتكبها كما زعم، والإجراءات التي اتخذها القضاة لمطالبة الادعاء بتقديم هذه الأدلة. كما نوصي بأن يبحث هذا التحقيق في الظروف التي حصل فيها ممثلو الادعاء على الاعترافات من المشتبه فيهم، بما في ذلك ما يتعلق منها بمكان المشتبه فيه والتمثيل القانوني المتاح له.

وينبغي على الأردن إلغاء عقوبة الإعدام؛ حيث تعارض منظمة هيومن رايتس ووتش فرض عقوبة الإعدام في أي ظرف من الظروف نظرا للقسوة التي تتسم بها، كما أن احتمال الخطأ الكامن في طبيعة القضاء الجنائي يؤكد على أنه حتى لو احترمت كل قواعد السلامة الإجرائية القانونية فمن الجائز إنزال عقوبة الإعدام بالأبرياء أحيانا. ولما كان الإعدام عقوبة لا رجعة فيها، فإن مثل هذه الأخطاء القضائية غير قابلة للتصحيح على الإطلاق؛ وإعدام موسى على جريمة ربما لم يرتكبها تعد مثالا مهما لذلك.

ولنا وطيد الأمل أن نتلقى من سعادتكم ردا بخصوص الخطوات التي يتخذها الأردن لإلغاء عقوبة الإعدام، والحيلولة دون وقوع مثل هذه الأخطاء القضائية في المستقبل.

مع خالص تحياتنا

سارة ليا ويتسون

نسخة إلى: سعادة الدكتور عابد الشخانبة، وزير العدل

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة