Skip to main content

نكتب إليكم هذا خطاب بشأن المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية (المحكمة الخاصة)؛ فعلى مر السنين، قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في العراق توثيقاً شاملاً، حيث أجرت العديد من المقابلات، وشاركت في عمليات نبش القبور لإجراء فحوص الطب الشرعي على الجثث، وأوفدت البعثات البحثية إلى العراق، ونشرت التقارير، وطالبت بإقامة العدل بشأن هذه الجرائم. كما قمنا بدور نشط بنوع خاص في توثيق الجرائم المرتكبة في إطار حملة "الأنفال"؛ ففي عام 1992، حصلنا على 18 طناً مترياً من الوثائق الرسمية العراقية، وعكفنا على تحليلها، وخلال عامي 1994 و1995 حثثنا دول العالم على رفع قضية ضد العراق بتهمة الإبادة الجماعية.

وتعتقد هيومن رايتس ووتش أن محاسبة مقترفي الانتهاكات الخطيرة في العراق ركن أساسي لإنصاف الضحايا، ومعاقبة الجناة، وإرساء احترام سيادة القانون في البلاد. غير أن محاكمة قيادات حزب البعث السابق على جرائم الماضي الخطيرة لا بد أن تجري بصورة عادلة وفعالة أمام محكمة مستقلة غير متحيزة؛ ونحن ندرك أن الحكومة العراقية المؤقتة ربما تنظر في تعديل القانون الذي تأسست بموجبه المحكمة الخاصة (القانون الأساسي)، ونحثكم على اغتنام هذه الفرصة السانحة لتعديل هذا القانون للاستفادة بالقدر الكافي من الخبرة الدولية في هذا الصدد، والالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. ونعتقد أن هذه التعديلات ذات أهمية حاسمة لإضفاء الشرعية والمصداقية على محاكمات قيادات حزب البعث السابق.

ويتضمن القانون الأساسي عدداً من الأحكام المتفقة مع المعايير الدولية، مثل بعض الضمانات التي تحمي حقوق المتهم، وتعريفات للجرائم تتمشى في الأغلب والأعم مع القانون الجنائي والإنساني الدولي؛ ولكن مما يبعث على بالغ قلقنا أن القانون الأساسي يغفل طائفة من الضمانات الدولية الأساسية للمحاكمة العدالة، ولا يستوجب تمتع القضاء والمدعين العامين بالخبرة الكافية، بما في ذلك تعيين بعض القضاة الدوليين للعمل قضاة ومدعين عامين. وتعتقد هيومن رايتس ووتش أن بعض المآخذ على القانون الأساسي خطيرة بدرجة ربما تجرد المحاكمات الجارية أمام المحكمة الخاصة من مصداقيتها وشرعيتها؛ ومن الأمور التي أثارت قلقنا أيضاً ما إذا كان قيام مجلس الحكم المؤقت بإنشاء المحكمة العراقية الخاصة بموجب تفويض من "سلطة الائتلاف المؤقتة" متفقاً مع القانون الدولي.

ونتناول بإسهاب فيما يلي المثالب الرئيسية في القانون الأساسي التي تعكس بصورة مركزة أخطر بواعث قلقنا التي لم تتم معالجتها في مسودة القواعدة المؤقتة للإجراءات وجمع الأدلة للمحكمة العراقية الخاصة، التي تلقتها هيومن رايتس ووتش من السيد سالم الجلبي بتاريخ 5 يونيو/حزيران 2004. ولقد قدمنا تعليقاتنا على هذه القواعد إلى السيد الجلبي في 2 يوليو/تموز 2004، ونرفقها طي هذا الخطاب. ويمكن تلخيص العيوب الرئيسية في القانون الأساسي على النحو التالي:

نقص النصوص التي تستوجب توفر الخبرة الكافية لدى الأشخاص العاملين قضاة ومدعين عامين.
استبعاد قضاة التحقيق والمدعين الدوليين من الخدمة في المحكمة العراقية الخاصة.
عدم النص على ضمانات كافية لحماية حقوق المتهم في المراحل الأولى من التحقيق والاستجواب.
غياب أي نص على ضرورة تمتع المتهم بالأهلية القانونية لمحاكمته.
غياب أي نص صريح يستوجب إثبات الجرم بما لا يدع مجالاً للشك المعقول قبل إصدار حكم بالإدانة.
عدم حظر المحاكمات الغيابية.
عدم حظر توقيع عقوبة الإعدام.
الاعتماد على القانون الجنائي العراقي حيث قد لا يكون متمشياً مع المعايير الدولية.
عدم النص بصورة كافية على تمتع القضاة والمدعين العامين بالحياد والاستقلال.
إدراج نص يقضي بضرورة أن يكون المدعى عليهم مواطنين عراقيين.
إدراج جرائم غير خطيرة ضمن اختصاص المحكمة.
الاستبعاد الشامل لأعضاء حزب البعث من العمل في المحكمة.

وقد عرضنا بصورة مفصلة ومستفيضة معظم بواعث قلقنا بشأن القانون الأساسي في مذكرة علنية أصدرتها هيومن رايتس ووتش إلى مجلس الحكم المؤقت بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2003، وأرفقناها أيضاً طي هذا الخطاب. وقدمت هيومن رايتس ووتش تعليقات على القانون الأساسي، وقواعد الإجراءات وجمع الأدلة، وغيرها من القضايا المتعلقة بإنشاء المحكمة الخاصة؛ وقد تواصل المنظمة تقديم هذه التعليقات؛ ولكنها لا تقصد من ذلك إبداء تأييدها للمحكمة الخاصة.
الخبرة والدراية الدولية الكافية
من المرجح أن تكون محاكمات جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية غاية في التعقيد؛ ومن بين أسباب ذلك الطابع المنهجي للكثير من هذه الجرائم، حيث تشمل العديد من الجناة، وأعداداً هائلة من المجني عليهم، وتنطوي على جرائم كثيرة مختلفة. وما من شك في أن قدرة قضاة التحقيق على إجراء تحقيقات تجمع الأدلة اللازمة لتحديد المسؤولية الجنائية سوف تكون عاملاً له أعمق الأثر في تحديد المسؤولين عن الجرائم، وتحريك الدعوى القضائية ضدهم، وإدانتهم بعد محاكمة عادلة، وفي الكشف عن الجرائم الفادحة التي اقترفوها. كما أن قدرة قضاة محكمة الجنايات على استجواب الشهود وإدارة قاعة المحكمة، وقدرة قضاة الهيئة التمييزية على تقييم الأدلة، وتطبيق القانون ذي الصلة بالقضية، سوف تكون أمراً بالغ الأهمية في التحقق من كفاءة الإجراءات وعدالتها. وقدرة المدعين العامين على وضع وتنفيذ استراتيجية مركزة لهيئة الادعاء سوف تكون عاملاً حاسماً لفعالية المحاكمات، إذ إن عدم وضع مثل هذه الاستراتيجيات يمكن أن يقف عائقاً دون مقاضاة المشتبه فيهم الرئيسيين، عندما تُستنفد الموارد الشحيحة في قضايا أقل أهمية.

ومن ثم، فمن الضرورة بمكان أن يتمتع قضاة الهيئة التمييزية وقضاة التحقيق والمدعين العام بالخبرة المناسبة لإجراء مثل هذه المحاكمات؛ وليس في القانون الأساسي ما ينص على ضرورة تمتع ولو بعض القضاة بالخبرات التالية:

يجب أن تكون لدى القضاة المعينين في كل محكمة جنايات وفي الهيئة التمييزية خبرة في الفصل في المحاكمات الجنائية المعقدة ونظر القضايا المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان، والقانون الجنائي.
يجب أن تكون لدى قضاة التحقيق خبرة في إجراء التحقيقات الجنائية المعقدة، والتحقيقات في القضايا المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان، والقانون الجنائي.
يجب أن يتمتع المدعون العامون بالخبرة في تحريك الدعوى القضائية في القضايا الجنائية المعقدة، والقضايا المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان، والقانون الجنائي.

كما يشترط القانون الأساسي أن يكون جميع قضاة التحقيق وأعضاء هيئة الادعاء العام بدون استثناء من المواطنين العراقيين، وفقاً لما جاء في المادة 28، وأن يكون القضاة المعينون في محاكم الجنايات والهيئة التمييزية مواطنين عراقيين ما لم يرّ مجلس الحكم أو الحكومة الوارثة ضرورةً لتعيين قضاة غير عراقيين وفقاً للمادتين 28 و4 (رابعاً). وقد جرت العادة في العراق أن تقتصر المحاكمات الجنائية على إجراءات ومرافعات قصيرة، تستغرق ما يترواح بين بضع ساعات وعدة أيام. وفضلاً عن ذلك، فإن عزلة القضاة والقانونيين العراقيين عن العالم الخارجي إبان حكم حزب البعث كان لها الأثر في تقييد سبل اطلاعهم على فقه القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الناشئ والممارسة الفعلية في هذا المجال. وفي الوقت ذاته، فقد اكتسب القضاة والمدعون الدوليون خبرة في العمل في قضايا تتعلق بجرائم خطيرة، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتقديم المسؤولين عن أفدح انتهاكات حقوق الإنسان للعدالة في يوغوسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون.

وتعتقد هيومن رايتس ووتش أن استبعاد القضاة والمدعين الدوليين يحرم المحكمة العراقية الخاصة من الخبرة الغزيرة التي اكتسبها المجتمع الدولي على مدى العقد المنصرم. كما تعتقد هيومن رايتس ووتش أنه ينبغي تعيين الخبراء الدوليين قضاة في محكمة الجنايات والهيئة التمييزية، وقضاة تحقيق، ومدعين عامين للعمل مع زملائهم العراقيين في المحكمة الخاصة؛ وترى المنظمة أنه ينبغي تعيين هؤلاء الخبراء الدوليين بالتعاون مع الأمم المتحدة التي يجب أن توصي بمجموعة من المرشحين الملائمين.

والسماح لغير العراقيين بالعمل قضاة ومدعين في المحكمة العراقية الخاصة لن يكون بمثابة تنازل عن ملكية هذه المحكمة للأجانب؛ بل إن هذه المشاركة من شأنها أن تكمل معارف وخبرات المهنيين العراقيين مما يضمن إحراز الأهداف المنشودة من عملية المحاسبة. كما أن تبادل الخبرات بين المهنيين العراقيين والدوليين سوف يعزز من قدرة نظام العدالة العراقي بوجه أعم؛ وفضلاً عن ذلك، فإن التشارك بين المجتمع الدولي والحكومة العراقية المؤقتة في إجراء هذه المحاكمات سوف يسهم في التحقق من عدم تسييس المحكمة الخاصة في العراق. ونلاحظ أن القانون الأساسي يقضي بتعيين أشخاص غير عراقيين للعمل في محاكم الجنايات والهيئة التمييزية "بوصفهم خبراء ومراقبين، على نحو ما تنص عليه المادة 6 (ثانياً)، و7(ثالث عشر)، لمساعدة المدعين العامين ومراقبة عملهم، كما تنص المادة 8(عاشراً). ويمكن لمستشارين والمراقبين القيام بدور هام في مساندة عمل المحكمة الخاصة، ولكنهم ليسوا بديلاً عن تعيين قضاة ومدعين عامين من ذوي الخبرة في هذا المجال للمشاركة في تحمل المسؤولية عن الفصل في القضايا والتحقيق فيها.
حقوق المتهم
من المرجح أن تكون المحاكمات المتعلقة بالجرائم الخطيرة مشحونة بالمشاعر العارمة، ومثيرة للانفعالات الجياشة؛ ومن ثم فلا بد من اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لضمان حقوق المتهمين بأسرع ما يمكن مما يكفل عدالة الإجراءات القضائية. غير أن القانون الأساسي لا يضمن الحقوق الشاملة الواجب مراعاتها في المحاكمات العادلة، على نحو ما سنوضحه فيما يلي، ويهدد ضمانات حماية حقوق المتهمين.
1. ضمانات الحماية أثناء التحقيق والاستجواب
لا ينص القانون الأساسي إلا على قدر محدود من ضمانات حماية حقوق المتهمين في المراحل المبكرة من التحقيق، ولا يكفل الحقوق التالية للمتهمين:

حق المشتبه فيه في أن يُبلغ قبل استجوابه بأن هناك من الأسباب ما يدفع للاعتقاد بأنه اقترف جريمة مما يقع ضمن اختصاص المحكمة العراقية الخاصة، في الحالات التي لم يصدر فيها أمر قضائي بالقبض عليه.
حق المتهم في التزام الصمت أثناء الاستجواب دون اعتبار هذا الصمت دليلاً على ثبوت الجرم.
حق المتهم في ألا يرغم على تجريم نفسه أو على الاعتراف بالجرم أثناء الاستجواب.

ولا يتضمن القانون الأساسي أي نص يحظر الإكراه، أو القسر، أو التهديد، أو التعذيب، أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ كما يخلو من الحظر المطلق لاستخدام أي أدلة تم الحصول عليها تحت وطأة مثل هذه الظروف.
2. الأهلية العقلية للخضوع للمحاكمة
يخلو القانون الأساسي من أي نص على ضرورة تمتع المتهم بالأهلية العقلية لمحاكمته؛ وتعتقد هيومن رايتس ووتش أنه إذا ما ثارت شكوك في الأهلية العقلية للمتهم، فلا بد من عرضه على خبير نفسي مستقل ومحايد كي يتولى تقييم حالته العقلية للتحقق من أهليته للخضوع للمحاكمة. وترى هيومن رايتس ووتش أنه لا يجوز تقديم المتهم للمحاكمة ما لم يكن متمتعاً بالأهلية العقلية لذلك، وإلا فإن ذلك سوف يقوض قدرة المتهم على ممارسة حقوقه التي تكفلها المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حقه في الدفاع عن نفسه من خلال محامٍ من اختياره، وفي استجواب الشهود.
3. الإثبات الذي لا يدع مجالاً للشك المعقول
يخلو القانون الأساسي من أي نص صريح على ضرورة إثبات الجرم بما لا يدع مجالاً للشك المعقول؛ فبالرغم من أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا ينص صراحة على ضرورة إثبات الجرم بما لا يدع مجالاً للشك المعقول، فإن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، قد نصت في تعليقها العام على المادة 14(7) من العهد الدولي المذكور على أنه "استناداً لافتراض البراءة، يقع عبء إثبات التهمة على عاتق الادعاء، ويفسَّر الشك لصالح المتهم؛ ولا يجوز افتراض ثبات التهمة إلا إذا ثبتت بما لا يدع مجالاً للشك المعقول". كما تنص المادة 66(3) من نظام روما الأساسي، الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، على وجوب اقتناع المحكمة "بأن المتهم مذنب دون شك معقول قبل إصدار حكمها بإدانته".
4. المحاكمات الغيابية
ليس واضحاً من نص القانون الأساسي ما إذا كان من الجائز إجراء المحاكمات غيابياً؛ ورغم أن القانون الدولي لا يتضمن حظراً مطلقاً على المحاكمات الغيابية، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش تعتقد أن مثل هذه المحاكمات تقوض قدرة المتهم على ممارسة حقوقه التي تكفلها المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حقه في حضور محاكمته، والدفاع عن نفسه من خلال محامٍ من اختياره، واستجواب الشهود؛ كما تحظر المادة 63 من نظام روما الأساسي صراحةً إجراء محاكمات غيابية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
5. عقوبة الإعدام
لا يتضمن القانون الأساسي أي نص يحظر عقوبة الإعدام؛ بل تنص المادة 24(أولاً) على أن العقوبات المطبقة على الجرائم المنصوص عليها "هي نفسها المقررة في القانون العراقي"، ويجيز هذا الأخير تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم معينة مثل القتل العمد والاغتصاب . ونحن ندرك احتمال وجود تأييد قوي لعقوبة الإعدام في العراق، بيد أن السماح بتطبيق عقوبة الإعدام سوف يقوض مصداقية المحكمة الخاصة. وتعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع الظروف والأحوال إيماناً منها بأنها عقوبة قاسية بطبيعتها؛ والقانون الدولي لحقوق الإنسان، على نحو ما جاء في المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يؤيد إلغاء عقوبة الإعدام. وثمة دول كثيرة تعارض عقوبة الإعدام، كما أن المحاكم الدولية أو المحاكم الدولية الوطنية المختلطة، مثل المحكمة الجنائية الدولية، والمحكمتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة ورواندا، لا تجيز توقيع عقوبة الإعدام على مجرمي الحرب، مما يقدم مؤشراً آخر واضحاً على رفض المجتمع الدولي لعقوبة الإعدام في جميع الحالات.
ونعتقد أن عقوبة الإعدام قاسية في جوهرها، ويجدر بالمحكمة الخاصة أن تبين اختلافها التام عن النظام السابق بأن ترفض تطبيق مثل هذه العقوبة الثأرية. فالمحاكمات أمام المحكمة الخاصة - تعريفاً - هي فرصة كبيرة أتيحت للقيادة العراقية الجديدة للبدء في العمل بشأن هذه القضية والانضمام إلى تيار الإلغاء الجارف في شتى أنحاء العالم.
كما نعتقد أنه من وجه النظر العملية فإن النص على عقوبة الإعدام سوف يعوق المساعدة التي تبدي بعض البلدان استعدادها لتقديمها إلى المحكمة، من حيث الأفراد والدعم المالي (وخصوصاً أعضاء الاتحاد الأوروبي، الذين يتخذون موقفاً موحداً في معارضة عقوبة الإعدام). ولقد سبق أن علمنا بعدة حالات رفضت فيها فرق من البلدان الأوروبية تسهيل نبش القبور الجماعية، مخافة أن يؤدي ذلك إلى فرض عقوبة الإعدام على مرتكبي تلك الجرائم، ونحن نعتقد أن ذلك لا يزال يمثل بالفعل أحد بواعث القلق الذي يساور تلك البلدان بشأن المحكمة.
6. الاعتماد على القانون الجنائي العراقي
تنص المادة 17 (أولاً) من القانون الأساسي على أن تطبق المحكمة العراقية الخاصة المبادئ العامة للقانون الجنائي، الواردة في قانون العقوبات البغدادي لسنة 1919، وقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، "في حالة وجود فراغ قانوني في نصوص هذا القانون [الأساسي] والقواعد الصادرة بموجبه". وتنص المادة 17 (ثانياً) من القانون الأساسي على أنه "للمحكمة وللهيئة التمييزية الاستعانة بأحكام المحاكم الجنائية الدولية عند تفسيرها لأحكام المواد(11) و(12) و(13) من هذا القانون". ولا يتضمن القانون الجنائي العراقي ضمانات كافية لحماية حقوق المتهمين؛ وفيما يلي طائفة من الأحكام التي تبعث على القلق في قانون أصول المحاكمات الجزائية لسنة 1971:

جواز الأخذ بالاعترافات المنتزعة بالإكراه البدني "إذا انتفت رابطة السببية بينها وبين الإقرار أو كان الإقرار قد أيد بأدلة أخرى تقتنع معها المحكمة بصحة مطابقته للواقع أو أدى إلى اكتشاف حقيقة ما" (المادة 218).
يجوز للحاكم أو المحقق منع المحامي من حضور إجراءات التحقيق مع المتهم إذا "اقتضى الأمر ذلك" (المادة 57(أ)).
يجوز أن تكون جلسات المحاكمة كلها أو بعضها سرية "لا يحضرها غير ذوي العلاقة بالدعوى" إذا قررت المحكمة ذلك "مراعاةً للأمن أو المحافظة على الآداب" (المادة 152).

ومن ثم فإن الاعتماد على القانون الجنائي العراق وقانون أصول المحاكمات الجزائية يجعل المادة 17 من القانون الأساسي غير كافية لضمان إجراء المحاكمات على نحو يتمشى مع المعايير الدولية؛ كما أن الاعتماد على هذا القانون يفتح الباب أمام سوء التطبيق وانتهاكات حقوق المتهمين. ويجب أن ينص القانون الأساسي على ضرورة البت في المبادئ العامة للقانون الجنائي، والمسؤولية الجنائية الفردية، ومسؤولية القيادة، والتعرض للعقاب، وفقاً للفقه القانوني، والنظم الأساسية، وقواعد الإجراءات والأدلة للمحاكم الجنائية الدولية والوطنية الدولية المختلطة.
تمتع المدعين والقضاة بالحياد والاستقلال والسمو الأخلاقي
يعد تمتع القضاة والمدعين بالحياد والاستقلال والنزاهة أمراً أساسياً للمحاكمات العادلة؛ ويستوجب استقلال القضاة والمدعين عملهم بمعزل عن الحكومة أو غيرها من السلطات، مثل سلطات قوة احتلال، أو الأفراد، أو الرأي العام، أو وسائل الإعلام، أو البلدان الأجنبية، أو المؤسسات الدولية. ويقتضي الحياد أن يطبق القضاة والمدعون القانون على الجميع سواء بسواء، دون تمييز مجحف لأي سبب كان، بما في ذلك الجنسية، أو الأصل العرقي، أو الدين، أو الآراء السياسية، أو غيرها من المعتقدات، وألا يشاركوا في أي دعوى لا يستطيعون فيها توخي الحياد. ولم تُدرج هذه المبادئ على نحو شامل في القانون الأساسي، وليس هناك نص يستوجب استبعاد المدعين من المشاركة في أي دعوى يثور فيها قدر معقول من الشك في حيادهم واستقلالهم استناداً لأي سبب من الأسباب. ولا ينص القانون الأساسي على وجوب تمتع المدعين بالسمو الأخلاقي؛ كما لا ينص على أن أي قرار قد يتخذه مجلس الحكم المؤقت أو الحكومة التي تخلفه بإنهاء خدمة رئيس المحكمة العراقية الخاصة، بموجب المادة 5(سادساً)(3)، لا يجوز اتخاذه إلا بناء على توصية من أغلبية القضاة الدائمين.
ولاية المحكمة
تنص المادة 1(ثانياً) على أن ولاية المحكمة تسري على الجرائم التي ارتكبها عراقيون أو مقيمون في العراق؛ ومن شأن هذا التقييد للولاية الشخصية للمحكمة على أساس الجنسية أن يؤدي إلى تقويض صورة المحكمة المحايدة. كما أن القانون الأساسي يمنح المحكمة الخاصة ولاية قضائية على جرائم أساسية لا تندرج ضمن الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي الجنائي والإنساني، ومن بينها ما يلي:

المادة 14(ثانياً) ("هدر الثروة الوطنية وتبديدها").
المادة 14(أولاً) ("التدخل في شؤون القضاء أو محاولة التأثير في أعماله فيما يعد انتهاكاً لنصوص الدستور العراقي لسنة 1970 المؤقت والقوانين الأخرى").

وقد يقول قائل إن إدراج جرائم أقل خطورة قد يتيح وسيلة إضافية لإدانة الأفراد بهذه الجرائم عندما لا تتوفر أدلة كافية لإدانتهم بجرائم أشد خطورة. غير أن أحكام الإدانة الصادرة عن جرائم لا تتمشى مع خطورة جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، من شأنها أن تقوض جهود المحكمة الخاصة للتصدي لأخطر الجرائم. كما أن مقاضاة مرتكبي هذه الجرائم قد تصرف الموارد عن قضايا الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
استبعاد أعضاء حزب البعث
تنص المادة 33 على أنه لا يحق لأي شخص ينتمي لحزب البعث أن يكون قاضياً اوقاضياً للتحقيق او مدعياً عاماً او موظفاً او أياً من العاملين في المحكمة. ومن شأن هذا الاستبعاد الشامل للأعضاء السابقين في حزب البعث من العمل في المحكمة الخاصة أن يقوض من شرعية ومصداقية المحكمة؛ ويجب أن ينص القانون على أن ترشيح أي عضو من حزب البعث لشغل منصب في المحكمة سوف يتم تقييمه في كل حالة على حدة، فيما يتعلق بأدائه السابق وأقدميته في عضوية حزب البعث.

****
إننا نحث الحكومة العراقية المؤقتة على أخذ بواعث القلق المشار إليها فيما تقدم بعين الاعتبار، وتعديل القانون الأساسي على ضوئها؛ ذلك أن تحقيق العدالة بشأن الجرائم الخطيرة السابقة هو أمر من الخطورة بمكان جد عظيم بحيث لا يجوز المخاطرة به؛ وأي ظن بأن المحاكمات الجارية أمام المحكمة الخاصة ليست عادلة أو فعالة، أو أن المحكمة الخاصة لا تمتع بالحيدة والاستقلال، من شأنه أن يضعف شرعية هذه المحاكمات ومصداقيتها؛ كما لا يجوز أن يكون عدم التطبيق الكافي للقانون الدولي سبباً في تقويض السعي لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الماضي الخطيرة. لا بد من إحقاق العدل، ولا بد أن يتيقن الجميع من إحقاق العدل، من أجل الضحايا وذويهم، ومن أجل مستقبل جديد في العراق يقوم على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
ريتشارد ديكر
مدير برنامج العدالة الدولية
منظمة هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة