قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن العشرات من المدنيين قد قُتلوا في مدينة كركوك شمالي العراق منذ 10 أبريل/نيسان الجاري، وإن أعمال السلب والنهب والطرد القسري لا تزال مستمرة في المدينة.
وقالت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم إن القوات الأمريكية وقوات التحالف قد تقاعست عن إعادة سلطة القانون والنظام إلى كركوك، وضمان أمن المدنيين، ومن ثم فإنها تخلُّ بأحكام اتفاقية جنيف التي تحدد التزامات القوة المحتلة.
وأضافت منظمة هيومن رايتس ووتش أن أعمال السلب والنهب وتدمير الممتلكات المنتشرة على نطاق واسع تؤثر على جميع الطوائف العرقية في المدينة، وأن الأوضاع خارج كركوك تبدو أشد خطورة وأقل استقراراً. وقد وثقت المنظمة حالات طرد العرب الذين يعيشون في القرى الواقعة جنوبي كركوك استناداً لما وصفه مسؤول بأنه قرارات من الاتحاد الوطني الكردستاني تتعلق بسياسة الحزب.
وقالت هانية المفتي، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فرع منظمة هيومن رايتس ووتش بلندن
"لقد أصبحت كركوك الآن أشبه ببرميل من البارود قابل للانفجار في أي وقت؛ يجب على القوات الأمريكية وقف العنف، كما يجب على زعماء الاتحاد الوطني الكردستاني اتخاذ خطوات فورية لوضع حد لطرد العرب العراقيين من ديارهم".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الولايات المتحدة والسلطات العراقية المؤقتة، بما في ذلك الممثلون الأكراد، أن تتخذ بأسرع ما يمكن خطوات لإرساء آلية لتسوية النزاعات حول ملكية العقارات وغيرها من الممتلكات. وقد قضى باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش أربعة أيام في كركوك في أعقاب انسحاب القوات العراقية من المدينة في 10 أبريل/نيسان، حيث وثقوا حالات القتل في صفوف المدنيين، وعمليات الطرد القسري، وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الطوائف العرقية.وأجرى الباحثون مقابلات مع عائلات عربية طُردت من ديارها قسراً، ومع شهود عيان على أعمال القتل الانتقامية، ومسؤولين أكراد وتركمان. كما فحص الباحثون سجلات المستشفيات والمشارح.
قتل المدنيين
قُتل ما لا يقل عن 40 مدنياً في المدينة منذ 10 أبريل/نيسان، ويبدو أن الكثيرين منهم قد لقوا مصرعهم من جراء اشتباكات بين مدنيين مسلحين ومسؤولين في حزب البعث. وطبقاً لما جاء في سجلات الطب الشرعي، فإن اثنين من القتلى على الأقل قد توفيا بسبب جرح منفرد في الرأس ناجم عن عيار ناري أطلق من مسافة قريبة؛ وبدت على عنق قتيل ثالث - كانت يداه مقيدتين - آثار إصابات توحي بأنه شُنق.
الطرد القسري
أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش في 13 أبريل/نيسان مقابلات مع مواطنين عرب من قبيلة الشمر، ممن فروا من أربع قرى جنوبي كركوك بعد فترة وجيزة من سيطرة القوات الكردية على المنطقة. وقال بعض القرويين إن مسؤولاً كردياً محلياً أعطاهم إنذاراً مكتوباً بإخلاء منازلهم في غضون ثلاثة أيام.
وبعد ذلك بفترة وجيزة، لجأ نحو 2000 من سكان قرى المنتصر وخالد والوحدة وعمر بن الخطاب إلى مخيمات ومنازل أبناء قبيلتهم في قرية سعد بن أبي وقاص وما يجاورها. وقال العديد من النازحين إنهم أُجبروا على الرحيل عن ديارهم تحت تهديد السلاح، في الوقت الذي جُرِّدوا فيه من ممتلكاتهم بما في ذلك السيارات والجرارات والسلع المنزلية. وقالت سيدة مسنة "لو لم نرحل عن ديارنا، لكانوا قد قتلونا".
وقد وجد باحثو هيومن رايتس ووتش قرية المنتصر مهجورةً، وكانت منازلها ومبانيها قد تعرضت لأعمال السلب والنهب؛ وكانت العديد من منازل القرية قد كتبت على أبوابها بالدهان أسماء الأكراد الذين سمحت لهم السلطات الكردية، فيما يبدو، باحتلال هذه المنازل في نهاية المطاف. وعندما استجوبت منظمة هيومن رايتس ووتش أحد مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني في بلدة دقوق المجاورة بشأن عمليات الطرد، قال إنها قد نُفِّذت استناداً لقرار اتخذه المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني تمشياً مع سياسة ينتهجها الحزب.
وتنص هذه السياسة، حسبما أفاد المسؤول، على أن جميع الأشخاص الذين قامت الحكومة العراقية في الماضي بتهجيرهم من منازلهم وإعادة توطينهم في مناطق أخرى من البلاد يجب إعادتهم إلى هذه المنازل؛ وأضاف مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني قائلاً إن القوات الأمريكية وقوات التحالف قد وافقت على هذه السياسة؛ ولم يرد على الفور أي تأكيد أو نفي من مصدر مستقل لهذه الموافقة.
وقد ذكر بعض كبار المسؤولين في الاتحاد الوطني الكردستاني بأربيل لباحثي هيومن رايتس ووتش أنهم أكدوا لممثلي قبيلة الشمر أنهم ليسوا بحاجة لإخلاء منازلهم، ولكن لا يبدو أن هذا قد نُفِّذ على أرض الواقع.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الولايات المتحدة، باعتبارها القوة المحتلة، تقع على عاتقها مسؤولية العمل على منع انتهاكات حقوق الإنسان؛ إذ ينص القانون الدولي على أن من واجب القوة المحتلة إعادة وضمان النظام العام في الأراضي الخاضعة لسلطتها؛ وتقضي اتفاقيات جنيف لعام 1949 (المادة 6 من اتفاقية جنيف الرابعة) بأن يصبح هذا الواجب قائماً بمجرد أن تمارس القوة المحتلة سيطرتها أو سلطتها على المدنيين في تلك الأراضي. ويجب على القادة العسكريين منع أي انتهاكات خطيرة قد يتعرض لها السكان المحليون الخاضعون لسيطرتهم أو سلطتهم، وإيقاف هذه الانتهاكات إذا ما اقتضت الضرورة ذلك. كما أن القوة المحتلة مسؤولة عن حماية السكان من أي عنف من جانب طرف ثالث، مثل الجماعات المسلحة التي أنشئت حديثاً أو قوات النظام السابق. وضمان الأمن المحلي يشمل حماية الأشخاص، بمن فيهم الأقليات والمسؤولون الحكوميون السابقون، من أعمال الثأر والاقتصاص.
خلفية
في إطار سياسة الحكومة العراقية الرامية للتوطين الدائم للقبائل البدوية العربية من وسط العراق وجنوبه، قامت الحكومة في عام 1973 بتوطين عائلات من قبائل الشمَّر في منطقة الإسكان، على بعد نحو 28 كيلومتراً جنوبي مدينة كركوك، ومنحتهم المنازل والأراضي الزراعية المسلوبة من مواطنين أكراد تم تهجيرهم منها قسراً. وقد استوطن عدد صغير من العائلات في هذه المنطقة في أعقاب حرب الخليج عام 1991؛ وكانت هذه العائلات تعيش من قبل في الكويت، ضمن طائفة "البدون" التي كانت الحكومة الكويتية تحرمها من اكتساب الجنسية الكويتية. وقد فر بعض هذه العائلات إلى العراق قبل اندلاع الحرب، ورفضت الحكومة الكويتية لاحقاً السماح لها بالعودة بعد انتهاء القتال.
وفي عام 1975، في أعقاب انهيار الثورة الكردية التي قادها الملا مصطفى البارزاني، شرعت الحكومة العراقية في برنامج "تعريب" واسع النطاق للمحافظات الكردية الشمالية، حيث طردت عشرات الآلاف من الأكراد والتركمان والآشوريين من ديارهم، مستبدلةً بهم عائلات عربية من جنوبي العراق. ومنذ عام 1991، طُرد ما لا يقل عن 120 ألف شخص من أبناء هذه الأقليات العرقية، كان معظمهم من الأكراد. للاطلاع على تقرير مفصل عن طرد الأقليات العرقية من منطقة كركوك، يُرجى الرجوع إلى الموقع التالي:
https://www.hrw.org/reports/2003/iraq0303/
للاطلاع على أحدث وثائق هيومن رايتس ووتش بشأن الحرب في العراق، انظر الموقع التالي: