Skip to main content

التخلي عن الأطفال الأرقاء لمصانع الحرير الهندية

التحريق والضرب والعمل 12 ساعة يومياً للأطفال المسترقين

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد لها صدر اليوم إن الحكومة الهندية تتقاعس عن حماية مئات الآلف من الأطفال الذين يكدحون في أوضاع تقترب من أوضاع العبيد في مصانع الحرير الهندية.

ويطالب التقرير الذي يقع في 85 صفحة، والصادر تحت عنوان "لاتغيير يذكر: عمل الأطفال الأرقاء في مصانع الحرير الهندية" - يطالب الحكومة الهندية بتنفيذ قوانينها الوطنية لتحرير وإعادة تأهيل هؤلاء "الأطفال المسترقين"؛ فهم مجبرون على خدمة من يعملون لديهم مقابل قروض مقدمة لأسرهم، ولا يستطيعون ترك العمل ما دام الدَّيْن قائماً، كما إن أجورهم من الضآلة بحيث لا تكاد تسمح لهم بالتحرر يوماً ما؛ ومعظم هؤلاء الأطفال من طائفة "الداليت" أو من يطلق عليهم "المبنوذون" الذين يشكلون طائفة القاع في نظام الطوائف الهندية.
وتقول زاما كورسن نيف، مستشارة قسم حقوق الأطفال بمنظمة هيومن رايتس ووتش
"إن الحكومة الهندية تزعم أن الهند خالية من الأطفال الأرقاء، ولكنهم في الواقع في كل مكان، ومن اليسير العثور عليهم".
وقد أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات مع الأطفال، وأصحاب العمل، والمسؤولين الحكوميين، وأعضاء المنظمات غير الحكومية في ثلاث ولايات تمثل قلب صناعات الحرير والساري الهندية، وهى كارناتاكا، وأوتار براديش، وتاميل نادو.

ويقول التقرير إن الأطفال المسترقين يعملون في كل مرحلة من مراحل صناعة الحرير، وهم صغار قد لا يتجاوزون الخامسة من عمرهم، وذلك لمدة 12 ساعة يومياً أو أكثر، ستة أيام ونصف أو سبعة أيام في الأسبوع. والأطفال الذين يصنعون الخيوط الحريرية يغمسون أيديهم في الماء المغلي الذي يصيبهم بحروق والتهابات؛ ويستنشقون الدخان والأبخرة المتصاعدة من الآلات؛ ويمسكون بأيديهم الديدان الميتة التي تنقل إليهم عدوى الأمراض؛ ويخلّصون الخيوط الملتوية التي تجرح أصابعهم؛ وحينما يساعدون النساجين، يضطرون للجلوس في أماكن ضيقة بجوار الأنوال في غرف رطبة مظلمة؛ وهم لا يذهبون إلى المدارس وكثيراً ما يضربهم أصحاب العمل؛ وعندما يصلون إلى مرحلة البلوغ يصبحون فقراء آميين بل وكثيراً ما يعانون من العجز بسبب العمل.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد بدأت تحقيقها في أوضاع العاملين من الأطفال المسترقين في الهند عام 1996، ومنذ ذلك الحين أصدرت المحكمة العليا حكماً قانونياً يقضى بوجوب إعادة تأهيل الأطفال العاملين، كما نجحت اللجنة القومية لحقوق الإنسان في الهند في الضغط على بعض الحكومات المحلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وقالت كورسن نيف
"إن الحكومة قد اتخذت عدداً من الخطوات في الاتجاه الصحيح منذ أول تحقيق أجريناه، ومشاركة اللجنة القومية لحقوق الإنسان في هذا المسعى تدعو للتفاؤل، ولكن العديد من أوجه التحسن المحدودة بدأت في الانحسار".
وينكر كبار المسؤولين الحكوميين الذين أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم أن الأطفال يُسترقّون أو يعملون في المصانع، بل زعموا أنهم قد حولوا تركيزهم إلى رفع الوعي العام بعمل الأطفال، بدلاً من تحرير الأطفال ومحاكمة أصحاب العمل.

وقالت كورسن نيف
"إن معظم الجهود الحكومية لم تتجاوز يوماً ما الصناعات البارزة مثل صناعة السجاجيد ولفائف التبغ، وإن الحكومة الهندية لم تف بوعودها بل بدأت في التراجع عما بدأته، زاعمة أن المشكلة في طريقها للحل. ولكن بحوثنا أثبتت أن هذا غير صحيح".
كما حثت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة على إدراك الصلة بين رتبة الطائفة وبين الاسترقاق، وعلى التصدي لمعالجة الأمر؛ وأشارت كورسن نيف إلى أن العوامل التي تتسبب في استمرار استرقاق كثير من أطفال أسر طائفة "داليت" لا تقتصر على الفقر بل تتضمن العنف والتمييز القائمين على أساس طائفي. وقالت كورسن نيف
"إن نظام الطوائف من الأسس التي يقوم عليها نظام العمل بالسخرة. فأبناء الطائفة الداليتية محرومون من الانتفاع بالأراضي، ويرغمون على العمل في ظروف مهينة، وينتظر منهم أن يؤدوا العمل دون مقابل؛ كما إن المجتمعات في الطوائف العليا ترتكب العنف وتفرض المقاطعة الاقتصادية على أبناء الداليت الذين يتمردون على أدوارهم الاجتماعية المتوقعة، مما يبقى على الأسر الداليتيتة في ربقة الرق وفي حال دائمة من الفقر".
ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش الجهات الدولية المانحة للمعونات إلى الضغط على الحكومة القومية وحكومات الولايات في الهند لتنفيذ القوانين الخاصة بعمل الأطفال والعمل بالسخرة؛ ويتزايد عطاء الجهات المانحة الدولية في تمويل بعض المدارس لمن كانوا يمارسون العمل من الأطفال.
وقالت كورسن نيف
"إن تمويل المدارس مهم، ولكن يجب على الجهات المانحة الدولية أن تفعل أكثر من ذلك، بأن تضغط على الحكومة الهندية لتنفيذ القوانين التي سنّتها بنفسها لتحرير الأطفال المسترقين، وإلا فلن تستطيع المدارس أن تستقبل الأطفال الذين لا يستطيعون ترك العمل طواعية، أي الذين يعملون بالسخرة".
كما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة القومية الهندية وحكومات الولايات فيها إلى توسيع نطاق تعاونها إلى مدى بعيد مع المنظمات غير الحكومية في التصدي لمشكلة عمل الأطفال المسترقين.
الولايات الرئيسية المنتجة للحرير
تعتبر ولاية كارناتاكا، في الجنوب، أولى الولايات الهندية المنتجة لخيوط الحرير، ولا يزال الإنتاج يعتمد فيها على الأطفال المسترقين، ومعظمهم دون الرابعة عشر من العمر، وهم من الداليت أو المسلمين. وأعلنت حكومة الولاية في عام 2001 خطة طموحة لاستئصال شأفة ظاهرة تسخير الأطفال في العمل، ولكنها لم تكن قد نفذتها عندما قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بالتحقيق في هذه القضية بعد عام كامل. وقال صبيّ مسترق في التاسعة من عمره، في كارناتاكا:
"كان المشرف يضربني أثناء العمل بحزام، إذ يقيدني ويضربني بالحزام على ظهري، وقد فعل هذا بي مرتين أو ثلاثاً... وربط رجلي بسلسلة مشدودة إلى الحائط؛ [وكان صاحب المصنع يضربني] إذا لم أقم بعملي على الوجه الصحيح".
وفي ولاية أوتار براديش الشمالية، كان معظم الاهتمام ينصب على عمل الأطفال في صناعة السجاجيد لا الحرير؛ وإذا كان القضاء على عمل الأطفال المسترقين في صناعة السجاجيد لم يتحقق بعد، فلقد أدت يقظة اللجنة القومية لحقوق الإنسان، مثلما أدى الضغط من جانب النشطاء المحليين والدوليين، إلى دفع الحكومة إلى تنفيذ القانون بصورة أفضل وإلى إقامة المدارس وتقديم غيرها من الخدمات الاجتماعية، ولكن نسج الحرير لم يلق نفس الاهتمام، حيث اتسع نطاق عمل الأطفال الذي كان مقصوراً على المصانع فامتد إلى منازل الأفراد. وقال غلام في الرابعة عشرة من عمره، كان يعمل مساعداً لأحد النساجين في فاراناسي بولاية أوتار براديش - قال لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه لم يكن يستطيع أن يترك صاحب النول الذي يعمل عليه بسبب الدَّيْن الذي يحمله، وهو الذي انخفض بعد عامين من 2500 روبية (52 دولاراً أمريكياً) إلى 475 روبية فقط (9,90 دولار أمريكي)؛ وأضاف قائلاً "إن المالك يدفع [مرتباً صغيراً] ولكنه يخصم جزءاً منه لسداد [السُّلفة] المقدمة، فهو يخصم لكنه لا يُسقط الدَّيْن المقدم كله... فنحن لا نكسب إلا ما نعيش عليه عيش الكفاف".

وأما في ولاية تاميل نادو في الجنوب، وهى التي نجحت في تحديد عدد من العمال المسترقين يفوق ما حددته أي ولاية أخرى، فقد تركزت معظم مبادرات الولاية على الأطفال العاملين في صناعة الثقاب والألعاب النارية. ولكن حكومة الولاية تجاهلت ببساطة إلزام المحكمة العليا لها بإعادة تأهيل الأطفال العاملين، فيما يتعلق بمن عثرت عليهم من الأطفال بعد عام 1997، وهو ما يمثل انتهاكاً واضحاً لأمر المحكمة. وفي منطقة كانشيبورام، التي تعتبر من المناطق الرئيسية في نسج الساري الحريري بولاية تاميل نادو، يتفشى استرقاق الأطفال علناً وصراحة. وقالت صبية في الثالثة عشرة من عمرها، ولا تزال تعمل في مصنع لنسيج الحرير في كانشيبورام، لمنظمة هيومن رايتس ووتش "إنهم [أي النساجين وأصحاب المصنع] يضربونني دائماً - وأنا لا أحب أن أعمل. إنهم ينهرونني ويصرخون في وجهي دائماً؛ ويضربونني على ظهري ورأسي؛ ودائماً ما يلكمونني بقبضات أيديهم على رأسي ويضربونني بأحد الأمشاط [والمشط قطعة خشبية من قطع النول]... ونحن لا نلعب على الإطلاق".
ويجري إنتاج الخيوط الحريرية والأقمشة الحريرية في ولايات هندية أخرى. وإلى جانب الهند، قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بالتحقيق في أعمال السخرة في باكستان واليابان، ودعت إلى محاكمة المخالفين للقانون، وإعادة تأهيل العمال المسترقّين في نيبال وسريلانكا.

شهادات الأطفال
قبل أن آتى إلى هنا كنت أذهب إلى مدرسة [حكومية]، ولكنني تركت المدرسة بعد عام واحد بسبب مشكلة هي مرض أختي. عندما مرضت أختي نقلناها إلى المستشفى، ولكن الطبيب قال إن علينا أن ندفع المزيد من النقود، وهكذا باعني والداي بمبلغ 1700 روبية [35 دولاراً أمريكياً]، وكنت في السابعة أو الثامنة من عمري.
كان عملي هو اللّف [فك خيوط الشرانق]؛ ولم أكن أحب العمل، ولكنّ والدىّ أرغماني، وقالا إنني لن أستطيع الذهاب للمدرسة بل عليّ أن أعمل.
كنت أقوم في الرابعة صباحاً وأبدأ لف خيوط الحرير... ولم أكن أذهب إلى المنزل إلا مرة واحدة في الأسبوع، وكنت أنام في المصنع مع طفلين أو ثلاثة أطفال آخرين. وكنا نقوم بإعداد طعامنا هنا وننام في المساحات التي بين الآلات. وكان صاحب المصنع يأتي لنا بالأرز ويخصم ثمنه من أجورنا - أي إنه كان يخصم الثمن. كنا نطبخ الأرز بأنفسنا ونعمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم، ونستريح ساعة واحدة. وإذا ارتكبت خطاً - أي إذا قطعت الخيط - كان يضربني. وكان [صاحب المصنع] يستخدم ألفاطاً سوقية أحياناً؛ ثم يكلفني بالمزيد من العمل.
- "ييراما، س." فتاة في الحادية عشرة من عمرها، اسُترقّت في نحو السابعة، في كارناتاكا، في 27 مارس/آذار 2002.

إذا لم نقم بالعمل المطلوب ضربونا؛ إنهم يشتموننا ويضربوننا.
- غلام في الرابعة عشرة من عمره، مسترق للعمل "مساعد نساج" ، فاراناسي، أوتار براديش، 13 مارس/آذار 2002.

لم أكن أحب العمل لأنه يصيب يدي بالتهابات؛ وفي يديّ ثقوب لأنني وضعتهما في الماء الساخن ثم تلوثت الجروح بالجراثيم؛ لم أكن أستطيع أن آكل بهما، وكان علي أن أستعمل ملعقة. - أنيشا ك.، فتاة في الحادية عشرة من عمرها، كانت مقدمة سيقانها وكاحلاها وقدماها مغطاة ندوب الحروق من الماء المغلي، كارناتاكا، 29 مارس/آذار 2002.
كانت الآلات سيئة - وقد تصيب أصابعك بجروح. وإذا جرحت أصبعك، فهم، بالرغم من هذا، لا يرسلونك إلى منزلك، بل يضعون البن المطحون على الجرح وتستمر في عملك. لم تكن هناك أية أدوية. - "ب.كاتارامان" - يظن أنه في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمره، وأطلعنا على التواءات أصابعه التي جرحتها الخيوط، كارناتاكا، 27 مارس/آذار 2002.
هذا هو ما أنعم الله عليّ به حتى أعمل بهذه الصورة. لا أستطيع أن أفعل شيئاً آخر ... إنه مكتوب على الجبين ولا أحد يستطيع تغييره. لقد وُلدت من سلالة هذه [الطائفة المنحطة] وأنتمى إليها ولا نعرف ما نفعله سوى ذلك. علينا أن نفعل ذلك ولا شيء سواه ... لا أريد أن أذهب إلى الأنوال، ولكن الطرق الأخرى مسدودة.
كان أول قرض لي يبلغ 6000 روبية [125 دولاراً أمريكياً] من صاحب المصنع الأول. ثم أخذنا قرضاً قدره 1000 روبية [21 دولاراً أمريكياً] من صاحب المصنع الثاني، الذي تولى تسديد قرض المالك الأول. فإذا استطعت تسديد القرض، فلن أكون مضطرة للذهاب للعمل. ولولا القرض لكان بمقدوري أن أتوقف عن العمل وأذهب إلى المدرسة العادية ... ولكننا الآن لا نستطيع تسديد القرض. ووالدي مريض فلا نستطيع التوقف عن العمل... أنا لا أحب الأنوال، ولكن والدىّ يطلبان مني أن أذهب، فأذهب. ولكنني لم أكن أتصور أن العمل سوف يكون مؤلماً إلى هذه الدرجة... ليس لدي أي وقت للعب.
- "فيمالي، ت." فتاة في الخامسة عشرة من عمرها ومن طائفة دنيا، بيعت إلى صاحب نول بمبلغ 8000 روبية (167 دولاراً أمريكياً) منذ أن كانت في التاسعة أو العاشرة من عمرها، كانشيبورام، تاميل نادو، 21 مارس/آذار 2002.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة